* لقد زار الشهيد حسن الشيرازي مناطق العلويين، هل
التقيتموه، كيف وجدتم هذه الشخصية؟
إن الشهيد السيد حسن الشيرازي (رحمه الله) زار مناطق
إخوانه العلويين أكثر من أي عالم من علماء المسلمين، والتقيت معه أكثر من أية
شخصية دينية أخرى في العالم الإسلامي.
لقد زارني في منزلي مرات عديدة، وحصلت بيني وبينه
صداقة حميمة يندر حصولها بين اثنين، وقد حزنت لفقده حزني على أحد أخوتي
نسباً، وإن ذكريات لقاءاتي واجتماعاتي معه لا تنسى، خصوصاً منها ذلكم اللقاء
السعيد في مكة المكرمة أثناء قيامي بفريضة الحج المباركة سنة (1977م)، إذ
اتخذ فيها دارا باسم أخيه السيد محمد الشيرازي كانت تؤمها للقاء معه العلماء
والشخصيات البارزة من مختلف أقطار العالم الإسلامي، وقد حضرت مجلسه لعدة أيام
كنت أتكلم وأتحدث خلالها بمواضيع إسلامية هامة، وكنت أنظر إليه مع شديد أسفي
عليه وهو يهتز طرباً إعجاباً بحديثي آنئذ شافعاً ذلك بقوله أجدت، أحسنت..
وقد عبرت عن هذه الذكريات في أحد أبيات قصيدتي التي
قلتها في رثائه، ثم في لفيف هذه اللقاءات التي حصلت بيننا في أماكن عديدة
ولسنوات عديدة لم أسمع منه أية ملاحظة أو تعليق نحو إخوانه العلويين. بل على
العكس فقد كان يشيد بهم ويعترف بنقاء إسلاميتهم وشيعتهم، وخير شاهد ومؤكد
لصحة قولي هذا ما جاء في مقدمته الرائعة للبيان الذي سبق أن أصدرناه ونشرناه
باسم (المسلمون العلويون شيعة أهل البيت) ووقعه ثمانون عالماً من علمائهم
ووجهائهم في الجمهورية العربية السورية والجمهورية اللبنانية، قال:
(لقد وفقني الله تعالى لزيارة إخواننا المسلمين
العلويين في الجمهورية العربية السورية من 3-7 شعبان 1393هـ، ثم زرت إخواننا
المسلمين الشيعة في طرابلس لبنان، وذلك على رأس وفد من العلماء بأمر من سماحة
الإمام المجدد المرجع الديني السيد محمد الشيرازي (قدس سره).
فالتقيت بجماعة من علمائهم ومثقفيهم ومجموعة من أبناء
المدن والقرى في جوامعهم ومجامعهم، وتبادلنا معهم الخطب والأحاديث، فوجدتهم
كما كان ظني بهم من شيعة أهل البيت الذين يتمتعون بصفاء الإخلاص وبراءة
الالتزام بالحق..).
إلى قوله: (هذا البيان الذي يقدمه إلى الرأي العام
أصحاب الفضيلة من شيوخهم هو واضح وصريح لأداء دلالتين:
- الأولى: أن العلويين هم شيعة ينتمون إلى أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالولاية وبعضهم ينتمي إليه بالولاية
والنسب كسائر الشيعة الذين يرتفع انتماؤهم العقيدي إلى الإمام علي (عليه
السلام) وبعضهم يرتفع إليه انتماؤه النسبي أيضاً.
- الثانية: أن العلويين والشيعة كلمتان مترادفتان مثل
كلمتي الإمامية والجعفرية، فكل شيعي هو علوي العقيدة، وكل علوي هو شيعي
المذهب.. الخ).
فلينظر القارئ المنصف إلى هذه الشهادة الصادقة الصادرة
عن رجل كان مثالاً للصدق والإخلاص والمثل العليا وإنه (رحمه الله) لم يقف عند
حد زيارته لإخوانه العلويين في سوريا ولبنان فقط، فقد زار حسب ما حكى لي عدة
مدن من عدة أقطار إسلامية وعربية، قام فيها ببث التوجيه والإرشاد والدعوة إلى
وحدة الكلمة، من جملتها ساحل العاج في أفريقيا، وقد التقيت بوجه من وجوه ساحل
العاج في مجلسه بمكة أثناء رحلته وحصل بيننا نقاش جميل وممتع ابتهج له
الحضور، ولمتانة الصلة الودية التي حصلت بيني وبينه فقد وعدني بإعادة طبع
كتابي (الموجز المتين في العبادات والمعاملات على مقتضى فقه الإمام جعفر
الصادق (عليه السلام)) بعد وضع المقدمة له من قبله، ولكن ويا للأسف والحسرة
عليه فقد حال دون إنجازه ذلك حصول اغتياله بيد الغدر والإثم والنذالة، وقد
تأثرت لرحيله بدرجة قصوى، ورثيته بقصيدة شعرية ألقيتها بمناسبة حفلة تأبينية
التي أقيمت له في أحد الأبنية من حي السيدة زينب (عليها السلام)، وأيضاً كلمة
أخرى نثرية ألقيت في الحوزة العلمية الزينبية بحضور حشد كبير من العلماء
والشعراء والأدباء.
ولقد افتتحت قصيدة الرثاء بقولي مخاطباً سماحته:
يا شهيداً شهد العلم لـه***أنه السبّاق في مضمـــــاره
وإماماً أمه الناس لكـي***يقبسوا الإشعاع من أنـواره
وربيعاَ مشرقاً في كوننا***عطر الأجواء من أزهـــاره
وقلت في رثائه بكلمتي النثرية، بعد كلام: أيها الحفل
الكريم، إخواني، إننا جميعاً نجتمع في هذا المكان الطاهر في حسينية الحوزة
العلمية الزينبية في مدينة دمشق الجميلة، نجتمع لنقوم بإحياء ذكرى مؤسس هذه
الحوزة المباركة العلامة الجليل حجة الإسلام ونبراس الفضيلة والمجاهد الكبير
آية الله الشهيد في سبيله الإمام السيد حسن الشيرازي طيب الله ثراه وغمره
بفيض من رضوانه.
أيها الأخوة..
إن إحياء ذكريات أبطال التاريخ وعظماء الإنسانية على
صورتين، صورة شكلية مظهرية، وأخرى عملية تطبيقية.
- فالأولى: تكون وتحصل بعقد الاحتفالات والاجتماعات،
يتخللها التحدث والتكلم حول آثار ومآثر الأشخاص المحتفى بذكراهم، كما هو
الحال فيما نحن عليه الآن.
- والثانية: تتجلى بالسير على نهجهم القويم اللاحب،
والعمل في تطبيق مبادئهم الحقة وتعاليمهم الحكيمة وتكريم المحتفى بذكراهم
التكريم الصحيح السليم إنما يتحقق ويتم بتحقيق الصورة الثانية أي بالعمل
التأسي بأفعال وأخلاق أولئكم المحتفى بذكراهم، لا بالوقوف عند حد الصورة أي
بالاقتصار على عقد الاجتماعات والاحتفالات، وإلقاء القصائد والكلمات.