بسم الله تعالى وبحمده
دمشق في 26 صفر سنة 1396
الموافق 27 شباط سنة 1976
من الشيخ عبد الرحمن الخير في دمشق
إلى الدكتور شاكر مصطفى في الكويت
تحية إسلامية عربية تلقيت رسالتك إلي المؤرخة في17/1/1976 بعد قرابة شهر من تاريخه.
وها أنا أحاول جاداً، بإخلاص ومحبة، تلبية رغبتك فيها.
وأرجو أن تثمر محاولتي معرفة صادقة وشعوراً قلبياً ينتفع بهما من يطلع على هذه المحاولة المتواضعة والخالصة لوجه الله والدين والوطن والمواطنين.
وقد تعمدت جعل الإجابة في أقسام خمسة: أولها: ما تقرأه في هذه المقدمة من حديث الأخ إلى أخيه ورد التحية بمثلها أو بأحسن منها.
والثاني: ما تجده في الصحائف التالية بعنوان: الجواب على الأسئلة بإيجاز.
والثالث: ما يأتي بعده بعنوان: تفصيل واستطراد.
والرابع: وثائق مرفقة للإطلاع.
والخامس: ملحق بالمراجع.
وقد جاء القسم الثالث ــ كما سترى ــ تفصيلاً وعرضاً لاستطرادات مختلفة أوجزتها ما أمكن. ومع هذا فقد جاءت مسهبة في عرض أشباه للمعلومات التي تتساءل عنها في رسالتك إلي. وأراها جميعها لا تثبت أمام شمس الحقيقة، لأنها بمثابة ثلج تراكم بواسطة أنواء مختلفة، سرعان ما يذوب تحت أشعة النور الساطع. {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} لري بعض الأراضي العطشى، أو لنقل: لمد النفوس المتلهفة لكشف الركام من الأوهام، والمتطوعة لهذه الغاية النافعة.
وكل ما أردت، من فقرات العرض المتتابعة بإسهاب، هو أن أحقق الكثير من رغبتك في المعرفة، مع زيادة المقارنة بأمثال ما تسأل عنه وبأشباهه من تراث الإنسان المسلم العربي، الذي انصرف، في ظروف معينة قاسية وتحت ضغوط متنوعة جائرة، عن البلاغ النافع في الرسالة الخالدة: {كتاب ربه الكريم والحكمة النبوية الهادية}، انصرف عن ذلك البلاغ الأسمى إلى الغرق في استنتاجات وتفسيرات واقتباسات وأهواء ألهته عن عظمة الرسالة وعن الانتفاع بها، وجعلته يجتر ويجتر، ويحطب بليل، دون أن يهضم ما يقمشه. فذل بعد عزته، وأضاع نفسه ورسالته ومجده بين ركام من ظلمات الأهواء والخلاف والعداء.
إنني يا أخي أحترم "طالب العلم" وأشجعه، وأكبر فيه الصبر على المعاناة الصعبة في طلبه. ولكنني، قبل كل ذلك ومعه وبعده، أجل العلم عن أن يكون للعبث والضياع، أو لمجرد الشهرة وحب الظهور، أو للوصول بسببه إلى التزعم والتسلط، أو للغلبة في الجدال والمراء، أو للتفريق بين مجتمعين على الجهاد، أو لإحداث التخاذل بين متعاونين لنصرة حق وجلب نفع ودفع ضرر.
فالعلم النافع ــ باعتقادي ــ هو ما يصعد طموح الإنسان إلى مستوى الحياة الاجتماعية الحضارية الواعية ذاتها، ويجعله يتشبث دوماً بالعمل الدؤوب لتحقيق وجود أفضل لأمته خاصة وللإنسانية عامة في جميع مرافق ومراحل الحياة المتتابعة والمتجددة دائماً.
أشكرك يا أخي وأشكر الأستاذ عدنان عبد الله إذ اعتبرتماني خليقاً بالإجابة عن معميات هذا الموضوع الشائك، الكثير المزالق والقليل الجدوى، وخاصة في هذه المرحلة الخطيرة من حياتنا التي يكرسها المخلصون منا للتغلب على أسباب الضعف والتخاذل والتمزق السياسي .
وبالوقت ذاته لا أكتمك عتبي وتألمي عند قراءتي قولك عن غايتك من توجيه الأسئلة: ( علماً بأنني لا أطلبها إلا لغرض علمي بحت وإن شئت قلت إنه تاريخياً بحت لا علاقة له بالتقويم الديني ولا بالمعنى السياسي فلا هذا يهمني ولا ذاك).
الدكتور شاكر مصطفى المحاضر الجامعي في مادة التاريخ، وأحد واضعي دستور حركة التحرير العربية على عهد أديب الشيشكلي، يقرر أن أسئلته المتشعبة المتعددة عن عقيدة ( جماعة واسعة من أبناء قومه ) لا علاقة لها بالتقويم الديني ولا بالمعنى السياسي على الإطلاق وأن الأمرين معاً لا يهمانه!!!
فمتى كان الغرض العلمي أو التاريخي لا علاقة له بالمعنى السياسي ولا بالتقويم الديني؟!! وما غاية العلم بالعقائد وبالتاريخ إذاً وبم يتعلقان مجتمعين معاً أو منفردين؟!!
إنني أكبرك يا أخي عن أن تكون تعني ما تقوله في هذه العبارة، و أعذرك وأعتذر إليك و إلى نفسي لتصديق زعمك وتواضعك، ولاعتباري نفسي وكأنني بالفعل أتحدث إلى (طالب علم) لا إلى أستاذ جامعي .
ولكن ..ولكن ..من يدري ؟!! فلعلك حكمت مسبقا بأن جوابي عن أسئلتك هذه سيكون ضرورياً لمن تراود ذهنه مثل هذه الأسئلة ذاتها عن أي لون من ألوان التصوف (العربي ــ الإسلامي). أو على الأقل، لعل هذا ما بدا لي من غايتك في توجيه الأسئلة.
إنني يا أخي لا أعتمد المغالبات الكلامية ولا التفوق الجدلي، وإنما أسأل الله دوماً أن يحدث بالمعرفة الصادقة الحالة الأقوم في نفوس أبناء أمتنا خاصة وأبناء الإنسانية عامة، لدى كل عمل يقومون به تعليماً وتعلماً وتأليفاً وألفة.أسأله تعالى هذا تأسياً بقوله جل جلاله: {إن هذا القرءان يهدي للتي هي أقوم}.
وعلى جميع الأحوال فإنني أكن المحبة والتقدير لاجتهاد أهل العلم أساتذةً وطلاباً، ماداموا قد أفرغوا جهدهم المستطاع في التحري عن الحقيقة النافعة، وفي إعلانها لطلبة العلم الراغبين فيها ولجماهير المثقفين زيادةً في حصيلتهم من المعرفة وتنويراً لهم في نواح قد لا يكون بوسعهم الكشف عن مغاليقها.
القسم الثاني: الجواب على الأسئلة بإيجاز:
1- نعم إن (الجماعة العلوية اليوم) هي التي كانت تسمى ( النصيرية ) سابقاً.
وهي من صلب المسلمين (الشيعة) التي كان يطلق عليها لقب الرافضة أو الأرفاض الذين عناهم الشافعي في أقواله المشهورة ومنها:
( إن كان حب الوصي رفضاً فإنني أرفض العباد )
ومنها:
( إن كان رفضاً حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي )
ومنها:
( إذا نحن فضلنا علياً فإننا روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل )
( وفضل أبي بكر إذا ما ذكرته رميت بنصبٍ عند ذكراي للفضل )
( فلا زلت ذا رفض ونصب كلاهما أدين به حتى أوسد في الرمل )
أنظر مناقب الشافعي للرازي ص : (51-52)
وهذه التسميات أو الألقاب المتعددة لم يسموا هم أنفسهم جماعتهم بها، بل أطلقها عليهم غيرهم بدافع التناحر السياسي – المذهبي – القبلي، في الماضي البعيد والقريب، و بدافع الاعتماد على ذلك التناحر في الماضي الأقرب توصلاً للاستمرار في تجزئة البلاد وسكانها على عهد الأتراك العثمانيين والفرنسيين.وسيظل الاعتماد على هذه الألقاب قائماً لدى الحاقدين والاستغلاليين لمحاولة إبقاء التمزق بين صفوف الأمة واحتكار فئة من المواطنين حقوق فئات أخرى في الحياة الكريمة، أو في المشاركة في الحياة الحرة الكريمة، أقول: سيظل بعض الجهلة والحاقدين يعتمد التنابز بهذه الألقاب المفرقة إلى أن يعم الوعي الديني الاجتماعي جماهير أمتنا. وما ذلك على الله بعزيز، ولا على جهود المخلصين .
وتسمية فرنسا المنتدبة مذهباً ( سنياً ) لفئة من المسلمين ومذهباً ( علوياً ) لفئة أخرى من المسلمين لا يعني وجود مذهبين بهذين الاسمين إلا في أذان الجهال والاستغلاليين. وأعيذك أن تكون منهم وأنت من أنت علماً وإخلاصاً.
2- السبب في لقب ( النصيرية ) الذي عم الجبل سابقاً في كتب التاريخ والجغرافيا مختلف فيه كثيراً. فبعضهم يقول : إنه نسبة لاسم أحد القادة الفاتحين أو لجماعة من الفاتحين جاءت نصيرة لمن سبقها من العشائر العربية المسلمة التي تم فتح البلاد بجهادها.
وبعضهم يذكر أن نسبة ( للأنصار ) الذين آمنوا بالنبي (صلى الله عليه وسلم) فهاجر إليهم ونصروه .وكان منهم من فتحوا الجبال المحكي عنها. ولعل هذا هو الأرجح، استناداً إلى كثرة القبور القديمة للأولياء بينهم المعروفين باسم ( الأنصاري ).
وبعضهم يزعم أن السبب هو النسبة إلى محمد بن نصير المعروف بأبي شعيب الذي ذكرت كتب الفرق والرجال عنه أقوالاً وأحوالاً لا يستغرب افتراؤها في ذلك العصر، عصر التناحر والجرح والافتراء كما تثبت كتب الرجال والتاريخ وكتب الفرق، والأمثلة والشواهد التي ذكرتها لك منها.
وجميع هذه الأقوال لا تستند إلى وثائق علمية تاريخية يمكن الاعتماد عليها والجزم بصحتها.
أما سؤالك عن ( علاقة الجماعة العلوية ) بالسلسلة التي تذكرها، فإذا كان لها نصيب من الصحة، فلا تعدو أن تكون علاقة صوفية لا علاقة دينية عقائدية. ومن الواضح أن التصوف ليس عقيدة دينية متميزة عن الدين الإسلامي، وإنما هو مجرد نظرات شخصية من خلال الإسلام إلى الوجود، وعلاقة الإنسان الصوفي به عن طريق رياضات روحية أو بدنية أو كليهما معاً. وتلك النظرات تختلف بين طريقة صوفية وأخرى كما بين صوفي وآخر من أبناء الدين الواحد، والمذهب الواحد، والطريقة الصوفية الواحدة. ولهذا تشعبت الطريقة الصوفية الواحدة لدى المسلمين في كل بلد إلى فروع وشعب متعددة تبعاً لأفراد اختلفوا في نوع السلوك العملي أو الذكر القولي. وهذا واضح كل الوضوح في جميع الطرق الصوفية لدى المسلمين كافة.
ولم أعثر خلال تحرياتي على كتاب يعتبر مصدراً موثوقاً للتصوف لدى الجماعة الجعفرية المحكي عنها لأعتمده في عزوها إلى طريقة تصوف خاصة، ما عدا الديوان الشعري موضوع الدراسة التي نشرها الدكتور أسعد علي بعنوان ( معرفة الله والمكزون السنجاري ) وكان لي حظ المشاركة الجانبية بدراسته. وقد سبق لأكثر من واحد من علمائنا أن أبدي شكاً علمياً في بعض ما ورد فيه، وقرر أنه ليس من إنتاجه، بل هو منسوب إليه نسبة باطلة. كما إن فيه شطحات صوفية، وأقوالاً سياسية عدائية تركت جانباً، مثله في هذا مثل أكثر الدواوين الشعرية وكتب التصوف والجدال في ذلك العصر.
3- لا علاقة البتة للمسلمين العلويين بكتاب الهفت اللاشريف ولا برسالة فطرة المنصان المنشورة معه لأغراض سياسية لا علمية ولا أعرف جماعة لا أفراد منهم يؤمنون بهما أو يتبنونهما أو يثقون بما ورد فيهما من خلط وأباطيل لا في الماضي ولا في الحاضر والمسؤول عنهما هو من نشرهما والجو السياسي الدافع لنشرهما المرة بعد المرة مثل الحملة المسعورة ضد القوم المفترى عليهم قبل وبعد نشرهما وعلاقة كل من الناشرين بالمصادر الخارجية التي دفعتهما إلى ذلك معروفة ومشهورة وعدم نشرهما لأسوا منهما مما ينسب إلى جماعتهما الإسماعيلية برهان دامغ للغاية المشبوهة.
4- نعم يوجد أفراد قلائل من المسلمين العلويين يؤمنون بالباطن وبالتأويل كما يوجد أمثالهم من العلماء المسلمين السنيين من المتصوفين الذين يقولون بالباطن وبالتأويل وبالأسرار الدينية والأدلة المنقولة من مصادرها المثبتة والواردة في القسم الثالث من هذه الرسالة تؤكد هذا وكذلك التناسخ يؤمن به بعضهم وينكره البعض الآخر لعدم تثبتهم من الروايات القائلة به وهو ليس عقيدة دينية بل نظرة تعليلية لما يرونه من حوداث لاتنسجم مع العدل الذي هو الثاني من أصول الدين الخمسة عندهم.
5- المسلمون العلويون قديماً وحديثاً هم جميعاً على المذهب الجعفري المعروف. وهم مسلمون، مؤمنون، إماميون اثنعشريون وبهذا يختلفون عن الاسماعيليين ولا مذاهب كبرى ولا صغرى تميزهم عن المسلمين الشيعة الجعفرية والجهل الديني المنتشر بين جماهيرهم كما هو بين جماهير الشيعة والسنة من مختلف المذاهب وفي مختلف الأقطار الإسلامية ولا يجوز اعتباره عقيدة لهم ولا لغيرهم وقول بعضهم بالتصوف أو بالتناسخ لا يعده عقيدة لهم إلا ذو غرض يعتمده للتشهير والتشنيع المخالف للتعاليم الإسلامية التوحيدية ومن الظلم المخجل اعتباره عقيدة لقوم وعدم اعتباره عقيدة لآخرين مثلهم.
6و7- إن جميع ما ورد في هذين السؤالين وفروعهما المتعددة هو محض افتراء ومجرد كذب على عباد الله المؤمنين اختلقته العداوات الطائفية والتزمت المذهبي والدس والافتراء من قبل المبشرين: ( طلائع الاستعمار) لدول أوروبا وأمريكا واتخذوا منه ذريعة لتفريق العرب المسلمين توصلاً بذلك إلى السيطرة عليهم متفرقين شيعا ومتفككين طوائف وأحزاب وفئات تتناحر باسم الدين ويكفر بعضها بعضا.
وقد تفنن أولئك المبشرون ومن وراءهم ومن يتبعهم من الجهلة والحاقدين لتثبيت هذه التفرقة باسم الدين والعقيدة والمذهب تارة وباسم الحزبيات السياسية والقبلية والإقليمية أحيانا والأدلة والبراهين على هذا أكثر من أن تعد ولا يجهلها مطلع ولا يكابر بإنكارها ذو مسكة من عقل أو وجدان ( ديني – وطني).
8- لا يوجد في عداد المذاهب الإسلامية التي عرفناها مذهب اسمه المذهب الجنبلاني وإذا وجدت ــ بالافتراض ــ طريقة تصوف بهذه التسمية لدى بعض المتصوفة فلا يجوز لعاقل أن يدعوها مذهبا أو عقيدة دينية ولا علاقة لها بذلك.
ولم أعثر مطلقا على كتاب مخطوط أو مطبوع في هذه الطريقة لدراسته دراسة علمية موضوعية تمكن الدارس من البرهنة على مدى صحته وعلاقته بالمسلمين العلويين ومقارنته بالطرق الصوفية الأخرى لدى بقية المسلمين.
ولعل في ديواني الشاعرين: المكزون السنجاري والمنتجب العاني بعض الأفكار والآراء والأقوال التي يمكن أن تكون ذات صلة بــ الطريقة الصوفية الجنبلانية التي تسأل عنها هذا مع العلم اليقيني بأن السياسة والعداوات تركت آثارها في شعرهما كما في شعر غيرهما من معاصري تلك الحقبة وكما في المؤلفات الفقهية والتاريخية والصوفية التي كتبت في تلك الفترة المؤسفة من تاريخ العرب المسلمين.
وإنك لواجد في القسم الثالث من هذه الرسالة البراهين والأدلة على هذا الذي أقوله من المصادر التاريخية والفقهية الموثوقة.
وحول الحاشية التي ترجو فيها تسمية بعض المراجع الموثوقة أعلمك أننا نحن معشر الشيعة الجعفرية لا نعتبر كتاباً موثوقا مابين دفتيه ماعدا كتاب الله : (القرآن الكريم) الموجودة منه ملايين النسخ طبق الأصل بين أيدي المسلمين من جميع مذاهبهم وجماعاتهم دون أي فرق لا زيادة ولا نقصانا أما ما عداه من كتب الحديث والتاريخ والفرق فلا نقرر أن أي واحد منها يخلو من قول يمكن تطرق الشك به أو الجزم ببطلانه أو بتضعيف سنده أو متنه أو أنه مما لايعمل به وفي القسم الثالث الأتي بعنوان: ( تفصيل واستطراد) ما يدل على صدق اعتبارنا هذا.
القسم الثالث: تفصيل واستطراد:
1ـــ الرسالة الغريبة:
لا ياأخي لم أستغرب رسالتك الغريبة كما دعوتها أنت، وكما لم أستغرب الكثير من ميثلاتها، مما وجهه إلي في أحوالٍ مشابهة أو مغايرة إخوان كرام لم تربطني بهم صلات رحم ماسة، ولم تجمعني وإياهم قبل ذلك مجالس تعارف وأنس بل جمعتنا معا عن بعد أو قرب لقاءت الفكر وحب المعرفة الصحيحة النافعة، وطلبها حيثما وجدت والحكمة ضالة المؤمن...).
وهل هنا طالب معرفة يستغرب اسم الدكتور شاكر مصطفى الأديب المحاضر الجامعي، والسياسي العربي، والدمشقي القح، صاحب محاضرة: العرب في التاريخ التي استهلها بقوله: ( صدقوا خجلي فإنني أخجل لنفسي أن أناقش وأخجل لغيري أن يشك أو يجهل أو يدس، أو أن يستعمله ألأجنبي للشك والجهل والدس)
ويزيد في ختامها: ( بدل أن يؤمن معي ومعكم بأن أمتنا أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة).
2- معلومات مؤكدة ومساعي مسعدة.
استهللت رسالتك إليّ قبل توجيه الأسئلة بالتعريف عن نفسك في قولك: ( وقد سمحت لي صداقاتي أيام الفتوة معش باب المجموعتين أن أعرف مبكرا جدا أنهما مجموعتان من الشيعة الإمامية الجعفرية وقد تأكدت معلوماتي مع الأيام من خلال صداقاتي الوطيدة مع الأستاذ الأرسوزي والدكتور وهيب الغانم، وأستاذنا بدوي الجبل، ومجموعة أخرى من شباب جيلي قد تعرف منهم مثلا الأستاذ يوسف شقرا الذي كنت وسيط زواجه من فتاة دمشقية معمة مخولة وسعدت بنجاح مسعاي أجمل السعادة.).
باسم الإسلام والمسلمين أشكر لك ولأمثالك يا أخي ( هذه المعلومات المؤكدة مع الأيام والمساعي المسعدة أجمل السعادة ) فمن الطبيعي ومن المصلحة الجامعة المفيدة والمندوب إليها، أن يتعارف المسلمون، وأن يتزاوجوا بين ألأكفاء منهم، لقوله تعالى: ( إنما المؤمنون إخوة) ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن .. ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا) ولما ورد في الحديث الشريف إذا جاءكم من تثقون بدينه وخلقه فزوجوه. إنكم إلا تفعلوا ذلك تكن فتنة في الأرض وفساد كبيرة).
ألا ترى معي ياأخي أنك بتقرير عباراتك هذه الصريحة المؤكدة والمسعدة كنت بغنى تام عن كل ما عنيت نفسك وغيرك بالسؤال عنه في رسالتك هذه وخاصة مع الإطلاع والتدبر لهذه النصوص الإلهية والنبوية المحكمة.
3- حول تعليقك على نشرة سنة 1968:
وتقول متابعا: وكان تعليقي الذي يعرفه الكثيرون على النشرة التي حملت توقيعكم سنة 1968 – على ما أذكر – والمتعلقة بعقيدة العلويين الجعفرية، أنها دفع لأبواب مفتحة على مصاريعها ولا ضرورة لتأكيد المؤكد.).
وقبل متابعتي قراءة الرسالة حملة قولك هذا على مضمون ما قبله. بيد أني بعد إكمال قراءتها عدت إلى تفقد إنتاجي الفكري في تلك السنة فاستغربت جدا تعليقك وتمنيت لو ذكرت لي عنوان (النشرة ) المزعومة، أو لخصت لي مضمونها، وأوضحت رأيك فيها بأصرح من عبارتك الأنفة، وأنك سميت لي ببعض الكثيرين الذين يعرفون تعليقك ذلك لأستوضح منهم.
4- بعض جهودي قبل إقامتي في دمشق:
ياأخي لقد كتبت وحاضرت ونشرت في الصحف اليومية والمجلات الشهرية منذ سنة 1929م، قبل انتقالي إلى دمشق الحبيبة سنة 1957م، مقالات وبحوثا في التاريخ والأدب والتوجيه الاجتماعي ومكافحة الأمية. ولخصت وعلقت وطبعت كتاب المختصر الجامع في أصول الدين وفروعه سنة 1371هـ الموافقة سنة 1952م لمؤلفيه الفاضلين شقيقي الشيخ عبد اللطيف الخير من القرداحة والشيخ محمود الصالح من الزللو ــ بانياس ونشرت في نهاية الكتاب نص المرسوم التشريعي رقم /3/وتاريخ /15/ حزيران سنة 1952بتوقيع رئيس الدولة اللواء فوزي سلو وجميع وزرائه ، ونص قرار المفتي العام الشيخ محمد شكري الأسطواني رقم /8/وتاريخ /17/شوال سنة 1371هـ الموافق تموز سنة 1952. وهما يتضمنان الاعتراف بمذهبنا الإسلامي الجعفري، وتسمية أعضاء لجان من بعض علمائنا لفحص مرتدي الكسوة الدينية من رجالنا، ومنحهم الشهادة المخولة ذلك أسوة بإخواننا من المسلمين السنيين، وقامت اللجان بأعمالها وحصل مئات المشايخ على الإجازة المرغوب فيها، وأرجئ مئات آخرون للاستزادة من المعلومات الفقهية الضرورية.
كما أنني ساهمت آنذاك بالسعي الجاد الذي أثمر إيفاد بعثتين من شبابنا لدراسة الفقه الديني في جامعتي النجف والأزهر الشريفين، ومع الأسف الشديد المخجل، فإن الحكومات المتعاقبة في البلاد لم تقبل تعيين أي واحد منهم في الوظائف الدينية.
وما من تعليل لذلك البتة إلا التعصب وتعمد تلك الحكومات الحيلولة دون متابعة طلبة العلم من المسلمين العلويين الدراسات الفقهية في الجامعات الدينية لكي يظلوا بعيدين عن التأهيل للوظائف الدينية التي هي وقف على إخواننا من المسلمين السنيين حتى أمس القريب.
5- بعض جهودي خلال إقامتي بدمشق:
ثم بعد انتقالي سنة 1957 إلى العاصمة، قلب العروبة النابض، التي أغفلت ذكرها في محاضرتك: ( العرب في التاريخ) بين أقدم المدن الحضارية العربية، فقد نشرت بحوثا ومقالات أدبية وتاريخية ونقدية، وطبعت كتبا دينية وتراجم، وحدثت في الإذاعة قبل سنة 1968 أحاديث دينية ولكنني لم اكتب ولم أنشر أي كتاب أبو بحث ولا أية نشرة منذ صيف سنة 1967 حتى غاية سنة 1968 وذلك بسبب وعكة رمل حادة نقلت بتأثيرها إسعافا على مشفى المواساة بدمشق، وألزمني التردد بين المشفى والبيت والأطباء أثر تلك المدة.
6- افتراء نشرة سنة 1968:
بيد ِأن أحد الحاقدين، ممن يبيعون ضمائرهم وأقلامهم من الصهيونية ومن وارئها، تعمد افتراء نشرة سنة 1968بعنوان: وحيد العين وذيلها بالأجراف الأولى من اسمي وقد طبع منها مئات الأولوف من النسخ بأموال المتربصين شرا باستقرار الحكم في هذه البلاد الحبيبة وبتآخي وتعاون أبنائها البررة بها المتآزرين معا في جهادهم القومي، على اختلاف مللهم ونحلهم المزعومة.ووزعها المتحمسون من الحاقدين والموتورين على العالم بأسره كما أكد لي تجار ودارسون ومسافرون ــ في أوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقيا والبلاد العربية عامة وفي موسم الحج خاصة/
7- الغاية من افتراء النشرة:
وكان ملفقو تلك الفرية الضالة المضلة يقصدون بها أمرين اثنين :
أولهما: إحداث فتنة طائفية في البلاد تطيح باستقرارها وبالحكم الحزبي القائم فيها آنئذ. ( كما افتعلوا في لبنان الحبيب الفتنة الطائفي المؤسفة المدمرة سنة 1975والتي لا تزال تكتوي قلوب أهل الغيرة بنيرانها الملتهمة الأجساد والعمران.).
وثانيهما: إسكات صوت الإصلاح والتقريب المدوي على لساني وقلمي خلال خمسين عاما قضيتها في العمل الجاد، الصامت حينا والمعلن أحيانا، ملازما التوجيه الاجتماعي شفاها وكتابة، والتعليم في المدارس الحكومية والأهلية وفي البيوت المحافظة، ونشر المقالات والمحاضرات التاريخية والأدبية والاجتماعية بمختلف وسائل النشر، وإصدار الكتب الإسلامية المذهبية الموجزة، والدراسات التربوية، والتعاون مع الخلص من إخواني الواعين على بناء المدارس والمساجد والمستوصفات بين المسلمين الجعفريين المعروفين باسم العلويين من تبرعات جماهيرهم وبعض أغنيائهم وذلك لأن رجال الحكومات، التي كانت تحتكر الإسلام لمذاهبها، كانوا يمنعون بناء مسجد يصلى فيه على غير مذاهبهم؛ كما كانوا يمنعون الصلاة إذا لم تكن وفق مذاهبهم التي حددتها سياسة أحد الحاكمين بأربعة فقط، بعد سبعة قرون ونيف على وجود الإسلام، وخمسة قرون ونيف على وجود أئمة المذاهب الأربعة أنفسهم، وهم الذين لم يفرض أي واحد منهم مذهبه على جماهير المسلمين. تذكر قول أعظمهم: إذا صح الحديث فهو مذهبي وتذكر رفض مالك عرض السلطان عليه أن يحمل الناس على الأخذ بكتابه الموطأ دون غيره من كتب الحديث:
وأحمد الله تعالى على أن الوعي ( الوطني ــ الديني) لدى عقلاء المواطنين، من مختلف فئاتهم، قد فوت على الحاقدين والموتورين والكائدين غايتيهم معاً.
8- الرد على النشرة:
وبعد سنوات أعاد نشر تلك ( الأكذوبة الفاجرة) سياسي محترف ضمن كتاب أسماه ( مجتمع الكراهية) ولعلك قرأته وضمنه الكثير الكثير من اتهامات رجالات الحكومات والأحزاب بعضهم بعضا، في أكثر البلدان العربية، ما ذكر أنه استقاه من خطبهم وصحفهم وإذاعاتهم الرسمية، ولغاية لا تخفى على بصير دس بينها النشرة المفتراة ليثبتها بزعمه للتاريخ وكأنها وثيقة دامغة ضد القوم الذين عنتهم النشرة بافتراءاتها.
وفور إطلاعي على الكتاب في بيروت خلال شهر تموز سنة 1971م كتبت رداً بحجم النشرة ذاتها بعنوان: ( للحقيقة والتاريخ) أوضحت فيه الغاية الدنيئة من النشرة ومن تضمينها الكتاب المذكور، وطبعت من الرد أربعة آلاف نسخة وزعت معظمها بالبريد المسجل والعادي على أكثر السفارات العربية والصحف والمجلات ودور الإذاعة والنشر في لبنان والأردن خاصة وفي معظم الدول العربية عامة.
ولكن مع الأسف لم شر ــ فيما علمت ــ أية صحيفة أو مجلة ِإلى ردي ذاك، وطبيعي هذا لأنه لم يصحبه أي مبلغ من العملات لا الصعبة ولا العادية.
كما أن صاحب مجتمع الكراهية لم يكتب إليّ معلقا على الرد لا سلبا ولا إيجابا رغم ما زودته به من الكتب والوثائق، ليصحح معلوماته الخاطئة عن جماعة واسعة من أبناء قومه وذلك بواسطة وزارة الخارجية الأردنية لجهلي عنوان إقامته حينئذ بل اكتفى بأن شكاني إلى الأخ الصديق الحميم، أديبنا وشاعرنا الأكبر، الأستاذ بدوي الجبل المصطاف يومئذ في لبنان كما ذكر لي ولده الحبيب أحمد خلال لقاء عابر في بيروت عندما سلمته نسخا من الرد ليحملها إلى والده الكريم في مصيفه.
9- اعتذار عن عرض معلومات جانبية:
معذرة ياأخي ــ والكريم يعذر ــ لإزعاجك بهذه المعلومات الجانبية، التي دفعني إليها حبي إطلاعك على المراحل الملتوية التي سلكها الحاقدين الموتورون لدس تلك النشرة التي صفق لها الأغبياء ومرضى النفوس ولم يخجل بعضهم من مجابهتي بالمدح لأجلها واعتبارها جرأة نادرة قل من يجرؤ عليها مثلي فبرهنوا بذلك على بشاعة سخفهم، وكشفوا عن طوياتهم، وأعماهم الغرض وأصمهم عن جميع ما كتبت ونشرت وحدثت بالإذاعة حول الدعوة إلى الوحدة الإسلامية الوطنية قبل النشرة المفتراة وبعدها.
10- الوقوف عند عقائد فرق إسلامية:
ثم تتابع أيها الأخ فتعدد في رسالتك إلي عشرات الكتب، التي أضعت كثيرا من وقتك في قراءتها للإطلاع على الأفكار الباطنية من عقائد الفرق الإسلامية التي عرفها ذلك العصر: ( الدرزية، الاسماعيلية الصباحية، النصيرية ) وأغفلت أو تغافلت عن ذكر الفرق الصوفية الأخرى، وهي كثيرة كثيرة، ومتعددة الأسماء والفروع، ومنها: النقشبندية والشاذلية والرفاعية والخلوتية والقادرية وغيرها وغيرها مما تعرفه حق المعرفة، ثم تقول: ( ومن بينها كتاب تاريخ العلويين الذي علقتم بالتصويبات المحكمة وأهملتم عن عمد في اعتقادي نقضه الكامل من الناحية التاريخية لكثرة ما فيه من الفوضى.).
وكأنك ياأخي لم تلتفت إلى تعليقي على ذكره ( نسب العلويين ) في وجه / 34/ من زعمه أن العرب المستعربة هم الذين وجدوا بعد ظهور الإسلام. فقد علقت على هذا الزعم بما نصه: ( هذا يدل على أنه يكتب التاريخ وفق آرائه وأهوائه). وقل من المؤرخين من لم يرتكب هذا الخطأ. وأراني بذلك قد نقضت تاريخه نقضا شبه كامل. وأنت تعلم أني لو أردت أن أعلق عليه عبارة عبارة لاحتجت إلى تأليف كتاب آخر في التاريخ ونقده، لا كتابة مقدمة للكتاب ذاته في النقد العقائدي من ستين وجها فحسب.
11- حول كتاب الهفت وأمثاله:
وأما كتاب( الهفت ) اللاشريف وأمثاله من كتب ( التصوف) اللاإسلامي هذه الكتب التي طبل لها المستشرقون: ( طلائع الاستعمار )، ورقص لها جهلاء المسلمين المدعون العلم، والذين شغلهم الشاغل البحث عن قول لدى العلماء أو أنصاف العلماء من غير مذهبهم، ليجعلوا من حبة هذا القول قبة، ومن رشحه سيلا، ومن ضحضاحه لجة، يغرقون في خضم افتراضاتهم واتهاماتهم واستنتاجاتهم إيمان الملايين من إخوانهم المسلمين، غير عابئين بالأوامر والنواهي الإلهية في كتاب ربهم وحديث نبيهم ومن الاتهام والافتراء والاستنتاج والتناحر وجدت الفرق وكتب الفرق وقطعت الأرحام وطغت العداوات المذهبية على الإيمان بالتوحيد والوحدة لدى أمة لا إله إلا الله محمد رسول الله أمة القرآن المصرح: ( إنما المؤمنون إخوة) أمة النبي صلى الله عليه وسلم المتواتر قوله: يا معشر من أسلم بلسانه، ولم يخلص الإيمان إلى قلبه لا تذموا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم فإن من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته؛ ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته) ــ حديث متواتر المعنى عند البخاري ومسلم مختلف اللفظ، وفيه عندهما زيادة: ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله). واللفظ في الحديث هو في صحيح الكافي للكليني وجه 354من الجزء الثاني في الأصول ولفظة جوف من الحديث برواية ثانية في الوجه /355/منه.
أما كتاب الهفت اللاشريف كما دعوته منذ قرابة نصف قرن، عندما اطلعت على مخطوطته لأول مرة عند إخواننا من المسلمين ( الاسماعيليين الصباحيين ) في مصياف والقدموس مع مخطوطات أخرى عديدة مفتراة على شاكلته، منسوبة للنصيرية وللإسماعيلية، فقد قلت يومئذ لمن أطلعني عليها من الفريقين: إن كل باحث مخلص، صحيح القصد والفهم، يعلم يقينا أنها كتب موضوعة، ولا قيمة تاريخية أو دينية لها، لأنها محشوة بالدس الرخيص المفضوح على من تنسب إليهم .).
وكررت فيما بعد هذا القول للدكتورين مصطفى غالب والشيخ محمد علي الزعبي، في بيت الدكتور أسعد علي بيروت بعد حضورنا مناقشة رسالته للدكتوراه في الفلسفة حول: معرفة الله والمكزون السنجاري وأضفت لهما القول: ولم يمنعنا من التشنيع على الآخرين بنشر بعض تلك المخطوطات الشوهاء والتعليق عليها إلا إيماننا بمضمون الآية الكريمة: ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ) وإلا تعمدنا الحفاظ على الوحدة الوطنية الدينية بالترفع عن تبني الدس والافتراء وخوض المهاترات وبتناسي الخلافات والأحقاد وبعدم إعطائنا من هذه الحماقات سلاحا فتاكا إلى عدونا المستعمر يستعمله بأيدينا و ألسنتنا وأقلامنا إمعانا في تمزيق وحدتنا وإذلالنا واستغلالنا.).
وأنت يا رعاك الله ــ تعرف أن الهفت معناه السقوط، وفي الحديث : ( يتهافتون في النار) أي يتساقطون ومن معانيه الحمق الجيد، وكلام هفت إذا كثر بلا روية فيه، والهفات : الأحمق ــ راجع لسان العرب لابن منظور.
12- الرسائل الأخرى غير الهفت:
وعشرات الرسائل التي ذكرتها في رسالتك، وغيرها كثير كثير مما ينسب، ( زعما أو حقيقة إلى فرق متصوفة أخرى، علاوة على ما ينسب إلى من خصصتهم بالذكر في رسالتك؛ هي جميعها محشوة بأقوال من هفت الجهالات والافتراءات التي دسها جاهلون وحاقدون من أجانب وعرب، مسلمين وغير مسلمين، لغايات سياسية هدامة؛ كما دس علي بالأمس القريب نشرة سنة 1968: وحيد العين.
وكم أغرق في الدس أعداء العرب والإسلام، من أجانب باسم الاستشراق والتحقيق، ومن عرب مسلمين وغير مسلمين، بدافع الجهل أو الحقد أو كليهما معا، عن عمد وتخطيط مدروس، لتشويه وجه الدين والفكر والتاريخ ( الإسلامي ــ العربي) عند العرب المسلمين، خدمة للسياسات الرعناء الجائرة، وبدافع التزمت المذهبي لدى محتكري الدين من المتنطعين والوصوليين وعشاق المناصب والمال والشهرة الكاذبة وما أكثرهم.
والأقوال الحمقاء في كثير من الرسائل التي ذكرتها لها أشباه ونظائر صريحة أو مرموزة الكتب الصوفية وفي كتب الفرق والجرح والتعديل عند جميع المسلمين وعند غير المسلمين على السواء وقد تعمد إغفال نشرها والإشارة إليها معظم العقلاء في هذا العصر، خدمة للمصلحة العامة الجامعة، وتجنبا للخوض في حماقات الماضي التي سجلت بقصد تكريس الجهل والعداء الفكري.
وليس بمنسي ما حصل في القرون العديدة الماضية بين البابوية واللوثرية في أوروبا؛ ولا ما كان بين الرهبان من جدال بيزنطي يوم دك المسلمون أسوار القسطنطينية ؛ ولا ما حدث بين الشيعة والسنة وبين الشوافعة والأحناف والحنابلة والمالكيين من تكفير مذهبي وتناحر سياسي أدى إلى زوال دولهم العربية على أيدي الغزاة الطامعين من صليبيين قدامى ومغول وتتر وأتراك وصليبيين متأخرين وزعموا أنهم لنا حلفاء تذكر معاهدة سايكس بيكو وما قبلها وما بعدها من تقسيم فلسطين وذيول ذلك التقسيم حتى اليوم.
13- لفتة إلى الشطح الصوفي:
أ- ولا يفتك ــ وأنت البحاثة في تاريخ الفرق الصوفية ــ الإطلاع على ما في أقوال ابن عربي والنابلسي والكيلاني وابن الفارض وغيرهم ومن شحطات صريحة ومرموزة تقبل تأويل الموافق والمخالف مثل ما في قول ابن عربي في فصوص الحكم والفتوحات المكية كالقول: ( إن الله هو الذابح والمذبوح هو الناكح والمنكوح) وقول والنابلسي: ِ( هو الأكل والمأكول في البيات سينية من ديوانه طباعة بولاق سنة 1270هــ وجه /263من القسم الأول:
منها:
رأيناه محبوبا مليحا مهفهفا لأنواع خطاب الجمال عروس
وبعنا به وهو الدراهم وهو ما نبيع وما نشريه وهو فلوس
وماء شربناه ولحما وخبزة أكلناه واندارت بذاك ضروس
وعفناه دودا في شراب وما كل ونفليه قمل في الثياب وسوس
وذلك من حيث الصفات التي له فكل ظلالا لت به وعكوس
ومن حيث شأن الذات فهو منزه وفيه أمحاء للسوى وطموس
فخذ بكلامي وانتسب لطريقتي ولا تلك ممن طيشته دروس
ب- ومثل قوله في وجه /78ـــ 83/ من تائيته
أردت ظهوري لي وما كنت خافيا فطورت في الأطوار من كل صورة
وطورت أملاكي فلي كنت عابدا وطورت أفلاكي فدارت بقدرتي
وفي كل أطوار الشياطين بينكم ظهرت بوسواس لأصحاب شقوة
و أسجدت أملاكي بأمري لمظهري فكان سجودي لي وآدم قبلتي
وأظهرت من صلبي جميع مظاهري بصورة ذر للعهود الوثيقة
تذكر القول بنبوة المسيح عند النصارى : مولود غير مخلوق قبل كل الدهور في عقيدتهم الأمانة لكبرى.
وأشهدتهم عني أليس بربكم قالوا بلى طرا بنفس مطيعة
وأول أطواري الكوامن أنني لآدم شيئا كنت وهو عطيتي
وبعد أن يذكر تطويره جميع الأنبياء أو أكثرهم يتابع القول:
ومن بعد هذا جئت في طور كل ما مضى من رسول أو نبي لأمة
وأصبحت في شكل النبي محمد إلى الله أدعو الناس في أرض مكة
ومن بعد ذا مازلت أظهر دائما على أمد الأزمان في كل هيئة
وكل الذي أبديته لك ناظما فمن فوق أطوار العقول السليمة
مساكين أهل العقول السليمة، فهذه الأقوال فوق طورهم فكيف بأهل العقول العادية وكيف حال الأغبياء والله سبحانه يقول: ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وفي المأثور: خاطبوا الناس على قدر عقولهم.
ت- وفي وجه /56/ من القسم الثاني من الديوان البادي بحرف الكاف يقول:
كم غادة كاملة في حسنها لو يدرك البدر سناها لا ختبل
لبستها ثوب حرير ناعم بكرا وزررت عليها بالقبل
ولي فؤاد بالحسان مغرم يدكه محبوبه دك الجبل
يشير إلى الآية الكريمة: ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا)
واللات والعزى ظهوران له بما وراهما وما ورا هبل
فما مصير الإسلام والتوحيد مع هذا القول إذا لم يحمل على الرمز الصوفي.؟
ث- وفي وجه: / 58-59/ منا لقسم الثاني من الديوان يقول من قصيدة:
ويح إنسان يناجي، صورة ذات انفعال، يعبد الله الذي، في عقله ولا يبالي، وإذا قيل له: ربك باد في الجبال، وبأرض وسماء، ورياض وظلال،، وبناس وبجن، وبأملاك عجال، وبأطيار ونمل ، وبخيل وبغال،، قال مع إنكاره ما قلته يبغي جدالي، يتعالى الله عما قلته يابن الحلال ،، كل هذا هو خلق، قلته لي باحتفال،، جل ربي وتعالى، عنه مع كل مجال، ما درى المسكين ان الله يجلى بالمجالي. فالشاعر الصوفي هنا يعتقد ان الله، تعالى وتبارك ، يتجلى بالخيل والبغال وعلى كل فهذه مخلوقات حية وقبلها قال إنه يتجلى بالأصنام، فهل يقر علماء الشريعة الإسلامية هذه الأقوال الشطحية الصوفي؟ أم هل ينكرون على قائلها ويكفرونه لأجلها؟أو على الأقل ، هل يتساءلون: ماهي عقيدته؟
ج- وفي وجه:/130/ يقول:
إمامنا الأعظم في ظاهر وشيخنا الأكبر في الباطن
وفي وجه: /135/يقول:
ظاهر العلم في الصحابة باد وهو علم التكليف إنسا وجانا
والذي قد بدا بنا هو علم زاد عن كل باطن إبطانا
انظر هنا الباطن والظاهر عند الإمامين: الأعظم والأكبر.
وهو علم الإله يظهر فيمن قرأ الله ذاته قرآنا
وفي وجه /139/ ينقل الشيخ إبراهيم الدسوقي قوله:
ألا يا لقومي قد قرأتم مذاهبا ولم تدر يا قومي رموز مذاهبنا
مذاهبكم نرفو بها بعض ديننا ومذهبنا عمي عليكم وما قلنا
ألا ترى أن رموز مذاهب المتصوفة لا يدري بها غيرهم، وأنهم يرفون بمذاهب قومهم بعض دينهم أما مذهبهم فهو معمى على أقوامهم وكذلك أقوالهم معماة على غيرهم من أبناء المذاهب الأخرى
ح- وفي وجه: / 158/ من القسم الأول من ديوان النابلسي يقول عن الله تعالى:
هو المعروف والمجهول، والمخفي والبادي،، هو الشمس التي لاحت، وبدر الأفق في النادي
هو المغوي والغاوي، هوالمهدي والهادي،، هو المدعو بأنساب، وأنسال وأجداد
وأعمام وأخوال، وآباء وأولاد، ثياب كلها يبدو، بها من خلق أضداد.
فهل يصح أن تقول عن هذا العلامة الصوفي إنه يعبد الشمس والقمر؟ وأنه يعبد الشيطان ؟ وإنه يعبد إنسانا والدأ مولدا؟
تذكر سورة التوحيد: {لم يلد ولم يولد } وتذكر {ليس كمثله شيء}.
خ- وفي ديوان الشيخ محي الدين بن عربي وجه /93/ قوله:
لله سر لو بدا ما اهتدى به رجال الأعين العمش
والله ما أخفيته عنهم إلا لما فيه من الفحش
تأمل: السر، الخفي، الفحش؟
د- وفي وجه /152/ قوله:
عم بالغفران أصحاب الذنوب بعد أخذ وابتداء للعموم
غير أن الأمر قد قسمه بين سكنى في جنان وجحيم
وكلا الصنفين في رحمته في التذاذ دائم فيه مقيم
وهذا المعنى هو عين ما قاله الجيلي في كتابه: الإنسان الكامل: إن إبليس والشياطين والكفار منعمون في النار كما أن آدم والأنبياء والمؤمنين منعمون في الجنة.
ــ تراجع رسالة: زندقة الجيلي ــ لعبد الرحمن الوكيل طباعة مصر.
فهل يصح عندك القول بأن في هذين القولين إغراء وتشجيعا على فعل جميع الذنوب وارتكاب المعاصي مادام المصير في جهنم مساويا للمصير في الجنة، هناك نعيم وملذات للفريقين: أهل الجنة وأهل النار؟
ألا يبدو هذا من فوق أطوار العقول السليمة متعارضا مع قوله تعالى:
{أفمن كان مؤمنا كمنا كان فاسقا لا يستوون ــ أما الذين آمنوا فلهم جنات، وأما الذين فسقوا فمأواهم النارــ لا يستوي أصحاب الجنة وأصحاب النار أصحاب الجنة هم الفائزون ــ أنظر كيف فضلنا بعضهم على بعض}
ذ- وفي وجه /93/ قوله:
أسبح الله بأسمائه من كل مذموم ومحمود
وكلهم في حمده محسن وإن أتوا فيه بتحديد
وليس في الوسع سوى ما بدا فإنه جمع بتبديد
والله إني عابد للهوى ليس له فأين توحيدي
قارن مع هذا القول: ليس في الإمكان أبدع مما كان وإن صح هذا، استغفر الله فلم الرسالات والأنبياء؟ وحول: إني عابد للهوى تذكر قوله تعالى:
{أفرأيت من اتخذ إله هواه وأضله الله على علم}.
ر- وفي الوجه ذاته يقول:
يا من إذا أبصرته أبصرت نفسي وإذا
أبصرني أبصر أيضا نفسه معوذا
وهذا عين ما يقوله النابلسي في تائيته أنفة الذكر:
وما أنا إلا من أحب وإن من أحب أنا من غير شك وشبهة
ويعارضهما المكزون قائلا:
حاجج لمن قال: أنا أنت بالسب وبالضرب وبالصك
فإن أبى ذا منك قل ملت عن توحيدك المحض إلى الشرك
إذ رحت لما عفت ذا مثبتا لغيرك الفعل بلا شك
يراجع كتاب معرفة الله والمكزون السنجاري لأسعد علي ــ طبع بيروت وجه:
/180 – 181 / الجزء الثاني.
ز- وفي وجه /94/ يقول ابن عربي في ديوانه:
وعلة هذا الأمر أن ليس فاعل سواه وأن الحق بالحق يفعل
فما كان من حمد فحق محقق وما كان من ذم فحق معلل
وما ثم إلا الحق ما ثم غيره ولكنهم قالوا محق ومبطل
تذكر هنا قوله تعالى : {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل}.
س- وفي وجه / 76/ قوله من أبيات:
إن الإمام هو الذي شهدت له صم الجبال بكونه معبودا
وفي الوجه ذاته قوله:
مالي استناد ولا ركن ولا وزر إلا إلي وإني العين والخبر
لي التحكم في عيني يحققه علمي وكشفي فمني النفع والضرر
لولاي ماكان للأسماء من أثر أنا المسمى فلي الأسماء والأثر
أنظر إليه بنا تجده عين أنا فالناظر الحق والمنظور والنظر
فهل يصح لدى العقلاء ان يقارنوا هذا القول بالحديث المأثور من لعن الناظر على العورة والمنظور إلى عورته ؟ أم مقارنته بالآيات الكريمة: {رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت ــ إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين}
ش- اعتذار وتساؤل:
معذرة ياأخي عن استرسالي في عرض هذه الأقوال التي يغض بها معظم كتب المتصوفة وأشعارهم، وهم ممن يسمون أنفسهم: أهل السنة والجماعة وهي كما ترى فيها شطحات لا يقبلها كثيرون من ذوي العقول المنطقية؛ ولأصحابها فيها توجيهات وتأويلات وشروح، ويعتبرونها من خالص التوحيد المحض فهل يجمل بمنصف مثلك أن يقرر بينه وبين نفسه أو في حفل عام أو خاص أن هذه الشطحات هي عقيدتهم؟
14- استلفات كاشف ومقارنات:
* وألفتك ياأخي إلى مقال الأستاذ أحمد عبد المنعم البهي في العدد /89/ لشهر أبريل سنة 1966م من مجلة العربي حول من نقد أحاديث صحيحي البخاري ومسلم وفيه تجد ثبتا بعدد الأحاديث الضعيفة والرواة المطعون بهم، على جلالة هذين الكتابين عند من يعتمدهما وإليك شيئا من ذلك.
أبو الحسن علي الدارقطني في كتابه: ( الاستدراكات والتتبع ضعف مائتي حديث.
الحافظ ابن حجر العسقلاني في مقدمته بشرح أحاديث البخاري قال: إن الحفاظ انتقدوا البخاري في عشرة ومائة حديث، منها اثنان وثلاثون حديثاً وافقه مسلم على تخريجها وثمان وسبعون حديثا انفرد هو بتخريجها.
وهذا الرأي قال به بعض العلماء المحدثين مثل الشيخ محمد أبو زهرة وأحمد أمين.
الشيخ يوسف القناعي مفتي الكويت حدد الأحاديث المتكلم فيها عند مسلم بمائة، وعند البخاري بثمانية وسبعين؛ والرجال المطعون فيهم من رواة البخاري بثمانين، وبضعفيهم من رواة مسلم .) 1هـ.
فإذا كان ياأخي البحاثة هذا شأن الصحيحين الأولين في نظر من يعتمدهما، وهما المبالغ في تمحيصهما فماذا يكون شأن كتب تصوف يجهل مؤلفو أكثرها، ولم يتناولها الممحصون؟
· وألفتك إلى ما ورد في وجه /677- 678/ حول تفسير آيتي الطلاق /236 – 237) من سورة البقرة بقلم الإمام الشيخ محمد عبده في المجلد الرابع من المجموعة الكاملة تحقيق محمد عمارة ــ طباعة بيروت ــ مما لفظه:
من تدبر هذه الآيات، وفهم الأحكام، يتجلى له نسبة مسلمي هذا العصر إلى القرآن ومبلغ حظهم من الإسلام.
وأخص المصريين بالذكر، فإن الروابط الطبيعية في النكاح والصهر وسائر أنواع القرابة صارت في مصر أرث وأضعف منها في سائر البلاد، فمن نظر في أحوالهم، وتبين ما يجري بين الأزواج من المخاصمات والمنازعات والمضارات، وما يكيد بعضهم لبعض يخيل إليه أنهم ليسوا من أهل القرآن بل يجدهم كلهم لا شريعة لهم ولا دين بل آلهتهم أهواؤهم وشريعتهم شهواتهم.. إلى قوله وهناك ما هو أدهى من ذلك وأمر كالذين يتركون نساءهم بغير نفقات حتى قد يضطروهن إلى لبيع أعراضهن فأين الله وأين كتاب الله وشرعه من هؤلاء؟ وأين هم منه؟؟؟ إنهم ليسوا من كتاب الله في شيء، ولكن المسرفين أهواءهم يتبعون . 1هــ.
فهل يوجد عاقل من المسلمين يجرؤ أن يتندر على إخوانه من مسلمي مصر في حفل عام أو خاص بتعميم هذا القول، أو اقتباسه ليستند إليه في الحكم: بأنه ليس لديهم سوى أشباح من الإسلام اختلطت بأفكار أخرى غريبة ويصرح برأيه هذا في أحد المحافل وفي بلد لا يعرف الكثير عن المصريين ؟؟
اللهم أشد أننا نستنكر مثل هذا، ولو كنا قرأناه في قول الإمام محمد عبده فكيف بما قرأته أنت مما نقله الدويهي عن الصوري؟
· وألفتك إلى ما ورد في مجلة الإسلام القاهرية: الوجه /2/ من العدد / 3/للسنة /16/ والعام /1366/ هـ الموافق / 1946م/ بقلم الأستاذ عطا جابر حول بيان الحقيقة في حكم شرعي مما نصه:
وإننا اطلعنا على ما دس في كتب المالكية من إباحة لحوم الخيل والبغال والحمير والكلاب، ولولا ذكر تحريم الخنزير في الآية الكريمة لدس القول بإباحته ثم يقول: ( وقراء المجلة الذين يعرفون أن مالكا، الذي كتب بالشعر على جسده؛ مالك حجة الله في أرضه لا يقول ولا يفعل ما ينسبه إليه الدساسون؟؟! 1هــ
وفي وجه /15/ من العدد ذاته ورد من أقوال جبهة علماء الأزهر ما نصه:
ثم إن أهل الأزهر، أصحاب هذه الرسالة ، يرون بأعينهم ويسمعون بآذانهم ما وصل أليه حال الأمة من الانحراف الشديد عن تعاليم الإسلام الحكيمة وآدابه العالية، ويرون ما وصل إليه حال أزهرهم من التقصير في أداء رسالته في نواح كثيرة هم أعلم الناس بها1هـ
وفي وجه /18/ من العدد ذاته ورد، جوابا على سؤال من طنطا موجه إلى الأستاذ محمد أمين هلال حول ما يحصل ويقال في ذكرى مولد سيدي أحمد البدوي ما نصه: ( ج ــ من المؤلم، ونحن في عصر كثر فيه العلم والعلماء وانتشرت فيه المعارف، أن يظل أناس على هذه العقائد، التي هي بالوثنية أشبه؛ مع أن القرآن يتلى عليهم صباح مساء.1هـ
· أقوال مع التصوف:
وألفتك إلى ما ورد في خطاب ألقاه الأستاذ محمد محمود علوان شيخ مشائخ الطرق الصوفية في مصر المنشور نصه في افتتاحية مجلته: الإسلام والتصوف العدد/6/ السنة /2/ لعام 1379هـ الموافق 1959م وجه: 3 و 5 فقد استهل خطابه بقوله:
يمتاز شهر أكتوبر في الإقليم الجنوبي أي مصر خلال الوحدة من الجمهورية العربية المتحدة بأنه شهر الاحتفالات الصوفية الكبرى ثم يقول: وفي هذا الشهر تهرع عشرات الألوف على ساحة القطب المربي السيد أحمد البدوي يلتمسون عطر سيرته، وما تشرق به هذه السيرة من هدى ونور، وماتلهم من إيمان وتقوى ثم يقول وفي تكرار هذه الاحتفالات وتلك المواسم تزكية ضخمة للإيمان، وتثبيت كبير للإسلام وإعلاء مبين لشعائرنا التاريخية، وانتصار عظيم لروحنا بل واحتفاظ بهذه الروح في نطاق ديننا ودعوتنا. ثم يقول: إن هذه الموالد وتلك الساحات العامرة هي صمام الأمان وهي الراية التي يلوذ بها المؤمنون بربهم.
إن التصوف الإسلامي حصن ضخم، وصرح شامخ الذرى تلوذ به الجماهير الإسلامية، وتعتصم ضد كل ما يواثبها من تيارات وانحرافات مادية وإلحادية 1هـ.
· أقوال ضد التصوف:
أحيلك على كتاب كشف الغطاء لابن الأهدل اليمني، طباعة تونس نشره الدكتور أحمد بكير وأهداني منه نسخا وزعتها على علماء هنا في دمشق وفيه فتاوى علماء الشريعة من أهل المذاهب الأربعة والمذهب الزيدي بتكفير ابن عربي وابن الفارض وأمثالهما من الصوفية وأنت تعرف المكانة الدينية العليا التي يحتلها ابن عربي عند علماء دمشق.
وعلى الرسالتين المطبوعتين في مصر: زندقة الجيلي لعبد الرحمن الوكيل والتصوف والطرق الصوفية لمحمد عبد الله السمان وكلاهما من القاهرة واليك فقرة واحدة من هذه الأخيرة في وجهي : /6 – 7/:
يقول السمان: وهناك مراجع كثيرة لهذه الشطحات التي طعنت الشريعة الإسلامية في ظهرها وأهم هذه المراجع الرسالة القشيرية ولواقح الأنوار للشعراني، وحلية الأولياء لأبي نعيم، وتذكرة الأولياء لفريد الدين العطار، وديوان المستفى لجلال الدين الرومي، وقوت القلوب لأبي طالب المكي، وِإحياء علوم الدين للغزالي، والتعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي، واللمع في التصوف للسراج الطوسي، والفتوحات المكية لابن عربي، ومؤلفات السهر وردي والحلاج وشعر ابن الفارض.) 1هـ.
أما هذه هي، يا أخي، أمهات كتب التصوف عند المسلمين ؟؟ فإذا قابلت ما في خطاب الأستاذ علوان بما في هذه الرسائل الثلاث، وخاصة ما نقلته إليك من قول السمان وماقبله من قوله هلال عن التصوف الإسلامية، يتضح لك البون الشاسع بين رأيي المادح والقادح، و يتضح التناقض بين أقوال علماء معاصرين.
فهل ترى من مصلحة العلم للعلم البحت أن نزيد في صفوف المادحين أو القادحين فرسان كلام يشغلون النشء المتعلم الطالع بجدال بيزنطي جديد يلهونه به عن الأعداء والاستعداد للدفاع المقدس عن وطننا، ويشغلون به الحكومات العربية وجامعاتها عن الوضع الخطير الذي تمر به الأمة الإسلامية العربية؛ فينفسح المجال لأجراء الصهوينة ليصبوا وقود خبثها على النار لإذكائها فيصرفوا رجال الفكر والحكام منا عن التعاون، كما حصل في الماضي أيام ترف الحكام العرب وغباء أعوانهم من أهل الفكر كما ستقرأ في الفقرات التالية:وكما حصل ويحصل الآن في لبنان الشقيق؟
15- من تخاصم فقهاء المذاهب الأربعة:
وألفتك إلى ماذكره أسد حيدر في كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة طباعة النجف سنة 1375هـ جزء /1/ وجه: /177-190/ وإليك منه الأمثلة الآتية:
1 في وجه /178/ ما نصه:
ونضع صوراً بين يدي القارئ الكريم من صور التطاحن والتشاجر بين المذاهب مما يدل على كذب دعوى صاحب كتاب التبصير ليت شعري أخفيت عليه تلك الحوادث التي وقعت بين الحنفية والحنابلة وبين الحنابلة والشوافع يوم قام خطباء الحنفية يلعنون الحنابلة والشوافع على المنابر، والحنابل يحرقون مسجدا للشافعية بمرو، وتقع هناك فتنة هائلة ذهب تحت هياجها خلق كثير.
ويعظم الأمر والخلاف بين الحنفية والشافعية في نيسابور وتقع فتنة مبعثها التعصب المذهبي فتحرق الأسواق والمدارس، ويكثر القتل في الشافعية وينتصرون بعد ذلك على الحنفية ويسرفون في أخذ الثأر منهم وذلك في سنة / 554/هـ ومثلها تقع بين الشافعية والحنابلة وتضطر السلطة إلى التدخل في حسم النزاع بالقوة وذلك في سنة 716هـ وكثرة القتل وحرق المساكن والأسواق في أصبهان منشؤه التعصب 1هـ ذكر أنه نقله عن البداية والنهاية جـ /14/ ص /76/ وعن مرآة الجنان جـ /3/ ص /246/.
2ــ وفي وجه /179/ يقول:
وكان رئيس الحنابلة وزعيمهم الديني الشيخ البربهاري يتولى إثارة الفتنة، وذلك في سنة /323/هـ ولما تولى القشيري الوعظ بالمدرسة النظامية عظم ذلك على الحنابلة فحطوا منه، وكان ينال منهم، فوقعت بينهم فتنة ذهبت بكثير من النفوس. 1هـ
ذكر أنه نقله عن مرآة الجنان جـ /3/ ص /97/
واشتد تعصب محب الدين بن محمد الهندي الحنفي المتوفي سنة /789/هـ على الشافعية، وكان يظهر التدين و النسك، ويرى تعصبه عليهم تدينا، والدين برئ من ذلك 1هـ.
ذكر أنه نقله عن شذرات الذهب جـ /6/ ص /210/.
وتجتمع بقية المذاهب على الحنابلة غضبا على أعمال ابن تيمية ونودي في دمشق وغيرها: من كان على دين ابن تيمية حل ماله ودمه: ذكر أنه نقله عن مرآة الجنان جـ /4/ ص /240/ بمعنى أنهم كفار يعاملون معاملة الكافرين.
على أن الشيخ أبا حاتم الحنبلي يقول: من لم يكن حنبليا فليس بمسلم ذكر أنه نقله عن تذكرة الحفاظ جـ /3/ ص /375/ فهو يكفر جميع المسلمين، وعكسه الشيخ أبو بكر المقري الواعظ في جوامع بغداد ذهب إلى تكفير الحنابلة أجمع.
ذكر أنه نقله عن شذرات الذهب جــ /3/ ص /253/.
3- وفي وجه /180/ يقول:
واجتمع مشايخ المذاهب في هراة عند الملك إلب أرسلان يستغيثون به من الشيخ محمد بن عبد الله الأنصاري، بعد أن جعلوا صنما تحت سجادته ويقولون للملك: أنه مجسم، وأنه يترك في محرابه صنما يزعم أن الله على صورته فتفحص الملك ووجد الأمر كذلك ذكر أنه نقله عن تذكرة الحفاظ جـ /3/ص /358/.
وإذا أردت الاستزادة من معرفة ماجره التزمت المذهبي فتابع ما ورد فيه بأجزائه مما نقله عن أمهات الكتب التاريخية والعقائدية تجد العجب العجاب.
16- من الخصام السياسي القديم:
ولا أخال باحثاً مؤرخا ينسى، وإن تناسى الكثيرون ، ما فعلته السياسات الجائرة من فرضها مسبة أبي تراب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ ع ـ على منابر المسلمين وهو من هو في السبق إلى الإسلام وفي صحبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها حتى انتقاله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ، وفي الجهاد لنشر دين الله ونصرة نبيه بسيفه وسلوكه وكلامه الذي قيل فيه إنه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين.
واستمر حكام الجور والهوى المردي على فرض تلك البدعة الفاجرة حتى عهد عمر بن عبد العزيز ولما كتب إلى ولا ة الأمصار بإبطال تلك البدعة الضالة المضلة، صرخ المصلون يوم جمعة في مسجد البصرة الجامع: السنة السنة أيها الأمير وعندما أخبرهم بان خليفتهم العادل أمر بإبطالها قالوا ومن أي للخليفة أن يبطل السنة.
ومن بدع تلك السياسية الغاشمة الرعناء أنها، في سبيل الوصول إلى الحكم والتفرد بالتسلط عن أي طريق كان، لم تتورع عن مهادنةالروم أعداء الإسلام والعرب ، للتفرغ للحرب الداخلية فقد هادن معاوية أمير المسلمين في الشام هرقلا ملك الروم لقاء مبالغ دفعها الوالي المسلم من أموال المسلمين ليتفرغ إلى حرب إمام المسلمين وأميرهم علي بن أبي طالب ـ ع ـ الذي أجمع على بيعته المهاجرون والأنصار كما بايعوا قبله الخلفاء الثلاثة.
وسار بعد ذلك عبد الملك بن مروان على الخطة ذاتها ليتفرغ إلى حرب أخيه المسلم عبد الله بن الزبير، الذي كان أعلن نفسه خليفة في الحجاز وما يتبعها آنئذ من بلاد المسلمين نقل الحادثتين الدكتور طه حسين في كتابه الأدب الجاهلي عن تاريخي الطبري والبلازري يراجع تذييل وجه /38 – 39/ من الكتاب المذكور
وكان عملهما ذلك أول خيانة عظمى بموجب الأعراف الدولية في العالم اليوم ثم اقتفى أثرهما الملك العباسي هارون فاتفق مع شارلمان الإمبراطور الفرنجي الذي كان العدو الألد للحكومة العربية في الأندلس.
ولمعرفة الطعن في نسب معاوية يراجع الزمخشري في ربيع الأبرار وابن السائب في المثالب وأبو الفرج في الأغاني وابن السمان في مثالب بني أمية وجعفر بن محمد الهمداني في بهجة المستفيد ثم ليكن المطلع على ذلك عند اختياره في نسبة معاوية إلى أي آبائه الأربعة المذكورين هناك بأسمائهم.
لا أذكر لك هذا يا أخي هنا للتشهير حاشا بل لأبرهن لك فتتيقن إلى أي حد وصل الحقد والاتهام باطلا أو حقا بين العرب المسلمين فهل ينبغي لعاقل أن يثق بكل ما تضمنته كتب فرق والتاريخ من مثالب واتهامات عدائية في حقلي السياسية والعقائد وعلى الأخص إذا صدر ذلك من أعداء الإسلام والمسلمين؟ تدبر وقارن واحكم بما تسأل عنه أمام الله والضمير والناس.
17- صورة من الخصام السياسي الحديث:
وليس ببعيد فينسى ماحصل بالأمس القريب من تشدد الحركة الوهابية، وإطلاقها تهمة الكفر والخروج على جميع من عداها من المسلمين استنادا إلى الزعم بأنهم مشركون عباد القبور؛ وإجماع علماء المسلمين وحكامهم في تلك الحقبة على تكفير الوهابين باعتبارهم خوارج.
ولا يجهل باحث مطلع على تاريخ ذلك العهد ماحصل آنئذ من حروب باسم الدين بين المسلمين، ومن تأليف كتب تاريخية و صدور فتاوى دينية وسفك دماء، ونهب أموال وهدم عمران في ذلك السبيل.
وأخص بتذكيرك الآن، من تلك الحقبة السوداء في تاريخنا، ماحصل تحت قيادة إبراهيم باشا المصري والدولة العثمانية من جانب، وبين جماعة الوهابين من جانب آخر.
وهاهي الدولة السعودية الوهابية الآن تمد مصرا خاصة والدولة العربية الإسلامية عامة، بالمعونات المادية والمعنوية، وتسهل للمسلمين من مختلف الأقطار والمذاهب الإسلامية سبل الحج والزيارة.
فهل من دواعي العلم، للعلم البحت أو للتاريخ البحت أن يتعمد باحث مسلم عربي، صحيح القصد والغاية، في حفل عام أو خاص، نبش ما كان بين الإخوة العرب المسلمين، في تلك الآونة من اختلافات عقائدية وحروب دنيوية دامية فيعكر بفعله هذا صفو العلاقات الطيبة الحالية، ويخدم ، من حيث يقصد أو لا يقصد عدو الجميع الصهيونية ومن وراءها من مستغلين وطامعين بالاستغلال؟
اللهم اشهد أننا نستنكر ذلك ونشجبه ونقاومه بكل ما نملك من طاقات، ونجزم قاطعين بأن مصلحة العرب والمسلمين تقضي بإهمال البحث بمثل هذه الخلاقات لكي يتناساها الجيل الحاضر فينساها النشء الطالع والأجيال القادمة التي نحرص على توجيهها نحو الوحدة العربية الإسلامية ثم الإسلامية ــ الإنسانية تأسيا بنبينا صلى الله عليه وسلم الذي بعث رحمة وهدى للعالمين.
18 – تعليقات وعرض للاعتبار:
* حول التصوف:
فإذا كان يا أخي البحاثة، هذا شأن، كتب تصوف يعرف مؤلفوها وتزار قبورهم تبركا في بلدان إسلامية ــ عربية و تحيا ذكرى مواليدهم حتى الآن، وتطبع مؤلفاتهم وأقوالهم وتنشر وتشرح، وفيها ما فيها ، كما رأيت من شطح صريح أو مرموز يحتمل كل تأويل ومن أقوال يستنكرها منطق الكثيرين من عقلاء المسلمين الواعين فماذا ينتظر أن يكون من الأوهام والشطح والدس في كتب مخطوطة يجهل مؤلفوها أو أكثرهم وتاريخ تأليفها ولا يعترف بأكثرها من تنسب أليهم، ولا يقيمون لها وزنا، ولم تتناول أيدي الممحصين ما فيها من دس وتشويه؟
· حول توثيق الكتب:
وإذا كان هذا هو موقف المحققين من أعلام العلماء حيال صحيحي البخاري ومسلم، المعتبرين في الدرجة الثانية بعد كتاب الله، عند من يعتمدهما وهما الكتابان الممحصان المبالغ في ضبطهما و شرحهما عند من يرجع إليهما؛ فماذا يكون شأن كتب تصوف مجهولة ا لمؤلفين ولم تتناولها أيدي المحققين ، بل شوهتها أيدي النساخ الجهلاء، وتلاعبت بوضعها أيدي الدساسين من ذوي الأغراض العدوانية؟
· أحوال جماهير المسلمين:
وإذا كان يا أخي البحاثة، هذا ما سجله علماء من المسلمين في هذا العصر عن أحوال جماهيرهم في مصر بلد الأزهر الشريف فكيف بأحوال جماهير من المسلمين في جبال نائية وقرى معزولة لم تحدث بها مدارس ابتدائية قبل القرن العشرين، وكان في الماضي البعيد والغريب تحت نير حكومات مستبدة جائرة يحل علماؤها المذاهب الفرعية المفرقة، محل الدين الأصل الجامع، ويقتل حكامها على الشبهة والوشاية دون تحقيق ولا محاكمة ، تأمل يا أخي وقارن واحكم.
· * نتائج التناحر الوخيمة:
وإذا كان ذلك ماجره الخلاف والتناحر والتزمت المذهبي على العرب في أيام دولهم الإسلامية وعصورها الذهبية كما يعرفها المؤرخون فماذا سيجر التحدث إلى الجماهير بإثارة الخلافات العقائدية الفكرية والتناحر المذهبي والخصام السياسي على الحكومات العربية الإسلامية الحاضرة وعلى شعوبها وهي لا تزال في بداية محاولاتها الأخذ بأسباب التعاون والاستقرار والبناء الحضاري لمستقبل أبهى؛ وفي حين يتنمر لها أعداؤها في الخارج والداخل وينصبون لها أحابيل العداوة والتفرقة والتعويق ليظلوا غاصبين خيراتها ومتفردين بوفرها.
أستحلفك بإيمانك الديني، وبعقيدتك القومية وبوعيك السياسي أن تتدبر المواقف، وتنظر بعيدا بعيدا ثم تحكم بما يرضي الله والضمير.
· التجاوز والتعرض:
وإذا قضى الوعي والمصلحة ( الإسلامية ــ العربية ) على الباحث المؤرخ أن يتجاوز عن جميع تلك المطاعن بين العلماء وعن الشطحات الواردة في كتب التصوف لأقطابها المعروفين، وعن اتهامات علماء المذاهب وأئمتها من قادة المسلمين بعضهم بعضا بالتكفير والتفسيق والافتراء واستحلال الدماء والأموال والأعراض، أقول: إذا تجاوز الباحث المؤرخ مثلك عن جميع ذلك وأغفله، أو تغافل عنه فما الذي يحمله على التعرض والتعليق في حديث عام أو خاص على كتب وأقوال مجهولة المؤلف والقائل والمعتقد بها لمجرد وجود شبهة أوردها ونقلها مؤلفان أجنبيان عدوان للعرب والإسلام وواضح في أقوالهما الدس والافتراء؟
لقد سبق لي أن تحدثت بمثل ما أهمس به إليك في مناسبات مماثلة مع كل من زميليك الأستاذ محمد المبارك وبعده مع الدكتور يوسف العش، حين كان كل منهما عميدا لكلية الشريعة بدمشق؛ ومع كل من العلامتين الشيخ أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف في الجمهورية العربية المتحدة، وبعده الشيخ حسن المأمون، مفتي الجمهورية ذاتها، إبان وحدتنا السياسية المأسوف عليها وقبل كل هؤلاء تحدثت في الموضوع ذاته وما يشبهه مع العلامة أغناطيوس حريكة مطران الروم في حماه وراسلت العلامة إنداروس فتال مطران الروم الكاثوليك في حلب كما راسلت وتحدثت قبل ذلك وبعده مع كثيرين من علماء المسلمين والنصارى مواطنين ومستشرقين؛ وما أنكر علي واحد منهم قولي في هذا الشأن، بل تلقاه كل منهم بالموافقة والتحبيذ.
19- نقلك أخبار الدويهي والصوري:
وأما ما ذكرته في رسالتك إلي مما نصه: وقد اتفق أني وجدت بين الأخبار التي نقلها الدويهي صاحب تاريخ الأزمنة، عن المؤلف الفرنجي غليوم الصوري، الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي أن ستين ألفا من النصيرية قد دخلوا النصرانية في عهده في مابين طرطوس إلى طرابلس وقد قلت في نفسي بنتيجة قرأاتي الأخيرة إن هذه الردة قد هانت عليهم لأنه لم يكن لديهم سوى أشباح من الإسلام اختلطت بأفكار أخرى غريبة..
وقد صرحت بهذا الرأي في أحد المحافل فأنكره علي الأستاذ عدنان عبد الله باعتبار أن العلويين إماميون، واحترمت إنكاره، لكن التساؤل بقي قائما حول العديد من النقاط المتعلقة بنوع العقيدة التي كان يؤمن بها هؤلاء1هـ.
20- تفنيد ودحض هذا الافتراء:
إن الأقوال الواهية التي بنيت حكمك عليها، وصرحت به في أحد المحافل؛ والتساؤلات التي بقيت لديك قائمة حتى بعد احترامك إنكار الأستاذ عبد الله عليك ما صرحت به، تدحضها جميعها البراهين العديدة التالية:
· تنصر مسلمي العرب في الأندلس:
إن العالم بأسره يعلم يقينا ما آل إليه أمر المسلمين في الأندلس بعد زوال حكمهم هناك، وكيف ابتلعت النصرانية الملايين منهم لا عشرات الألوف فحسب ارتدادا وقتلا وتشريدا، ولم يعلق على ذلك واحد مثلك بأن الردة قد هانت عليهم لأنه لم يكن لديهم سوى أشباح من الإسلام، بل قلت عنهم ما لفظه ولو حافظ المسلمون في الأندلس على عقيدتهم ما حافظ هؤلاء المفترى عليهم، في مختلف عصور التاريخ الإسلامي، على معتقداتهم الإسلامية الوضاءة على الرغم من أذى إخوانهم في الدين والوطن لما كان اختفى الإسلام في ذلك القطر وشتان بين ظلم الأقربين وظلم الأبعدين وقد قال الشاعر العربي بحق:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على الحر من وقع الحسام الهند 1هـ .
فقارن بين القولين واحكم يراجع ردي على ما عربه عن الألمانية الدكتور محمد يحيى الهاشمي ونشرته مجلة العرفان في صيدا من ملخص كتاب للمستشرق الألماني الدكتور شتروتمان جامعة بون بعنوان: النصيرية في سورية الحاضرة ونشرت ردي يومئذ جريدة كل شيء البيروتية في عددها: /212/ من السنة الخامسة ليوم الأحد الواقع في /1/9/1951م/.
· دعاية المستشرقين:
إن المؤرخ غليوم الفرنجي الصوري معروف بالدعاية لقومه ودينه مثل أكثر المستشرقين قديما وحديثا، إن لم نقل كلهم والاعتماد على أقواله في هذا الصدد موضع ارتياب وتخبط وشبهة، بل موضع اتهام أعيذك منه.
· تكذيب زعم الصوري:
إن تلك الألوف الستين المزعومة قد تبخرت تحت أشعة الشمس، شمس الحقيقة الواقعية، فلم تترك طيلة تسعة قرون عددا له وزنه في مابين طرطوس وطرابلس خلاف للحقيقة العلمية التي يعتمدها علماء الإحصاء السكاني في العالم بأن السكان يتضاعف عددهم كل خمسة وعشرين عاما، فلماذا لم يبق من الستين ألفا المزعومة بين المدينتين سوى عدد قليل لا يبلغ نصفها، وهل النصارى الموجودون في المدن السورية وفي الأرياف كانوا مسلمين ثم دخلوا النصرانية خلال الحروب الصليبية؟ أليس الصحيح أنهم بالأصل نصارى وبقوا في ظل التسامح الإسلامي، تذكر قوله تعالى: {ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى} وتذكر وصية الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بأهل الذمة من اليهود والنصارى.
· صمود المفترى عليهم أمام التبشير المسيحي:
إن الفرنسيين، طيلة انتدابهم الاستعماري على بلادنا الحبيبة، لم يستطيعوا بعساكرهم ومبشريهم وأموالهم التي اغتصبوها منا، أن يدخلوا في النصرانية عشرات من الآحاد بدلا من عشرات الألوف المزعومة سابقا عند الصوري من هؤلاء المسلمين الجعفريين المفترى عليهم، رغم الفقر والجهل والذل التي زاد الانتداب الاستعماري ترسيخها مجتمعة في جبالهم وسواحلهم، توصلا منه بحسبانه إلى إرغامهم على قبول التبشير بالكثلكة المارونية.
· الثورة الإسلامية ــ العلوية:
إن ثورة خاصتهم وعامتهم على الانتداب بقيادة نفر من علمائهم الواعين وزعمائهم المخلصين، تحت لواء العطر الذكرى المغفور له المجاهد الشيخ صالح العلي، كانت واقعيا أولى وأهم وأوسع الثورات التي جابهت الانتداب الفرنسي وأطول تلك الثورات مدة رغم محاولة الفرنسيين خداع المفترى عليهم بتسمية دولة ومذهب مزعومين لهم فقد ظلوا أمناء ملازمين لتشريعهم الإسلامي الجعفري ولعلاقتهم الوطيدة بعقيدتهم السياسية الوطنية الوحدة الإسلامية العربية ومثل ذلك لقي الانتداب الإنكليزي في القطر العراقي الحبيب من إخوانهم المسلمين الجعفريين المسمون هناك بالشيعة.
وقد خلد شبابهم وشيوخهم عقيدتهم هذه في شعرهم الوطني الذي يملأ مجلدات ومنه على سبيل المثال، قول عبد الكريم الخير من مخمسة مطولة أنشدها أحد روداهم مطلعها:
حي الغداة معالم الإسلام واخفق فديتك زينة الأعلام
واضرب بنصك غرة الظلام واحم المعاقل حامي الأيتام
واقرن نواصي الدهر والأيام
ومنها:
لو جاء خير المرسلين إلى الورى ورأى القطيعة بينكم فيما يرى
لهمت محاجره وقال بلا مرا أغويت بعد الهدي يا أم القرى
ونبذت عهد شريعتي وذمامي
مادام بينكم التخاذل وافدا فمحال أن تجنوا الزمن فوائدا
هذا الكتاب إذا أردتم شاهدا وخلاف ما فيه أعد عوائدا
جاءت عقيب سياسة وخصام
ويقول بعد الحرب العالمية الأولى من قصيدة طويلة:
أبكي الجزيرة ما حييت وإنني صب عشقت أثالها وجلالها
وأحب منها نجدها وحجازها وعراقها وسهولها وجبالها
عاث الشقاء بها بفعل عصابة لا يعرفون حرامها وحلالها
طالت ليالي أسرها وتشوقت للراحمين فمن يحل عقالها؟
إلى قوله فيها:
قالوا استكان الشرق قلت غويتم هذي الخطوب أتت تريش نبالها
وكأنني بالبيد أظلم جوها واجتاح محني الظبي صلصالها
وغدا وليت غدا يسابق ليله تعطي الجزيرة أجمعها أشبالها
ويقول بعدها عام /1925/م في خاتمة قصيدة له من /35/بيتا:
ألمت بي الأرزاء حتى لو اهتدى إلى الأسى لم يلف إلا عصارها
ونحت على الأمجاد أمجاد يعرب وقد ملأت سود الخطوب فخارها
أعاذل إما هجت أقصى بلابلي ألا فاندبي قحطانها ونزارها
أقلي علي اللوم ما أنا تارك نواحي ولم تمح الجزيرة عارها
أفي كل يوم للجزيرة نكبة تسيل مآقيها تطيل انكسارها
أيصمت مفجوع وتندب حرة من العرب ملت قيدها وإسارها
ويقول أحد قضاتهم المذهبيين الشيخ عبد اللطيف سعود عام /1948/:
فلسطين لبيك قبل النداء وحين النداء وبعد النداء
فلسطين لبيك ألفا فلا تخافي فما خاب فينا رجاء
إذا العرب نادوا الجهاد انبرت له فرق تتناسى العداء
فمسلمهم ومسيحيهم سواء به عند وقع البلاء
وشيعيهم مثل سنيهم سخي ببذل غوالي الدماء
أتخشين بالحرب أن يخذلوك وهم لك من كل سوء فداء
ويقول في تأريخ مسجد بناه في قرية عين قيطة:
أيا مسجدا للذكر شدت مؤرخا ويا عملا لله أرجوه في الأخرى
/1370/هـ
جعلتك في دار المهانة موئلي لتصبح في دار الكرامة لي ذخرا
ويقول أشهر شعرائهم الأستاذ محمد سليمان الأحمد المعروف بلقب بدوي الجبل:
ليس بين العراق والشام حد هدم الله ما بنوا من حدود
وشهرة شعره تغنيني عن الإكثار من ذكر الأمثلة منه.
ويقول أحد أترابي من فقهائهم الشيخ عبد اللطيف إبراهيم:
يا بلادي لا تنكريني فعندي لك حب مخلد يا بلادي
ما تغزلت في رباب وهند أنت هندي وزينبي و سعادي
21- مستشرق ينفي افتراء:
وحول الأخبار الدويهية التي اعتمدتها أنت ألفتك إلى ما سجله المستشرق تيسو في كتابه: اليزيديين باللغة الفرنسية، بعد أن قضى سنوات بينهم، وفيه يقول إنه تبين له نتيجة التحريات أن جماعة من رجال الكهنوت، الذين بقوافي الأديرة على الحدود العراقية ــ الفارسية بعد الفتح الإسلامي قد لجأوا مع زملائهم من الفرس إلى وضع النحلة اليزيدية، ونسبوها إلى عدي بن مسافر الأموي المتصوف المعروف وهو تلميذ السهر وردي وزميل الشيخ عبد القادر الكيلاني والذي كان قد لجأ إلى صومعة في تلك المنطقة. ويقول ( تيسو ) في كتابه المذكور، وهو المسيحي الأجنبي، إنه على الرغم من قضائه ثلاث سنوات بين اليزيديين لم يجد فيما خلّفه عديّ بن مسافر أية عبارة أو فكرة عليه ما نسب إليه من النحلة اليزيدية المفتراة.
22- الجهل والتعصب عند المؤرخين:
وألفتك كذلك يا أخي، في صدد ما نقله الدويهي عن الصوري إلى ما أورده أسد حيدر في وجه /182/ من الجزء الأول من كتابه:( الإمام الصادق والمذاهب الأربعة) الآنف الذكر، مما نصه:
( ويقول السبكي: والجهل في المؤرخين أكثر منه في ـ رجال ـ الجرح والتعديل وكذلك التعصب قلّ أن رأيت تاريخاً خالياً من ذلك. وأما تاريخ شيخنا الذهبي، غفر الله له، فإنه على حسنه وجمعه مشحون بالتعصب. وإنه قد أكثر الوقيعة في أهل الدين، الذين هم صفوة الخلق. واستطال بلسانه على كثير من أئمة الشافعية والحنفية، ومال فأفرط، ومدح فزاد في المجسمة يعني ـ الحنابلة ـ .
ويقول صلاح الدين: إن الحافظ شمس الدين الذهبي لا شك في دينه وورعه، ولكنه غلب عليه مذهب الإثبات، ومنافرة التأويل، والغفلة عن التنزيه.؛ حتى أثر ذلك في طبعه انحرافاً شديداً.).
ـــ ذكر أسد حيدر أنه نقله عن طبقات الشافعية جـ/1/ص/190/ـــ
ويتابع أسد حيدر فيقول:( وعلى أي حال فقد مالت الأهواء، وأثرت النزعات، فنفروا من الحقائق ولم يتقبلوها. فكتبوا بما توحيه إليهم أهواؤهم وأغراضهم، لا بما تقضيه الحقيقة من حيث هي.)1هــ.
عندما ناقشت الدكتور المستشرق شتروتمان في اللاذقية حول كتابه ( النصيرية في سورية الحاضرة ) ـــ وكان ذلك في الخمسينات من هذا القرن ـــ سألته: ( هل أنت في هذا الكتاب ناقل أم محقق )؟ طلب استعادة السؤال مرتين وأجاب بعد الثالثة بأنه ناقل لا محقق.
فقلت له: إن أي طالب علم يستطيع أن يضع أمامه كتباً ينقل منها. فهل يليق بدكتور أخصائي أن يكون مجرد ناقل فخجل الرجل و أعترف بأنه مجرد ناقل.
فقلت له: كيف تسمح لنفسك يا دكتور شتروتمان أن تنقل في وجه واحد ما يكذب ما تنقله في الوجه ذاته. فقد قلتَ: إن النصيرية من سلالة أربعمائة عبد جاؤوا مع القائد جوهر الصقلي. ثم عددت أنهم يتألفون من عشائرهم الحمدانيين والتنوخيين والغسانيين. والمهالبة والكلبيين والعبديين، في حين أن هذه العشائر هي من سلالة أمراء لا عبيد. فاعترف بخطئه هذا. فسألته من هم إذن سلالة العبيد؟
فقال: لا أعلم!
قلت: أعرفك هم أمثالك ممن لا يعرف واحدهم أكثر من أسماء اثنين أو ثلاثة من آبائه وأجداده. ولا يعلم أين كانوا ولا من أين جاؤوا ولا ما كانوا يعلمون.
وإذا سألت الدكتور شاكر مصطفى هل هو فيما نقله عن الدويهي والصوري مجرد ناقل أم محقق فماذا يجيب؟!! وهل مر في نفسه عندما نقل عنهما ما وجده في أخبارهما هل كان هو حينئذ مغتاباً أم مفترياً؟!! أم هل التفت آنئذ إلى الحديث النبوي الشريف المميز بين الغيبة والافتراء، وإلى القول المأثور: ( كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما يسمعه ) بل لقد كان ـ مع الأسف ـ غفلة عن كل هذا مثل من سبقه ومن لحقه من مغتابين ومفترين.
23- عودة إلى الاستلفات:
فيا أخي الدكتور المؤرخ والمحاضر الجامعي والطالب للعلم، إذا كان هذا هو شأن كثير من الأعلام بين العلماء المسلمين أهل السنة تجاه بعضهم بعضا؛ فماذا يكون شأن المؤرخين من المستشرقين الأجانب حيال أهل المذاهب من المسلمين؟وقد قال في علم من أعلام الأدب المتزمتين أديب عربي معاصر هو الأستاذ أدوار مرقص من اللاذقية قال الأستاذ مرقص متهكما ما معناه لم ينقص الأب شيخو إلا أن يزعم بأن محمدا وعليا هما من أدباء النصارى قال هذا وضحك ضحكته المشهورة بين معاشريه.
أقول: إذاك إن هذا ما يقوله الأديب العربي النصراني المعاصر عن أحد أعلام الأدباء النصارى المتزمتين مذهبيا وتعصبه الأعمى المكشوف فكيف تجيز لنفسك وأنت الأديب المسلم العربي إن تعتمد قول مؤرخ فرنجي في الاتهامات الدينية لإخوانك من المسلمين العرب الذين أبلوا أحسن البلاء في دفاعهم المجيد عن الثغور الإسلامية العربية ضد الصليبين القدامى والمحدثين؛ واستشهد منهم ألوف من المؤمنين في الدفاع عن دينهم وعن بلادهم الِإسلامية التي افتتحها أجدادهم في حروبهم مع الروم وعندما حاول الصليبيون القدامى والمحدثين استعادتها منهم بحملاتهم تحت راية الصليب مرات قديما وباسم الانتداب وأشكاله الاستعمارية حديثا فقد ارتدت تلك وهذه الحملات المسعورة، وتكسرت موجاتها على صخرة إيمان وثبات إخوانك هؤلاء في الدين والوطن رغم كل المزاعم الباطلة.
24ــ الكشف عن دس مفضوح:
وألفتك إلى برهان آخر صارخ في الكشف عن الوضع والدس المفضوحين وذلك فيما خدع به، أو تعمد نشره لغرض دنيء المؤلفان التركيان لكتاب ولاية بيروت نقلا عن الباكورة وسوسنة سليمان اللتين وضعهما وروجهما المبشرون الأوروبيون طلائع الاستعمار ومن أن الراوي عن أبي شعيب هو يحيى بن معين وبالتحريات الدقيقة في كتب تراجم الرجال لدى المسلمين الجعفريين لم يعثر على أي ذكر له بين رواتهم لا الممدوحين ولا المذمومين بل ثبت أنه من الرواة عند من عرفوا باسم أهل السنة كما ثبت أن يحيى بن معين هذا مع شهرته بين أهل الجرح والتعديل لم يسلم من التجريح لدى كثير من محققي الفريقين الشيعة والسنة على السواء فكيف تصح نسبة رواية الغلو في أهل البيت إليه وهو ليس من أتباعهم وهذا يثبت الوضع والدس فيما افتري على لسانه من روايات الغلو.
25ــ افتراء الألقاب والتنابز بها:
ولا أخال باحثا مؤرخا مثلك يغرب عن فهمه السبب العدائي في تعمد إطلاق الألقاب التي يتنابز بها الجهلاء والحاقدون والتي كادت لذيوعها ترادف الأعلام أو تنوب عنها، أو تصبح في المجتمعات حتى العلمية منها هي التعبير الذي تطلقه كل فئة على خصمها.
فجميع الألقاب أو التسميات الطائفية التي يتنابز بها الجهلاء، إنما هي عبارات افترتها العداوات السياسية والتزمت المذهبي وتبني العنصرية الجاهلية، التي أكد الإسلام على شجبها ثم تراشق بها المتخاصمون وسخرت أقلام الحقد لتأصيلها في كتب الفرق و على ألسنة ذوي الغايات لترديدها بأفواه جماهير الجهلاء وتطوعت لوجه الشيطان أقلام عبيد الشهرة والظهور لتخليد تلك الغاية الهدامة وتعميق وتوسيع هذه الهوة الفاغرة فاهاً لابتلاع الوحدة الإسلامية العربية، وسنت حراب مسمومة لتقطيع أوصال الرحم الدينية ــ العربية وتمزيق رداء التوحيد الذي ألبسه الله ورسوله للمسلمين.
ولا تزال، بمناسبة وبدونها، ترتفع أصوات مبحوحة وتسود أقلام أجيرة صحائف أصحابها بإثارة ذلك النعيق المنكر، خدمة لسياسات أجنبية طامعة، أو لصراعات داخلية بقصد الوصول إلى التفرد بالسلطة ، ولو على أشلاء الإسلام والمسلمين، والعرب وعروبتهم أعاذ الله المؤمنين بدينه من ذلك.
حصل قديما كل هذا ويحصل بعضه الآن؛ والمسلمون جميعا يقرأون في كتاب ربهم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابذوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} ورحم الله الشيخ محمد عبده حين قال : أين كتاب الله وشرعه من هؤلاء ؟ وأين هم منه؟
تنابز المسلمون العرب بالألقاب العدائية، وقطعوا أرحامهم الدينية والطبيعية، وفرقوا أمرهم شيعا وكأنهم لم يقرؤوا قوله تعالى: { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون، ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم.}أعاذ الله المؤمنين من التفرق والاختلاف.
وفي رياض الصالحين للنووي وجه/190/: عن أبي معبد المقداد بن الأسود رضي الله عنه، قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال: لا تقتله فقلت يا رسول الله قطع إحدى يديّ ثم قال ذلك بعد ما قطعها فقال لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وأنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال. متفق عليه ومعنى إنه بمنزلتك أي معصوم الدم محكوم بإسلامه ومعنى إنك بمنزلته أي مباح الدم بالقصاص لورثته لا أنه بمنزلته في الكفر والله أعلم 1هـ.
وحديث أسامة بن زيد مع المشرك بمعناه وهو أيضا متفق عليه أي رواه البخاري ومسلم وهو في كتب الحديث عندنا كذلك.
هذه هي يا أخي التربية الإسلامية عند التقاء مسلم بمشرك للاقتتال يعف المسلم عن قتل المشرك بعد إن ينطق بالشهادة فإذا التقى مسلمان متخاصمان فماذا ينبغي لهما؟ هل تجعل كرامة المسلم المؤمن دون كرامة المشرك الذي أسلم لساعته خوفا من القتل ؟ تذكر الحديث من كفر مسلما فقد باء به أحدهما والحديث بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم.
26- معوقات وموانع الوحدة:
وليس بخاف على مثلك، وأنت الباحث المؤرخ، أن تناحر العرب قبل الإسلام بدافع العصبيات القبلية والعائلية والفردية والإقليمية الضيقة وبتهويش الفرس من ناحية والروم من أخرى وبالدس والفتن اليهودية من أوكارها الخبيثة كان كل هذا منفردا ومجتمعا الأسباب الهامة لعدم قيام وحدتهم السياسية قديما.
ولما جاءهم المصلح الأعظم سيدنا محمد بن عبد الله النبي العربي الهاشمي، صلى الله عليه وآله وسلم، بالدين الإسلامي الحنيف وجمع كلمتهم تحت لواء التوحيد وكفكف بتعاليمه الإلهية السامية، من جماح عصبيتهم الجاهلية نظم عقائدهم وأفكارهم وأعمالهم بما فيه صلاح مجتمعهم وأفرادهم في الدنيا والآخرة؛ عند ذلك ضربوا المثل الأعلى في النهضة الاجتماعية والتضامن الواعي والقيادات الحكيمة المتعاونة، وخرجوا إلى العالم حملة مشاعل حضارة أنارت ظلمات العصور والأقطار التي افتتحوها بسرعة مذهلة.
ثم لما عاد بهم إلى جاهليتهم ضعيفو الإيمان من الحديثي العهد بالدين الإلهي الاجتماعي الخالد، الذين عرفهم القرآن الكريم بقوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم.
لما عاد بهم أولئك الذين أسلموا ولم يؤمنوا بهرهم إقبال الدنيا على جماعاتهم بهذه السرعة المذهلة، وأعماهم حب الدنيا ولذة التسلط وأسكرتهم نشوة الحكم فعادوا بالمسلمين القهقرى إلى العصبية الجاهلية، وإلى التناحر الداخلي في سبيل التفرد بالحكم ثم طوروا ذلك على أيدي علماء السوء تجار الضمائر إلى خلافات تحت ستار الآراء والمذاهب والتزمت الفكري، واستباحوا دماء بعضهم بعضا باسم التكفير، والعصبيات المتعددة غافلين عن قوله تعالى: { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا } لا لتتناكروا وتتقاطعوا وتتناحروا بل لتعاونوا على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان. { إن أكرمكم عند الله أتقاكم} أي أبصركم بدينه وأكثركم علما بأحكامه وأطوعكم لتعاليمه لا أكثركم مالا وأتباعا و عصبية جاهلية ولا أكثركم حيلة ودهاء، ولا أقدركم على شراء الضمائر وإثارة الضغائن والتلاعب بأموال المسلمين في سبيل الاستبداد بالسلطة والتسلط.{ إن الله عليم خبير} لا البشر يعلمون اختيار من يصلح للحكم وتطبيق النظام الإلهي { الله أعلم حيث يجعل رسالته.} يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} { وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون} { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا} { فلا وربك لا يؤمنوا حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما.}
وبذلك الانحراف الغبي عن طاعة الله ورسوله، وبالامتناع عن الانقياد الواعي لتعاليم الإسلام: دين التوحيد والعدالة الاجتماعية والهدى للعالمين بذلك الإحياء للعصبيات الجاهلية والتكالب على الدنيا وقف مد السيادة العربية ــ الإسلامية ثم استحال المد جزرا وانحسرت موجاته ثم استضعفوا وطمع فيهم الطامعون وذلوا بعد عزتهم والله سبحانه يقول { ولله عزة ولرسوله وللمؤمنين} وإذ صار بأسهم بينهم صدق فيهم قوله تعالى:{ فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} وقد فعلوها.
ويحسن هنا تذكر ما أورده الدكتور طه حسين في كتابه { الأدب الجاهلي} وجه /130/ من الطبعة الثانية دار المعارف بمصر يقول: وكانت كل هذه العصبيات تتشعب وتتفرع وتمتدد أطرافها وتتشكل بأشكال الظروف السياسية والإقليمية التي تحيط بها؛ فلها شكل في الشام، وآخر في العراق، وثالث في خراسان، ورابع في الأندلس وأنت تعلم حق العلم أن هذه العصبية هي التي أزالت سلطان بني أمية، لأنهم عدلوا عن سياسة النبي التي كانت تريد محو العصبيات وأرادوا أن يعتزوا بفريق من العرب على فريق قووا العصبية ثم عجزا عن ضبطها فأدالت منهم بل أدالت من العرب للفرس.1هـ.
27- تنبيه وتحذير واع:
أستهل يا أخي هذه الفقرة بما خاطب به الله جل جلاله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله تعالى: إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون} وبقوله تعالى: { من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب} وبما رواه علي ـ ع ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهومان لا يشبعان طالب دنيا وطالب علم؛ فمن اقتصر من الدنيا على ما أحل الله له سلم؛ ومن تناولها من غير حلها هلك إلا أن يتوب أو يراجع ومن أخذ العلم من أهله وعمل بعلمه نجا، ومن أراد الدنيا فهي حظه.}
ويرحم الله العلامة الشيخ محمد سعيد العرفي حيث يقول: ( ولو فحصت عن سبب ضعف الأمة الإسلامية لما وجدت له سببا سوى النزعات المذهبية، التي تثور وتخمد على حساب العزات التي يمليها الملوك لتثبيت عروشهم حتى أن مما يندى له جبين المؤمن عرقا أن يكون النزاع المذهبي أشد استحالا من النزاع الديني نفسه فتفرق المسلمون من جراء ذلك شيعا وأحزابا).
( أما وقد أصبح المسلمون يتحملون من أنواع البلاء والمصائب من أ عدائهم نصيبا وافرا وسهاما كثيرة بالرغم من كثرة عددهم،فما عليهم إلا أن يلتفتوا إلى النزاع القائم فيحسموا الشر ويقلعوا شجرة الفتنة من جذورها، تلك الشجرة التي تصدر عن دوائر الاستعلامات الأجنبية فينطق بها بعض رؤساء الدين من حيث يدرون أو لا يدرون.( إلى قوله): ( إن معظم النزاع يستند على أمور خيالية، وتهم وهمية افترتها الدعاية فوجدت أفكارا ساذجة تلقتها بسهولة فكان ما يشكو منه المسلمون كافة ) هـ. تراجع مقدمة كتاب الروض النضير في الفقه الزيدي طباعة مكتبة المؤيد ــ الطائف، الجزء الأول، وجه: /13/.
فهل يجمل بمؤمن عاقل الآن، بعد معرفة وتذكر كل هذه العبر، أن يجعل همه في إثارة تلك الخلافات، ونشر أسوأ ما خلفته بين جماعات العرب المسلمين، فيشغلهم بها عما ينصرف إليه عقلاؤهم و حكامهما لمخلصون، من العمل الدءوب لجمع كلمتهم، وتوحيد صفوفهم قدر المستطاع، في سبيل استعادة عزتهم المفقودة وأرضهم المغتصبة وكرامتهم المثخنة بالجراح؟
28- حول قراءة التاريخ وعرض مضمونه:
أ- القراءة والعرض النافعان: وإذا أبيت يا أخي إلا الإصرار على القول بضرورة
قراءة التاريخ والتحدث بمواضيع العقائد والحوادث القديمة فيه، وخاصة في فترة التناحر) فربما سايرتك في ذلك شريطة أن يقصد به التقاط جواهر الحقيقة والعبر التي تبصرنا فيما جره التفرق والتناحر على جماعاتنا ا( العربية ــ المسلمة ) فنغني بهذا التبصر حاضرنا ونوجه به مستقبلنا نحو العودة الواعية إلى توحيد الصف وتعميق الفهم، وتقوية الشعور بالكيان والاعتزاز بقوميتنا وتمتين ارتباطنا بكتاب ربنا وهدي نبينا.
ولعلك تجد معي نموذجا من هذه القراءة والتحدث، اللذين أعنيهما، في قراءة متمهلة لكتاب ( معرفة الله والمكزون السنجاري للدكتور أسعد علي ــ طباعة دار الرائد العربي ــ بيروت وفيه تجد كيف يربطنا التصوف الصحيح بالكتاب والسنة، بعد أن ينحى منه الشطح ورواسب السياسات العدائية.
ب- القراءة والعرض الضاران:
أما قراءة التاريخ وكتب التصوف وكتب الفرق بعجرها وبجرها، والتحدث أو الكتابة بمؤسف موضوعاتها، وتعمد التقاط أشواكها وحصاها لزرعها في الدروب، والمحاضرة بنقاط التخلف والتناحر فيها، بما يثير أحقادا دفينة عفا عليها النسيان، وبما يؤدي إلى تعويق التلاقي وتمزيق الوحدة المنشودة، التي يسعى إليها المؤمنون بحقهم في الحياة: ( التوحيد الإلهي لبني الإنسان): ( الإنسان أخو الإنسان أحب أم كره) فتلك أعمال ذات غرض لا يرضي الله، ولا يجدد لنا مجدنا، ولا يعيدنا إلى ديننا وعزتنا، ولا ينفع شعوبنا وأمتنا؛ وإما يعود بالنفع العاجل والآجل على عصابات أخرى أنت تعرفها وتعرف من وراءها من المتاجرين بكرامات الشعوب، المدعين حماية حقوق الإنسان، وهم ينفقون ألوف الملايين التي يختلسونها من دخل الشعوب ليثيروا القلاقل والفتن والحروب الداخلية بينها، فيعوقوا نهضتنا، ويطفئوا بالفتن شعلة الوعي بين أبنائها، ويشغلوهم ببعضهم عن التيقظ والعمل للاستقرار والازدهار.
وفي كل قطر، وبين كل شعب لا يزال يوجد نفر من الحاقدين يميلون بفعل الحقد والجهل وقصر النظر إلى خدمة تلك العصابات ومن وراءها بطيشهم تذكر قوله تعالى: { الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}.
وأعيذ الواعين أمثالك من أن يعطوا الحاقدين الجاهلين سلاحا من الافتراءات والاتهامات المتراكمة في كتب الفرق يزيد في حقدهم وطيشهم .{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا.}
29- عرض نماذج من التحدث والنقد للتأليف والألفة:
1) من نداء الإيمان:
ولعلي أراك تستمتع بالإطلاع على مقدمة كتابي: ( من نداء الإيمان ) والأحاديث الثلاثة في أوله خاصة، وتجده عند زميليك في جامعة الكويت: الدكتورين حسان حتحوت ومحمد سلام مدكور، اللذين عرفتهما في مؤتمر الرباط لتنظيم الوالدية آخر العام 1971م. ولو كان لدي الآن منه نسخة احتياطية لما بخلت بها عليك، وفيه تجد مبلغ حرصي على التحذير من الانخداع بالدس والدساسين، والفرقة والمفرقين؛ وتشبثي بالتوجيه الواعي لتجنب التفرق المذل، ولجمع الكلمة وحفظ الجماعة؛ وتعمدي الأخذ من مختلف كتب التفسير لدى ( الشيعة والسنة) على السواء.
2) نقد كتاب التعايش الديني في الإسلام:
وتجد مثل ذلك في نقدي كتاب التعايش الديني في الإسلام للأديب الطيب الذكر الأستاذ محمود العزب موسى من أدباء مصر وقد فتح هذا النقد باب المراسلات بيننا، وأدى ذلك إلى تمتين عرى صداقة وأخوة ظهر بعض آثارها في كتابة له بيوميات صحيفة ( الأيام ) الدمشقية ذكر فيها اختلافي وإياه واعترف تواضعا بخطئه وتجد في المرفقات صورة طبق الأصل عن كتابته المشار إليها.
3) حول التثبت من الأحاديث النبوية:
كما تجد شيئا من هذا في نقدي مقال الأستاذ عبد الوهاب حمودة من أساتذة الأزهر حول التثبت من الأحاديث النبوية، وبوسعك أن تقرأ المقالين المنوه بهما في عددين لسنة 1959 من مجلة ( رسالة الإسلام) التي تصدرها دار التقريب بين المذاهب الإسلامية ــ القاهرة: الزمالك شارع حشمة باشا.
4) فقرة من الرد على مجلة الأزهر:
وكذلك تجد نموذجا من التوجيه الذي ألتزمه للمصلحة ( العربية ــ الإسلامية) في ردي المطول على ما نشرته مجلة ألأزهر بعنوان: ( غلاة الشيعة لم ينقرضوا بعد ) للكاتبين حسن عمر عمر وعبد اللطيف المشتهري في عددي شعبان ورمضان سنة 1379هــ .
وقد خالفت المجلة آداب النشر وأعراف الصحافة فلم تنشر الرد ولم تشر إليه فيما أعلم ــ. واعتذر المرحوم الزعيم عبد الناصر يومئذ لوفد من علمائنا برئاسة المرحوم العلامة الحافظ عمي الشيخ عيد الخير عندما سلمه الرد ونشرت صحف دمشق صورتيهما معا.
وكان الرد في بضع صفحات من حجم المجلة وقد أرسلته بالبريد المسجل إلى مجلة الأزهر وإلى شيخ الأزهر المغفور له شلتوت وإلى مجلة رسالة الإسلام وسلمته في دمشق يدا بيد إلى الشيخ حسن المأمون مفتي الجمهورية حينئذ وإليك فقرة منه للذكرى:
( نعم وإنني لأستغرب أشد الاستغراب جرأة السيد حسن عمر عمر في تكفير جماعة من المسلمين لم يعاشرهم ولم يختبرهم وكأنه لم يقرأ ما قاله: ( أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه، قبل موته بساعات : لا اكفر أحدا من أهل القبلة بذنب أرتكبه ولا بخطأ في التأويل بعدما نطقوا بالشهادتين وأقول هم قوم أخطأوا وحسابهم على الله تعالى ثم اعلم أن العلوم الحاصلة عن طريق الكسب و الوهب من علم التوحيد يجب سترها عن الناس لما فيها من الغرابة والتبري من المعقول والمنقول وقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنهما، أنه قال حملت على رسول الله جرابين أما الواحد فبثثته فيكم، وأما الأخر فلو بثثته فيكم لقطع مني هذا البلعوم وقال ابن عباس رضي الله عنهما لو ذكرت لكم تفسير قوله تعالى : يتنزل الأمر بينهن } لرجمتموني ولقلتم عني إني كافر نقلت كلام أبي الحسن الأشعري وما بعده من كتاب : منح المنة في تعليم الشريعة والسنة أوجه/ 7و 12و 13/ ــ لمؤلفه القطب الرباني سيدي عبد الوهاب الشعراني ــ المطبعة المحمودية بمصر فهذان صحابيان روى عنهما، الإثبات من الخاص والعام أكثر الأحاديث النبوية الشريفة وأقواها لديهم/ وهما يصرحان في قوليهما المذكورين بأنهما كانا يقتلان ذبحا ورجما لو أنهما حدثا بما يكتمان من أسرار الله ورسوله ، فوا عجبا لتلك الأسرار التي كانت تعرض صحابيين كبيرين للقتل لو باحا بها وإذا ما رد الأستاذ حسن عمر عمر هذه الروايات فالأحرى به أن يرد ما بلغه عن هذه الطوائف مما يستوجب التكفير بنظره .) انتهت الفقرة من ردي ذاك.
31- حول الباطن والظاهر والتأويل:
1) تلطف بالعودة إلى الفقرة /13/ من هذه الرسالة واقرأ منها في وجه / 35/ الفقرتين الفرعيتين:
( هـ ــ و ) تجد القول بالظاهر والباطن صريحا عند الشيخ عبد الغني النابلسي وعند الشيخ الدسوقي.
2) اقرأ السطور: / 2ــ 4/ أعلاه تجد القول بالباطن ولزوم كتمان العلوم الكسبية والوهبية عند الشعراني
وتجد السبب في كتمانها الغرابة والتبري من المعقول والمنقول، ومثله عند ابن عربي راجع مطلع وجه /35/ من هذه الرسالة تجد سبب إخفائه السر ( لما فيه من الفحش)
وما يذكر الشعراني أنه نقله عن البخاري من قولي أبي هريرة وابن عباس يشير بصراحة على القول بالباطن وبالتأويل والأسرار الدينية عند غير القوم الذين تتساءل عنهم، فهل يليق بعاقل أن يتندر بتشهير وتفسيق هؤلاء العلماء؟
ولعلك اطلعت على الفتوحات المكية لابن عربي وعلى تفسيره وعلى تفسير القرآن عند الألوسي ورأيت القول ب التأويل وبالباطن عندهما.
والعلامة السيد محمد الكتاني في رسالته المخطوطة للدفاع عن ابن عربي وأمثاله من المتصوفة ( وعندي منها صورة طبق الأصل عن خط يده وفيها القول بالباطن وبالتأويل وهو من كبار علماء دمشق رحمه الله.
ومثله الشيخ محمود أبو الشامات شيخ الطريقة الشاذلية بدمشق يقول بالباطن وبالتأويل فيشعره وعندي منه طائفة منقولة عن خط( رهــ )
والحافظ صلاح الدين ينعي على الذهبي ( منافرة التأويل والغفلة عن التنزيه) كما يروي عنه السبكي راجع الفقرة / 22/ وجه /38/ من هذه الرسالة . فإذا افترض وجود بعض المتصوفة من المسلمين العلويين يقول بالباطن وبالتأويل فإن له أسوة بأمثاله ممن ذكرنا، وما هي الفائدة العلمية أو التاريخية من مثل هذه التساؤلات؟
31 ــ أسباب التخلف:
وأجزم قاطعا، من جديد، بأن تخلفنا في الماضي والحاضر، نحن جماعات المسلمين العرب، اجتماعيا واقتصاديا وعلميا، واستغلال الغرب والشرق لبلادنا، إنما كان من أهم أسبابه وبواعثه اشتغال رجالات الفكر والحكم بيننا بتسجيل الخلافات المذهبية واعمادها وتضخميها وباختلاق خلافات أخرى لم تر نور الوجود مطلقا ولم تتنسم هواء الحياة الواقعية أبدا وتناحرهم لأجلها أو بسببها والتهاؤهم بها عن أعداء الإسلام وأشراكهم وأشباههم.
32ــ كتاب عبد الله بن سبأ:
وللتأكد من افتراء النحل واختلاق الخلافات الوهمية أرغب إليك في أن تقرأ كتاب عبد الله بن سبأ لمؤلفه العلامة مرتضى العسكري، وهو من منشورات كلية أصول الدين بغداد وفيه تجد عند الطبري المؤرخ الكبير ما يضحك الحجارة لو تعقل وشر البلية ما يضحك ــ من اختلاق أسماء لأشخاص لم تلدهم الأمهات ولمعارك حربية لم يخضها جيش ولحوادث مزعومة لم تمر عبر الزمان فكيف لو قيض لكتب الفرق أن يتناولها بالغربلة والتنقية والتمحيص المحققون المخلصون من أمثال هذا البحاثة ؟؟ إذن لكنا في منجى ومعتصم من سمومها المغرقة في تمزيق الوحدة ( الإسلامية ــ العربية ) دينيا وسياسيا واجتماعيا.
وإنك لواجد في كتاب عبد الله بن سبأ بجزأيه الأول والثاني ما يقنع طالب العلم للعلم لا للسياسية بالبراهين والأدلة الصادقة الواضحة أن ذلك الاسم هو لشخص خرافي لم يوجد في أي عصر من عصور الإسلام.
وبهذه المعرفة الصادقة ينهار ركام الأكاذيب والافتراءات التي تكدست في كتب الفرق والتاريخ، وبني عليها أحكام التكفير واستحلال الدماء والأعراض والأموال عند الأبرياء.
وقد افتريت قصة وجوده ليتخذ منها حكام الجور وعلماء السوء ذريعة لتبرير أفعالهم الشائنة التي لا يقرها منطق ديني ولا صلة رحم.
33- افتراءات مخجلة:
أما سؤالك عن دعوى مكررة بوجود فرقتين تتوجه إحداهما للشمس والأخرى للقمر عند الشروق والغروب وعما بعده من هفت الافتراءات فقد ذكرني بافتراء مماثل حدثت به امرأة مثقفة معاصرة كانت عائدة من بيروت في السيارة التي تقلنا جمعيا وسمعتها تقول لمن بجانبها: إن الأرفاض لا يشهدون لمحمد بالرسالة في الأذان لصلواتهم اليومية بل يشهدون لعلي بها ويزعمون أن جبريل خان الأمانة فهبط بالوحي على محمد بدلا من علي فقلت لها في حديث طويل كشف عن جهلها رغم ادعائها الثقافة وكان مما قلته لها: إن ملايين الناس من المسلمين وغير المسلمين في العالم الذين يسمعون الأذان كل يوم في مساجدنا يشهدون بكذب هذا الزعم ولكن ما الحيلة فيمن لا يخجلون من الكذب والافتراء؟ وترديد الشائعات الكاذبة المغرضة؟ وهمهم معاداة الحقيقة مهما كانت واضحة ويحسن فهيم الحديث المأثور: كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما يسمع)
وذكرني موقفا مع مبشر بروتستانتي كان يحاول تضليل نفر من بسطاء المسلمين زاعما أن المسلمين يستحلون شرب الدم رغم تحريمه في القرآن الكريم بدليل اقرأ في صحيح البخاري أن أحد الصحابة شرب دم حجامة النبي صلى الله عليه وسم فوجم أولئك البسطاء مستخزين فقلت له يا هذا أنت تتهم المسلمين بما هو ثابت في أناجيلكم ففيها تزعمون أن المسيح ـ ع ـ قال لتلاميذه عشية خمس الأسرار: هذا لحمي فكلوه وهذا دمي فاشربوه ) وقدم لهم خبزا وخمرا وهو القائل في الإنجيل السكيرون والزناة لا يدخلون ملكوت الله فكيف يسقيهم حمرا ويزعم أنه دمه؟ أو يطعمهم خبزا ويزعم أنه لحمه؟ فبهت المبشر المضلل وانسحب بين صفير وضجيج الجهلاء المستخزين من لحظات.
وما من رد أبلغ في دحض هذه الافتراءات من الذي يلازمه المسلمون العلويون في صلواتهم اليومية من قراءة سورة التوحيد مع الفاتحة في إحدى الركعتين الأوليين من كل صلة وغالبية عوامهم لا يقرأون غيرهما في كلتي الركعتين الأوليين من كل صلاة مدى الحية وقراءتهما عندنا تجزيان في كل الصلوات.
34 الاهتمام بالمعرفة والتألم للجهل:
لا ريب في ضرورة الاهتمام بالمعرفة النافعة والتألم من الجهل الضار ولكن الغوص في ركام كتب الفرق ونبش الافتراءات والأسواء التي أتخمت بها بطون تلك الكتب ومحاولة تبني أباطيلها ونشرها على الناس في حفل عام أو خاص ليس من المعرفة النافعة في شيء ولو أن أهل البصائر أجمعوا على حرق كتب الفرق أو على حجبها عن أنظار طلاب العلم لكانوا بذلك يخطون الخطوة الأولى في طريق العودة إلى الإسلام الصحيح دين التوحيد لا دين التفريق والتمزيق والتشتيت والاحتكار.
لقد جاء الإسلام الحنيف ليجعل من العرب المشتتين قبائل تتناحر لأتفه الأسباب ِأمة واحدة كتابها القرآن الكريم ودستورها طاعة الله ورسوله،والتعاون على البر والتقوى لينطبق عليهم قوله تعالى: { كنتم خير أمة أخرجت للناس} فشق ذلك على ضعيفي الإيمان ومازالوا حتى أعادوا الأمة الواحدة إلى أمم تتناحر ويكفر بعضها بعضا وتتابعت القرون تلو القرون وهم من ذل إلى ذل ومن تمزق إلى تمزق.
ونبه عقلاءهم سوء ما صاروا إليه ، وحسن ما صار إليه أعداؤهم : ( الذين فهموا الناحية الدنيوية من الإسلام، فاجتمعوا و عملوا للدنيا حتى برزوا في الدنيا وعمرانها ولما رغب عقلاء المسلمين في جمع كلمتهم ووأد خلافاتهم أو الحجر عليها لينقذوا ما يمكن إنقاذها من أحوالهم يأتي بعض مثقفيهم لينبشوا من ركام الخلافات ما يسمم به الأفكار باسم العلم للعلم وللتاريخ.
وعندما اجتمع علاء المسلمين قبل خمسين عاما في المسجد الأقصى وأجمع رأيهم وكلمتهم على توحيد جماعاتهم أوجست السياسية الاستعمارية خيفة من اجتماع كلمتهم فدفعت من نادى بأنكر الأصوات واحتكر الإسلام له وحده مبعدا جميع الفئات الإسلامية الأخرى من حظيرة التوحيد فتم بذلك للسياسة الاستعمارية ما خططت له في فلسطين الحبيبة.
والآن وبعد خمسين عاما على الرزوح تحت نير الاستسلام، تتصافح أيدي الواعين من المسلمين ليستقلوا بخيرات بلادهم ولينشئوا أجيالا منهم لا تتعرف إلا على العزة القومية للعرب المسلمين وعلى سيادتهم في أوطانهم بصرف النظر على اختلافاتهم المذهبية أو الفكرية السياسية؛ بعد هذا يأتي من مؤرخيهم من يحاول إعادتهم باسم التراث التاريخي والفكري إلى البحث في خلافاتهم المغمورة بعدم الاهتمام بها بتناسيها لكي يثير الشكوك وينبه الفتنة فيمنع ما يمكنه منعه من التعاون والتلاقي.
ألا تعرف أيها الدكتور المؤرخ أن في المجتمعات التي عشت بها كثيرين ممن لا يفيد التشهير بهم، ولا يضر جهل الناس بهم ولا تنفع الناس معرفتهم ؛ بل العكس تماما هو ما ينفع ويضر فلماذا لا نتألم من معرفة وجودهم بدلا من أن نتألم لجهلنا بهم إن المعرفة التي لا تنفع كالجهالة التي لا تضر
ومهما تناسيت فلا أخالك تنس ما اشتهر هنا في البلاد العربية السورية عن كل من :
الشيخ طه أبو الورد مدعي النبوة في عربيل من غوطة دمشق الذي حكم عليه بالسجن ونقل إلى اللاذقية ليكون في سجنه بعيدا عن أتباعه الكثيرين.
سليمان مرشد الذين اتهمه بادعاء الربوبية في قريته جوبة برغال من جبال اللاذقية أحمد التراجمة عند الفرنسيين جورج دكر في مؤلفه عنه بعد إعدامه شنقا في دمشق وهذا المؤلف كان يقبل يد مدعي الربوبية في حياته منحنيا تعظميا وتبجيلا اقتداء منه بأسياده من ضباط الاستخبارات الفرنسية الذين اختلقوا فرية ربوبية المرشد وروجوها في العالم ليبروا وجودهم في البلاد السورية بحجة تمدينها في حين أن غايتهم إما كانت مضاعفة دخولهم المادية من الرشاوى.
وقد أفحمت أحدهم لما كان يتبجح برقي الغرب وتخلف الشرق عندما عرضت عليه قضية جورج بيكر الزنجي مدعي الألوهية في أمريكا واستئجاره بناية من سبع طوابق اسماها السماوات السبع وكان عدد كبير من أتباعه من مثقفي البيض الأميركان وكان موضوع الصحافة سنة 1925 ــ 1935م
مدعية النبوة في قرى حلب التي شهرت بها صحف البلاد.
الشيخ أحمد حارون في دمشق ومخابراته الهاتفية بتكة لباسه مع كبار السياسيين سواء من بيته أو من الطائرة في عودته من الحج.
الشيخ النبهاني في حلب صاحب عشرات الألوف من المريدين الذي قال لنا في الباخرة بين العقبة وجد أمام رهط من المثقفين: رجال دين ومدنيين وعسكريين قادة إنه هو أشرف من الكعبة، وإنه لا يسعى إليها ولا يطوف بها وإنما هي التي تسعى إليه وتطوف به ولما اعترض عليه ضابط برتبة قائد من بلده حلب متهكما بقوله له: إذن إلى أين تذهب الآن؟ لف ودار وزعم أنه يقصد الإنسان الذي استخلفه الله في الأرض بنص الآية الكريمة من سورة البقرة ولم يستخلف الكعبة فقلت له : إن خاتم الأنبياء والمرسلين سيد بني الإنسان قد سعى إلى الكعبة الشريفة وطاف بها مع صحبه الكرام ولم يقل أنها هي التي تسعى إليه وتطوف به.
وهؤلاء المذكورون وغيرهم كثيرون تروي عنهم أقوال وأفعال وكرامات تضاهي وتزيد عن معاجز الأنبياء فماذا يفيد الآن في مسيرة النضال ( العربي ــ الإسلامي) اعتماد مثل هذه الأقوال والأفعال وتسجيلها والتحدث بها ونشرها بين الجماهير؟أهمس إليك بهذا أيها الأخ للاعتبار لا للتشهير.
ألا ترى معي أن مصلحة شعوبنا وأمتنا إغفال مثل هذه المعلومات وعدم إثارتها؟ ألا تحكم مثلي بأن الأولى لنا أن نتألم لمعرفة وجودها بدلا من أن نتألم لجهلنا معرفتها، قد تستنكر مني تكرار هذه التعابير، ولكني واثق من أن ذكر تلك الأمور والاهتمام بها ونشرها على الناس في حفل عام أو خاص يزيد في جنوح المثقفين عن التدين أكثر مما يجنح بعضهم الآن، ويثير في نفوس بعض الناس النفور من بعضهم الآخر ألا تعتقد معي بأن المحاضرة بما فيه خص الجماهير على التآلف والتعاون والانصراف إلى مختلف الاختصاصات العلمية العملية في حياتنا الحضارية هي أجدى ألف مرة أكثر من الغرق الطويل في قراءة مخطوطات ومطبوعات التصوف المعمى والمعقد والتعب في العثور عليها وفي فهم أحاجيها أعتب يا أخي أو أعذر فقد صارحتك بما أعتقد وحسبي أني أرضيت ضميري بإعطائك ثمرة خبرتي الطويلة في هذا الصدد.
35- تكوين رؤية علمية عن التصوف:
إن خطأ الكثيرين ممن تكلموا عن مختلف طرق التصوف الإسلامي هو ناتج من نظرتهم الجانبية إلى التصوف بحسبانهم إياه مجرد معرفة نظرية مثل علمي التاريخ و الجغرافيا فهم يحاولون معرفته بهذا الأسلوب غير الملائم.
إن معرفة التصوف معرفة صحيحة لا تتيسر إلا بالمعاناة الفعلية والاسترشاد بالصوفي الصادق المتمرس بمعاناة الرياضة العملية الضرورية لحصول الحال لديه مثله في هذا الشأن مثل الطبابة والهندسة والصناعات الدقيقة الخطرة ومن المسلمات أن هذه العلوم والصناعات لا يمكن معرفتها وتعريفها بحق إلا من المعانات الطويلة الأمد على أيدي خبراء بها سبق لهم أن مارسوها سلوكا وتجارب أكسبتهم الخبرة الصحيحة والقدرة الضرورية للإرشاد والتعليم، وتصحيح الأخطاء التي لا مندوحة من الوقوع بها خلال مراحل الطلب وربما بعده كذلك.
والفارق في ارتكاب الأخطاء بمزاولة هذه الأعمال هو في كون الضرر الحاصل من الخطأ في تلك العلوم وفي الصناعات الخطرة هو حسي واضح معروف النتائج ضاقت أو اتسعت أما الخطأ في فهم التصوف وفي تعريفه للآخرين فهو معنوي خفي، لا يلمس أضراره البالغة قبل وقوعها إلا لقلة من أهل العلم وتذهب أضراره أحيانا بعباقرة من الأفراد أو بجماعات بريئة، ويتعاقب أذاه أجيالا وأجيالا ويعسر التعويض عنها.
فلا سبيل قويما إلى تكوين رؤية واضحة ومعرفة صحيحة للتصوف وفهم أسراره وحل أحاجيه إلا عن طريق السلوك الطويل بصحبة المرشد ومعاناة ما عاناه من رياضات بدنية وروحية هي الشرط الأساسي لاجتياز مراحل الطلب في المعرفة العلمية لأسراره ولفهم تعابيره الذوقية.
التصوف الإسلامي الصحيح خاصة هو المحاكاة الواعية والاقتفاء العملي لسلوك الرسول الأعظم وآله صلى الله عليه و سلم وأصحابه الخلص ـ رض ـ ابتداء من الاستعداد الفطري لدى طالب المعرفة إلى كيفية المرور في مراحل الحياة طفولة وشبابا وكهولة، إلى التأمل الواعي في أوقات الصفاء، إلى ممارسة عملية لفضائل الأخلاق في التعامل مع المجتمع الضيق: العائلة والواسع: الأمة إلى التزام المحبة الشاملة لإنسانية الإنسان حتى في شخصية المناوئين، إلى الاستسلام الكامل للطف الإلهي وإلى الزهد في جميع مغريات الحياة القصية الزائلة وهذا ما نسميه الإيمان والإحسان التصوف.
أما الغرق الطويل في قراءة مخطوطات التصوف الزائف أو الصحيح والتعب في فهم أحاجيها فلا يوصل البتة إلى تكوين رؤية صحيحة ومتكاملة عنها لأنها مكتوبة بلغة ذوقية لا بلغة التعارف العادي بين جماهير الأدباء.
ولهذا فإن مجرد قراءتها لا يعطي إلا فهما خاطئا ورؤية غير صحيحة وهذا ما انحدر بأدعياء معرفة التصوف إلى الوقوف عند تفسيراتهم الخاطئة المستندة إلى فهمهم تعابيرهم فهما لا ذوقيا.
وتعابير التصوف التي نقلت لك في هذه الرسالة بعض معمياتها وأحاجيها وقارنتها بما يؤمن به قائلوها من نصوص محكمة لا يسمحون لأنفسهم بمعارضتها كما أنهم لا يجهلون معانيها وهم من هم كل هذا يثبت أن فهم تعابيرهم الذوقية يحتاج إلى السلوك الذي نوهت به والمصاحبة الطويلة للمرشد الواعي الملازم التطبيق الفعلي في حياته لكي يستطيع توجيه السالك للحصول على الذوق للفهم الصحيح والقدرة على تعريف غيره بها تعريفا صحيحا وليت الرواد الأول أبقوا تسميته أتباعا بإحسانا بدلا من التصوف وليت الحكام البعيدين عن التخلق بالقدوة الحسنة لم يدخلوا غاياتهم وأغراضهم التحكمية في سلوك المتبعين بإحسان ولكن .... ولكن... ما تغني ليت وألف ليت؟ فهذا ماحصل وهذا ما يحدو بأهل البصائر أن ينشروا الوعي والتفاهم و المحبة والتعاون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
القسم الرابع وثائق مرفقة:
وأخيرا أعتذر إليك عن الإطالة التي أرجو أن لا تكون مملة أو لا طائل فيها، وأبعث إليك مع هذه الرسالة بالوثائق الأتي بيانها:
نسخة من بيان عن عقيدة العلويين وقعه معي قرابة ثمانين شخصا من شيوخهم وشبابهم في الجمهوريتين العربية السورية واللبنانية وتجده منشورا عدا مقدمته المسهبة التي أخطا الناشر بجعلها جزءا من البيان في كتاب إسلام بلا مذاهب الطبعة الرابعةــ للدكتور مصطفى الشكعة مع اعتذاراه عما أورده في الطبعات الثلاث السابقة عن القوم موضوع مراسلاتنا.
وفي هذا البيان تجد الراغب في المعرفة للغرض العلمي البحت لا للسياسة ولا للتقويم الديني الجواب الصريح الصحيح عن جميع ما يحتاجه من المعرفة النافعة، الجامعة لا المفرقة، عن عقائد الجماعة الواسعة من أبناء قومه المؤمنين بكتاب ربهم والذين يكثر بينهم حفظته والمتعبدون بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار؛ والذين يبرؤون إلى الله تعالى في بيانات علمائهم المتكررة من كل دين غير الإسلام والذين تكسرت على صخرة إيمانهم الراسخ وصبرهم الجميل سهام الافتراءات والاتهامات التي كان ولا يزال يفوقها إليهم ذوو الأغراض والغايات من الحاقدين والمتزمتين المسمون علماء، خلال مراحل التاريخ بمناسبة وبدونها فيرددها جماهير الجهلاء وكأنها تنزيل من لدن حكيم حميد.
نسخة من ردي المطبوع بعنوان: للحقيقة والتاريخ على صاحب مجتمع الكراهية الأستاذ سعد جمعة حول نشرة سنة 1968: وحيد العين المفتراة التي يتذكرها ويردد أكاذيبها الحاقدون المفرقون، ويتناسون ويغفلون كتاباتي وأحاديثي الإذاعية الداعية جميعها إلى الوعي الديني والوئام والتعاون الاجتماعي وإلى التنبه والحذر من سموم الدساسين:
صورة عن برقية رفعتها من ربع قرن إلى المراجع العليا احتجاجا على افتراءات لإثارة الفتن وقد وقعها معي آنئذ قرابة مائة وخمسين شخصا من علماء ووجهاء وشباب القوم المفترى عليهم.
صورة طبق الأصل عن يومية محمود العزب موسى المار ذكرها والتي نشرت في صحيفة الأيام الدمشقية لصاحبها الأستاذ نصوح بابيل.
صورة طبق الأصل عن رسالة إصلاحية وجهتها في غرة رجب سنة 1383هــ إلى أهالي قرية عين الشمس ــ منطقة مصياف ــ محافظة حماه بسبب اختلاف حصل بينهم أدى إلى مقاطعة وشجار.
خمس صور طبق الأصل من مراسلاتي وهيئة الروم الكاثوليك في حلب في مناسبة افتراء مماثل لما سألت عنه.
صورة عن مقال حول المناسبة ذاتها نشرته بجريدة اللاذقية.
نسخة من قصة التقريب بين المذاهب الإسلامية أعدت طباعتها لثاني مرة في دمشق.
نسخة من منشور مطبوع بعنوان: كل مسلم شيعي فهو علوي بالضرورة بقلم العلامة الشيخ محمد حسن القبيسي ــ بيروت ــ الشياح.
صورة طبق الأصل عن رسالتين من الدكتور الشيخ محمد علي الزعبي ــ بيروت قبل / 16/ عاما ضمنهما ذكريات زيارته لآل الخير في القرداحة وجبلة وشوقه لزيارتي في دمشق.
صورة طبق الأصل عن رسالتي عميد الجامعة اللبنانية الأستاذ فؤاد أفرام البستاني حول بحث عن العلويين لدائرة المعارف التي يعمل على إعادة طباعتها وإكمالها وجوابي إليه عنهما.
نسخة من حديث ديني للإذاعة بعد نشرة سنة 1968لم يذع.
صورة طبق الأصل عن رسالة من الشيخ عبد العزيز عيسى مدير إدارة مجلة رسالة الإسلام التي تصدرها جماعة التقريب في القاهرة تتعلق بنشاطي في الدعوة لفكرة التقريب والثناء على جهودي.
صورة طبق الأصل عن رسالة الأستاذ غانم ياسين بيت الشيخ يونس صافيتا على أثر ردي على ما قال: غلاة الشيعة لم ينقرضوا بعد المار ذكره في هذه الرسالة.
صورة عن برقية تعزية بوفاة الإمام السيد محسن الحكيم المرجع الديني المقلد لجماهيرنا من المسلمين العلويين في الجمهورية العربية السورية.
صورة طبق الأصل عن رسالة من الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي بتاريخ 13/ذي الحجة سنة 1373 هــ بمناسبة إهدائي لسماحته نسخة من كتاب المختصر الجامع في أصول الدين وفروعه.
صورة طبق الأصل عن رسالة واردة من السيد مكي الشاذلي إدارة الشؤون الثقافي في وزارة التربية بالجزائر بمناسبة تلقيه كتابي من نداء الإيمان.
بعض أبيات للشيخ محمد أبو الشامات شيخ الطريقة الشاذلية بدمشق يؤرخ فيها وفاة الإمام الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية بعبارة : لحيث ألقت رحلها / 1323هـ /.
فقرة من تفسير سورة الكهف: قصة موسى مع العالم ومقارنة الإمام الأعظم: أبو حنيفة والحسن البصري بموسى والعالم وبالشمس والقمر، وتقديم رتبة أبو حنيفة على رتبة الحسن البصري بما نصه: إذ الإمام أبو حنيفة هو مظهر اسم الأول والظاهر والحسن البصري هو مظهر اسم الآخر والباطن في قوله تعالى: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن} سورة الحديد فالأولان مقدمان على الثانيين بتقديم إلهي، وهذا التفاوت إنما هو باعتبار ترتيب المراتب أما أصل الكمال وحقيقة الفضل فهم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها لسر يعرفه من يعرف ويغفل عنه من يغفل 1هـ ما نقلته بالحرف. ثم يذكر الأئمة الأربعة للمذاهب الأربعة ويحكم بضلال من لم يقتد بهم في علوم الشريعة والطريقة والحقيقة، وبخروجه عن دائرة القبول، ويختم بالقول: إن هذا كله كلام حضرة شيخي وسندي باختصار.
صورة طبق الأصل عن رسالة إلي من الأخ الدكتور الشيخ محمد علي الزعبي من بيروت بتاريخ /2/ أيلول سنة 1960م جوابا عن رسالتي إليه وفيهما نتعرض لموضوع الفرق الإسلامية وكيف تشكلت ولماذا ابتعدت وكيف يكفر عن الخطيئات التي سببت إبعادها فآمل منك دراسة الرسالتين بإمعان.
صورة طبق الأصل عن رسالة بتاريخ 24 شوال سنة 1366هـ من المرجع الديني المقلد المغفور له السيد محسن الأمين العاملي المقيم آنئذ بدمشق حول تعاوني مع الوفد الذي زار ربوع اللاذقية نيابة عن سماحته.
صورة طبق الأصل عن رسالة بتاريخ 19/رجب سنة 1386هـ من المرجع الديني الأعلى المغفور له السيد محسن الحكيم الطباطبائي جوابا عن رسالة مني إليه نقلها ولده السيد محمد باقر تتعلق بأمور دينية إصلاحية.
صورة طبق الأصل عن رسالة مني إلى أحد شبابنا جوابا عن كتابه إلي يطلب مساعدته في الانتخابات النيابية باسم الجمعية ورفضي طلبه مع تحذيره من أن يدس اسم الجمعية الخيرية بالشؤون السياسية وهذا ما يتعارض مع مبادئها الأساسية.
صورة طبق الأصل عن رسالة شعرية وجهها إليّ العلامة الشيخ عبد اللطيف إبراهيم ــ صافيتا ــ مهنئا بعودتي من المؤتمر الإسلامي المنعقد في الرباط في الأسبوع الأخير من عام 1971م.
صورة طبق الأصل عن رسالة بتاريخ 3/7/1970م وجهها إليّ العلامة الفقيه الشاعر السيد عبد الوهاب الصافي النجفي القاضي الشرعي المتقاعد والذي يمتهن المحاماة بين البصرة وبغداد جوابا عن رسالة سابقة مني إليه تتعلق بشؤون الإسلام والمسلمين.
صورة طبق الأصل عن رسالة بتاريخ 8/يوليو 1963م وجهها إلي من مقديشو ــ الصومال الأستاذ محمد شيخ جمال أحمد أعيان الجمعية الوطنية الصومالية تقديرا لعنايتي بولده الشاب أبو بكر خلال دراسته في الجامعة السورية بدمشق.
نسخة من رسالة بتاريخ 18/شوال سنة 1370هـ وجهتها إلى سماحة حجة الإسلام المجتهد الأكبر العلامة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء ــ النجف الأشرف جوابا عن كتابه إلينا بشأن الجمعية الخيرية الإسلامية الجعفرية باللاذقية يوم كنت أمين سرها وأحد الأعضاء المؤسسين.
صورة طبق الأصل عن رسالة من الفقيه الولي التونسي السيد الطاهر الملكي السعداوي من فريانة تونس بتاريخ 25/شوال سنة 1388هـ وجهها إلي أثر تلقيه بعض مؤلفاتي الدينية هدية بواسطة ابنتي وصهري في الجزائر.
صورة طبق الأصل عن رسالة بتاريخ 16/أكتوبر سنة 1963م وجهها إلي الوجه المفضال السيد محمد أحمد الأطرش بمناسبة قبولي مصاهرة ابنه المجاز في الفلسفة من جامعة دمشق ومما يلفت الانتباه في الرسالة قوله: وإنه لشرف كبير لنا أن يجمع الإسلام بين أسرتين إحداهما في المشرق والأخرى في المغرب وما ذلت أعتقد أن الإسلام أقوى وأوثق رابطة تربط بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها والرسالة صادرة عن توزر ــ تونس.
صورة طبق الأصل عن رسالة صادرة عن الخبر في العربية السعودية بتاريخ 26/تشرين الأول سنة 1963م من السيدة السورية نهى قروشان تعتذر فيها عن تأجيل موضوع الدراسة التي كانت مزمعة أن تقوم بها تحت إشرافي حتى السنة القادمة.
صورة طبق الأصل عن رسالة من القطيف السعودية بتاريخ 26/8/1379هـ الموافق 23/2/1960من الأديب الكبير الأستاذ عبد الله الجشي الموظف في مصلحة العمل الظهران فور عودته من زيارة بلادنا وتعرفه عن ربوعها وأهلها ومشاعرهم الإسلامية .
صورة طبق الأصل عن رسالة من بغداد بتاريخ24/ تشرين الثاني سنة 1959م وجهها إلي الأستاذ الحاج خليل أحمد العاني حول كتاب المذاهب الإسلامية للأستاذ أبو زهرة من جامعة القاهرة ويستنكر الروح العدائية البادية في مطاوي الكتاب ويطلب مني الرد عليه خدمة للعروبة والإسلام.
صورة طبق الأصل عن جوابي إليه بتاريخ 6/2/1959م في صدد الكتاب ذاته وأعمالي خلال الأشهر الأخيرة من عام 1958.
صورة طبق الأصل عن رسالة بتاريخ 2/5/1960م من فضيلة الفقيه الشاعر الشيخ عبد اللطيف إبراهيم ــ صافيتا ــ يستنكر فيه تهجم الشيخ أبو زهرة وعمر عمر والمشتهري بما يبعث الضغائن ويثير الأحقاد في عصر الوحدة والإخاء والمحبة، ويعتذر عن تكليفي إياه بمرافقة وفد من علمائنا إلى الأزهر الشريف للتعارف والتآلف والتعاون على البر والتقوى.
نسخة طبق الأصل من رسالة وجهتها بتاريخ 25/8/1380هـ و11/2/1961م إلى عدد من علمائنا الثقات أدعوهم فيها إلى الأخذ من الأخوة الدينية بالعروة الوثقى، والتوقف عن الاقتحام في الخصومات بما يؤدي إلى فرقة واختلاف عملا بما أكده الإسلام الحنيف من ضرورة الوحدة واجتماع الكلمة.
وقد أكثرت من المرفقات بقصد إطلاعك عمليا على المواقف والجهود التي أبذلها في سبيل التعارف والارتباط وجمع الكلمة خلال عشرات السنين من عمري راجيا منه تعالى أن يتقبل جهدي وأن يأخذ بأيدينا جميعا إلى ما فيه صلاحنا في الدارين.
هذا وآمل من أخوتك أن تعلمني نبأ استلامك جوابي مع مرفقاته وأن لا تحرمني من تعليقاتك الأخوية الثمينة على آرائي في هذا الموضوع سواء أكانت سلبية أم إيجابية فالحقيقة بنت البحث.
وختاما أبتهل إليه تعالى أن يتكرم علينا جميعا بالتوفيق إلى الاستمرار في طلب المعرفة الصحيحة النافعة والعمل بها وإلى الإيمان الثابت برسالة الإسلام العربية الخالدة التي هي هدى للعالمين، وإلى العمل الواعي الدؤوب على نشر دعوتها الجامعة التي فيها الصلاح والفلاح، مع حسن الخاتمة لنا جميعا، واسلم يا أخي لشاكر ثقتك وحسن ظنك به.
أخوك
الحاج الشيخ عبد الرحمن الخير
نزيل دمشق ــ من القرداحة ــ جبال اللاذقية
{أُنجز بواسطة: "الصفوة للدراسات الإنسانية". الموقع المختص بمثل هذه المواضيع: www.alaweenonline.com}