الهداية الكبرى

الحسين بن حمدان الخصيبي


 

[ 1 ]

الهداية الكبرى


 

[ 3 ]

الهداية الكبرى تأليف أبى عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبى المتوفى سنة 334 هجرية موسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - لبنان


 

[ 4 ]

كافة الحقوق محفوظة ومسجلة الطبعة الرابعة 1411 ه‍ - 1991 م مؤسسة البلاغ لبنان - بيروت - المشرفية - بناية المقداد - ص ب: 7952 - هاتف: 835550 - 835820


 

[ 5 ]

بسم الله الرحمن الرحيم لمحات عن الكتاب والمؤلف من هو الحسين بن حمدان الخصيبي الجنبلائي أو الجنبلاني ؟ كنيته أبو عبد الله، واسمه الحسين بن حمدان الخصيبي، وفاته في ربيع الاول سنة 358 ه‍، وفي رواية أخرى كانت وفاته في حلب، يوم الاربعاء لاربع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة 334 ه‍، وشهد وفاته بعض تلامذته ومريديه، منهم أبو محمد القيس البديعي، وأبو محمد الحسن بن محمد الاعزازي، وأبو الحسن محمد بن علي الجلي، ودفن في حلب، وذكر له ولد يدعى أبا الهيثم السري، وابنة تدعى سرية، والفرق بين الروايتين إثنا عشر عاما، ونرجح هذه الرواية لانها وردت في آثار تلامذته ونسبه. في الخلاصة: الحضيني، بالحاء المهملة، والضاد المعجمة، والنون قبل ياء النسبة، وعند ابن داوود، الخصيبي، بالخاء المعجمة، والصاد المهملة، والباء قبل ياء النسبة، نسبة الى جده خصيب، أو إسم المنطقة التي ولد فيها، وأما الجنبلائي نسبة إلى جنبلاء بالهمزة، بلدة بين واسط والكوفة، وينسب إليه أيضا جنبلاني بالنون قبل ياء النسبة، كما ينسب إلى صنعاء، صنعاني. أقوال المؤرخين المعاصرين له كثيرة بين متحامل عليه وحاقد، وبين محب ومخلص، وبين ملتزم في الصمت، منهم النجاشي، وابن الغضائري، وصاحب الخلاصة من المتحاملين عليه. وفي الفهرست لابن النديم، الحسين بن حمدان الخصيبي الجنبلائي، يكنى أبا عبد الله، روى عنه التلعكبري وسمع منه في داره بالكوفة سنة 334 ه‍، وله اجازة.


 

[ 6 ]

وفي لسان الميزان، الحسين بن حمدان بن خصيب الخصيبي، أحد المصنفين في فقه الامامية، روى عنه أبو العباس بن عقدة وأثنى عليه واطراه وامتدحه، كان يوم سيف الدولة بن حمدان في حلب، وفي أعيان الشيعة للعلامة الكبير المجتهد، والمؤرخ والاديب والكاتب الامامي السيد محسن الامين العاملي (طيب الله ثراه) ترجمة للخصيبي مفادها امتداحه والثناء عليه، وعلى أنه من علماء الامامية وكل ما نسب إليه من معاصريه وغيرهم لا أصل له ولا صحة، وانما كان طاهر السريرة والجيب، وصحيح العقيدة، كما أن السيد الامين (رحمه الله وقدس سره) أورد في كتابه أعيان الشيعة أقوال العلماء فيه ورد على المتحاملين عليه ردا جميلا، كابن الغضائري والنجاشي وصاحب الخلاصة، ويقول السيد الامين العاملي (قدس سره)، لو صح ما زعموا وما ذهبوا إليه ونسبوه له لما كان الامير سيف الدولة المعروف والمشهور بصحة عقيدته الاسلامية وولائه لعترة الطاهرة وآل البيت (سلام الله عليهم) صلى عليه وأئتم به. وفي رواية التلعكبري على انه اجيز منه لما عرف عنه من الوثاقة والصدق بين خواص عصره، وأما من المعاصرين، فالمرحوم والمغفور له عضو المجمع العلمي في دمشق، والكاتب الشهير، والفيلسوف العظيم، والحكيم العاقل، والشيخ الوقور الملتزم الصادق قولا وعملا وسلوكية، قال فيه والكلام لي والمعنى له، على ان العلماء والمؤرخين ذهبوا فيه مذاهب شتى بين متحامل حاقد ومبغض كاسح، وبين مغال مفرط مسرف مبالغ، وبين معتدل عاقل، وخلاصة القول: كان من علماء آل محمد والامامية وهو في هذه الشهادة يتفق مع السيد الامين العاملي (قدس سره). مؤلفاته كثيرة، ذكر السيد المجتهد محسن الامين العاملي مؤلفات الخصيبي وأورد أسماء من أتوا على ذكرها ومحص تلك الاراء والاقوال المتعددة في دقة وأمانة فصح له منها عشرة كتب، وهي الاخوان، المسائل، تاريخ الائمة، الرسالة، أسماء النبي، أسماء الائمة، المائدة، الهداية الكبرى التي


 

[ 7 ]

نحن في صددها، الروضة، أقوال أصحاب الرسول وأخبارهم (1). يوجد الآن من أتباعه في إيران وحدها مليون ونصف يسكنون ضواحي المدن الآتية وهي: كرمنشاه، وكرند، وذهاب، وزنجان، وقزوين، وفي العاصمة طهران وضواحيها، هذا ما قاله الامين العاملي نقلا عن السيد محمد باقر حجازي صاحب جريدة وظيفة، وفي قناعتي الخاصة، احسن ما نقل عنه، أو تحدث به عنه حتى الآن هو الفيلسوف الامير حسن بن مكزون السنجاري الفيلسوف والعلامة والمؤرخ والفقيه والقائد والمحدث والراوي والمحقق والمدقق معا واللغوي والمتبحر والرباني في علوم آل محمد ومعارفهم وحبه لهم وإخلاصه وقد ورد هذا الحديث عنه في مخطوطته الشعرية أي ديوانه الكبير وهو المرجع الاول والاخير والمعول عليه والمعتمد في كل ما يتعلق بشؤون وأحوال الطائفة المنتمية أي الشيخ أبي عبد الله الحسن بن حمدان الخصيبي وقد شرحه وبسطه وأزال غموضه العلامة الكبير المغفور له الشيخ سليمان الاحمد تغمد الله ثراه وأخرجه حلة قشيبة الى المكتبة العربية ومحبي الفيلسوف وأنصاره والديوان في رأيي صورة صادقة أمينة ومنتسخة عن عقائد الطائفة في كل النواحي قولا وعملا وسيرة والتزاما وأرى شخصيا أن ديوان المكزون المخطوطة موسوعة ودائرة معارف المكزون الفيلسوف الرباني لم يمتدح أميرا أو واليا أو مسؤولا على خلاف غيره ومعاصريه من الشعراء ولكنه امتدح آل حمدان أتباع الخصيبي عقيدة وولاء وسيرة ويرى مدحه لهم فرضا لازما وواجبا محتما لا أثر للمصلحة فيه ولا دافع ماديا أو وجاهة أو صورة نفعية وإنما أملاه عليه الواجب الولائي والعلاقة الروحية التي هي الحبل المتين وقطب الرحى وهو لما يراه أيضا ويعتقده لكونه تنتمي طائفته الخصيبية الى العترة


 

(1) كتاب أعيان الشيعة للسيد محسن الامين العاملي، ج 4، صفحة 345، رقم 4117 من الطبعة القديمة.


 

[ 8 ]

الطاهرة والشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء بيت النبوة ومعدن النور وميزان الحق وحجج الله على البرايا وألسنة الصدق والدعاة إلى الله وسبل النجاة وأبواب رحمته والوسائل إليه دنيويا وأخرويا واجتماعيا وفكريا اسمعه إذ يقول معلنا ويصرح مبينا ويجهر موضحا عقيدته الصادقة وإيمانه الراسخ العميق للخاص والعام في أسلوب شعري رصين وعاطفة صادقة ووفاء واخلاص لاسياده وأساتذته وأصحاب طريقته في أكثر من موضع في مخطوطته الشعرية ورسالته النثرية وأدعيته المشهورة والتي لا تختلف لفظا ومعنى وفكرا عن أدعية الائمة كالسجادية وغيرها من الادعية قال بهم آمرا وناهيا على صيغة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في أسلوب قرآني رصين. واقطع أخا الجهل وصل كل فتى * شب على دين الغرام واكتهل من آل حمدان الذين في الهوى * بصدقهم يضرب في الناس المثل خزان أسرار الغرام ملجا العشاق * من أهل الشقاق والجدل قوم أقاموا سنن الحب الذي * جاءت به من عند لمياء الرسل تلوا زبور حكمها كما أتى * ورتلوا فرقانها كما نزل اولئك القوم الذين صدقوا الحب * وفازوا بالوصال المتصل آووا إلى كهف سليمى فجنوا * من نحلها الزاكي بها أزكى العسل وعن سبيل قصدها ما عدلوا * ولا أجابوا دعوة لمن عزل فهو في العرض الشعري يبدو في القمة فكرة وأسلوبا وعاطفة وتعبيرا صادقا وتصويرا رائعا على خلاف غيره من المتاجرين حينا والمنافقين حينا آخر وتقديري أن الطائفة الخصيبية هي الفرقة المؤمنة الموالية للعترة الطاهرة أصولا وفروعا ومجازا وحقيقة وقولا وعملا فهم أي أهل طريقته تحت راية لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والايمان بالخط الامامي وما هم عليه من التزام صحيح ورؤية سليمة وعلى أنهم رتلوا القرآن كما نزل وآمنوا به وصدقوا باحكامه ونهجوا على سنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) واقتفوا هدي آل بيته (سلام الله عليهم) وما مالوا ولا زاغوا عن الحق ولا


 

[ 9 ]

أجابوا إلا دعوة الصدق ولا ساروا وراء دعوة اللائم العزول المفتري ويرى على أنهم قطفوا ثمار الدعوة وجنوا محصولها الزاكي المعنوي من نبعه ونهلوه مصبه دونما وساطة وهو في كل تعابيره الصريحة منها وغير الصريحة يسلك مسلك الحب الصادق والوفاء والاخلاص لشيخ الطائفة مسلما له الانقياد وطائعا له في كل الاصول الكلامية والمسائل الفقهية كما غلب على حسه وعقله ونفسه وتحققه وتاكده من صحة ما كان عليه شيخه الحسن بن حمدان حتى إنه يرى لا رأي إلا رأيه إيمانا منه واعتقادا على انه ما خرج عن رأي الائمة المعصومين في كل ما كتب وما قال ونشر بين خواصه وعوامه ومحبيه ومواليه والمقربين إليه قولا وعملا ومنهجية ويستمر على غرار ما عهدناه به وما عرفناه عنه في الحديث عنهم مطنبا حينا وموجزا حينا آخر دونما ملل أو ضجر أو تعسف أو خروج عن المألوف قال في القصيدة نفسها السابقة. والمدح كلها مصبوب على آل حمدان وموجه إليهم: أهل الوفا والصدق إخوان الصفا * كواكب الركبان أقمار الحلل دراهم للعاشقين قبلة * وترب مغناها محل للقبل وقد حوت علما وحلما وتقى * في طي أمن وانخلاع وجذل فانزل بها إن جزت زوار الحمى * يا سائق العير دع حث الابل والثم ثرى من لي بان الثمه * نيابة عن الشفاه بالمقل فهو في الصورة والمعبرة والتصوير المؤثر يجلهم ويعظمهم كعادته ويرفعهم منزلة عالية ويسبغ عليهم صبغة القداسة ويطبعهم بطابع الهدى والتقى والهداية فمعهدهم في نظره يختلف عن غيره من المعاهد ودارهم تختلف عن غيرها من الدور فهو يصرخ بعنف بالواقفين على الاطلال والآثار ويحثهم على الالتزام بالجواهر والحقائق التي هي الغاية في الاصل والحقيقة في الاسلام إنهم في عقيدته حينا وقناعته حينا آخر إخوان صدق وصفاء وكواكب ركبان وأقمار منازل وعلى أن دارهم للموحدين والسالكين قبلة وتراب مغناها مكان طاهر للتقبيل واللثم كمشاهد الائمة (سلام الله عليهم) في بلاد الرافدين


 

[ 10 ]

والكوفة والبقيع وغيرها من العتبات المقدسة كطوس وسواها وفي كل موطئ قدم مروا به أو أقاموا على ترابه ويرى أن هذه المشاهد الطاهرة والعتبات المقدسة قد أشيد عليها دور العلم والحكمة وأقيم عليها الحوزات الدينية التي حفظت الاسلام والشريعة السمحة وأحكامها وهذا الرأي الصحيح هو رأي الامامية الفرقة الناجية صاحبة الحق وهذا ما نوه عنه وأشار إليه العلامة المعتزلي ابن أبي الحديد في قصائده العلويات لشهرتها أعرضنا عنها وساوضح للقارئ الكريم قناعتي في الموضوع الذي أثير حول طائفة الشيخ الذي نحن في صدده والحديث عنه وما التبس في القديم والحديث على الآخرين من شبهات لا تعطي دليلا قطعيا لا من قريب ولا من بعيد فالناقل عنهم والحامل عليهم إما لعصبية عمياء أو كراهية ممقوتة أو لجهل مركب منبوذ من أصحاب الاقلام المأجورة وأرباب الدعوات الباطلة الذين هم في هذا النهج عملاء للصهيونية وخدم للامبريالية وهم ليسوا من المسلمين وهؤلاء الفريق من الناس معروفون قديما وحديثا على أنهم تجار منافع وسماسرة مصالح يميلون مع كل ناعق كما قال الامام علي (عليه السلام) في هذا المجال وسواه. ونعود إلى الموضوع نفسه بعد هذا الاستطراد البلاغي حيث تراه دائما يشيد بهم ويثني عليهم ويطريهم قال: 1 - حتى انتهيت باصحابي إلى حرم * حماته سادة من آل حمدان 2 - قوم أقاموا حدود الله واعتصموا * بحبله من طغاة الانس والجان 3 - واستانسوا بالدجى النار التي ظهرت * بطور سيناء من أجبال فاران 4 - لم ينسهم عهدها تبديل معهدها * كلا ولم ينسهم عن حبها ثان وهذه الصورة الصادقة تراها واحدة في كل قصائده لا لبس فيها ولا غموض ولا تعقيد وهذا ناجم عن مواقفه الصادقة والايجابية لمحبيه وأساتذته ويرى القارئ الكريم معي والناقد المنصف أيضا لا يخرج في مدحه هذا عن مدح الكميت ودعبل والفرزدق وأبي فراس الحمداني شعراء آل البيت ومحبيهم تعبيرا وتصويرا وعاطفة وعلى غرار ابن الرومي وأبي تمام الطائي والسيد


 

[ 11 ]

الحميري مرة أخرى لشهرة شعرهم في هذا الموضوع أعرضنا عنه ولسهولة تداوله والحصول عليه وهذا المدح في رأيه لا يزيدهم منزلة أو يرفعهم درجة بل يرى على العكس المادح لهم يزداد منزلة وقيمة ورفعة لانهم أسمى من المدح والقول والنظم ويتابع رحلته الشعرية هذه بحرارة الايمان معبرا عنهم أحسن تعبير وبعيدا عن الابتذال والتكلف والتصنع على خلاف غيره من المادحين والناظمين قال: وفوا العلوة بالميثاق واتحدوا * على الحفاظ وجافوا كل خوان هم الجبال الرواسي في علوهم * وأنجم الليل تهدي كل حيران سعوا فلم ترهم عين الجهول بهم * الا كما نظرت من شخص كيوان صلى الاله على أرواحهم وكسا * أشباحهم حللا من روض رضوان فهم في عقيدته كالجبال الرواسي سموا ورفعة، وكانجم الليل هداية وارشادا، وقد اختفوا عن أعين الجهلة والمبغضين، وحق له أن يقول ذلك، لانهم لا يرون عقيدة الا عقيدة آل البيت ولا إسلاما إلا إسلامهم، وهم في قناعته كما قلنا فوق مدح المادحين، واطناب المطنبين، واسهاب المسهبين، وهم أي محبوا آل البيت أسمى وأرفع وأعلى بكثير وكثير مما يقول، لانهم صورة منتسخة عنهم كسلمان، وأبي ذر، وعمار وغيرهم مما يضيق بنا الحديث عنهم في هذه المقدمة، ويكرر مدحه لهم معرضا بغيرهم لترك الصورة، والتزام الحقيقة والتمسك بالعروة الوثقى، وترك السراب الباطل، وهذا كثير عنده قال: ويل الى الخيف عن الخوف الى * ظل اللوى والبلد الامين حمى به آل الخصيبي عصمة الخائف من زمانه الخؤون بنو الوفا والصدق اخوان الصفا * قوم وفود الحجر والحجون أميال بيت الله أعلام الهدى * الطاردون الشك باليقين فهو يرى الخصيبي وأتباعه الميامين على أنهم ملاذ الخائف من زمانه


 

[ 12 ]

الخؤون، وانهم أهل صدق ووفاء واخوان مودة وصدق، وهم الذين يزورون الحجر والحجون، وهم أميال بيته وقواعده وعمده، لما هم عليه من صدق الولاية والعقيدة التي هي الذخيرة ليوم العرض، وهو في قوله هذا ومدحه لهم صادق التعبير والعاطفة ومتاجج الاحاسيس والمشاعر لانه يرى سلوكيته هذه تجاههم حياة له ونجاة وفوزا في الدنيا والآخرة، وهذا صحيح إذا ما التزم السالك وصدق في التزامه وثبت، وهو يهب فوق هذا وسواه كدعوة صارخة على الذين وقفوا عند الجدار، وسماع النعيق، وعدم سماع نداء الحق ودعوة الصدق، التي عليها أهل البيت وشيعتهم الفائزين، وأتباعهم المؤمنين في القديم والحديث، ونظرته هذه في الواقع قد يراها الآخرون مغايرة لما هم عليه، ومباينة لما هم فيه، وكيف لا يكون ذلك وهو الذي يرى في أهل البيت المثل الاعلى والاسوة الحسنة، والقدوة الطيبة في كل القيم، والمثل، والاخلاق، والآداب، والفضائل، والمناقب، كما انه يرى على ان العبادات الاسلامية والحدود الخمس، وما يتفرع عنها من أصول وفروع، مضمونها ومحتواها سعادة المؤمن، ولا تأخذ الشكل الصحيح والسليم والكمال الروحي الا بهم، أي بائمته الطاهرين المطهرين والمعصومين (سلام الله عليهم)، وهذا صحيح من الوجهة العقلية والمنطقية، والشرعية، لانهم أئمة عدل كما يقول دعبل الخزاعي: أئمة عدل يقتدى بفعالهم * وتؤمن منهم زلة العثرات وأئمة تقى كما يقول الفرزدق: ان عد أهل الارض كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الارض قيل هم ولهذا قال الامام أحمد بن حنبل في مسنده في موضوع مناقب علي (عليه السلام) ما معناه، على ان العبادات من صلاة، وزكاة، وصوم، وحج، وجهاد، تسمو وتعلو بعلي (عليه السلام) وتزدان به وتسمو، كما الخلافة والامرة أيضا لا تزيده أو ترفعه، بل هي تزداد رفعة وسموا ومنزلة به على خلاف


 

[ 13 ]

غيره من الصحابة، بينما غيره لا وزن له ولا قيمة الا بما يعمل ويمارس من سلوكية وسيرة حسنة، ولهذا وغيره اتخذ من جاء بعده وحتى الآن كعبة له ومنارة وملاذا في العلم، والفكر، والزهد، والحكمة، والورع، والشجاعة، والجرأة، والاقدام، والجود والسخاء، والبذل، والعطاء، والايثار، والفداء، والتضحية، وغيرها من الصفات الذاتية التي كان يتسم بها بغض النظر عن هويات الاشخاص، والعباقرة، والمفكرين والجهابذة، وقادة الرأي، ولذلك يرى المكزون، كما يرى غيره من معاصريه كالشريف الرضي في مقدمة النهج يجمع جميع المتناقضات في شخصيته الانسانية، والاسلامية، والعربية، وعلى هذا الرأي جميع أهل التحقيق، والفضل، والعلم، والنقل. ولذلك يرى المكزون على أن آل الخصيبي من لم يسلك ما سلكوه أو يعتقد ما اعتقدوه فلا قيمة له ولا وزن، لانه يعرف هؤلاء على نهج أهل البيت وهديهم، وذهب على أن الذين لم يسلكوا يؤمنوا أو يعتقدوا بهم لم يقبل الله منهم عملا، ولم يفلحوا أو ينجحوا. وهو في صورة هذه يعبر تعبيرا إسلاميا محضا ويشير دائما الى اخلاصه لهم، والتزامه بهم لانه يرى في بني طريقته التي هي في رأيه زبدة فكر آل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم)، ويرى المكزون ان العبادات من جميع النواحي تبقى صورية وشكلية ان لم يهجر، أو يكف، أو يرتدع عن المحارم، والمنكرات، والخبائث، والفواحش تمشيا مع روح الشريعة الاسلامية السمحة قائلا: لم أقض في حبكم حجي ولا تفثي * ان لم أرح هاجرا للفسق والرفث وعليه فالخصيبيون في نظره هم خاصة العترة الطاهرة، ويرى ان أتباعه، أي أتباع الحسين بن حمدان الخصيبي، إماميون مؤمنون بامامة الائمة من علي المرتضى (عليه السلام) إلى الحجة (عليه السلام) صاحب العصر والزمان، ويرون أنه لا معنى لعمل شرعي أخروي أو دنيوي ما لم يكن مضمونه ومحتواه مشروطا بولاية الائمة والايمان بهم، وعلى انهم بهم يحاسب


 

[ 14 ]

الله سبحانه، وبهم يثيب كما هو معروف ومشهور لدى الامامية لشهرته، ولشهرته أعرضنا عنه ولم نات على ذكره أو إيراده هنا، وعليه فالشيعة العلويون الذين يسكنون في سوريا في كل مدنه وقراه، وخصيصا في الساحل الغربي من القطر هم من أتباعه والملتزمين به وعلى طريقه لانه لم يخرج في اعتقادهم عن الشريعة الاسلامية السمحة ككل وعن مذهب الامام جعفر الصادق (عليه السلام) بخاصة، والشيخ أبو عبد الله شيخهم الروحي عاش في كنف الدولة الاسلامية الحمدانية الشيعية المؤمنة في القرن الرابع الهجري على وجه التحديد، وهذا الامير المؤمن سيف الدولة ابن حمدان أجمعت عليه كلمة المؤرخين على أنه هو الامير المشهور بعقيدته الصادقة وحب آل البيت (عليهم السلام)، والباحث لدى معاصريه من الشعراء والادباء والفلاسفة، والكتاب، والمؤرخين، وفي طليعتهم الشاعر أبي الطيب المتنبي الذي امتدح الامير في خيرة شعره وأدبه، لانه رأى فيه الامير العربي والمسلم الذي يمثل روح الاسلام والعروبة على حدود الرسوم، كما رأى المكزون في قومه الخصيبيين الروح نفسها، والصورة ذاتها، ومن هنا وجد الحسين بن حمدان غايته في هذا الامير المؤمن الصادق للشجرة الطيبة آل محمد (عليهم السلام)، كما انه في القرن الرابع الهجري هو الذي أعطى العروبة هذا البعد الصحيح وهذا الفكر الواضح، وتلك الرؤية الصادقة الصحيحة المتمثلة في شريعة الاسلام، وسيرة العترة الطاهرة، اعتقادا، وممارسة، وتطبيقا. ونعود إلى موضوع الهداية الكبرى، فهي من الوجهة التاريخية، تراثية إسلامية، ومن الوجهة العقائدية فهي إسلامية الاصول والفروع، تدور موضوعاتها عن المعصومين الاربعة عشر بدءا من الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) وابنته الزهراء البتول الطاهرة المعصومة (عليها السلام) والائمة الاثني عشر بدءا من علي المرتضى الى الامام الحجة صاحب العصر والزمان، وهي تتحدث على غرار وشاكلة الكتب الامامية المعتمدة عند الامامية كالبحار، وعيون المعجزات، وغيرها من الكتب كالحديث عن


 

[ 15 ]

مناقب وفضائل ومعاجز الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، بشكل يكاد العقل ألا يصدق هذه المعجزات، ولكن الباحث الاسلامي والدارس الملتزم يرى صحة هذه المعاجز الخارقة أمرا صحيحا، ولكن المشكك لا يستبعد عنه أن يشك في أصل الشريعة الاسلامية، القرآن الكريم مثلا، فالمسالة مسالة إيمان وعقيدة، وسيرة عطرة، لا مسالة جدل عقيم، ونقاش حاد لا جدوى فيه ولا نفع، وأهل البيت (سلام الله عليهم) من تتبع سيرتهم، وتقصى أخبارهم لدى المؤالف والمخالف، والموالي وغير الموالي يجدهم ويرى في سيرتهم العطرة صفحة مشرقة ناصعة في جبين التاريخ والانسانية جميعا، كما انه يرى في ذكرهم وعملهم مثلا أعلى لغيرهم من عظماء التاريخ، وقادة الرأي، وجهابذة الفكر، وفلاسفة الحكمة، وحكماء الحقيقة، ويرى فيهم أيضا ثورة عارمة في الحياة والممات على الظالمين، والمستكبرين، والمنافقين، والغادرين، والتجار، والمروجين في كل عصر وزمان، ولذلك اتخذهم الناس جميعا مرجعا لهم في كل معضلاتهم أمورهم الثقافية، والعسكرية، والاقتصادية، والسياسية، والادبية، والعلمية، والاخلاقية، والسلوكية، وهذه الصفات الذاتية أمور مسلم بها وبديهية أيضا، إذن فلا غرر بعد هذا وذاك ألا تشكك في مضمون الهداية من معاجز خارقة لهم ومناقب رائعة، وفضائل عظيمة، لان شرف العلم بشرف المعلوم، وعليه أقول أن العبادات الخمس من صلاة، وزكاة، وصوم، وحج، وجهاد، تشرف غيرهم، بينما هذه العبادات تزداد بهم سموا، وعلوا، ومنزلة، ودرجة، وكذلك الخلافة، والامارة، والامامة ان صح التعبير، زينت غيرهم، ورفعت سواهم، بينما هم، أي آل البيت (سلام الله عليهم) لم تزدهم رفعة، ودرجة، ومنزلة، بل هي ازدانت بهم وارتفعت، وهذا ما قاله الامام أحمد بن حنبل في فضائلهم (عليهم السلام). إن الباحث الاجتماعي المنصف يرى هذا الاعتراف صحيحا دونما


 

[ 16 ]

مواربة، أو اشكال، أو التباس، والجاحد لهذا والناكر له سمته العربية وأرباب العربية ناصبيا، ورحم الله الشاعر العربي الكبير المتنبي، حيث التقط هذا المعنى عندما امتدح أحد العلويين الاشراف قائلا: وأبهر آيات التهامي أنه * أبوك وأجدى ما لكم من مناقب إذا علوي لم يكن مثل طاهر * فما هو إلا حجة للنواصب نعم وألف نعم هو أبهر آيات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورحم الله أيضا أبا علي شوقيا حيث كرر المعنى نفسه قائلا: أما الامام فالاعز الهادي * حامي عرين الحق والجهاد العمران يا خذان عنه * والقرآن نسختان منه أصل النبي المصطفى ودينه * من بعده وشرعه وصفحتاه مقبلا ومدبرا * وفي الوغى وحين يرقى المنبرا والحجر الاول في البناء * واقرب الصحب بلا استثناء وجامع الآيات وهي شتى * وشدة القضاء باب الافتا والكلام يطول في هذا الموضوع ويحتاج إلى مجلدات ومجلدات، ولعل وعسى أن نوفق مستقبلا للكشف عن هذا الكنز المغمور، والازاحة عن هذا الستار المحجوب لدى عامة المسلمين، لان الهوى والعصبية قتلت علماء السوء احياءا وأمواتا وباعوا دينهم بدنياهم، هذه لمحة مختصرة عن الهداية، ونبذة متواضعة عنها. وخلاصة القول، ان العلويين هم مسلمون، إماميون، جعفريون، يعتمدون أصول الشريعة الاسلامية عقيدة لهم ويطبقون أحكامها وفقا لمذهب الامام السادس أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) قولا وعملا، وسلوكية، وسيرة، ولا يرون بديلا عن الاسلام على الرغم من التعذيب، والتنكيل، التشريد، والذبح والقتل، بدءا من العصر الاموي ومرورا بالعباسي وانتهاءا بالعثماني البائد، لا لسبب إلا لانهم رفضوا الولاء كلية


 

[ 17 ]

لائمة الجور، والضلال، والفساد واسوة بائمتهم وقدوة بهم على مر العصور والازمنة (1)، ومن هنا انهالت عليهم التهم الباطلة، والافتراءات الكاذبة، والصقوا بهم ما لا يليق بنا هنا في هذه المقدمة ان نذكره، أو ناتي على ذكره ترفعا واباءا منا، وحرصا على وحدة الكلمة ورأب الصدع، وضرب الفتنة ودفنها، ولم يسلموا من أذى الحكام الظالمين إلا في ظل الدولة الحمدانية في حلب الشهباء في القرن الرابع الهجري، لانسانية هذه الاسرة وأخلاقيتها العظيمة، وسيرتها العطرة، ونبلها العربي، وتسامحها الاسلامي، فهم إذن مسلمون، موحدون، يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وبمحمد، (صلى الله عليه وآله) نبيا ورسولا، وبالقرآن دستورا ومنهجا صالحا لكل عصر، ومكان، وزمان، ويقيمون الصلاة الى ذلك سبيلا وهم يتعبدون فقهيا واحكاما على مذهب الامام الصادق (عليه السلام) والذي اعترف به مؤخرا من قبل شيخ الازهر الشريف محمود شلتوت سابقا ولا زال معمولا به حتى الآن في مصر، وما نسب إليهم من ارتكاب الموبقات، وإباحة المحرمات، والكفر، والالحاد، فكله باطل ولا أساس له من الصحة وعار عن الحقيقة أولا وأخيرا، ويفتقر هذا الزعم الى دليل قطعي ويحتاج إلى برهان موضوعي، وانما واقعهم الصحيح وما هم عليه يفند هذه المزاعم المفتعلة، والاراجيف المختلقة من قبل المغرضين والحاقدين، وانما كانت هذه الاقوال وتلك المقالات مجرد اهواء، وعواطف، وميول، ورغبات من الآخرين لا تمت الى أصول الاسلام وفروعه باي حقيقة أو موضوعية، وما أكثر هذا الضرب من الاقوال في أذهان العامة والهوى دائر لا علاج له، والعصبية مرض فكري موروث لا مناص منه ولا مفر الا من رحم ربي وحكم عقله وترك هواه، ورفض موروثاته، وما أقل هؤلاء قديما وحديثا وكان المسالة لديهم أمر مستساغ وطبيعي، يعطون الايمان لمن يريدون، ويلصقون التكفير لمن يشاؤون.


 

(1) راجع مقاتل الطالبيين للمؤرخ أبي الفرج الاصفهاني.


 

[ 18 ]

وهذه الفتاوى التي الصقت بهم من قبل الآخرين في أيامنا هذه، والتي هدفها التمزيق، والتفرقة، وخدمة الاستعمار والامبريالية، والصهيونية، فهي ليست في صالح الاسلام والمسلمين أبدا، وقد حدثت لهم هذه الضجة المفتعلة في أيام الاستعمار الفرنسي البغيض، وما يعرف بالانتداب المكذوب على غرار هذه الصيحة الموهومة في الوقت الراهن، ولكن علماءهم كعادتهم انبروا بشدة وعنف للرد على هذه وتلك بقول صريح للعالم الاسلامي للحقيقة والتاريخ، والاسلام، وهذه صورة الجواب من قبل علماءهم آنئذ في تلك الفترة المريرة والمؤلمة، والتي نشرت في حينها في مجلة المرشد العربي لمنشئها الشريف عبد الله آل علوي الحسني ابن المغفور له الامير الشريف حسن بن فضل باشا أمير ظفار، مطبعة الارشاد، اللاذقية، عام 1357 ه‍، 1938 م، وهذه هي فتوى السادة العلماء لهم نسوقها الى المنصف الكريم الحر حرفيا، أمانة ووفاء منا: (إن الدين عند الله الاسلام) (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) (قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون) القرآن الكريم. قرأنا هذا البهتان المفترى على العلويين طائفة أهل التوحيد ونحن نرفض هذا البهتان أيا كان مصدره، ونرد عليه بان صفوة عقيدتنا ما جاء في كتاب الله الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، (بسم الله الرحمن الرحيم، قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد)، وان مذهبنا في الاسلام هو مذهب الامام جعفر الصادق (عليه السلام) والائمة الطاهرين (عليهم السلام) سالكين بذلك ما أمرنا به خاتم النبيين سيدنا محمد بن عبد الله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يقول: " إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء الى


 

[ 19 ]

الارض، وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ". هذه عقيدتنا نحن العلويين، أهل التوحيد، وفي هذا كفاية لقوم يعقلون. مفتي العلويين في قضاء صهيون يوسف غزال، المحامي عبد الرحمن بركات، قاضي طرطوس علي حمدان، صالح ابراهيم ناصر، عيد ديب الخير، كامل صالح ديب، يوسف حمدان عباس، مفتي العلويين في قضاء جبلة علي عبد الحميد، الفقير لله تعالى صالح ناصر الحكيم، حسن حيدر، قاضي المحكمة المذهبية في قضاء مصياف محمد حامد، في 9 جمادي الآخرة 1357 ه‍. وهذه صورة أخرى عن فتوى الرؤساء الروحيين في صافيتا المنشورة في جريدة النهار أنقلها حرفيا أمانة وحقيقة لله، وللتاريخ وللانصاف. طالعنا في جريدتكم الغراء المؤرخ في 31 تموز سنة 1938 عدد 1448، مقالة لمراسلكم في اللاذقية تحت عنوان هل العليون مسلمون تتضمن المفتريات الكافرة التي نسبها المحامي إبراهيم عثمان لعقائد العلويين وتكفيره لهم بادعائه وزعمه أنهم ليسوا بمسلمين ينكرون - والعياذ بالله وناقل الكفر ليس بكافر - شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأنتم تدينون بدين غريب يقوم على فكرة التثليث، وتنكرون فكرة التوحيد. لذلك فقد اجتمعنا نحن الرؤساء الروحيين في قضاء صافيتا، واصدرنا الفتوى الآتية راجين نشرها بنفس الصحيفة التي نشرتم بها كلمة المراسل عملا بقانون المطبوعات، إن تصريحات المحامي الموما إليه هي محض الكفر الصريح، وان المسلمين العلويين باجماعهم المطلق يستنكرونها أشد الاستنكار، ويبرأون منها ومن مثيريها الى الله ورسوله (صلى الله عليه [ وآله ] وسلم)، يعلنون في الدنيا والآخرة إنهم على شهادة لا إله إلا الله،


 

[ 20 ]

وان محمدا عبده ورسوله شهادة حق وصدق، فمن آمن منهم بالشهادتين والوحدانية، فهو منهم ومن جحدها فهو غريب عنهم كافر بهم، ومن يتخذ من أتباع المسلمين العلويين مذهب الامام جعفر الصادق (عليه السلام) سببا لابعادهم عن الدين الاسلامي الحنيف نعتبره بدعواه جاحدا للحق، ناكرا للصدق، عاملا بالباطل. التواقيع: صافيتا في 3 آب 1938 الشيخ ياسين عبد اللطيف ياسين يونس، الشيخ علي حمدان قاضي المحكمة المذهبية الشرعية بطرطوس، الشيخ يوسف إبراهيم قاضي المحكمة المذهبية الشرعية بصافيتا، الشيخ محمد محمود، الشيخ محمد رمضان، شوكت العباسي، الشيخ عبد الحميد معلا. وهذه أيضا صورة عن البيان الذي نشره زعماء العلويين في جريدة النهار في العدد 1454، آب، سنة 1938: المفتريات الكافرة التي نسبها المحامي إبراهيم عثمان لعقائد العلويين وتكفيره لهم بادعائه وزعمه أنهم ليسوا بمسلمين، ينكرون - والعياذ بالله وناقل الكفر ليس بكافر - شهادة ان لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأنهم يدينون بدين غريب يقوم على فكرة التثليث، وينكرون فكرة التوحيد هي محض الكفر الصريح، وأن العلويين باجماعهم يستنكرونها الى أقصى حدود الاستنكار، ويبرأون منها، ومن مثيريها، إلى الله وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويعلنون في الدنيا والآخرة أنهم على شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، شهادة حق وصدق، فمن آمن منهم بالشهادتين والوحدانية، فهو منهم ومن جحدها فهو غريب عنهم وكافر بهم، ومن يتخذ من اتباع المسلمين العلويين مذهب الامام جعفر الصادق (عليه السلام) سببا لابعادهم عن الدين الاسلامي الحنيف يكون بدعواه جاحدا للحق ناكرا للصدق عاملا بالباطل وللباطل.


 

[ 21 ]

التواقيع للزعماء: سلمان مرشد، شهاب ناصر، منير العباس، صقر خير بك، إبراهيم الكنج، علي محمد كامل، أمين رسلان. وهذه أيضا صورة عن الفتوى التي أفتى بها العلامة الكبير والحجة الشيخ سليمان أفندي الاحمد شيخ الاسلام والمسلمين في حينه ومرجع اللغة، والادب، والفكر، والخلق الحسن، وعضو المجمع اللغوي آنئذ في دمشق ووقعها العلامتان الفاضلان الشيخ صالح ناصر الحكيم، والشيخ عيد ديب الخير: قال الشيخ العالم العامل المخلص خدمة للاسلام، والمسلمين، والحقيقة، والتاريخ، الشيخ سليمان الاحمد (قولوا آمنا بالله) (آمنا بالله وما انزل إلينا، وما انزل الى إبراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب و الاسباط وما اوتي موسى وعيسى وما اوتي النبيون من ربهم، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون)، ويستمر قائلا في فتواه حرفيا: رضيت بالله تعالى ربا، وبالاسلام دينا، وبالقرآن كتابا، وبمحمد بن عبد الله رسولا، ونبيا، وبامير المؤمنين علي (عليه السلام) إماما برئت من كل دين يخالف دين الاسلام، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، هذا ما يقوله كل علوي لفظا واعتقادا، ويؤمن به تقليدا أو اجتهادا، هذا ما حصلت عليه وحققته، وأكدته على أنهم مسلمون إماميون أولا وأخيرا، شاء الخصم أم أبي، وليس لديهم من الهوى أكثر من غيرهم، وهم وغيرهم في هذا سواء، وقد يفوقهم الآخرون كثيرا في الاسراف، والافراط، والخروج عن المألوف، وقد يكونون هم معتدلين الى حد ما عن غيرهم، لان أئمتهم أئمة حق، وصدق، وعدل، وقدوة، وأسوة، وسيرة حسنة، واستقامة صحيحة على غرار منهجية جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي صورة منتسخة عن سيرة رسول الله وسنته، وهديه،


 

[ 22 ]

وقوله، وتقريره، وفعله، وقد ثبت هذا من طريق المعقول، والمنقول، وأهل العدل، والانصاف، حتى اصبحت لهم مدرسة في تاريخنا الاسلامي فكرا، وعقيدة، وأدبا، وتوغلت جذورها الى خارج المدرسة، لدى الآخرين من غير المسلمين أنفسهم إنسانيا، وعالميا، وهذا لم يكن لغيرهم أو سواهم، وانما انفردوا به عن الناس جميعا حتى اصبحوا المثل الاعلى لدى الآخرين عاليا في الالتزام الصحيح والايجابية الصحيحة، والموضوعية الحقيقية قولا، وعملا، وممارسة. وهذا مرسوم تشريعي آخر للاعتراف السوري بمذهب آل البيت " عليهم السلام)، وهو المرسوم التشريعي رقم (3) نقله حرفيا للمنصف الكريم ليرى عن كثب اهتمام علماء هذه الطائفة المسلمة بمذهب الامام الصادق (عليه السلام) ومدى تمسكها به قولا وعملا، وسلوكية، لانهم يعتقدون أن المذهب اصلا، وفرعا، ومجازا، وحقيقة هو أصل الاسلام، ولولا المذاهب الاخرى لما قلنا أو سمينا مذهبا جعفريا لان المذهب الجعفري لا يخرج أصلا، أو حقيقة عن حقيقتها، على أسس ثلاثة، والتي هي من مضمون المذهب الجعفري ومعتقده تمشيا مع الوحدة الاسلامية، والالتزام بها خشية الفرقة التمزيق والاسى، هي التوحيد والنبوة والمعاد مما لا يختلف عليها مذهب دون آخر وإليك المرسوم أيها القارئ الكريم.


 

[ 23 ]

المرسوم التشريعي: للاعتراف السوري بدمشق بمذهب آل البيت عليهم السلام المرسوم التشريعي رقم / 3 / إن رئيس الدولة بناء على الامر العسكري رقم 3 المؤرخ في 3 / 3 / 51. وبناء على المرسوم التشريعي رقم 257 بتاريخ 8 حزيران عام 1952، وبناء على قرار مجلس الوزراء رقم 3 / تاريخ 14 / 6 / 1952. وبناء على المرسوم التشريعي رقم 23 / المؤرخ في 2 ربيع الثاني هجرية ه‍ / 30 كانون الاول 1951 م. وعلى وجوب عدد كبير من أهالي محافظة اللاذقية على المذهب الجعفري. وعلى اقتراح المفتي العام رسم ما يلي: المادة الاولى: يضاف إلى المادة الثالثة من المرسوم التشريعي رقم 33 الفقرة التالية: تؤلف لجنة خاصة بالجعفريين من علمائهم في مركز محافظة اللاذقية قوامها ثلاثة أشخاص من العلماء الجعفريين ويضاف إليهم شخص واحد من كل قضاء عندما يتعلق البحث في قضائه. ويسمى اعضاء هذه اللجنة بقرار من المفتي العام من العلماء الاكفاء. مهمتها فحص حالة متدينين بالكسوة الدينية على المذهب الجعفري والذين يرغبون ارتداء هذه الكسوة واقرار من يحق لهم الاحتفاظ بها ومن منح تتحقق اللجنة من انه دخيل على سلك رجال الدين من ارتدائها. المادة الثانية: ينشر هذا المرسوم التشريعي ويبلغ من يلزم. دمشق في 15 حزيران عام 1952 - الزعيم فوزي سلو.


 

[ 24 ]

صدر عن رئيس الدولة لمجلس الوزراء: الزعيم فوزي سلو: وزير الصحة والاسعاف العام مرشد خاطر - وزير الزراعة عبد الرحمن الهنيد - وزير الدفاع فوزي سلو - وزير الخارجية ظافر الرفاعي - وزير العدل منير غنام - وزير الداخلية الزعيم فوزي سلو - وزير المالية محمد بشير الزعيم - وزير المصارف سامي طيارة - وزير الاقتصاد الوطني منير دياب - وزير الاشغال العامة والمواصلات توفيق هارون - القرار رقم 8: ان المفتي العام للجمهورية السورية: بناء على المرسوم التشريعي رقم / 3 / في 15 حزيران عام 1952 يقرر ما يلي: المادة الثانية: تؤلف لجنة فرعية في مركز محافظة اللاذقية من السادة حضرة صاحب السيادة الشريف عبد الله رئيسا، الشيخ علي حلوم مفتي قضاء اللاذقية عضوا - الشيخ عبد ديب الخير - عضوا - يشترك مع هذه اللجنة الفرعية المذكورة عضو واحد ليمثل القضاء المذكور حذاء اسمه كل من السادة: كامل حاتم - عن قضاء اللاذقية - عبد الله عابدين - عن قضاء الحفة - حيدر محمد أحمد - عن قضاء جبلة - يونس ياسين سلامة - عن قضاء بانياس - عبد الهادي حيدر عن قضاء مصياف - محمود سليمان الخطيب - عن قضاء طرطوس. عبد اللطيف ابراهيم عن قضاء صافيتا - علي صالح حسن - عن قضاء تلكخ - فمهمة هذه اللجنة فحص كفاءة المتدينيين بالكسوة الدينية (على المذهب الجعفري) والذين يرضون ارتداء الكسوة واقرار من يحق له الاحتفاظ بها ومنع من تحقق اللجنة انه دخيل على سلك رجال الدين في ارتدائها. المادة الثانية: ينشر هذا القرار ويبلغ من يلزم لتفيذ أحكامه دمشق 17 شوال عام 1371 / ه‍ 9 تموز 1952 م المفتي العام للجمهورية السورية التوقيع محمد شكري الاسطواني رقم 3510 / 292 صورة الى محافظة اللاذقية - المفتي العام.


 

[ 27 ]

بسم الله الرحمن الرحيم ابتدأنا بعون الله وقوته، وبركة أسمائه، وجلاله واسمه وبابه، وأهل مراتب قدسه، وعالم أنسه وملكه، وأن يوصلنا بهم الى الرضى وبلوغ المنى. وهو سماعه من الرجال الثقات، الذين لقيهم (رضي الله عنهم اجمعين)، منهم من عاشر الموليين السيدين الامامين العسكريين (صلوات الله عليهما)، وروى عن ما يشتمل على أسماء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأسماء امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) في السريانية والعبرانية وجميع اللغات المختلفة، واسماء فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) وعلى الائمة الراشدين الحسن والحسين ابني علي، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، ومحمد بن الحسن (الحجة) سمي جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنيته بجده، ولقبه المهدي والغائب والمنتظر (صلوات الله عليهم اجمعين) وأسمائهم وكناهم - الخاص والعام منهم - وأسماء امهاتهم، ومواليدهم، واولادهم، وبراهينهم، ودلائلهم، ووفاة كل منهم، وشاهدهم وأبوابهم، والدلالة من كتاب الله (عز وجل) والاخبار المأثورة المروية بالاسانيد الصحيحة، وفضل شيعتهم، نفعنا الله بهم جميعا إنه على كل شئ قدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وهو رب العرش العظيم.


 

[ 29 ]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله مبدئ الحمد وباريه، ومقدره وقاضيه، والآمر به وراضيه، جزاء من عباده عن نعمة، والمستوفي لهم جزيل قسمه، والمزحزح عنه حلول نقمه، الفارض له عليهم، الحاتم فيما انزله إليهم، المستحق على هدايته لهم حمده على نعمه، إذ كان حمدهم له على نعمه نعمة أنعمها منه عليهم، الذي لم تدرج نوره الدياجي، ولم تحط بقدرته الاماكن، ولم تستقل، بذات كبريائه المعادن، ولم تستقر لجلال ملكوته المواطن. الاول لا أول مكيف، والآخر لا آخر مستحدث، الدائم في أزليته، الباقي في ربوبيته، الشاهد على خليقته، فاطر المخلوقين بحسن تدبير الحكمة، ومكونها أجساما وأشخاصا، وأشباحا وأرواحا، وصورا مختلفة وغير مختلفة، ومتشابهة وغير متشابهة. الذي لم تكله قدرته فيما خلق الى ظهير، ولم تدعه مبهرات عجائب ما فتق ورتق الى مستعين به في أمره ومشير، المظهر فيما ذرأه وبرأه مما شوهد بعيان، واستدل عليه ببرهان، بدائع تحسر عقول المخلوقين عن بلوغ تحديدها، المستشهد عند ذوي العلم والعقول، خلق السنتهم وأنفسهم وألوانهم ولم يحيطوا به علما، ولم يبلغوه فهما، إذ لا صانع لهم دونه، ولا مركب لهم في تأليف غيره، ولا متقن في تصنيف، ولا مدبر في تأليف غيره.


 

[ 30 ]

أحسن كل شئ خلقه، الذي لم يعزب عنه علمه في ديجور طبقات السماوات، ولا في دياجي ظلمات الارضين المدحيات، ولا في قعر البحور الزاخرات، ولا كائن من المخلوقين إلا احاط به قوة وعلما واقتدارا وسلطانا. الذي لم يفته متعزز بفناء واكثار، ولا ذو بطش جبار، متقلبا في كبريائه، ولا متقلب في ليل ولا في نهار، ولا بغرور، ممتنع ببهاء وأوطار، ولا يحتوي بمدى عمر ذي اقطار فيدركه طلب بمستعان، بل اشفى بطوله بريته، وشمل بحوله خليقته، وسعت كل شئ رحمته، لطفا وامتنانا فهو في ازل قديم أزليته غير مشهود، وفي كمال كليته غير محدود، ولا مدرك بلحاظ عيون الناظرين، ولا بحواس خواطر عقول العارفين موجود، ولا مقر بهم عن بلوغ ذلك منفردا، بل هو في ظواهر حكم صنعته ومراضي قضاء قدرته، ونفوذ سلطان عزه، وتفرده بالصمدية معروف غير مجحود، وهو في حال فقر عباده إليه اعتمام ما خولهم إياه، ولا يتعاظم وان كبر عند المرزوقين، ولا ينقصه عطاؤه اياهم لانه ليس بمحدود من خزائنه، ولا يغيظه تمرد المتمردين عليه، وان استكبروا عن أداء الشكر له على ذلك في حال طاعتهم ومعصيتهم إياه فهو على كل حال محمود. وكيف لا يكون ذلك، وزمام كل شئ في قبضته ؟ وقضاء قدرته ؟ يحكم فيه ولا يحكم عليه، والاشياء خاشعة له، وهو على كل شئ قدير. وهو الله الذي نشهد ان لا اله الا هو، وحده لا شريك له في ملكه، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. اللهم أنزل زاكيات صلواتك، ومكرمات بركاتك وتحنن رأفتك، وواسع رحمتك، وطيبات تحياتك وفوز جناتك على محمد عبدك ورسولك


 

[ 31 ]

ونبيك، وصفوتك وخيرتك من خلقك، وعلى علي أخيه امير المؤمنين، ونور العارفين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وأفضل الوصيين، والائمة الراشدين، وعلى الحسن الزكي في الزاكين، وعلى الحسين الشهيد، الصابر في المحنة طهر الطاهرين، وعلى علي سيد العابدين، وعلى محمد باقر علم الاولين والآخرين، وعلى جعفر الصادق في الناطقين، وعلى موسى نورك الكاظم في الكاظمين، وعلى علي الرضا في المؤمنين، وعلى محمد المختار في صفوتك المختارين، وعلى علي الهادي في الهادين. وعلى الحسن المنتجب المستودع سرك في المستودعين. اللهم أصلح باصلاحك الكامل المبلغ ما بلغته المؤمنين من عبادك، عبدك الزكي الذي استخلصته لنفسك، وخليفتك الذي استخلفته في خلقك، وأمينك الذي ائتمنته على مكنون علمك، وحجتك التي اتخذتها على أهل سماواتك وأرضك، وعينك الناظرة التي حرست بها نعمك عند أوليائك، ويدك التي تقبض بها وتبسط أمرك ونهيك، ولسانك الناطق المبين برحمة كنه غيبك ووحيك ووجهك الدال عليك في وحدانيتك، وصراط دينك المستقيم، وسبيل رشادك المفهوم، ومنهج هدايتك المعلوم، الصادق الناطق، الفاتق الراتق، الآمر بطاعتك، الناهي عن معصيتك، المرجي لثوابك، المحذر من عذابك، حجتك وابن حجتك وصفوتك وابن صفوتك، وخيرتك وابن خيرتك، وانيسك من خلقك ووصيك سمي جده رسول الله (صلى الله عليه وآله الطاهرين) الامام المهدي حجتك يا رب العالمين، الذي خلقته نورا للمؤمنين وقدوة للمقتدين، وملاذا للائذين، وكهفا للاجئين، وأمانا لعبادك المرعوبين، ناصر المضطرين ومدرك وتر المغلوبين، والآخذ بحق المغصوبين، مجلي الروعات، وكاشف الكربات، ومزحزح الضلالات، ومزهق المعطلات، ومشفي الخواطر المضنيات، ومزيل الفكر المخربات، وفاتح القلوب المقفلات، ومبصر العيون المسملات، ومسمع الآذان الصمات، ومحق الكلمات التامات،


 

[ 32 ]

الفتح الاكبر، والنصر الاظفر، والامل المنتظر، منتهى رغبة الراغبين، وغاية منية الطالبين، وأحمد عواقب الصابرين، وحبيب قلوب المؤمنين، وفرجا لعبادك المختارين، رحمة منك لهم يا رب السماوات والارضين. اللهم أنجز له كل وعدك، وحقق فيه موعدك، وأستخلفه في ارضك كما وعدتنا به. اللهم أورثه مشارق الارض ومغاربها التي باركت فيها، ومكن له دينك الذي ارتضيته له، وثبت بنيانه، وعظم شانه، وأوضح برهانه، وعل درجته، وأفلج حجته، وشرف مقامه، وأمض رأيه، واجمع شمله، وانصر جيوشه وسراياه ومرابطيه، وأنصاره وأشياعه، وأتباعه وأعوانه، وحزبه وجنوده وأحباءه وخيرته وأولياءه وأهل طاعته. اللهم انصرهم نصرا عزيزا، وافتح له فتحا مبينا، واجعل له من لدنك على عدوك وعدوه سلطانا نصيرا. اللهم وأمدده بنصرك بملائكتك وبالمؤمنين، واجعلنا له حواريين، ننصره حتى نعزره ونقره ونؤمن به نصدقه ونعزه ونعز به. اللهم فاكشف عنا به العمى، وأذهب به عنا الضر، واهدنا به سبيل الراشدين، وتول نصر دينك على يد وليك، واجعلنا ممن جاهد في سبيلك، وطهر الارض باظهاره من القوم الظالمين حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لك يا رب العالمين. اللهم أظهره، وأعز باظهاره واظهارك له أولياءك وزد في أعمارهم، وأيده وأيد به وأعلنه ولا تخفيه، وامحق قبل اظهارك له اعداءك وأعز أولياءك، وزد في أعمارهم وطول في آجالهم، وتمم أيامنا ولا تقصر مددنا، ولا تمتنا بحسرة من لقاء سيدنا حتى ترينا وجهه وتشهدنا شخصه، وأسمعنا كلمته، وتنجينا في أيامه، وترزقنا نصرته في أعمالنا ونياتنا وقلوبنا، وشرفنا في دولته الزاكية المباركة الطاهرة المرضية فانما نحن


 

[ 33 ]

أولياؤك يا رب العالمين. اللهم وأنزل اللعنة الكافية، المغضبة المردية، المخزية المخسرة المدمرة على أعدائك وأعداء ملائكتك وأنبيائك ورسلك وأصفيائك وأوليائك المخلصين، من الظالمين الاولين والآخرين، وعلى أشياعهم وأتباعهم وأحبائهم وحزبهم وجندهم ورعيتهم، ومن تابعهم بقلبه وعمله، ومن أحمد لهم رأيا وأمرا، ورضي لهم فعلا واستطال لهم رأيا، وقال فيهم خيرا، ودفع عنهم شرا، وزدهم عذابا ضعفا في النار، والعنهم كثيرا، واصلهم سعيرا، ولقهم ثبورا، وتبرهم فيها تتبيرا، ولا تذر منهم كبيرا ولا صغيرا، وأدخلهم في العذاب، ولا تخفف عنهم يوما منه، وخلدهم في الدرك الاسفل من النار، وعذبهم عذابا لا تعذب به احدا من العالمين، وطهر الارض منهم اجمعين، ومن بدعهم وخلافهم وجحدهم وجورهم وظلمهم وغضبهم وغشهم وآثامهم وأوزارهم ومكرهم وخداعهم وسيئاتهم، واجعل الارض منهم جميعا قاعا صفصفا، لا نرى فيها عوجا ولا أمتا. واجعلنا ممن برئ اليك من أعمالهم والتباسهم وجرائرهم، وثبتنا على ما إليه هديتنا من موالاة اوليائك وعداوة اعدائك، واجعلنا من الموفين بعهدك وعقدك وميثاقك الذي الهمتنا لسعادتنا، ولا تضلنا بعد إذ هديتنا، وزدنا بصيرة وايمانا، ويقينا ورضى وتسليما، ولا ترنا حيث نهيتنا ولا تفقدنا من حيث أمرتنا أبدا ما أبقيتنا، بطولك ومنك يا أرحم الراحمين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، وهو حسبنا ومرجانا، وعليه توكلنا.


 

[ 35 ]

الباب الاول باب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)


 

[ 37 ]

قال السيد أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي (رضي الله عنه): حدثني جعفر بن محمد بن مالك البزاز الفزاري الكوفي، قال: حدثني عبد الله بن يونس السبيعي، قال: حدثني المفضل بن عمر، عن سيدنا ابي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام). قال الحسين بن حمدان: حدثني محمد بن اسماعيل الحسني، عن سيدنا ابي عبد الله الحسن بن علي (عليهما السلام) وهو الحادي عشر من الائمة (عليهم السلام)... قال الحسين بن حمدان: حدثني منصور بن صفر، قال: حدثني أبو بكر أحمد بن محمد القرباني المتطبب ببيت المقدس، لعشر خلون من شهر شعبان سنة اثنين وثلاثمائة، قال: حدثني نصر بن علي الجهضمي، قال: سالت سيدنا ابا الحسن الرضا علي بن موسى بن جعفر (عليهم السلام)، عن أعمار الائمة من آل رسول الله (عليهم السلام) فقال الرضا (عليه السلام): حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين (عليه السلام):


 

[ 38 ]

ما رواه عن جعفر بن محمد بن مالك، عن عبد الله السبيعي، عن المفضل بن عمر عن مولانا الصادق (عليه السلام)... ما رواه عن محمد بن اسماعيل الحسني، عن أبي محمد الحسن، الحادي عشر من الائمة (عليهم السلام)، فقالوا جميعا: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مضى، وله ثلاث وستون سنة منها اربعون سنة قبل أن ينبا ثم نزل عليه الوحي ثلاثا وعشرين سنة، بمكة وهاجر الى المدينة هاربا من مشركي قريش وله ثلاث وخمسون سنة، وأقام بالمدينة عشر سنين، وقبض يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الاول من احدى عشرة سنة من سني الهجرة. أسماؤه: وكان اسمه في القرآن محمد، وأحمد، ويس، وطه، ونون، وحم عسق، والحواميم السبعة، والنبي، والرسول، والمزمل، والمدثر، والطواسين الثلاثة، وكل ألف ولام وميم وراء وصاد في اول السور فهو من أسمائه، وكهيعص. وفي صحف ابراهيم إلى آدم (صلى الله عليهما) بالسريانية - مفسرا بالعربية - النبي والمحمود، والعاقب، والناجي، والحاشر، والباعث، والامين. وكان اسمه في التوراة الوفي، وماد الماد. وفي الانجيل: الفارقليط. وفي الزبور: مهيمنا، وطاب طاب. كنيته وألقابه: أبو القاسم. وأمه آمنة ابنة وهب بن عبد مناف بن قصي، بن


 

[ 39 ]

كلاب، بن مرة. وألقابه (صلى الله عليه وآله): صفي الله، وحبيب الله، وخاتم النبيين، وسيد المرسلين، والامي، والمنتجب، والمختار، والمجتبى، والشاهد، والنذير، والداعي الى الله، والسراج المنير، والرحمة، والمبلغ والمصطفى. ومشهده بالمدينة، واسمها يثرب وطيبة. أولاده: قال الحسين بن حمدان الخصيبي: حدثني أبو بكر بن أحمد بن عبد الله، عن أيبه عبد الله بن محمد الاهوازي - وكان عالما باخبار اهل البيت (عليهم السلام) - قال: حدثني محمد بن سنان الزاهري عن أبي بصير، وهو القاسم الاسدي - لا الثقفي - عن أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) قال: قال ولد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من خديجة ابنة خويلد (عليها السلام) القاسم، وبه يكنى، وعبد الله، والطاهر، وزينب، ورقية، وام كلثوم، وكان اسمها آمنة، وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وابراهيم من مارية القبطية، وكانت أمة اهداها المقوقس ملك الاسكندرية. فاما رقية: فزوجت من عتبة بن أبي لهب، فمات عنها، فزوجت لعثمان بن عفان. وكان السبب في ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نادى في أصحابه بالمدينة: من جهز جيش العسرة، وحفر بئر رومة، وأنفق عليها من ماله ضمنت له بيتا في الجنة عند الله، فقال عثمان بن عفان: أنا أنفق عليها يا رسول الله من مالي، فتضمن لي البيت في الجنة ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنفق عليها يا عثمان، وأنا الضامن لك على الله بيتا في الجنة. فانفق عثمان على الجيش والبئر من ماله طمعا في ضمان رسول الله


 

[ 40 ]

(صلى الله عليه وآله) وألقي في قلب عثمان أن يخطب رقية من رسول الله فعرض ذلك على رسول الله، فقال رسول الله: إن رقية تقول لك لا تزوجك نفسها الا بتسليم البيت الذي ضمنته لك عند الله عز وجل في الجنة تدفعه إليها بصداقها، فاني أبرأ من ضماني لك البيت بتسليمه إليها إن ماتت رقية أو عاشت، فقال عثمان: أفعل يا رسول الله، فزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأشهد على عثمان في الوقت أنه قد برئ من ضمانة البيت له، وأن البيت لرقية دونه، لا رجعة لعثمان على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه، إن عاشت رقية أو ماتت. ثم إن رقية توفيت قبل أن تجتمع بعثمان، ولهذا السبب زوجت رقية نفسها. وأما زينب: فزوجت من أبي العاص بن الربيع، فولدت منه بنتا سماها امامة، فتزوج بها امير المؤمنين بعد وفاة فاطمة (عليها السلام). وأما ام كلثوم: فانها لم تتزوج بزوج، وماتت قبل وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله). وروي أن زينب كانت ربيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من جحش بعد خديجة قبل النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يصح هذا الخبر، ولا ملك خديجة احد غير رسول الله ولا ملك زوجة غيرها حتى توفيت. أزواجه: وكانت من أزواجه بعدها ام ايمن، وام سلمة، وميمونة بنت الحارث الهلالية، ومارية القبطية - وكانت امة - افضل أزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبعدهن صفية، وزينب زوجة زيد بن حارثة. والمذمومات عائشة وحفصة، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وهن ممن قال الله فيهن (عسى ربه ان طلقكن ان يبدله ازواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وابكارا)، وهذا أوضح دليل أنه لم يكن فيهن من هذا الوصف شئ.


 

[ 41 ]

وقال الله تعالى: (يا نساء النبي من يات منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين) وقوله: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى) وقد عرف من خرج وتبرج وشهد على أولاد الانبياء (عليهم السلام) أنهن إذا عصين عذبن بالنار. وقال الله سبحانه وتعالى: (وضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين). وجمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين ثلاث عشر امرأة وتوفي عن تسع أزواج. دلائله وبراهينه: ومن دلائله وبراهينه (عليه السلام). 1 - ما رواه السيد الحسين بن حمدان الخصيبي، عن ابن علي البلخي، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن الحسين بن ابي العلاء، عن ابي عبد الله جعفر الصادق (صلوات الله عليه) عن آبائه (عليهم السلام) قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد أصابه جوع شديد، فمر بامير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا علي هل عندك طعام نطعمه ؟ فقال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبيا واصطفاك على البشر ما طعمت طعاما منذ ثلاثة ايام، فاخذ (عليه السلام) بيده وانطلقا فإذا هما بالمقداد بن الاسود الكندي، وأبي ذر، وعمار بن ياسر، فقال لهم رسول الله: الى أين ؟ فقالوا: إليك يا رسول الله، فقال: هل عند أحدكم طعام ؟ فقال القوم جميعا ما أخرجنا الا الجهد يا رسول الله، فقال: أبشروا فان الله عز وجل أمر الجنة أن تتهيأ باحسن هيئتها فتهيات، وقال لها: يا جنتي لمن تحبين ان يسكنك ؟ فقالت: أحب خلقك عليك، فقال لها: اني جعلت سكانك محمدا رسولي وأهل بيته (صلوات الله عليهم واصحابه وشيعته)


 

[ 42 ]

وأنتم والله أصحابي وشيعتي وشيعة اهل بيتي وعترتي، ثم اخذوا في طريقهم فمروا بمنزل سعد بن مالك الانصاري، فلم يلقوه، فقالت زوجته: يا رسول الله فداك أبي وأمي أدخل أنت واسحابك، فان سعدا ياتيك الساعة، فدخل هو واصحابه جميعا فارادت ان تذبح عنزا لهم فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ماذا تريدين ؟ قالت: اذبح هذه العنزة لك ولاصحابك، فقال لها: لا تذبحيها فانها عنزة مباركة ولكن قربيها مني، فقالت: يا رسول الله انها ليس لها لبن، وهي سمينة، وقد عقرها الشحم، فلم تحمل. قال قربيها الي فادنتها منه فمسح يده المباركة على ظهرها فانزلت لبنا فاحتلبها، ونزع الاناء فشرب وأسقى أصحابه حتى رووا من ذلك اللبن. ثم قال لها: يا ام مالك إذا أتاك سعد فقولي له: يقول لك رسول الله: اياك ان تخرج هذه العنز من دارك، فانها من قابل تحمل وتضع ثلاث سخلات في بطن، ويحملن جميعهن من قابل وتضع كل واحدة منهن اربع سخلات في بطن. ثم نظر في داره وإذا هو ببقرة حمراء فقال لامرأة سعد: قولي لسعد: يستبدل بهذه البقرة بقرة سوداء، فانها تضع عجلتين ببطن واحد ثم تحملان عن قليل مع أمهما فيضعن جميعا اثنين اثنين، ورأى في جانب داره نخلة اشر ما يكون من النخل فصعد إليها وتكلم بكلام خفي، فانزل الله فيها بركته، فحملت حملا حسنا وارطبت رطبا حسنا لم يكن في المدينة رطب بشبهه ولا رؤي مثله، ودعا لسعد وأهله بالبركة. وبشرها بغلام وذلك أنها قالت: يا رسول الله فديتك بابي وأمي انا حامل، فادع لي، فدعا لها ان يهب الله لها غلاما ذكرا سويا. وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن معه وأقبل سعد الى اهله فاخبرته بدخول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه


 

[ 43 ]

السلام) والمقداد وأبي ذر وما قاله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لها وما فعل بالعنز والبقرة والنخلة، وما بشرها به ودعائه لها ففرح سعد بذلك واقبل الى النبي، فقال له: يا سعد أخبرتك أم مالك بما قالت وقلت لها ؟ قال: نعم. قال استبدل ببقرتك بقرة سوداء فان الله تبارك وتعالى يهب لك منها عجلتين، ويولد لك غلام. قال أبو عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام): ما خرجت تلك السنة حتى وهب الله له منها غلاما، ورزق جميع ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما مضى له أربع سنين حتى كان أكثر أهل المدينة مالا وأخصهم بها رجلا وكان النبي (صلى الله عليه وآله) اكثر ما ياتي هو واصحابه الى منزل سعد. 2 - وعنه، قال حدثني عبد الله بن جرير النخعي، عن أبي مسعود المدائني، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) قال اقبل اعرابي الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو مع أصحابه جالس، فقال: يا رسول الله كنت رجلا مليا كثير المال، وكنت أقري الضيف، وأجل وأجبر، وآمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، وكان لله علي نعمة، فذهب جميع ما كنت أملك من قليل وكثير، فشمت بي أقاربي واهل بيتي فكانت الشماتة علي اعظم من زوال النعمة وما ابتليت به. قال: صدقت في جميع ما ذكرت، ثم التفت الى جميع اصحابه، فقال: من معه شئ يدفع الى هذا الرجل ؟ فقالوا: يا رسول الله ما يحضرنا شئ، فقال: سبحان الله ما أعجب هذا: ثم حول وجهه ضاحكا مستبشرا، ورفع مصلى كان تحته وإذا بسبيكة ذهب فدفعها إليه وقال له: خذها واشتر بها غنما ضانا، فانها تبقى عليك إلى ان تموت. فقال الاعرابي: ادع لي يا رسول الله أن يكثر الله مالي وولدي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم أكثر ماله وولده.


 

[ 44 ]

قال أبو جعفر (عليه السلام): فما مات الاعرابي حتى ولد له اثنا عشر ولدا ذكورا، وعشر بنات، وكان اكثر العرب مالا ويقال: ان الاعرابي علقمة بن علاقة العامري. 3 - وعنه، قال: حدثني جعفر بن أحمد القصير، عن أحمد بن جبلة، عن زيد بن خالد الواقفي، عن عبد الله بن جرير، عن يحيى بن نعيم، عن أبي حمزة الثمالي، عن جابر بن عبد الله بن عمر بن حزام الانصاري، قال: خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الى بني قريظة، وأقمنا الى أن فتح الله على رسول الله وعلينا، فانطلقنا راجعين وكان في طريقنا رجل من اليهود، فلما قربنا من كنيسته تلقانا والتوراة على صدره منشورة مزينة، فلقي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرحب به وقربه، وقال له: يا أخا اليهود، ما لك قد سعيت إلينا بالتوراة العظيمة القدر في كتب الله المنزلة ؟ فقال له اليهودي: جعلتها وسيلتي اليك يا رسول الله لتنزل وتاكل من طعامي، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لقد توسلت بعظيم، وانا مجيبك يا اخا اليهود. ثم نزل ونزلنا، فإذا بطعام اليهودي قد حضر وحضر معه من تولى اصلاحه من المسلمين، وقال اليهودي: يا ايها النبي أنا ما صنعت طعامك بيدي، بل قوم من أهل دينك لانا عرفنا انك تكره طعامنا أهل الملل قبلك، فجلس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان على الطعام خروف مشوي، فغسل النبي يديه وغسلنا أيدينا، ومددنا الى الطعام، ودعا بالبركة، وضرب بيده الى الخروف، فثغا الخروف واضطرب، فرفع رسول الله يده عنه ورفعنا أيدينا عنه، فقال رسول الله: يا اخا اليهود عرفنا توسلك وعرفنا التوراة حقا، وضيعت ما حفظناه فيك أغواك الشيطان حتى رأيت هذا الخروف وسمعت منك ما قد عرفته من نفسي. قال اليهودي: فان كنت رسول الله حقا فاسال الله أن ينطق هذا


 

[ 45 ]

الخروف كما أحياه لك فيخبرك بقصتنا. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): اللهم اني أسالك بقدرتك التي ذل لها ملكك الا ما انطقت هذا الخروف بهذه القصعة، فقال الخروف في وسط القصعة اشهد ان لا اله الا الله، وأنك محمد رسول الله، وأن الذي كان سمني لك عدوك عتيق وزفر صارا الى هذا اليهودي فدفعا إليه عشرين دينارا وعهدوا له ولقومه من اليهود ان لا يؤذوا، وأن لا يسخروا ولا يعشروا، ولا يكرهوا على شئ يريدونه، وأنه دس السم في الطعام وتلقاك به، وقالا له: القه في التوراة فانه يعظمها، واساله ان ينزل بك، وهاك هذا الخروف وهذه العشرين دينارا، فاتخذ بها خبز البر وفاخر أطعمة الاعاجم طبيخا ومشويا، ودس هذا السم بهذا الخروف ففعل ذلك. قال جابر بن عبد الله: والله لقد ظننا أن شنبويه وحبتر - لعنهما الله - قد ماتا، لانهما طاطا وجوههما. قال النبي (صلى الله عليه وآله): أرفعا رؤوسكما، لا رفع الله لكما صرعة، ولا اقالكما عثرة، ولا غفر لكما ذنبا ولا جريرة، وأخذ بحقي منكما، الى كم هذه الجرأة على الله ورسوله ؟ فاظهرا اختلاط عقل ودهشة حتى حملا رحليهما. وضرب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده الى الخروف وقال له: ارجع باذن الله مشويا كما كنت، فرجع الخروف كما كان. فقال النبي (صلى الله عليه وآله) - وقد ضرب بيده الى لحمه - بسم الله الذي لا يضر مع اسمه داء ولا غائله، واكل، ثم قال كلوا يرحمكم الله، فقال اليهودي: أنا أشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، وأنك محمد عبده ورسوله حقا حقا، وإله موسى وهارون وما أنزل في التوراة لقد قص عليك الخروف القصة، ما نقص حرفا ولا زاد حرفا. وأسلم اليهودي وغزا ست غزوات واستشهد في ذات السلاسل، رحمه


 

[ 46 ]

الله. 4 - وعنه عن أحمد بن محمد الحجال، عن جعفر بن محمد الكروزوني، عن الحسن بن مسكان، عن صفوان الجمال، قال: قال جعفر بن محمد الصادق (صلوات الله عليه) لما نزلت هذه الآية (وانذر عشيرتك الاقربين) دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) فقال: يا علي اصنع لنا طعاما فخذ شاة وصاعا من بر، وادع عشرة من بني هاشم وبني عبد المطلب، فصنع علي ما أمره رسول الله، وأدخلهم عليه، وكان الرجل منهم ياكل الجذعة وحده، فقرب علي منهم المائدة وقدم القصعة ووضع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يده على دورة القصعة، وقال: هلموا وكلوا على اسم الله فاكلوا حتى صدروا، وفضل كثير، فبادرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالكلام، وقال: أيكم - يا بني عبد المطلب - يقضي ديني، وينجز وعدي، ويقوم مقامي، ويكون خليفتي في أهلي ومالي، وأكون أخاه ويكون اخي في الدنيا والآخرة، ويكون وزيري وخليلي وصفيي وموضع سري، ويكون معي في درجتي ؟ فسكت القوم كلهم، فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله أنا أقضي دينك وأنجز وعدك، واكنون خليفتك في امتك وأهلك، وأكون أخاك وتكون اخي واكون معك وعلى درجتك في الدنيا والآخرة. وكان علي (عليه السلام) أصغرهم سنا، وأعظمهم بطشا، وأحمشهم ساقا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد فعلت يا علي فوجبت يومئذ المؤاخاة والموازرة له (عليه السلام). 5 - وعنه عن محمد بن اسحاق، عن عتبة بن مسلم - مولى بني تميم - وعبد الله بن الحارث، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد الله بن العباس، عن علي بن ابي طالب (صلوات الله عليه)، قال: لما


 

[ 47 ]

نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا علي إن الله أمرني أن (أنذر عشيرتك الاقربين) فضقت ذرعا، وعرفت انني متى أبديت لهم ذلك أرى منهم ما اكره فصمت حتى جاءني جبرائيل (عليه السلام) فقال: يا محمد إنك ان لم تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك فاصنع لي ا علي صاعا واجعل عليه رجل شاة، واملا لنا عسا من لبن واجمع لي بني عبد المطلب حتى اكلمهم وأبلغهم ما أمرت به، ففعلت ما أمرني به، ثم دعوتهم وهم يومئذ اربعون رجلا لا يزيدون رجلا ولا ينقصون رجلا، وجئت بالطعام فلما وضعته تناول رسول الله (صلى الله عليه وآله) جذوة من اللحم فشقها في نواجذه ثم ألقاها في نواحي الطعام في القصعة، ثم قال: خذوا بسم الله، فاكل القوم حتى ما بهم من حاجة وما أرى الا مواضع ايديهم، وايم الله الذي نفس علي بيده، لقد كان الرجل منهم ياكل ما قدمت لجميعهم. ثم قال: اسبق القوم، فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا جميعا وأيم الله لقد كان الرجل منهم يشرب مثله. فلما اراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يكلمهم بدره أبو لهب، فقال: لقد سحركم صاحبكم، فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال من الغد إن هذا الرجل قد سبقني الى ما سمعت من القول فتفرق القوم ولم أكلمهم، فاعد لنا من الطعام مثل ما صنعت ثم اجمعهم الي، قال ففعلت ثم جمعت، ودعا بالطعام فقربته إليهم ففعل كما فعل بالامس، فاكلوا حتى ما بهم من حاجة ثم قال: اسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعا، ثم تكلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا بني عبد المطلب اني والله ما اعلم أن إنسانا في العرب جاء قومه بافضل مما جئتكم به، واني جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فايكم يوازرني على امري هذا كله، على أن يكون اخي ووصيي ووليي وخليفتي فيكم ؟ فاحجم القوم


 

[ 48 ]

عنها جميعا فقلت: - والله إني أحدثهم سنا، وأطولهم باعا، وأعظمهم بطشا وأحمشهم ساقا - أنا يا رسول الله موازرك، فاخذ رقبتي بيده، وقال: هذا أخي ووصيي وخليفتي، فاسمعوا له واطيعوا. قال فقام القوم يضحكون ويقولون لابي طالب: قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيعه طاعة لا بطانة بها. 6 - وعنه عن علي بن الحسين المقري، عن يحيى بن عمار، عن جعفر بن سنان الزيات، عن الحسين بن معمر، عن ابي بصير عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: سار أبو طالب الى الشام في بعض ما كان يخلف النبي (صلوات الله عليه) بمكة، فكان يومئذ صغيرا، فلما صار معه الى الشام خلفه أبو طالب في رحله، ودخل يمتار حوائجه، والنبي (صلى الله عليه وآله) عند شجرة عند دير النصارى فاوى الى تلك الشجرة، فنام فلم يزل نائما، وكان لا يقدر أحد من الناس أن يدنو الى تلك الشجرة ولا يقربها، مما كان عندها من الهوام والحيات والعقارب، وبحيرا الراهب ينظر الى النبي (صلى الله عليه وآله) والى القوم، فاقبل يتعجب من ذلك، وقال: هذا غلام غريب نائم ها هنا، وأخاف عليه من الهوام فاقبل إليه فانتبه من نومه ودعاه إليه، فاقبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإذا هو معافى لم يمسه سوء مما خاف عليه بحيرا الراهب. فقال: يا غلام، من أنت ؟ وكيف صرت الى تحت هذه الشجرة ؟ فقال: خلفني ها هنا عمي ومضى يقضي حوائجه من الشام، وان لي حافظا من الله. فقال له بحيرا: من أنت ؟ وما اسمك ؟


 

[ 49 ]

فقال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. قال: هل لك اسم غير هذا ؟ قال: نعم أحمد. قال: هل لك اسم غير هذا ؟ قال: الامين. قال بحيرا: اكشف لي عن كتفك، فكشف له فنظر بحيرا الى خاتم النبوة بين كتفيه، فلما رآه قبل فوق الخاتم، وأقبل أبو طالب وقد باع حوائجه، فقال بحيرا: ما هذا منك ولا انت منه، فقد رأيت من هذا الغلام عجبا، ما نام تحت هذه الشجرة بشر وسلم من الهلاك، ولم يزل هذا الغلام نائما تحتها وجميع ما تحتها من الحيات والعقارب حوله تحرسه في نومه. فقال أبو طالب: هذا أبن أخي. قال له: ما فعل أبوه ؟ قال: مات قال: ما فعلت أمه ؟ قال: ماتت. قال: ما اسمه ؟ قال: محمد. قال: هل له اسم غير هذا ؟ قال: نعم، أحمد. قال: هل له اسم غير هذا ؟ قال: الامين. قال: ان ابن اخيك هذا نبي ورسول، ولا تذهب الايام والليالي حتى يوحي إليه الله، ويسوق العرب بعصاه ويملا الارض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، فاتق عليه خاصة من قريش واليهود فانهم اعداء له من بين الناس. قال له أبو طالب: يا هذا رميت ابني بامر عظيم، أتزعم أنه نبي ولا تذهب الايام والليالي حتى يملا الارض عدلا، وقسطا كما ملئت جورا وظلما، شرقا وغربا، ويسوق العرب بعصاه ؟ قال بحيرا: لقد والله أخبرتك عن أمره، وهذا الذي نجده عندنا مكتوبا في سفر كذا وكذا من الانجيل، وهو الذي بشرنا به السيد عيسى بن مريم (عليه السلام)، ولم اقل فيه إلا


 

[ 50 ]

الحق، فالله الله في الغلام لا تقتله قريش واليهود، فاكتم علي ما قلت لك، وأنا أشهد أنه محمد رسول الله، وأنه الغلام الهاشمي القرشي الابطحي، وانه عندنا مكتوب اسمه واسم أبيه من قبل، وإن أنكر من أنكر واعلم أنك تلقى رجلا من اخواني ممن هو على ديني وقد قرأ مثل ما قرأت من هذه الكتب بارض تهامة، وسيقول لك بهذا الغلام ما قلته لك. وكان صاحب بحيرا ورقا بن نوفل، وكانا جميعا ممن استحفظ الانجيل واخبار محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكانا اعلم اهل زمانهما، فرجع فرحا بما سمع من بحيرا الراهب، حتى إذا دخل أرض تهامة استقبله ورقا بن نوفل الراهب وهو من المستحفظين الذين استودعوا علم الانجيل والزبور، فقال ورقا بن نوفل مثل ما قاله بحيرا، وقال: اكتم علي يا شيخ ما قلته في هذا الغلام، قال: وانتشر خبر النبي (صلى الله عليه وآله) بارض تهامة وكلام ورقا، فاقبلت قريش الى ورقا بن نوفل. فقالوا: ما هذا الذي انتشر عنك فيما قلت من هذا الغلام ؟ والله لئن نطقت فيما نطقت به من أمره لنقتلنك باعظم قتلة، فاعلم ذلك فخاف ورقا على نفسه فخرج من أرض تهامة، وقد اظهر من امر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أظهر وأشهد على نفسه أنه يشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله، وانه نبي ورسول، وقصد الى الشام هاربا من قريش لانه خالفهم على نفسه، فما لبث النبي بعد ما قاله ورقا وبحيرا إلا يسيرا حتى أظهر الله دعوته وطلبوا ورقا بن نوفل فلم يقدروا عليه، وحفظه أبو طالب من قريش، واستوهب النبي (صلى الله عليه وآله) عليا بن ابي طالب من أبيه فوهبه له فدعاه الى الاسلام، والى دين الله فاجابه يومئذ وهو ابن سبع سنين، فكان أول من أسلم علي بن ابي طالب (عليه السلام) فمكث على ذلك سنتين، وكان أبو طالب يقول لعلي: أطع ابن عمك واسمع قوله، فانه لا يالوك خيرا فكانا يصليان جميعا ويكتمان ما هما فيه حتى اظهر الله امر دينه فكان هذا من دلائله (عليه السلام).


 

[ 51 ]

7 - وعنه عن أبي العباس، عن أبي غياث بن يونس الديلمي، عن أبي داود الطوسي، عن محمد بن خلف الطاطري، عن ابي بصير، عن ابي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)، قال: لما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعة عشر سنة، وكان يومئذ اقل أهل المدينة مالا، فاكرى نفسه لخديجة ابنة خويلد (عليها السلام) على بكر وحقة، وخرج غلام خديجة الى الشام وكان لها غلام، صدوق اسمه ميسرة فأمرته خديجة - لما اراد الخروج - أن لا يخالف النبي فيما يامره به إذ رأيه سديد معروف بذلك، وكانت قريش لا تصدر عن رأيه في كل ما ياتيهم به، ويخوفهم من امره فلذلك وصت خديجة ميسرة ان لا يخالف امره، وخرجا الى الشام فباعا ما كان معهما من التجارة وربحا ربحا ما ربحت خديجة بمثله، ورزقت بتلك السفرة ما لم ترزق مثله ببركة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاقبلا بتلك الغنيمة، وما رزق الله، حتى إذا قربا من ارض تهامة قال ميسرة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لو تقدمت الى خديجة فبشرتها بما رزقها الله رجوت لك منها جائزة عظيمة، ففعل النبي ذلك. وكان لخديجة منظرة في مستشرف الطريق تقعد فيها ونساء قومها، وكانت قاعدة في المنظرة تنظر إليه ومن معها من النساء فقالت لهن يا هؤلاء ما ترين ان لهذا الرجل قدرا عظيما ؟ اما ترينه منفردا وعلى رأسه غمامة تسير بمسيره، وتقف لوقوفه وتظله من الحر والبرد، والطير ترفرف عليه باجنحتها، ولها زجل وتسبيح وتمجيد وتقديس لله رب العالمين، يا ليت شعري من هو ؟ وانه مقبل نحوها، فقالت: أظن هذا الرجل يقصد حينا فلما دنا منها تبينته، فقالت لهن: هذا محمد بن عبد الله، ! فقرب منها فسلم، فردت (عليه السلام) وقربته منها، ورفعت مجلسه، فبشرها بما رزقها الله تعالى من تجارتها، ففرحت بذلك فرحا شديدا، وازدادت فيه رغبة وضاعفت له الرزق اضعافا، وقالت: يا محمد اعرض عليك أمرا وهي حاجة لي بعضها وهي لك حظ ورغبة، قال: وما هي ؟ قالت:


 

[ 52 ]

اريد ان تتزوجني، فقد تباركت بك، ورأيت منك ما أحب، وأنا من عرفت شرفي وحسبي ونسبي وموضعي من قومي وسيادتي في الناس، وكثير لا ينالون تزويجي، وقد عرضت نفسي عليك. فقال لها: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو تفعلين ذلك ؟ فقالت: ما قلت الا ما أريد ان أفعله فقال لها: حتى أستأمر عمي، وأخبرك ما يكون ان شاء الله تعالى. وانطلق الى عمه فاخبره ما قالت خديجة، فقال له عمه: يا بني إنها من قوم كرام فتزوجها، ولا تخالفها فانها فائقة في الحسب والنسب والشرف والمال، وهي رغبة لمن تزوجها، فاقبل إليها وأخبرها بما قاله عمه، فقالت: إذا كان يوم كذا وكذا، فاقبل: فلما كان اليوم المعلوم أقبل ابن عمها وأهلها، وتهيات خديجة لما أرادت ونحرت البدن، واتخذت طعاما كثيرا. واقبل النبي (صلى الله عليه وآله) وعمه وبنو عمه وأهل بيته من بني عبد المطلب خاصة، وأرسلت خديجة الى عمها وأهل بيتها فدعتهم ولم يلعم الفريقان إلى ما دعوا فاطعمت القوم الطعام ونحرت البدن على الجبال والشعاب والاودية بمكة وجعلتها قرى للناس والطير والسباع والهوام سبعة أيام، وأمرت بسقي القوم، فلما شربوا وأخذوا في حدثهم قال أبو طالب لعمها: لنك في الشرف العظيم من قومك، وأنت الكفؤ الكريم، ومحمد بن عبد الله ولد أخي وهو لا يجهل حسبه ولا ينكر نسبه، وقد أتاك خاطبا خديجة ابنة خويلد، وهو ممن قد عرفتم أمره وحاله. فقال عمها: يا أبا طالب، خديجة مالكة نفسها، وأمرها إليها، فارسل إليها واستاذنها. فارسل إليها عمها يستامرها، فقالت: يا عم زوجه فانه بالنسب الثاقب والفرع الباسق، وليس هذا ممن يرد فزوجه عمها في مجلسه،


 

[ 53 ]

وذلك بمحضر من الفريقين فخرجوا قريرة أعينهم بمجلسهم، وما كان من خديجة في تزويج محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك أنها خطبت من أكابر قريش وسائر العرب، فلم تزوج نفسها فلما خرجوا احتبس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، عندها، فقالت له: يا محمد ما نحلتك ؟ قال: البكر والحقة، وهما نحلة، مني اليك، وما اضعفت لي بعد ذلك من الرزق فهو في بيتك في موضع كذا وكذا، فقالت: قد قبلته وقبضته، فادخل باهلك متى شئت، فبات عندها ليلته من أقر الناس عينا وأحبهم إليها من جميع الناس. وأصبحوا من غد ذلك اليوم فقدم بعض حساد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الى عمها وقالوا: زوجت بنت أخيك بغلام فقير قليل المال ؟ فاقبل عمها الى ابي طالب نادما، وقد بلغ ابا طالب ندامته، فقال له: يا هذا ان المال ياتي ويذهب، وقد رأينا من لم يكن له مال فرزقه الله مالا ورزقا حسنا واسعا، وقد بلغ خديجة ذلك فارسلت إليه، فاقبل إليها وهو نادم على ما كان منه، فقالت له: يا عم لا تتهمني في نفسك، ما زوجته أنت، بل الله زوجه، فهو ممن عرفت شرفه وكرمه وأمانته، فقال لها: نعم، صدقت هو كما تقولين وأفضل، ولكن ليس له مال، قالت له: يا عم اني ما قدمت الا على بصيرة، وقد رأيت بعيني ما رأيت، ورأى ذلك نساء قريش معي، قال: ما الذي رأيت ورأين ؟ قالت: قد أقبل من تجارتي التي انفذته بها مبشرا بالارباح التي رزقني الله عليه يده وانا جالسة، في المنظرة فرأيته مقبلا فردا وعلى رأسه غمامة تسير بمسيرة، وتقف بموقفه، وتظله من الحر والبرد، ورأينا رجالا باجنحة لا بايد من حوله ومن فوقه يسيرون بمسيره ويكنفونه ويرفون عليه باجنحتهم ولهم زجل بالتسبيح والتهليل والتمجيد والتقديس لله عز وجل، فهذا ما رأيت ونساء قومي، وقلت لهن: ترين هذا الرجل الكريم على الله عز وجل العظيم المنزلة عند الله، الذي أظله بالغمام وحفه بالملائكة ؟ الى أن أن قرب مني فتبينته فرأيته


 

[ 54 ]

محمدا بن عبد الله، ورأى نساء قومي، فمن أجل ذلك يا عم رغبت فيه، وعلمت أن له شانا عظيما، ويؤول الى نبوة ورسالة فسر عمها وخرج وقال: يا خديجة اكتمي هذا الامر، ولا تظهريه، ولا تذكري شيئا من الغمام والملائكة فتسمع به قريش فتقتله، وخرج من عندها، وقالت: اكتم أنت ذلك يا عم فانه قد بات عندي ودخل باهله، فعند ذلك شكره العم وعرف فضله فكانت هذه من دلائله (عليه السلام). 8 - وعنه عن أبيه حمدان بن الخصيب، عن أحمد بن الخصيب، قال: كنا بالعسكر ونحن مرابطون لمولانا أبي الحسن وسيدنا أبي محمد (عليما السلام) قال: لما اظهر الله دينه، ودعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى الله، كانت بقرة في نخل بني سالم، فدلت عليه البقرة وآذنت باسمه، وأفصحت بلسان عربي مبين - في جميع آل ذريح - فقالت: يا آل ذريح، صائح يصيح بان لا اله الا الله وحده لا شريك له وأن محمدا رسوله حقا. فاقبل آل ذريح الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فآمنوا به وكانوا أول العرب إسلاما وايمانا وطاعة لله (عز وجل) ولرسوله. 9 - وعنه، عن أبيه، عن عمه، بهذا الاسناد، عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: تكلمت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقرة، وهي كانت في نخل آل بني سلام فصاحت لال ذريح: الذئب، وهو الذي أقبل الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فشكا إليه الجوع فدعا النبي بالرعاة، فقال: افترضوا له شيئا، فخشوا، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للذئب: أختلس ما تجد، فصار الذئب يختلس ما يجد لانه مسلط. قال أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام): وايم الله لو كانوا فرضوا للذئب ما زاد عليه الى يوم القيامة. وأما الجمل فان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان جالسا


 

[ 55 ]

في اصحابه، إذ نظر الى بعير ناد، حتى اقبل إليه وهو جالس بين اصحابه فضرب في اخفافه ورغا، فقال القوم: يا رسول الله يسجد لك هذا البعير، فنحن احق ان نسجد لك، قال لهم: اسجدوا لله رب العالمين. إن الجمل يشكو الي اربابه ولو أمرت أحدا أن يسجد لاحد لامرت المرأت ان تسجد لزوجها. فوقع في قلب رجل منهم ما شاء الله ان يقع في قلبه من كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فما لبث إلا قليلا حتى أتى صاحب البعير، فقال له: يا اعرابي هلم إلي، فما بال هذا البعير يشكو من أربابه ؟ فقال: يا رسول الله ما يقول ؟ قال: يقول: انكم أنختموه صغيرا وأعنفتموه كبيرا، ثم انكم أردتم نحره. قال الاعرابي: والذي بعثك بالحق نبيا واصطفاك بالرسالة نجيا، ما كذب هذا البعير، ولقد قال بالحق. فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أعرابي اختر واحدة من ثلاث إما ان تهبه لي، وإما ان تبيعني إياه، وإما أن تجعله سائبا لوجه الله. فقال: يا رسول الله أهبه لك. فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اللهم أشهدكم علي أني جعلته سائبا لوجه الله، كان البعير ياتي المعالف فيعتلف منها، ولا يمنعوه حياء من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حتى هلك الجمل فكان هذا من دلائله (عليه السلام) والتحية. 10 - وعنه بهذا الاسناد عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالسا والناس حوله، فقال لهم: انه ياتيني غدا تسعة نفر من حضرموت يسلم منهم ستة، وثلاثة لا يسلمون، فوقع في قلوب الناس من كلامه ما شاء الله أن يقع، فلما أصبحوا وجلس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مجلسه، أقبلت التسعة رهط من حضرموت، حتى دنوا من النبي (صلى الله عليه وآله) وقالوا له: يا محمد اعرض علينا الاسلام فعرض رسول الله عليهم


 

[ 56 ]

الاسلام فاسلم منهم ستة، وثلاثة لم يسلموا فوقع في قلوب الناس مرض وانصرفوا. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يموت منهم واحد، وهو هذا الاول، وأما هذا الآخر فانه يخرج في طلب ابل له فيستلبه قوم فيقتلونه، وأما الثالث فيموت بالداء والدبيلة. فوقع في قلوب الذين كانوا في المجلس اعظم ما وقع في الكرة الاولى، فلما كان من قابل أقبل الستة الرهط الذين اسلموا حتى وقفوا على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال لهم: ما فعل الثلاثة أصحابكم الذين كانوا معكم ولم يسلموا ؟ فاخبروه بموتهم - والناس يسمعون - والتفت الى أصحابه فقال لهم: ما قلت لكم في العام الماضي في هؤلاء القوم ؟ فقالوا: سمعنا مقالتك يا رسول الله، وقد ماتوا جميعا في الموتات التي أخبرتنا بها، فكان قولك الحق عند الله، فانت الامين على الاحياء والاموات. فكان هذا من دلائله (عليه السلام). 11 - وعنه، عن أبي بكر القصار، عن سيف بن عميرة، عن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: لما دعا النبي قريشا الى الله وخلع الانداد، اشتد ذلك على قريش، وغمهم غما شديدا، وتداخلهم أمر عظيم، وقالوا: إن ابن أبي كبشة ليدعي أمرا عظيما، ويزعم أنه نبي ورسول فاتاه منهم أبو جهل لعنه الله - عمرو بن هشام بن المغيرة - وأبو سفيان، وسفيان بن حوشبة، وعتبة بن ربيعة، وهشام، والوليد بن عتبة، وصناديد قريش المنظور إليهم، وقالوا: يا محمد تزعم انك نبي ورسول، وقد ادعيت أمرا عظيما لم يدعه آباؤك، ولا أحد من أهل بيتك، ونحن نسالك أمرا ان جئتنا به وأريتنا إياه علمنا أنك نبي ورسول، وان أنت لم تفعل ذلك علمنا أنك تدعي الباطل وتقول السحر والكهانة. فقال لهم: ما حاجتكم ؟ فقالوا: نريد أن تدعو لنا هذه


 

[ 57 ]

الشجرة تنقلع بعروقها وتقف بين يديك، فقال لهم: إن أفعل هذا تؤمنون ؟ قالوا: نعم نؤمن، قال لهم: ساريكم ما تطلبون، وأعلم انكم ما تجيبون ولا تؤمنون ؟ ولا تؤولون الى خير. فقال للشجرة يا أيتها الشجرة، إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر، وتعلمين أني رسول الله حقا فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يدي. قال: ما استتم كلامه حتى اقتلعت الشجرة ووقفت بين يديه، فلما نظروا إليها اغتموا غما شديدا، وقالوا له: مرها أن ترجع الى مكانها ولياتك قسما سويا فأمرها بذلك فاقبل نصفها وبقي نصفها قالوا: مر هذا النصف يرجع الى الذي كان فيه فأمره فرجع الى موضعه كما كان. فلما رأوه قالوا باجمعهم: تالله ما رأينا مثل هذا السحر، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): قد أخبرتكم انكم لا تؤمنون بما أريكم وقد علمتم أني لست ساحرا ولا كذابا ولا مجنونا. قالوا: يا محمد ما رأينا أعظم من هذا السحر ولم يكن فيهم أشد تكذيبا من أبي لهب، فقال له بعضهم: يا محمد ما وجد ربك من يبعثه غيرك ؟ فغضب من كلامهم وقال لهم: والله يا معاشر قريش قد علمتم انه ما منكم احد يتقدمني في شرف، وأني الى خير مكرمة، وان آبائي قد علمتم من هم، فسكت القوم وانصرفوا وفي قلوبهم عليه أحر من الجمر مما سمعوا من الكلام وأراهم من العجائب التي لم يقدروا أن ياتوا بمثلها، فكان هذا من دلائله (عليه السلام). 12 - وعنه بهذا الاسناد عن سيف بن عميرة عن اسحاق بن عمار، قال قال الصادق (عليه السلام): لما اسري برسول الله (صلى الله عليه وآله) في طريق مر على عير في مكان من الطريق، فقال لقريش - حين اصبح - يا معاشر قريش ان الله (تبارك وتعالى) قد أسرى بي في هذه الليلة


 

[ 58 ]

من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى - يعني بيت المقدس - حتى ركبت على البراق، وإن العنان بيد جبريل (عليه السلام) وهي دابة اكبر من الحمار، وأصغر من البغل، خطوتها مد البصر، ركبت عليه وصعدت الى السماء، وصليت بالمسلمين وبالنبيين أجمعين وبالملائكة كلهم، ورأيت الجنة وما فيها، والنار وما فيها، واطلعت على الملك كله. فقالوا: يا محمد كذب بعد كذب، ياتينا منك مرة بعد مرة، لئن لم تنته عما تقول وتدعيه، لنقتلنك شر قتلة، أتريد أن تافكنا عن آلهتنا وتصدنا عما يعبد آباؤنا الشم الغطاريف ؟ فقال يا قوم انما اتيتكم بالخير، ان قبلتموه، فان لم تقبلوه فارجعوا وتربصوا اني متربص بكم أعظم مما تتربصون بي وأرجو أن أرى فيكم ما أؤمله من الله فسوف تعلمون. فقال أبو سفيان: يا محمد إن كنت صادقا فانا قد دخلنا الشام ومررنا في طريقنا، فخبرنا عن طريق الشام وما رأينا فيه. فانا قد رأينا جميع ما ثم ونحن نعلم انك لم تدخل الشام، فان أنت أعطيتنا علامة علمنا أنك رسول حق ونبي صدق. فقال: والله لاخبرنكم بما رأت عيناي الساعة، رأيت عيرا لك يا أبا سفيان وهي ثلاثة وعشرون جملا يقدمها ارمك عليه عباءتان قطوانيتان، وفيهما غلامان، احدهما صبيح والاخر رياح في موضع كذا وكذا، ورأيت عيرك يا ابا هشام بن المغيرة في موضع كذا وكذا، وهي ثلاثون بعيرا يقدمها جمل أحمر فيها مماليك أحدهم ميسرة، والآخر سالم، والثالث يزيد، وقد وقع بهم بعير بمحمله فمررت بهم وهم يحملون عليه حمله، والعير تأتيكم في يوم كذا وكذا وهي ساعة كذا وكذا، ووصف لهم جميع ما رأوه في بيت المقدس. فقال أبو سفيان: أما ما كان في بيت المقدس فقد وصفت جميع ما


 

[ 59 ]

رأينا، وأما العير فقد ادعيت أمرا، فان وافق قولك ما قلت لنا، وإلا علمنا انك كذاب، وأن ما تدعيه الباطل. فلما كان ذلك اليوم الذي أخبرهم أن العير تأتيهم خرج أبو سفيان وهشام بن المغيرة حتى ركبا ناقتيهما وتوجها يستقبلان العير فرأوها في الموضع الذي وصفه لهما النبي (صلى الله عليه وآله) فسالا غلمانهما عن جميع ما كانوا فيه، فاخبروهما بمثل ما اخبرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما أقبلا قالا لهما: ما صنعتما ؟ قالوا جميعا: لقد رأينا جميع ما قلت، وما يعلم أحد السحر الا اياك وإنك لشيطان عالم، ولو رأينا ملائكة من السماء تنزل عليك لما صدقناك، ولا قبلنا قولك، ولا قلنا: انك رسول ولا نبي ولا آمنا بما تقول أبدا، افعل ما شئت فهو سواء علينا أو عظت أم لم تكن من الواعظين، أو عدتنا ام لم توعدنا. فكان هذا من دلائله (عليه السلام). 13 - وعنه عن أبيه، عن عبد الرحمن بن سنان، عن جعفر بن محمد الانباطي، عن الحسين بن العلاء، عن أبي بصير الاسدي، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: مطر الناس مطرا شديدا، فلما أصبحوا خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه أبو بكر وعمر يمشيان فتبعهما أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) وقد برز الى الصحراء، فقال له رسول الله: ما سرني تخلفك، ولقد سررت بمجيئك يا علي، فإذا هم برماية قد انقضت من السماء اليهما اشد بياضا من الثلج وأحلى من الشهد فاخذها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمصها ثم دفعها الى امير المؤمنين (عليه السلام) فمصها حتى أتى على ما أراد، قال النبي: يا ابا بكر لولا هذا طعام من طعام الجنة لا ياكله احد في الدنيا الا نبي أو وصي نبي لاطعمتك، ثم كسرها النبي (صلى الله عليه وآله) نصفين فاخذ النبي نصفها واعطى عليا نصفها فاكل النبي (صلى الله عليه


 

[ 60 ]

واله) ما كان في يده، وأكل امير المؤمنين ما كان في يده، وانصرف أبو بكر خائبا فكان هذا من دلائله (عليه السلام). 14 - وعنه عن أبيه، عن محمد بن المفضل، عن بياع السابري عن سيف بن عميرة عن أبي بكر أحمد بن محمد الحضرمي عن ابي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالسا إذ أقبل إليه نفر من قريش فقالوا: يا محمد إنك تنحل نفسك بامر عظيم، وتزعم أنك نبي وأنه يوحى إليك والملائكة تنزل الوحي عليك، فان كنت صادقا فاخبرنا عن جميع ما نسالك به، فقال اسالوني عما بدا لكم، فان يكن عندي منه علم وخبر أنبئكم به، وإن لم يكن عندي منه علم استاجلتكم أجلا حتى ياتيني رسول ربي جبريل عن الله (عز وجل) فاخبركم به. وقال أبو جهل - لعنه الله - اخبرني عما صنعت في منزلي، فان عيسى بن مريم (عليه السلام) كان يخبر بني اسرائيل بما كانوا ياكلون وما يدخرون في بيوتهم، فان كنت نبيا كما تزعم فاخبرنا عما نعمل في بيوتنا وما ندخر فيها. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يا أبا جهل لو كنت رأيت الملائكة نزلت علي وكلمتني الموتى ما كنت تؤمن أنت ولا أصحابك ابدا، وساخبرك بجميع ما سألتني عنه، أما أنت يا أبا جهل فانك دفنت ذهبا في منزلك في موضع كذا وكذا، ونكحت خادمتك السوداء سرا من اهلك لما فرغت من دفن المال. واما أنت يا هشام بن المغيرة فانك جهزت جهازا وأمرت المغيرة ليخرج في ذلك الجهاز، فان أنت أتممت ما نويت في نفسك عطب ابنك في ذلك الطريق ولم تلق ما تحب فاخرج هشام ابنه المغيرة معاندا كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما توجه لم يسر الا قليلا حتى قطع عليه الطريق وقتل ابنه ورأى جميع ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله


 

[ 61 ]

وسلم) وكتم هشام ما أصابه في ابنه. فجاءه النبي (صلى الله عليه وآله) وجماعة من قريش، فقال النبي: ما منعك يا هشام ان تخبرنا ما أصبت به في مالك وولدك لئن لم تخبرهم لاخبرتهم انا، فقالت قريش: يا ابا المغيرة ما الذي أصبت به ؟ قال: ما اصبت بشئ ولم يمنعه ان يخبرهم الا بصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال رسول الله: اخبرني جبريل (عليه السلام) عن الله (عز وجل) ان اللصوص قطعوا على ابنك الطريق واخذوا جميع مالك واصبت بابنك في موضع كذا وكذا، فاغتم لذلك هشام، وقال: لئن لم تكفف قتلناك عنوة فانك لم تزل تؤذينا وتخبرنا بما نكره. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): تسألونني حتى إذا أنباتكم تجزعون ليس لكم عندي بقول الحق عن الله. فسكت هشام فقام مغتما بشماتته، وقال لابي جهل: ما تقول في الذهب الذي دفنته في بيتك في موضع كذا وكذا ونكاحك السوداء ؟ قال ما دفنت ذهبا ولا نكحت سوداء، ولا كان مما ذكرت شيئا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لئن لم تقر عليه، دعوت الله ان يذهب مالك الذي دفنته، ولارسلن الى السوداء حتى اسالها فتخبر بالحق. فقال أبو جهل - لعنه الله - نحن نعلم ان معك رجالا من الجن يخبرونك بجميع ما تريد وأما أنك تريد أن نقول فيك نبي ورسول فلست هناك فقال: ولم يا لكع ؟ ألست اكرمكم حسبا، وأطولكم قصبا، وأفضلكم نسبا، وخيركم أما وأبا، وقبيلتي خير قبيلة ؟ أتجزع ان تقول اني نبي والله لاقتلنك وأقتلن شيبة، ولاقتلن الوليد، ولاقتلن جبابرتكم وأشراركم ولاوطين دياركم بالخيل، وآخذ مكة عنوة، ولا تمنعوني شيئا، شئتم أم أبيتم. قال أبو عبد الله: فوالله ما ذهبت الايام والليالي حتى قتل رسول الله


 

[ 62 ]

(صلى الله عليه وآله) قريشا بيده شر قتلة، وجميع من سماه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سبعون رجلا من اكابرهم وخيارهم فصح جميع ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما غادر منه حرفا فكان هذا من دلائله (عليه السلام). 15 - وعنه عن أبي الحسين محمد بن يحيى الفارسي عن عبد الله بن جعفر بن خالد الجلاب، عن عبد الله بن ايوب، قال: حدثني أبو أيوب وصفوان الجمال عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال: لما رمي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسيف، وكان الذي رماه به عتبة بن ابي معيط ووضع رجله على عنقه وهو ساجد فغمزه في الارض غمزة شديدة، حتى بلغ منه فرفع رأسه فقال: والله الذي لا يحلف باعظم منه لئن مكنني الله منك يا عقبة لاقتلنك، فقلته يوم بدر وقد جئ به أسيرا فضرب عنقه، وصدق ما قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكان هذا من دلائله (عليه السلام). 16 - وعنه عن الخضر بن أبان، عن عبد الله بن جرير النخعي عن أحمد بن عنان، عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا معاشر اصحابي ياتيكم الساعة تسعة نفر من وراء هذا الجبل من آل غسان فيسلم سبعة ويرجع رجلان كافران، ولا يصلان الى منازلهم حتى يبليان ببلية، أحدهما ياكله السبع والآخر يعضه بعيره فيورثه حمرة وبعد الحمرة اكلة، فيموت ويلحق بصاحبه في النار. فلما اصبح اقبل النفر الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال أهل مكة: ان محمدا له من يخدمه من الجن هؤلاء كانوا أحسنهم قولا، وقال بعضهم: ساحر كذاب مجنون، فاسلم من القوم سبعة، ورجع اثنان كفارا


 

[ 63 ]

بما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان هذا من دلائله (عليه السلام). 17 - وعنه عن أبي بكر محمد بن جبلة التمار، عن حامد بن يزيد، عن خليل بن أحمد الزيات، عن صندل، عن داود بن فرزدق عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: لما ظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرسالة جاء ذئب الى الاشعث بن قيس الخزاعي، وهو في غنم له يطرده عنها كرة بعد كرة فقال في الكرة الرابعة: ما رأيت أصفق وجها منك ذئبا، قال الذئب: بل أدلك على من هو أصفق مني وجها، فقال له الاشعث بن قيس: من هو يا ذئب ؟ قال له: أنت قال: كيف ذلك ؟ قال الذئب: هذا النبي ظهر بينكم يدعوكم الى الله وأنتم لا تجيبونه. قال له الاشعث: ما تقول ؟ قال الذئب: أقول الحق. قال له: وأين هو ؟ قال: بيثرب قال له الاشعث: ومن يحفظ غنمي ؟ قال الذئب: أنا أحفظها حتى تذهب إليه فتؤمن به، قال الذئب: الله لك بذلك قال: فلم يزل في غنمه يحفظها حتى وصل الاشعث الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقص عليه قصته مع الذئب وآمن برسول الله (صلى الله عليه وآله) وعاد إلى غنمه والذئب يحفظها، فدفع للذئب سخلة من غنمه، فاكلها الذئب وخرج من عنده فكان هذا من دلائله (عليه السلام). 18 - وعنه عن يعقوب بن حازم عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الى غزاة تبوك وخلف أمير المؤمنين (عليه السلام) وسائر من بها، فتكلم الناس فيه، وقالوا ما بال علي مقدم في كل غزوات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أخره عن هذه الغزوة بالمدينة وما هذا الا اجتزاء عن علي، وبغضا له لئلا يشهد فضل هذه الوقعة فخرج إليه امير المؤمنين حتى وافى معسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال:


 

[ 64 ]

فداك أبي وأمي يا علي ما الذي جاء بك ؟ قال: ان الناس يقولون إنك ما خلفتني بالمدينة الا من بغضك لي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ليس الامر كما يقولون يا علي كيف وقد أمرني الله يخبرني مشافهة - حيث أسري بي إليه - أمرني أن أو أخيك وأزوجك بفاطمة بنتي سيدة نساء العالمين في الارض بعد أن زوجك الله في السماء، وأمرني أن أعلمك جميع علمي ولا أتركك، وأن اقربك ولا أجفوك، وأدنيك ولا أقصيك، وأن أصلك ولا أقطعك وإن أرضيك ولا أسخطك، وأنت أخي وانا أخوك في الدنيا والآخرة، ولا يعطى أحد الشفاعة غيري وسالت ربي أن يشركك فيها معي ففعل، فمن له مثل ما لك، ومن اعطي مثلما اعطيت. يا علي اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى حين خلفه في قومه. فلما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك رجع علي (صلوات الله عليه) الى المدينة مستبشرا مسرورا، وسار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والناس معه، فشكوا العطش فقال للناس: اطلبوا الماء فلم يصيبوا قليلا ولا كثيرا، حتى خافوا على أنفسهم، ومات بعضهم وبعض دوابهم فلما رأوا ما نزل بهم، قالوا: يا رسول الله ادع لنا ربك يسقينا ريا من الماء فنزل جبريل (عليه السلام) فقال: يا رسول الله ابحث بيدك هذا الصعيد، وضع قدميك واصبيعك المسبحتين فينفجر اثنتا عشرة عينا كما انفجرت لموسى (عليه السلام) فوضع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عشر أصابع رجليه وسبابتيه، وسمى باسم الله (عز وجل) ودعا فتفجرت من بين اصابعه اثنتا عشرة عينا، للاثنتي عشرة اصبعا، وفاض الماء حتى ملا الوادي والبقعة وشرب الناس وسقوا دوابهم، وحملوا من الماء ما كفاهم الى الماء الآخر واعطي رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثل الذي اعطي موسى (عليه السلام) وموضع الماء معروف مشهور في طريق الحديثة الى وقتنا هذا فكان هذا من دلائله (عليه السلام).


 

[ 65 ]

19 - وعنه عن ابي الحواري عن جعفر بن يزيد الطريقي عن محمد بن مسلم، عن عمر بن سهم، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال سمعته يقول: لما ظهر محمد (صلى الله عليه وآله) ودعا الناس الى دين الله ابت ذلك قريش وكذبته وجميع العرب فبقي النبي (صلى الله عليه وآله) مستجيرا في البلاد لا يدري ما يصنع، وكان يخرج وأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما) في كل ليلة الى الشعاب فيصليان فيها سرا من قريش، ومن الناس، وكانت خديجة (عليها السلام) تخاف عليهما ان تقتلهما قريش، فجاءت الى أبي طالب فقالت له: إني لست آمن على رسول الله وعلى علي من قريش أن يقتلوهما، فاني أراهما يذهبان في بعض تلك الشعاب يصليان فأتاهما أبو طالب، وقال لهما: إني أعلم أن هذا الامر سيكون له آخر، وان هذا الذي أنتما عليه لدين الله، وإني أعلم أنكما على بينة من ربكما، فاتقيا قريشا، فوالله ما أخاف عليكما الا من قريش خاصة، وما أنتما بكاذبين، ولكن القوم يحسدونكما، والذي دعوتما إليه عظيم عندهم، وإنما تريدان أن تقلباهم عن دينهم ودين آبائهم إلى دين لا يعرفونه ويستعظمون ما تدعوانهم إليه. فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لاملكن رقابهم، ولاطان بلادهم بالخيل، ولتسلمن قريش والعرب طوعا أو كرها ولاقطعن اكابرهم جهرا ولآخذنهم بالسيف عنوة، وهكذا اخبرني جبريل (عليه السلام) عن الله (عز وجل). فرجع أبو طالب من تلك الشعاب من عندهما وهو من اسر الناس بما اخبره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأتى أبو طالب خديجة (عليها السلام) وأخبرها بذلك ففرحت فرحا شديدا وسرت بما قال لها أبو طالب، وعلمت انهما في حفظ الله (عز وجل) فكان هذا من دلائله (عليه السلام).


 

[ 66 ]

20 - وعنه عن محمد بن نجيح بن سليمان بن ابراهيم الخزاز، عن عبيد الله بن سعيد الخزاعي، عن عمر بن بنشط عن ابي بكر الحضرمي عن ابي حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال لما ظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودعا قريشا الى الله تعالى فنفرت قريش من ذلك وقالوا يا ابن ابي كبشة، لقد ادعيت امرا عظيما اتزعم انك نبي وان الملائكة تنزل عليك، فقد كذبت على الله وملائكته، ودخلت فيما دخل فيه السحرة والكهنة. فقال لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لم تجزعون يا معاشر قريش ان ادعوكم إلى الله والى عبادته ؟ والله ما دعوتكم حتى أمرني بذلك، وما أدعوكم ان تعبدوا حجرا من دون الله، ولا وثنا ولا صنما ولا نارا، وانما دعوتكم أن تعبدوا من خلق هذه الاشياء كلها وخلق الخق جميعا، وهو ينفعكم ويضركم، ويميتكم ويحييكم ويرزقكم. ثم قال: والله لتستجيبن الى هذا الذي أدعوكم إليه شئتم أم أبيتم، طائعين أو كارهين صغيركم وكبيركم، فبهذا اخبرني جبريل (عليه السلام) عن رب العالمين، وانكم لتعلمون ما انا بكاذب وما بي من جنون ولا سحر ولا كهانة، فقد أخبرتكم بما أخبرني به ربي، فاسمعوا واطيعوا فكان هذا من دلائله (عليه السلام). 21 - وعنه، عن علي بن الحسين المقري، عن جابر بن خالد الآبي، عن سعيد بن قيس العبدي الحلبي، عن عبد الله بن بكر، عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: لما ظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعمه حمزة بن عبد المطلب ولاهل بيته: ابشروا فوالله لاسوقن قريشا وجميع العرب بعصاي هذه، طائعين أم كارهين، وليظهرن الله امره ان شاء، أنبئوهم يا بني عبد المطلب بما يسوءهم، فهو نعمة من الله وتفضل عليكم فخذوا ما اعطاكم واشكروه واحمدوه، ولا تكونوا مثل هذه


 

[ 67 ]

الاعراب الجفاة، وقريش الحسدة الظلمة المفترين، فكان هذا من عجائبه ودلائله (عليه السلام). 22 - وعنه عن أبيه حمدان بن الخصيب عن ابراهيم بن الخصيب - وكان مرابطا لسيدنا أبي الحسن علي بن محمد العسكري (عليه السلام) - قال: حدثني زيد بن شهاب، عن محمد بن راشد الصيدناني عن الحسن بن محمد السكني عن ابي بصير عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: جاء قوم من المنافقين الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا: زعمت يا محمد أن الله تبارك وتعالى اتخذ ابراهيم خليلا فما الذي صنع بك ؟ قال: اتخذني حبيبا، والحبيب أقرب من الخليل الى خليله. قالوا: فانك زعمت ان الله كلم موسى تكليما فما صنع بك ؟ قال: صنع بي ما صنع بموسى، وزادني عليه أن الله كلمه فوق الارض، وكلمني في حجب النور فوق السماوات. قالوا: انك زعمت أن الله ألان الحديد لداود حتى عجنه بيده بلا نار وقدره في السرد، وعمل منه الدروع والخوذ، فما الذي صنع بك ؟ قال: صنع بي ما صنع بداود وزادني عليه أني علوت على جبل أبي قبيس على ناقتي العضباء مشرفا على جميعكم وانتم تريدون اخراجي من مكة فركبت ناقتي في الحجر الصلد في رأس ابي قبيس، ولين لي الحجر حتى غاصت وهي باركة وانقلبت مستلقيا على قفاي فلان لي الحجر حتى تبين فيه صورة ظهرى وقفاي وتخطيط شعري في الحجر، وها أنتم تنظرون إليه، ولن يخفى ذلك الاثر ما دامت السماوات والارض. قال الحسين بن حمدان الخصيبي: أنا رأيت مبرك الناقة وأثر رداء رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الحجر فوق الجبل في سنة اثنين وثمانين ومائتين قبل أن حججت، ومعي جمع كثير من الحجاج، وتمسحنا بالموضع


 

[ 68 ]

وصلينا عنده. ويرجع الحديث الى رسول الله (صلى الله عليه وآله): وهذا سيف من أسيافكم فاعطونيه حتى أجعله ما شئتم بيدي، فقالوا: هذا سيف من اسيافنا فقطعه لنا ابرا مثقبة الى الاسفل بلا نار، فاخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيفا من أسيافهم فلم يزل يقطعه بيده ابرا مثقبة الى الاسفل بلا نار حتى على آخره، وقال: أتحبون أن أقطع لكم حمائله إبرا ؟ قالوا: هو من أديم يا محمد، قال يجعلها الله حديدا. وضرب بيده المباركة الى حصى رضراض كان جالسا عليه فقبض منه قبضة وقال يا حصى سبح الله بكل لغة في كفي فنطق ذلك الحصى بثلاث وسبعين لغة يثبتها من عرفها بتسبيح الله وتقديسه وتمجيده، والشهادة لرسول الله بالرسالة ولعلي بالامامة. قالوا: يا محمد فقد زعمت ان داود كانت تسبح معه الجبال بالعشي والاشراق، والطير محشورة كل له أواب قال النبي: (صلى الله عليه وآله وسلم): انظروا باعينكم واسمعوا باذانكم ماذا تجيب الجبال ثم صاح رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا جبال مكة ومن حولها والريح والتلاع أجيبيني باذن الله ويا أيها الطير آوي الي باذن الله. قال فصاحت جبال مكة وما حولها والريح والتلاع، وكل شعب بمكة لبيك لبيك يا رسول الله إجابة لدعوتك وطاعة لامرك، وأقبلت الطيور من كل جانب صغارا وكبارا، بري وبحري وجبلي وسهلي، حتى انفرشت بمكة وسطوحاتها وطرقاتها وحجبت الطير السماء باجنحتها عنهم. فقال المنافقون: فقد زعمت أن الله اعطى لعيسى احياء الميت وابراء الاكمه والابرص وأن يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا باذن الله، ونبا بني اسرائيل بما ياكلون وما يدخرون في بيوتهم ونحن


 

[ 69 ]

نسالك أن تحيي لنا ميتا، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا بن أبي طالب (عليه السلام) وقال له: ائتني ببردتي السحاب وقضيبي الممشوق ثم كلمه بكلام خفي لا يفهم، ثم قال: انطلق يا علي معهم الى بلاطة من بلاطهم فاحي لهم من ارادوا من الموتى فلما انتهوا الى البلاطة بظهر شعب بني سعد قالوا: يا علي هذا قبر سيد من ساداتنا من اكابر قريش، وقد مات قريبا وقد دفناه بالامس، وهو قريب العهد بالحياة، أحيه لنا حتى نساله، فدنا أمير المؤمنين من القبر، وتكلم بكلام خفي ثم ركل القبر برجله فارتجت الارض وزلزلت حتى خافوا على انفسهم، فقالوا يا علي أقلنا أقالك الله فقال علي ليس الامر لي، بل الامر الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا ميتكم فكلموه، فإذا هم بالقبر قد انشق، وخرج الرجل من اكفانه بعينه واسمه ونسبه فقال: يا ويلكم يا منافقي قريش، ما اجرأكم على ما أنا فيه من العذاب، أو لم أؤمن بمحمد حتى شهر تموني في الدنيا فولوا هاربين الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله اقلنا أقالك الله، فقال رسول الله انكم لا تتمردون علي وانما تمردكم على الله، اللهم لا تقلهم فاني لا اقيلهم فارسل النبي الى امير المؤمنين (عليه السلام) بعد أن رد الميت في قبره، فكان هذا من دلائله (عليه السلام). 23 - وعنه عن ابيه عن محمد بن موسى القمي عن زيد بن شهاب القمي عن طلحة بن جعفر الاشعري عن الحسين بن العلاء، عن يونس بن ظبيان، عن المفضل بن عمر الجعفي عن ابي عبد الله (صلوات الله عليه) قال: لما ارضعت حليمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) اقبل إليها زوجها فقال: يا حليمة من هذا الصبي ؟ فقالت: ابن اخي ابي طالب وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب. فقال لها: ويحك سنتنا سنة مجدبة كما ترين فإذا ارضعت هذا الصبي مع ابنك اضررتنا به، فقالت:


 

[ 70 ]

والله لقد وقع لهذا الصبي في قلبي من المحبة شئ لا أحسن اصفه لك، فلما كانت صلاة الفجر سرحت غنمها وحميرها مع غنم الناس وحميرهم، فلما أمسوا وراحت الاغنام الى منازلهم راحت غنم حليمة حفلة يكاد يبدر ما في ضرعها من اللبن ودوابها بطينة تكاد ان تفزر، وراحت الاغنام على ما كانت تروح قبل ذلك فتكلم الناس في ذلك فقالوا: كيف هذا صار ان اغنامنا هلكت من الجوع، واغنام حليمة ودوابها تروح بطينة تكاد تتفزر، وضروعها حفلة، فقالت حليمة لزوجها يا فلان أتسمع الناس ما يقولون ؟ قال: يا حليمة قد رمى الناس غنمك ودوابك بابصارهم فاني خائف على أموالنا أن تهلك من أعين الناس، فقالت له حليمة: كلا - وكانت موفقة - والله يا فلان إنا لاكرم على الله من هؤلاء الناس، وإلهنا رزقنا ما ترى حتى يكون لدينا عظيما فلما انتشى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصار يخرج مع الرعاة الى البرية كان يتجلى له جبريل (عليه السلام) فيفزع ففطنت به حليمة فكانت تكتم ذلك زمانا حتى أتاها صبي من الصبيان فاخبرها بخبره فلم تدر حليمة ما تصنع، فاغتمت لذلك غما شديدا، وكان رسول الله من اسرع الناس شبابا حتى أوحى الله إليه، فامنت به حليمة وزوجها وعلما انه نبي مرسل مما كانا يرياه في منازلهما من الخير والبركة فكان هذا من دلائله (عليه السلام). 24 - وعنه عن جعفر بن محمد بن مالك وكان جعفر بن مالك راويا علوم آل محمد (عليهم السلام) قال: - وكان الحسن عمه من فقهاء شيعة آل محمد - (عليهم السلام): حدثنا محمد بن احمد عن حمران بن اعين عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: لما أظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الرسالة والوحي بمكة واراهم الآيات العظيمة والبراهين المبهرة تحيرت قبائل قريش من بني امية وبني تيم وعدي فيما اتى به النبي


 

[ 71 ]

(عليه السلام) اجتمع بعضهم الى بعض وقالوا لذي الرأي منهم ماذا ترون من الرأي في ما ياتي به محمد مما لا يقدر عليه احد من السحرة والكهنة والجن واتى بشئ لا يقدر ان ياتي به ممن ذكرناه احد حتى نسال محمدا من اين اتى به فلم يدع بدينه الى الانبياء والرسل ولا الكهنة والسحرة ولا الجن المسخرة لسليمان بن داود ولا معجزة الا وقد أتاهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمثلها واعظم منها فقال بعضهم لبعض: اجمعوا على ان نساله أن يشق لنا القمر في السماء وينزله الى الارض شعبتين فان القمر ما سمعنا من سائر النبيين أحدا يقدر عليه كما قدر على الشمس فانها رجعت ليوشع بن نون (عليه السلام) وصي موسى بن عمران (صلوات الله عليه) وكانوا يظنون ان الشمس لا ترد من مغربها، فمن ذلك ابراهيم (عليه السلام) قال: (ان الله ياتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب فبهت الذي كفر) وهو النمرود ثم ردت على يوشع بن نون على عهد موسى (عليه السلام) فاجمعوا امرهم وجاؤوا الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا له: يا محمد قد جعلنا بينك وبيننا آية ان اتيت بها آمنا بك وصدقناك، قال لهم رسول الله اسالوني فاني أنبئكم بكل آية لو كنتم تؤمنون بالله ورسوله. فقالوا: يا محمد الوعد بيننا وبينك سواد الليل وطلوع القمر، تقف على المشعرين فتسال ربك الذي تقول انه ارسلك رسولا ان يشق لك القمر شعبتين، وينزله من السماء حتى ينقسم قسمين، ويقع القسم الواحد على المشعرين، والقسم الثاني على الصفا. فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فهل انتم مؤمنون بما قلتم انكم تؤمنون بالله ورسوله. قالوا: نعم يا محمد، وتسامع الناس وأتوا الى سواد الليل فاقبل الناس يهرعون الى البيت وحوله حتى اقبل الليل واسود وطلع القمر وأنار،


 

[ 72 ]

والنبي (صلى الله عليه وآله) وامير المؤمنين (عليه السلام) ومن آمن بالله ورسوله يصلون على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويطوفون حول البيت، فاقبل أبو جهل وابو سفيان على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا له: الآن بطل سحرك وكهانتك، هذا القمر فاوف بعهدك، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): قم يا ابا الحسن قف بجانب الصفا، وهرول الى المشعرين وناد بهذا اظهارا وقل في ندائك: " اللهم رب هذا البيت الحرام والبلد الحرام وزمزم والمقام ومرسل هذا الرسول التهامي أئذن للقمر أن ينشق وينزل الى الارض فيقع نصفه على الصفا ونصفه على المشعرين فقد سمعت سرنا ونجوانا وانت بكل شئ عليم ". فتضاحكت قريش وقالوا ان محمدا استشفع بعلي لانه لم يبلغ الحلم، ولا ذنب له فقال أبو لهب (لعنه الله) لقد اشمتنا الله بك يا ابن اخي في هذه الليلة. فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اخس يا من أتب الله يديه، ولم ينفعه ماله ولا بنوه، وتبين مقعده في النار. فقال أبو لهب: لافضحنك في هذه الليلة بالقمر وشقه وانزاله الى الارض ولافلت كلامك هذا الذي إذا كان غدا جعلته سورة، وقلت هذا اوحى الى ابي لهب. قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) امض يا علي فيما أمرتك واستعذ بالله من الجاهلين، ثم هرول امير المؤمنين من الصفا الى المشعرين، ونادى واسمع بالدعاء فما استتم كلامه حتى كادت الارض ان تسيخ باهلها والسماء ان تقع فقالوا: يا محمد لقد اعجزك شق القمر اتيتنا بسحرك لتفتنا فيه، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هان عليكم بما دعوت به فان السماء والارض لا يهون عليهما بذلك ولا يطيقان سماعه، فقوموا باجمعكم وانظروا الى القمر قال: ثم ان القمر انشق


 

[ 73 ]

نصفين نصفا وقع على الصفا ونصفا وقع على المشعرين، فاضاءت داخل مكة وأوديتها وصاح المنافقون: اهلكنا محمد بسحره يا محمد افعل ما شئت فلن نؤمن بك ولا بما جئتنا به. ثم رجع القمر الى منزله من الفلك واصبح الناس يلوم بعضهم بعضا ويقولون برأيهم: والله لنؤمنن بمحمد ولنقاتلنكم معه مؤمنين فقد سقطت الحجة وتبين الاعذار وانزل في ذلك اليوم سورة ابي لهب واتصلت به فقال: ان محمد فعل ما قلته له في تأليفه له في هذا الكلام ليشنعني به، والله اني لاعلم ان محمدا يعاديني لكفري به وتكذيبي له من بين بني عبد المطلب وخاصة لسبب العباس فانه انكره اولاد عبد المطلب لما اتت امه بتلك الفاحشة واحرقها ابونا عبد المطلب على الصفا وكان اشدهم له جحدا الحارث والزبير وابو طالب وعبد الله فحلفت باللات والعزى انه من ابناء عبد المطلب حتى الحقت العباس بالنسب فمن اجل ذلك الف هذا ويزعم انها سورة انزلها الله عليه، فوحق اللات والعزى لو اتى محمد بما يملا الافق من المدح ما آمنت به ولا فيما جاء به ولو عذبني رب الكعبة بالنار. فامن في ذلك اليوم ستمائة واثنا عشر رجلا واكثرهم اسر ايمانه وكتمه الى ان جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الى المدينة ومات أبو لهب (لعنه الله) وقتل أبو جهل وأسر أبو سفيان ومعاوية يوم فتح مكة والعباس وزيد بن الخطاب وعقيل بن ابي طالب واسر كثير منهم مقدار ثمانين رجلا تحت القدم فكانوا طلقاء لم ينفعهم ايمانهم وهم لا ينظرون فكان هذا من دلائله (عليه السلام). 25 - وعنه عن ابي بصير عن ابي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: لما ظهرت نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة عظم على قريش امره ونزول الوحي عليه وما كان يخبرهم به قال بعضهم لبعض: ليس لنا إلا قتل محمد، وقال أبو سفيان: انا اقتله لكم قالوا: وكيف


 

[ 74 ]

تصنع ذلك قال: انه بلغنا انه يظل في كل ليلة في مغارة الجبل أو في الوادي وقد عرفت انه في هذه الليلة يمضي الى جبل حراء فيظل فيه قالوا: ويحك يا ابا سفيان انه لا يمشي عليه احد الا قذفه حتى يقطعه قطعا وكيف يمضي محمد إليه فبعثوا الى رصادهم على النبي فقالوا: تجسسوا لنا عليه اين يظل في هذه الليلة ودوروا من حول حراء فلعل تلقون محمدا فتقتلوه فنكفى مؤونته فلما جن عليه الليل أخذ بيد امير المؤمنين وخرج واصحابه لا يشعرون وابو سفيان وجميع الرصدة مقنعون من حول الجبل فما شعروا حتى وافى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وامير المؤمنين (عليه السلام) بين يديه وصعدا جبل حراء فلما دارا في دورة الجبل اهتز الجبل وماج ففزع أبو سفيان ومن معه وتباعدوا من الجبل وقالوا: قد كفينا مؤونة محمد وقد قذفه حراء وقد قطعه، فاطلبوا من حول الجبل فسمعوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يقول اسكن يا حراء فما عليك الا نبي ووصي فقال أبو سفيان: سمعت محمدا يقول يا حراء ان قرب منك أبو سفيان ومن معه فارمهم بهوامك حتى تنهشهم فتجعلهم حصيدا خامدين. قال أبو سفيان: ويلبيه من حول جوانبه ويقول سمعا وطاعة يا رسول الله لك ولوصيك علي فسعينا على وجوهنا خوفا ان نهلك بما قاله محمد وأصبحوا واجتمعت قريش فقصوا قصتهم وما كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما خاطبه به حراء فقال: أبو جهل (لعنه الله): فماذا انتم صانعون ؟ قالوا: انك سيدنا وكبيرنا، فقال لهم: لو نكافح محمدا بالسيف غلبناه ام غلبنا وفي أحدى القتلتين راحة. فقال أبو سفيان: قد بقي لي كيد اكيده فقالوا له: وما هو يا ابا سفيان ؟ فقال خبرت انه سيتظل من حر الشمس تحت حجر عال وفي يومنا هذا قد اتى الحجر واستظل به فنهده عليه بجمع ذي قوة فلعلنا نكفى مؤنته فقالوا: افعل يا ابا سفيان، فبعث يرصد النبي (صلى الله عليه وآله


 

[ 75 ]

وسلم) حتى عرف انه قد خرج وعلي (عليهما السلام) حتى أتيا الحجر فاستظلا به وجعل رأسه في حجر علي (عليه السلام) وقال: يا علي اني قد ارقد وابو سفيان ياتيك من وراء هذا الجبل بجمع ذي قوة فإذا صار في الحجر استصعب عليهم وامتنع ان تعمل فيه ايديهم فامر الحجر ان ينقلب عليهم فينقلب فيقتل القوم جميعا ويفلت أبو سفيان وحده. فقال أبو سفيان: لا تفزعوا من قول محمد فما قال هذا القول الا ليسمعنا فلا نمضي الى الحجر ومحمد راقد في حجر علي فراموا ان يهدوا الحجر ويقتلعوه فيقلبوه على رسول الله فاستصعب عليهم وامتنع منهم فقال اصحاب ابي سفيان: انا لنظن ان محمدا قد قال حقا نحن نعهد ان هذا الحجر يقلعه بعض عددنا فما باله اليوم مع كثرتنا لا يهتز فقال أبو سفيان: اصبروا عليه. ثم احس بهم امير المؤمنين فصاح بالحجر: انقلب على القوم فاتى عليهم غير صخر بن حرب فما استتم من كلامه، حتى انقلب الحجر عليهم فتفرقوا فامتد عليهم الحجر وطال حتى كسر القوم جميعا تحته غير ابي سفيان فانه اقبل يضحك ويقول: يا محمد، لو احييت لنا الموتى وسيرت الجبال واعطاك الله كل شئ لعصيتك وحدي فسمع كلامه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له ويلك يا ابا سفيان والله لتؤمنن بي وتطيعني مكرها مغلوبا إذا فتح الله مكة. فقال أبو سفيان وقد اخبرت يا محمد بفتح مكة وايماني بك وطاعتي إياك فهذا ما لا يكون ففتح الله على رسول الله مكة واسر أبو سفيان وأمن كرها وأطاع صاغرا مغلوبا. قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): ولقد والله دخل أبو سفيان بعد فتح مكة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو على المنبر يوم الجمعة بالمدينة فنظر أبو سفيان الى اكابر ربيعة واليمن ومصر وساداتهم في المسجد يزاحم بعضهم بعضا فوقف أبو سفيان متحيرا وقال: يا


 

[ 76 ]

محمد قدرت ان هذه الجماعة تذل لك حتى تعلو دعواك هذه وتقول ما تقول فقطع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خطبته وقال له: على رغمك يا ابا سفيان فسكت أبو سفيان خجلا وقال في نفسه: والله يا محمد لئن امكنني الله منك لاملان يثرب خيلا ورجالا ولاخمدن نارك ولاعفرن اثارك فقطع النبي خطبته وقال: يا ويلك يا ابا سفيان اما بعدي فيتقدمك من هو اشقى منك وأما بعهدي فلا وبعدي يكون منك ومن اهل بيتك ما تقول في نفسك الا انك لا تطفي نوري ولا تقطع ذكري ولا يدوم لكم ذلك وليسلبنكم الله اياه ويخلدكم النار وليجعلنكم شجرتها التي هي وقودها الناس فمن اجل ذلك قال الله سبحانه وتعالى: (الشجرة الملعونة في القرآن) الى تمام الآية والشجرة هي بنو أمية وهم اهل النار فكان هذا من دلائله (عليه السلام). 26 - وعنه عن الحسن بن محمد بن جمهور عن ابيه محمد بن جمهور عن محمد بن عبد الله بن مهران عن محمد بن صدقة العنبري التميمي عن ابي المطلب جعفر بن محمد بن المفضل بن عمر، عن الصادق (صلوات الله عليه) قال: لما سال عبد الله بن سلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن تلك المسائل وأجابه عنها فقال عبد الله بن سلام وقد اسلم يا رسول الله هذا علم قد جاءك من الله على ألسن البشر أو على ألسن الملائكة ؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويحك يا عبد الله البشر كيف آخذ عنهم ؟ والله ما أتاني به الا جبريل عن الله. قال: وكيف تسمعه يا رسول الله قال: يا ابن سلام سماعا باذني ومنزلا على قلبي قال ابن سلام تعلم الغيب سماعا يا رسول الله بسمعك ومنزلا على قلبك ؟ قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الغيب درجات منها سماع، ومنها نبت في القلب. قال: يا رسول الله فمن لك بذلك نسمعه ونعلمه قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما في نفسك يا ابن سلام من قولك أو من فلعل


 

[ 77 ]

ما جاء به محمد حق قال ابن سلام: ومتى قلت هذا يا رسول الله في نفسي ؟ قال يا ابن سلام: الساعة بين قولك لي فحسن اسلامه بهذه الدلالة. 27 - وعنه قال حدثني أبو الحسين محمد بن يحيى، قال: حدثني أبو عبد الله بن زيد، عن الحسين بن موسى عن ابيه موسى بن جعفر، عن ابيه جعفر بن محمد الصادق عن محمد بن علي الباقر (عليما السلام)، قال أبو جعفر لجابر بن يزيد الجعفي: يا جابر ان نفرا من شيعتنا في الحديقة قد اجتمعوا للحديث والتذكار وقد وجدوا في حديثهم حديث أصحاب العقبة الذين هم أصحاب الدباب وشكوا في عدتهم فارسل إليهم لياتوا إلينا فنخبرهم بعددهم وأسمائهم وأنسابهم وكيدهم لجدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ليلة العقبة، فبعث جابر بن يزيد الجعفي إليهم واحضرهم على الباب وأذن لهم أبو جعفر (عليه السلام) فدخلوا عليه فقال لهم: ما لكم تشكون ونحن بين أظهركم تلقونا صباحا ومساء ؟ فقال القوم فرج الله عنك يا سيدنا. وقال أبو جعفر (عليه السلام): تكلموا يرحمكم الله. فقالوا: بعلة خطايانا وكثرة ذنوبنا تحول بيننا وبين ما ذكرت لنا جزاك الله خيرا من إمام خبير أخبرنا يا سيدنا بقصة أصحاب العقبة. قال أبو جعفر (عليه السلام): أخبركم بقصتهم وعدد أسمائهم فقال القوم: فرج عنا فرج الله عنك يا سيدنا فقال أبو جعفر: اعلموا رحمكم الله ان الارض لم تقل والسماء لم تظل على احد من الكفار الا الاثني عشر اصحاب العقبة اشدهم لعنة وكفرا وجحدا ونفاقا لله ولرسوله منذ الذرو الاول فانهم بدو كفرهم (وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) فقال: ضليلهم وابليسهم الاكبر مكرها وقالوا مكرهين: نعم، وقال ابليسهم لجحده لا بغير نطق فاستحال ظلمة وكدرا واسر ما قال كما اسر عجل موسى بن عمران


 

[ 78 ]

(عليه السلام) فسمعنا وعصينا فعلى ذلك الكفر والانكار وقول الطاغوت إبليسهم وجاؤوا معه الى علم الله الى أن ظهر وظهروا في الجان الذي خلقه الله من مارج من نار السموم فقد سمعتم ما كان منه من آدم والنداء له والنبيين والمرسلين والاوصياء والائمة الراشدين من قتل قابيل لهابيل، ونصبه لهم المنادة، الطاغية الباغية، العمالقة والفراعنة والطواغيت يكذبون الرسل والانبياء والاوصياء والائمة (عليهم السلام) ويردون عليهم ويدعون الربوبية والالهية من دون الله ويقتلونهم ومن آمن بهم وصدقهم وينظرون ممهلون الى يوم الوقت المعلوم. وقال القوم الى ابي جعفر (عليه السلام) يا سيدنا واولئك الاثنا عشر اصحاب عقبة الدباب هم ابليس ومن كان معه من الاحد عشر الاضداد ؟ قال: هو والله وهم والله خلقه، وان قلت ان هؤلاء اولئك حقا اقول. فقالوا يا سيدنا، نحب أن تعرفنا قصة اصحاب العقبة الاثني عشر. قال أبو جعفر: نعم اخبركم ان جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد سرى والليل مظلم معتم، وهو راكب ناقته العضباء، والمهاجرون والانصار من حوله فلما قرب من العقبة اجتمع الاثنا عشر المنافقون فقال ضليلهم وابليسهم زفر: يا قوم ان يكن يوم تقتلون فيه محمدا فهذا من لياليه، فقالوا: وكيف ذلك ؟ فقال لهم: اما تعلمون شر هذه العقبة وصعوبتها وهذا أوانه فانها لا يرقى فيها الناس الا واحدا بعد واحد لضيق المسلك. قالوا: ماذا نصنع وكيف نقتل محمد ؟ فقالوا ما يمكن أن نقتله ومن معه من المهاجرين والانصار فقالوا: وليس انما يصعد وحده قال لهم: لا تؤمنون ان يبدركم اصحابه فتقتلون قالوا: كيف نصنع ؟ قال نستأذنه بالتقدم والصعود في العقبة ونقول يا رسول الله فنسهل طريقها لك ونلقي من عسارة رصده بانفسنا دونك ولا تلقاه انت بنفسك فانه يحمدنا على ذلك


 

[ 79 ]

ونتقدمه قالوا: اصنع ما ذكرت، فقا: قد فكرت في شئ عجيب نقتل به محمدا ولا يشعر بنا احد، فقالوا: صف لنا ما أنت صانع فقال لهم نكب هذه الدباب التي فيها الزيت والخل، ونلقي فيها الحصى ونقف في ذروة العقبة فإذا أحسسنا بمحمد يرقى العقبة، دحرجنا الدباب في هذه الظمة من ذروة العقبة، فتنحط على وجه الناقة في الجادة، لها دوي فتذعر الناقة في الجادة فترمي محمدا فيتقطع مع ناقته ونستريح ونريح العرب والعجم منه فقد اضلنا وجميع العالم بسحره وكذبه حتى ما لأحد معه طاقة. قالوا نعم ما رأيت ونعم ما احتلت واشرت فجاؤوا الى العقبة فقاموا بين يديه فقالوا: فديناك يا رسول الله بالآباء والأمهات قد وصلنا الى العقبة فنحن نقيك من كل سوء محذور، ائذن لنا ان نتقدم فنرقى هذه العقبة الصعبة ونستهل طريقها ونلقى رصدان المشركين في ذروتها فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) امضوا لشأنكم والله شاهد على ما تقولون، فقال أبو بكر - وقد تولى الى العقبة - ويحك يا عمر سمعت كلام محمد واني لأخشى ان يكون قد علم بما اسررنا فنهلك، فقال له عمر: لا تزال خائفا وجلا مرعوبا حتى كان ما اتينا به ليس بحق خل عن الصعود، فانا اتقدمك والجماعة. قال فتقدم عمر وتلاه أبو بكر وطلحة والزبير وتلاهم سعد بن أبي وقاص وتلاه أبو عبيد بن الجراح وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وابو موسى وصاروا في ذروة العقبة وكبوا ما كان في دبابهم من الزيت والخل وطرحوا فيها الحصى وكبروا وصاحوا يا معاشر المهاجرين والأنصار خبروا رسول الله ما في ذروة العقبة ولا في ظهر الجبل رصدة ولا غيرة من المشركين فتقدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ناقته العضباء فصعدوهم يرون من ذروة العقبة ضياء وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) كدارة القمر يجلو ذلك الليل فقال أبو بكر: ويحك يا عمر، مع محمد مصباح ؟ قال: لا، قال: ما هذا الضياء الذي قد اضاء بين يديه وحوله ؟ فقال: شئ من سحره الذي نعرفه فاقبل أبو بكر يتوارى فلما


 

[ 80 ]

احسوا بالناقة في ثلثي العقبة دحرجوا الدباب في وجهها فنزلت ولها دوي كدوي الرعد فنفرت الناقة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ان الله معنا فاسرع امير المؤمنين (صلوات الله عليه) وكان يتلوه من ورائه في الطريق وقال: لبيك لبيك يا رسول الله وتلقته الدباب فاقبل يأخذها برجله فيطحنها واحدة بعد واحدة وضج المهاجرون والانصار فصاح بهم امير المؤمنين (عليه السلام): لا تخافوا ولا تحزنوا فقد مكروا ومكر الله والله خير الماكرين. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد نزل عن الناقة في وقت نفورها واخذ جبريل (عليه السلام) زمام الناقة في العقبة في اغصان دوحة كانت بجانب المسلك في العقبة وسمع للناقة صريخ والشجرة تنادي يا رسول الله قد عقد خطام ناقتك في اغصاني. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا اخي جبريل ما هذه الدوحة التي تكلمني فقال: يا حبيب الله ورسوله هذه الدوحة، اثلة من نبات الأرض التي تحتها ولد ابوك ابراهيم الخليل (عليه السلام) وهي لك يا رسول الله محبة، والله أذن لها ان تكلمك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم بارك في الأثل كما باركت في السدر وقدم جبريل (عليه السلام) الناقة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى ركبها وسار وهي تمر كمر السحاب وقرب ما كان بعيدا من مسلك هذه العقبة حتى صار كالأرض البسيطة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فديتك يا ابا الحسن ناد بالمهاجرين والانصار فلما صاروا على ذروة العقبة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) اجتمعوا من حوله وقالوا فديناك بالآباء والأمهات يا رسول الله ما هذا الكيد ؟ ومن اكادك ؟ فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): سيروا على أسم الله وعونه، وانزلوا الى الأرض فاني مخبركم بهذا الكيد ومن هو اكادني، والمهاجرون والانصار يظنون ذلك من مشركي قريش ورصادهم زيادة الاثني عشر


 [ 81 ]

اصحاب الدباب فنزلوا اكثر الناس واختار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سبعين رجلا فقال لهم: قفوا معنا في ذروة العقبة، فانكم تعلمون ما انا صانع فلما لم يبق غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) وامير المؤمنين والسبعون رجلا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هل رأيتم ما صنع هؤلاء الاشقياء الضالون المضلون من كبهم ما كان في الدباب من زادهم وطرحهم فيها الحصا وارسالها في وجه الناقة - ناقتي - مقدرين نفورها بي وسقوطي عنها من ذروة العقبة، فأهلك وتقطعني الناقة، وقص عليهم ما قاله الاثني عشر اصحاب الدباب وما تشاوروا فيه من اول امرهم الى آخره. ثم قال: اني مختار منكم اثني عشر نقيبا يكونوا سعداء في الدنيا والآخرة كما الاثني عشر اصحاب الدباب اشقياء في الدنيا والآخرة فلباه السبعون رجلا وقال كل واحد منهم: اللهم اجعلني من الاثني عشر نقيبا واختار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من السبعين رجلا اثني عشر نقيبا: اولهم أبو الهيثم مالك بن التيهان الاشهلي الانصاري، والبراء بن مغرور الانصاري، والمنذر بن لوذان، ورافع بن مالك الانصاري، واسيد بن حضير، والعباس بن عبادة (بن نضلة الانصاري)، وعبادة بن الصامت النوفلي، وعبد الله بن عمر بن حزام الانصاري، وسالم بن عمير الخزرجي، وابي بن كعب، ورافع بن ورقا، وبلال رياح الشنوي. فقال حذيفة بن اليمان: والله ما حسدت احدا ولا خلقني الله حاسدا ولكني سألت الله (عز وجل) وتمنيت ان اكون من هؤلاء الاثني عشر نقيبا فان لله ما يشاء، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أذن مني يا ابا عبد الله، فمسح يده على ظهره وقال ما يكفيك يا ابا عبد الله يا حذيفة ان يعطيك الله علم المنايا والبلايا الى يوم القيامة ؟ فقال: بلى يا رسول الله ولله الحمد، ولك يا رسول الله ثم خص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلا من السبعة وخمسين رجلا الباقين من السبعين رجلا


 

[ 82 ]

شيئا من فضله. قال الحسين بن حمدان: انما لم اذكر ما خصهم به رسول الله فقال حذيفة بن اليمان: اتأذن لي يا رسول الله ان أؤذن في العسكر فأجمع جميعهم مصرحا بأسمائهم اصحاب الدباب وألعنهم رجلا رجلا ؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) افعل إذا شئت فصاح حذيفة في ذروة العقبة مسمعا جميع العسكر الذي نزل الى الأرض من جانب العقبة الى الآخر وهو يقول: الله اكبر، الله اكبر، اشهد أن لا اله الا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أفضح من دحرجوا الدباب منكم، ايها المنافقون الفاسقون المفترون على الله ورسوله، اسمعوا يا معاشر المهاجرين والأنصار ان عدد اصحاب الدباب اثنا عشر رجلا، وسماهم ونسبهم رجلا رجلا، ثم قال هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد لعنهم ولعنهم امير المؤمنين ولعنهم السبعون رجلا وأمرني أن ألعنهم ولعنهم حذيفة بن اليمان وهو ينادي ملء صوته: يا فلان يا فلان الفلاني: ان الله ورسوله لعنك لعنا كثيرا بقيا عليك في الدنيا والآخرة ولا يزول ثبوته ولا يعفو ولا يصفح من الله حتى اتى على آخرهم عدد ا لاثني عشر رجلا أصحاب الدباب باسمائهم وانسابهم في صعودهم العقبة واحدا بعد واحد بعد واحد فكان هذا من حديث اصحاب العقبة واصحاب الدباب. قال الحسين بن حمدان الخصيبي، حدثني جعفر بن مالك، عن يحيى بن زيد الحسيني، عن أبيه زيد عن عبد الله، عن الحسين بن موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه علي بن الحسين (صلوات الله عليهم) قال لما لقيه جابر بن عبد الله الانصاري برسالة جده رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الى ابنه محمد الباقر قال له علي بن الحسين: يا جابر كنت شاهدت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الغار ؟ قال جابر لا يا ابن بنت


 

[ 83 ]

رسول الله، قال: اذن احدثك يا جابر، قال جابر: حدثني فداك أبي وأمي، فقد سمعته من جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لما هرب الى الغار من مشركي قريش حين كبسوا داره لقتله قال: اقصدوا فراشه حتى نقتله فيه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (صلوات الله عليه): يا اخي ان مشركي قريش يكبسوني في داري هذه الليلة في فراشي فما أنت صانع يا علي. قال له امير المؤمنين أنا أضطجع يا رسول الله في فراشك وتكون خديجة في موضع من الدار، واخرج واصحب الله حيث تأمن على نفسك فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فديتك يا ابا الحسن اخرج لي ناقتي العضباء حتى أركب عليها واخرج الى الله تعالى هاربا من مشركي قريش و افعل بنفسك ما تشاء، والله خليفتي عليك وعلى خديجة فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) راكبا ناقته العضباء وسار وتلقاه جبرئيل (عليه السلام) فقال له: يا رسول الله ان الله أمرني أن أصبحك في مسيرك وفي الغار الذي تدخله وارجع معك إلى المدينة إلى أن تنيخ ناقتك بباب أبى ايوب الأنصاري (رضي الله عنه). فتلقاه أبو بكر، فقال له يا رسول الله أصبحك، فقال: ويلك يا ابا بكر أريد أن لا يشعر بي احد، فقال يا رسول الله اخشى أن يستحلفني المشركون على لقائي إياك ولا أجد بدا، من صدقهم، فقال له (عليه السلام): ويحك يا ابا بكر، وكنت فاعلا ذلك ؟ فقال له: كنت افعل لئلا اكذب واقتل، فقال له (عليه السلام): فما صحبتك إياي بنافعتك، فقال له أبو بكر ولكنك تستغشني وتخشى أن أنذر بك المشركين، فقال له (عليه السلام) سر إذا شئت فتلقاه الغار فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ناقته وأبركها بباب الغار ودخل ومعه جبريل (عليه السلام) وأبو بكر، وقامت خديجة في جانب الدار باكية على رسول الله (صلى الله عليه وآله) واضطجع علي على فراش رسول الله يقيه


 

[ 84 ]

بنفسه، ووافى المشركون الدار ليلا فتساوروا عليها ودخلوها وقصدوا الى الفراش فوجدوا امير المؤمنين (عليه السلام) مضطجعا فيه، فضربوا بأيديهم إليه وقالوا: يا ابن ابي كبشة لم ينفعك سحرك ولا خدمة الجن لك اليوم نسقي اسلحتنا من دمك. فنهض امير المؤمنين (عليه السلام) ليريهم انهم لم يصلوا إليه، وجلس في الدار وقال: يا مشركي قريش انا علي بن أبي طالب، قالوا له: واين محمد يا علي ؟ قال: حيث يشاء الله، قالوا: فمن في الدار ؟ قال ما فيها الا خديجة، قالوا: الحسيبة النسيبة لولا تبعلها بمحمد يا علي واللات والعزى لولا حرمة ابيك وعظم محله في قريش لاعملنا اسيافنا فيك فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا مشركي قريش اعجبتكم كثرتكم، وفالق الحبة وبارئ النسمة ما يكون الا ما يريد الله تعالى، ولو شئت ان افني جمعكم لكنتم اهون علي من فراش السراج فلا شئ اضعف منه. فتضاحك المشركون وقال بعضهم لبعض: خلوا عليا لحرمة ابيه واقصدوا الطلب الى محمد، ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار وهو وجبريل (عليه السلام) وابو بكر معه فحزن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على خديجة فقال جبريل (عليه السلام): (لا تحزن ان الله معنا) ثم كشف له (عليه السلام) فرأى عليا وخديجة (عليهما السلام) ورأى سفينة جعفر بن ابي طالب (عليه السلام) ومن معه تعوم في البحر، فانزل الله سكينته على رسوله وهو الأمان مما خشيه على علي وخديجة، فانزل الله (تاتي اثنين) يريد جبريل (عليه السلام) ورسول الله (إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا فانزل الله سكينته عليه) ولو كان الذي حزن أبو بكر لكان أحق بالأمن من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يحزن. ثم ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لأبي بكر: يا أبا بكر اني


 

[ 85 ]

أرى عليا وخديجة ومشركي قريش وخطابهم له وسفينة جعفر بن ابي طالب ومن معه تعوم في البحر وراى الرهط من الانصار مجلبين في المدينة، قال أبو بكر: وتراهم يا رسول الله في هذه الليلة، وفي هذه الساعة، وأنت في الغار، وفي هذه الظلمة، وما بيننا وبينهم من بعد المدينة ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآ له) إني أريك يا ابا بكر ما رأيت حتى تصدقني ومسح يده على بصره فقال له: انظر الى سفينة جعفر، كيف تعوم في البحر، فنظر أبو بكر الى الكل من مشركي قريش وعلي على الفراش وخطابه لهم، وخديجة في جانب الدار، ففزع ورعب وقال يا رسول الله لا طاقة لي بالنظر الى ما رأيته فرد علي غطائي فمسح يده على بصره فحجب عما رآه واخذته رهقة، شديدة حتى أحدث اثني عشرة حفيرة. وروي أنه كان في الغار صدع وثلمة يدخل منها ضياء النهار، فوضع أبو بكر كعبه فيه لسده فنهشته افعى في عقبه ولم تسمه ففزع وأحدث في الحفرة، وليس هذا صحيحا بل الاول اصح في الاحداث. وقصد المشركون في الطلب لقفوا اثره حتى جاؤوا الى باب الغار ونظروا الى مبرك الناقة ولم يروها، وقالوا: هذا اثر ناقة محمد ومبركها في باب الغار فدخلوا فوجدوا على باب الغار نسج العنكبوت قد اظله، فقالوا: يا ويلكم ما ترون الى نسج هذا العنكبوت على باب الغار فكيف دخله محمد ؟ فصدهم الله عنه ورجعوا وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الغار وهاجر الى المدينة وخرج أبو بكر فحدث المشركين بخبره مع رسول الله وقال لهم لا طاقة لكم بسحر محمد وقصص يطول شرحها. قال جابر ابن عبد الله الانصاري هكذا والله يا ابن رسول الله حدثني جدك ما زاد حرفا ولا نقص حرفا. 28 - وعنه عن أبي الفوارس محمد بن موسى بن حمدون العدوي، قال: حدثني العباس بن عبد اله قال: حدثنا موسى بن مهران البصري،


 

[ 86 ]

عن أبي داود القدوسي عن عروة عن عائشة قالت: لما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خيبر أصابوا أواني من ذهب وفضة وازواجا من خفاف ونعالا وحمارا اقمر فلما ركبه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال له: يا حمار ما اسمك ؟ قال: عتيق ابن شهاب ابن حنيفه، قال: لمن كنت ؟ قال: لرجل يهودي، يقال له مرحب وكنت إذا ذكرت يسبك، وكنت إذا ركبني كبوت به على وجهه، وكان يسئ الي، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هل لك من إرب وحاجة تريد أن أعطيك من الاناث شيئا ؟ قال: لا، قال: ولم ذلك ؟ قال حدثني ابي عن ابيه وعن اجداده أنه ركب نسلنا سبعون نبيا وان آخر نسلنا يركبه نبي يقال له محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) واحب ان اكون آخر نسل فمكث عند رسول الله الى ان توفي رسول الله (عليه السلام) ومكث الحمار ثلاثة ايام بعده وتوحل في بئر فمات. 29 - وعنه قال حدثني جعفر بن القصير، عن اسماعيل القمي عن شاذان بن يحيى الفارسي، عن ماهان الابلي عن محمد بن سنان الزاهري قال: حججنا فلما اتينا المدينة وبها سيدنا جعفر الصادق (صلوات الله عليه) دخلنا عليه فوجدنا بين يديه صحف فيها تمر من تمر المدينة وهو يأكل منه ويطعم من بحضرته فقال لي هاك يا محمد بن سنان هذا التمر الصيحاني، كله وتبرك به فانه يشفي شيعتنا من كل داء إذا عرفوه، قلت: مولاي عرفوه بماذا ؟ يدعى صيحانيا، قال: عند العامة هفوة وينبغي ان يسمى التمر باسم غير هذا الكلام والله اعلم، قلت: لا والله يا مولاي ما نعلم هذا الا منك، قال: نعم، يا ابن سنان هو من دلائل جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وامير المؤمنين قلت: مولاي انعم علينا بمعرفته انعم الله عليك. قال خرج جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قابضا على يد امير المؤمنين متوجها نحو حدائق ظهر المدينة فكل من لقيه استأذنه في


 

[ 87 ]

صحبته، ولم يؤدن له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى انتهى الى اول نخلة فصاحت الى التي تليها هذا آدم وشيث قد اقبلا، وصاحت الاخرى الى التي تليها: يا اختي هذا نوح وسام قد اقبلا، وصاحت الاخرى التي تليها: يا اختي هذا يعقوب ويوسف قد اقبلا، وصاحت الاخرى إلى التي تليها: يا اختي هذا موسى ويوشع قد اقبلا، وصاحت الاخرى الى التي تليها: يا اختي هذا سليمان وآصف قد اقبلا، وصاحت الاخرى الى التي تليها: يا اختي هذا عيسى وشمعون الصفا قد اقبلا وصاحت الاخرى الى التي تليها: يا اختي هذا محمد رسول الله وامير المؤمنين علي بن ابي طالب قد اقبلا، وصاح سائر النخل في الحدائق بعضه الى بعض بهذا. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) فديتك بابي وأمي يا أبا الحسن هذا ذكرى لنا فاجلس بنا عند أول نخلة ننتهي إليها فلما انتهيا جلسا وما كان أوان حمل النخل فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا ابا الحسن مر هذه النخلة تنثني إليك وكانت النخلة باسقة فدعاها أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: يا ايتها النخلة هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لك أن تنثني إلى الأرض فانثنت إلى الأرض وهي مملوءة حملا رطبا جنيا، فقال له يا ابا الحسن: التقط وكل واطعمني فالتقط امير المؤمنين (عليه السلام) من رطبها واكل منها فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا ابا الحسن ان هذا النخل ينبغي ان نسميه صيحانيا لتصايحه وتشبيهه لي ولك بالنبيين والمرسلين وهذا اخي جبريل (عليه السلام) يقول ان الله (عز وجل) جعله شفاء الى شيعتنا خاصة فأمرهم يا ابا الحسن بمعرفته ان يستضيئوا ويتبركوا بأكله ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا نخلة اظهري لنا من اجناس ثمر الأرض فقالت: لبيك يا رسول الله حبا وكرامة فاظهرت النخلة من كل الاجناس، فاقبل جبريل (عليه السلام) يقول:


 

[ 88 ]

ها يا نخلة، ان الله قد امرك ان تخرجي من كل جنس لرسول الله وحبيبه محمد واخيه ووصيه من اجناس الثمر، فاقبل جبريل (عليه السلام) يلقطه ويضعه بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) فاكلا من كل جنس، فمرة يأكل امير المؤمنين نصفها ورسول الله نصفها وجبريل (عليه السلام) يقول يا رسول الله لوددت اني ممن يأكل الطعام فاستشفي الله واتبرك بفضل سؤرك، وسؤر امير المؤمنين وقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا حبيبي جبريل فإن الله قد فضلك علينا فقال جبريل (عليه السلام) والله يا رسول الله ما فضلي الا بكما، انكما احب خلقه إليه واقربهم منه وازلفهم لديه. قال الصادق جعفر بن محمد (صلوات الله عليهما) فارتفعت النخلة وحدث رسول الله وامير المؤمنين شيعتنا بخبرها وقصة تلك النخلة من دلائله وعجائبه (عليه السلام والتحية والاكرام).


 

[ 89 ]

الباب الثاني باب أمير المؤمنين (عليه السلام)


 

[ 91 ]

مضى علي أمير المؤمنين وله ثلاث وخمسون سنة، في عام الأربعين من اول سني الهجرة، وكان مقامه بمكة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثا وعشرين سنة، منها ثلاث عشرة سنة في ظهور الرسالة، وأقام معه بالمدينة عشر سنين، ثم قبض النبي (صلى الله عليه وآله) وأقام بعده أيام ابي بكر سنتين وشهور، وأيام عمر تسع سنين وشهور، وأيام عثمان اثنتي عشرة سنة، وأيامه (عليه السلام) ست سنين، الجميع ثلاثون سنة. ومضى بضربة عبد الرحمن بن ملجم المرادي في ليلة الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان. وكان اسمه عليا وفي القرآن مبينا، قوله في قصة ابراهيم (عليه السلام)، (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) وقوله تعالى اجابة لإبراهيم (عليه السلام): (ووهبنا له اسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا) وقوله: (وانه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم) وله في القرآن ثلثمائة اسما. ورويت الاسانيد الصحيحة ووجدت في قراءة عبد الله بن مسعود


 

[ 92 ]

(رضي الله عنه) الذي قال النبي (صلى الله عليه وآله) من اراد أن يسمع القرآن غضا طريا كما انزله الله تعالى فليسمعه من فم عبد الله بن مسعود، وبهذا كان يدعوه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبيه، ففي قراءته: (ان علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه، ثم ان علينا بيانه) (1)، وقوله تعالى: (انما أنت منذر ولكل قوم هاد) والمنذر رسول الله (صلى الله عليه وآله) والهادي علي (عليه السلام). وقوله تعالى: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) والشاهد منه علي (عليه السلام). وقوله عز وجل: (عم يتساءلون عن النبإ العظيم الذي هم فيه مختلفون) وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) لعلي بن دراع الاسدي وقد دخل عليه وهو محتب في جامع الكوفة فوقف بين يديه، فقال: قد أرقت مدى ليلتك، فقال له: ما اعلمك يا امير المؤمنين بأرقي ؟ فقال: ذكرتني والله في ارقك، فإن شئت ذكرتك وأخبرتك به فقال علي بن دراع: أنعم علي يا أمير المؤمنين بذلك، فقال له: ذكرت في ليلتك هذه قول الله (عز وجل): (عم يتساءلون، عن النبإ العظيم الذي هم فيه مختلفون) فأرقك وفكرك فيه وتالله يا علي ما اختلف الملأ إلى بي وما لله نبأ هو أعظم مني، ولي ثلاثمائة اسم، لا يمكن التصريح بها لئلا يكبر على قوم لا يؤمنون بفضل الله (عز وجل) على رسوله وأمير المؤمنين والأئمة الراشدين. اسمه في صحف شيث وادريس ونوح وابراهيم وبالسرياني: مبين،


 

(1) لا يخفى ان المتفق عليه بين المسلمين ان القرآن هو هذا الذي بين الدفتين لم يزد فيه ولم يغير شئ، وإن اختلاف القراءات في بعض الموارد، ووجود قراءة خاصة لاحد القراء لا يعني اختلاف نسخ القرآن، فالقرآن واحد.


 

[ 93 ]

وباللسان العبراني الهيولى، والأمين، والثبات، والبيان، واليقين، والايمان، وفي التوراة: إليا، وفي الزبور: اريا، وبلغة الزنج: جينا، وبلسان الحبشة: تبريك، وسمي يوم القليب - وقد سقط عثمان في البدء من دابته الهلالية فعلق أمير المؤمنين برجله وأخرجه فسمته - ميمونا، وبلسان الأرمن: افريقا، وباللسان العربي: حيدرة. وسماه ابوه أبو طالب - وهو صغير وكان يصرع اكابر اخوته - ظهيرا. وكناه: أبو الحسن والحسين وابو شبر وابو شبير، وابو تراب، وابو النور، وابو السبطين، وابو الأئمة. وألقابه أمير المؤمنين، وهو اللقب الأعظم الذي خصه الله به وحده ولم يسم به احد قبله ولا يسمى به احد بعده إلا كان مأفونا في عقله ومأبونا في ذاته، وأمير النحل والنحل هم المؤمنون، والوصي، والامام، والخليفة، وسيد الوصيين، والصديق الأعظم، والفاروق الاكبر، وقسيم الجنة والنار، وقاضي الدين، ومنجز الوعد، والمحنة الكبرى، وصاحب اللواء، والذائد عن الحوض، ومهلك الجان، الأنزع البطين، والاصلع الأمين، وكاشف الكرب، ويعسوب الدين، وباب حطة، وباب المقام، وحجة الخصام، ودابة الأرض، وصاحب القضايا، وفاصل القضاء، وسفينة النجاة، والمنهج الواضح، والمحجة البيضاء، وقصد السبيل، وجزارة قريش، ومفتي القرون، ومكر الكرات، ومديل الدولات، وراجع الرجعات، والقوم الحديد، الذي هو في الله ابدا جديد. وامه فاطمة بنت اسد بن هاشم بن عبد مناف، ولم يكن في زمانه هاشمي ابن هاشمية غيره وغير اخوته جعفر وطالب وعقيل، وابنيه الحسن والحسين وابنتيه زينب وام كلثوم (عليهم السلام)، ومشهده في الذكوات البيض بالغريين غربي الكوفة. وفي مشهده خبر قال الحسين بن حمدان الخصيبي: حدثني احمد بن


 

[ 94 ]

صالح، عن ابي هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن ابي جعفر الإمام التاسع (عليه السلام) عن أبيه علي الرضا وموسى الكاظم وجعفر الصادق (عليهم السلام) ان الصادق (عليه السلام) قال لشيعته بالكوفة، وقد سألوه عن فضل الغريين والبقعة التي دفن فيها امير المؤمنين (عليه السلام) ولم سمي الغريان غريين فقال: ان الجبار المعروف بالنعمان بن المنذر، كان يقتل اكابر العرب ومن ناوأه من جبابرتهم وكبرائهم وكان الغريان على يمين الجادة فإذا قتل رجلا امر بحمل دمه الى جادة العلمين حتى يغريانه يريد بذلك يشهده المقتول إذا رأى دمه على العلمين من اجل ذلك سمي الغريان. واما البقعة التي فيها قبر أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) فإن نوحا (صلوات الله عليه) لما طافت السفينة وهبط جبريل (عليه السلام) على نوح فقال: ان الله يأمرك أن تنزيل ما بين السفينة والركن اليماني فإذا استقرت قدماك على الأرض فابحث بيدك هناك فانه يخرج تابوت آدم فاحمله معك في السفينة فإذا غاص فابحث بيدك الماء فادفنه بظهر النجف بين الذكوات البيض والكوفة فانها بقعة اخترتها له ولك يا نوح ولعلي بن ابي طالب (صلوات الله عليه) وصي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ففعل نوح ذلك ووصى ابنه ساما ان يدفنه في البقعة مع التابوت الذي لآدم، فإذا زرتم مشهد امير المؤمنين فزوروا آدم ونوح وعلي بن ابي طالب (عليهم السلام). ولد له من فاطمة (عليها السلام) الحسن، والحسين، ومحسن - مات صغيرا - وزينب وام كلثوم (عليهم السلام). وكان له من خولة الحنفية أبو هاشم محمد بن الحنفية. وكان له عبد الله والعباس وجعفر وعثمان من ام البنين وهي جعدة ابنة خالد بن زيد الكلابية.


 

[ 95 ]

وكان له من ام عمر التغلبية عمر ورقية وهي من سبي خالد بن الوليد. وكان له يحيى من اسماء بنت عميس الخثعمية. وكان له محمد الأصغر من ام ولد. وكان له الحسن ورملة وامهما ام شعيب المخزومية. وكان له أبو بكر وعبيد الله وامهما ليلى ابنة مسعود النهشلية والذي اعقب من ولد أمير المؤمنين: الحسن والحسين (عليهما السلام) ومحمد بن الحنفية والعباس وعمر. قال: ومضى امير المؤمنين (عليه السلام) وخلف منهن امامة ابنة زينب ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وليلى التميمية وأسماء ابنة عميس الخثعمية، وام البنين الكلابية، وثمانية عشر ولدا، ولم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تزوج أو تمتع بحرة ولا أمة في حياة خديجة (عليها السلام) إلا بعد وفاتها، وكذلك امير المؤمنين لم يتزوج ولا تمتع بحرة ولا امة في حياة فاطمة (عليها السلام) إلا بعد وفاتها وكان اسم ابي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال: " أنا اهل بيت نبوة ورسالة وإمامة، وإنه لا تقبلنا عند ولادتنا القوابل ". وإن الامام لا يتولى ولادته ووفاته وتغميضه وتغسيله وتكفينه ودفنه والصلاة عليه إلا الإمام. والذي تولى وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي (عليه السلام) غمضه وغسله و كفنه وصلى عليه وتولى امره امير المومنين (عليه السلام) وولداه الحسن والحسين (عليهما السلام) توليا وفاة امير المؤمنين (عليه السلام) وتغميضه وغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ولم يحضره احد غيرهما، ودفناه ليلا، ولم يظهر على مشهده احد الا بدلالة صفوان


 

[ 96 ]

الجمال، وكان جمال الصادق (عليه السلام). ثم دلت عليه الأئمة من موسى بن جعفر وعلي الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري ورواه شيعتهم وكان دلالة صفوان على مشهد أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) دلالة ظهرت للناس. قال الحسين بن حمدان: حدثني محمد بن يحيى الفارسي عن محمد بن جمهور القمي عن عبد الله الكرخي عن علي بن مهران الاهوازي عن محمد بن صدقة عن محمد بن سنان الزاهري عن المفضل بن عمر الجعفي عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال المفضل: دعاني سيدي الصادق في جنح الليل وهو مقتم اسود فحضرت داره وهي تزهر نورا بلا ظلمة فلما امتثلت بين يديه قال يا مفضل: مر صفوانا يصلح لي على ناقتي السعداء رحلها واقم في الباب الى وقت رجوعي اليك قال ثم خرج مولاي الصادق (عليه السلام) وقد احضر صفوان الناقة واصلح رحلها فاستوى عليها واثارها ثم قال يا صفوان: خذ بحقاب الناقة وارتدف، قال: ففعل صفوان ذلك ومرت الناقة كالبرق الخاطف أو كاللحظ السريع وجلست بالباب حتى مضى من الليل سبع ساعات من وقت ركوب سيدي الصادق منه السلام. قال المفضل: فرأيت الناقة وهي كجناح الطير وقد انقضت الى الباب، ونزل عنها مولاي منه السلام فانقلب صفوان الى الأرض خافتا فأمهلته واقبلت انظر الى الناقة، وهي تخفق والعرق يجري منها حتى ثاب صفوان فقلت: خذ ناقتك إليك وعدل إلى أن خرج مغيث خادم مولاي الصادق، فقال سل يا مفضل صفوانا عما رأى، ويا صفوان حدثه ولا تكتمه. قال: فجلس صفوان بين يدي، وقال: يا مفضل اخبرك بالذي رأيت الليلة فقد اذن لي مولاي، قلت: نعم، قال: أمرني سيدي (عليه السلام) فارتدفت على الناقة، ولم أعلم انا في سماء أم في أرض غير اني احس في الناقة وهي كأنها الكوكب المنقض حتى أناخت ونزل مولاي (عليه السلام) ونزلت وصلى ركعتين وقال: يا صفوان صل واعلم انك في بيت


 

[ 97 ]

الله الحرام، قال: فصليت ثم ركبت وارتدفت، وهبت الناقة كهبوب الريح العاصف، ثم انقضت فأناخت فنزل مولاي (عليه السلام) فقال: صل يا صفوان ركعتين واعلم إنك في المسجد الاقصى، قال: ثم ركب وارتدفت وسارت الناقة وهبطت فاناخت فنزل مولاي عنها ونزلت فصلى ركعتين. ثم قال: صل يا صفوان واعلم بانك بين قبر جدي (عليه السلام) ومنبره قال: فصليت فقال: يا صفوان ارتدف من ورائي فارتدفت فسارت مثل سيرها وانقضت فنزل مولاي (عليه السلام) وصلى وصليت فقال: يا صفوان انت على جبل طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران (عليه السلام) ثم ركب وارتدفت وانقضت فنزل عنها، ونزلت فإذا هو يجهش بالبكاء ويقول: جللت من مقام ما اعظمك، ومصرع ما اجلك، أنت والله البقعة المباركة والربوة ذات قرار ومعين، وفيك والله كانت الشجرة التي كلم الله منها موسى (عليه السلام) ما اطول حزننا بمصابنا فيك الى ان يأخذ الله بحقنا قال: وتكلم بكلام خفي عني ثم صلى ركعتين وصليت وأنا أبكي وأخفي بكائي ثم ركب وارتدفت فنزل عن قريب لنا وصلى وصليت قال: يا صفوان هل تعلم أين أنت ؟ قلت: يا مولاي عرفني حتى اعرف، قال: انت بالغريين في الذكوات البيض في البقعة التي دفن فيها أمير المؤمنين علي (عليه السلام). قال: فقلت يا مولاي فاجعل لي إليها دليلا، قال: ويحك بعدي أو بعدي، قال فقلت يا مولاي بعهدك وبعدك قال على انك لا تدل عليها ولا تزورها الا بأمري قال: فقلت يا مولاي إني لا ادل عليها ولا ازورها الا بأمرك، قال خذ يا صفوان من الشعير الذي تزودته الناقة فانثر منه حبا الى مسجد السهلة وبكر عليه تستدل وتعرف البقعة بعينها وزرها إذا شئت، ولا تظهرها لأحد إلا من تثق به ومن يتلوني من الأئمة (عليهم السلام) إلى وقت ظهور مهدينا أهل البيت (صلوات الله عليه) ثم يكون


 

[ 98 ]

الأمر الى الله ويظهر فيها ما يشاء حتى تكون معقلا لشيعتنا وتضرعا الى الله ووسيلة للمؤمنين. قال المفضل: فظلت باقي ليلتي راكعا وساجدا أسأل الله بقائي إلى صباح ذلك اليوم فلما اصبحت دخلت على مولاي منه السلام فقلت أريد الفوز العظيم والسعي الى البقعة المباركة التي بين الذكوات البيض في الغريين قال: امض وفقك الله يا مفضل وصفوان معك قال المفضل: فأخذ بيدي وقصدت مسجد السهلة، ثم استدللنا بالحبات الشعير المنثورة حتى وردنا البقعة فلذنا بها وزرنا وصلينا ورجعنا وانفسنا مريضة خوفا من أن لا نكون وردنا البقعة بعينها، قال: ودخلنا من مزارنا منها الى مولانا الصادق (عليه السلام) فوقفنا بين يديه فقال: والله يا مفضل ويا صفوان ما خرجتما عن البقعة عقدا واحدا ولا نقصتما عنها قدما فقلنا: الحمد لله ولك يا مولاي وشكرا لهذه النعمة وقرأ: (وكل شئ أحصيناه كتابا) وقوله: (وكل شئ احصيناه في إمام مبين). وروي بهذه الاسناد عن الصادق (عليه السلام) عن ابيه الباقر (عليه السلام) قال: دخل سلمان الفارسي (عليه السلام)، والمقداد بن الأسود الكندي، وأبو ذر جندب الغفاري، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وأبو الهيثم مالك بن التيهان، وخزيمة بن ثابت، وابو الطفيل عامر على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فجلسوا بين يديه والحزن ظاهر في وجوههم فقالوا له فديناك بالآباء والأمهات يا رسول الله انا نسمع في اخيك علي (عليه السلام) ما يحزننا سماعه وإنا نستأذنك في الرد عليهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وما عساهم يقولون في اخي علي ؟ فقالوا: يا رسول الله انهم يقولون: اي فضيلة له في سبقه إلى الإسلام، وإنما ادركه الإسلام طفلا، ونحن يحزننا هذا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هذا يحزنكم ؟ قالوا: نعم يا رسول الله، فقال اسألكم بالله هل علمتم من الكتب الأولى ان ابراهيم (عليه السلام) هربت به امه وهو


 

[ 99 ]

طفل صغير من عدو الله وعدوه النمرود في عهده فوضعته امه بين ثلاث اشجار شاطئ نهر يدفق يقال له حوران وهو بين غروب الشمس وإقبال الليل فلما وضعته امه واستقر على وجه الأرض فقام من تحتها فمسح رأسه ووجهه وسائر بدنه وهو يكثر من الشهادة لله بالوحدانية ثم اخذ ثوبا فاتشح به وامه ترى ما يفعل فرعبت منه رعبا شديدا فهرول من بين يديها مادا عينه الى السماء فكان منه ما قال الله (عز وجل): (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي) وقصة الشمس والقمر إلى قوله: وما انا من المشركين). وعلمتم ان موسى بن عمران (عليه السلام) كان فرعون في طلبه يبقر بطون النساء الحوامل ويذبح الأطفال لقتل موسى (عليه السلام) فلما ولدته امه اوحى إليها أن يأخذوه من تحتها فتقذفه وتلقيه في التابوت وتقذفه في اليم فبقيت حيرانة حتى كلمها موسى وقال لها يا أم اقذفيني في التابوت فقالت له هي من كلامه يا بني اني اخاف عليك من الغرق فقال لها: لا تخافي ان الله رادي اليك ففعلت ذلك فبقي التابوت في اليم الى ان القاه الى الساحل ورد الى امه وهو برهة لا يطعم طعاما ولا يشرب شرابا معصوما وروي ان المدة كانت سبعين يوما وروي انها كانت تسعة اشهر وقال الله تعالى في حال طفوليته: (ولتصنع على عيني إذ تمشي اختك فتقول هل ادلكم على اهل بيت يكفلونه) الآية. وهذا عيسى بن مريم (عليه السلام) قال الله تعالى: (فناديها من تحتها الا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا) إلى آخر الآية. فكلم امه وقت مولده فقال لها: (كلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر احدا فقولي اني نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم انسيا). وقال: (فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال اني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا اينما كنت واوصاني


 

[ 100 ]

بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا). فتكلم عيسى بن مريم (عليه السلام) في وقت ولادته واعطي الكتاب والنبوة واوصي بالصلاة والزكاة في ساعة مولده وكلمه الناس في اليوم الثالث وقد علمتم جميعا خلقتي وان عليا من نوري ونوري ونوره نور واحد وكنا كذلك نسبح الله ونقدسه ونمجده ونهلله ونكبره قبل ان يخلق الملائكة والسماوات والأرضين والهواء ثم عرش العرش وكتب أسماءنا بالنور عليه ثم اسكننا صلب آدم ولم نزل ننتقل في اصلاب الرجال المؤمنين وفي أرحام النساء الصالحات يسمع تسبيحنا في الظهور والبطون في كل عهد وعصر وزمان إلى أبي عبد المطلب فانه كان يظهر نورنا في بلجات وجوه آبائنا وامهاتنا حتى ثبتت اسماؤنا مخطوطة بالنور على جبهاتهم. فلما افترقنا نصفين: في عبد الله نصف، وفي أبي طالب عمي نصف كان تسبيحنا في ظهورهما، فكان عمي وأبي إذا جلسا في ملأ من الناس ناجى نوري من صلب أبي نور علي من صلب أبيه إلى أن خرجنا من صلبي أبوينا وبطني أمينا ولقد علم جبريل (عليه السلام) في وقت ولادة علي وهو يقول: هذا اول ظهور نبوتك واعلان وحيك وكشف رسالتك إذ أيدك الله بأخيك ووزيرك وصنوك وخليفتك ومن شددت به ازرك وأعليت به ذكرك علي بن أبي طالب فقمت مبادرا فوجدت فاطمة ابنة اسد ام علي بن ابي طالب وقد جاءها المخاض فوجدتها بين النساء والقوابل من حولها فقال حبيبي جبرائيل: سجف بينها وبين النساء سجافا، فإذا وضعت عليا فتلقه بيدك اليمنى ففعلت ما امرني به ومددت يدي اليمنى نحو امه فإذا بعلي ماثلا على يدي واضعا يده اليمنى في اذنه يؤذن ويقيم بالحنفية ويشهد بوحدانية الله (عز وجل) وبرسالتي. ثم اشار الي فقال: يا رسول الله إقرأ، قلت: اقرأ والذي نفس محمد بيده لقد ابتدأ بالصحف التي انزلها الله على آدم وابنه شيث فتلاها من


 

[ 101 ]

أول حرف الى آخر حرف حتى لو حضر شيث لأقر بانه أقرأ لها منه، ثم تلا صحف نوح حتى لو حضر نوح لاقر أنه اقرأ لها منه، ثم تلا صحف ابراهيم حتى لو حضر ابراهيم لأقر انه اقرأ لها منه، ثم تلا زبور داود حتى لو حضر داود لأقر أنه أقرأ لها منه، ثم تلا توراة موسى حتى لو حضر موسى لأقر انه أقرأ، ثم قرأ انجيل عيسى حتى لو حضر عيسى لأقر بأنه اقرأ لها منه، ثم خاطبني وخاظبته بما يخاطب به الأنبياء ثم عاد الى طفولتيه. وهكذا سبيل الاثني عشر إماما من ولده يفعلون في ولادتهم مثله. فماذا تحدثون وماذا عليكم من قول اهل المشك والشرك بالله هل تعلمون إني افضل النبيين، ووصيي علي افضل الوصيين، وان ابي آدم تمام اسمي واسم أخي علي وابنتي فاطمة وابني الحسن والحسين (عليهم السلام) مكتوبة على سرادق العرش بالنور، منذ قال آدم: " الهى هل خلقت خلقا قبلي هو اكرم عليك مني " قال يا آدم: لولا هذه الاسماء ما خلقت سماء مبنية ولا ارضا مدحية ولا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولا خلقتك يا آدم " فقال: الهي وسيدي بحقهم الا غفرت لي خطيئتي. فكنا نحن الكلمات التي تلقى آدم من ربه، فغفر له وقال: ابشر يا آدم فإن هذه الأسماء من ذريتك وولدك فحمد الله وافتخر على الملائكة بنا فإذا كان هذا من فضلنا عند الله وفضل الله علينا ولا يعطى ابراهيم وموسى وعيسى شيئا من الفضل الا ويعطيه بنا فماذا يضرنا ويحزنكم قول أهل الافك والمسرفين. فقام سلمان ومن كان معه على اقدامهم وهم يقولون: يا رسول الله نحن الفائزون ؟ قال: نعم. انتم الفائزون، والله لكم خلقت الجنة، ولاعدائنا واعدائكم خلقت النار. فكان هذا من دلائله وبراهينه ومعاجزه قبل وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وأما بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمن دلائله


 

[ 102 ]

و معجزاته. روي بالاسناد ان أبا بكر لقيه في سكة بني النجار في المدينة، وكان قد استخلف الناس أبا بكر فسلم أبو بكر عليه وصافحه وقال له: يا ابا الحسن عسى في نفسك شئ من استخلاف الناس إياي وما كان في السقيفة واكراهك على البيعة، والله ما كان ذلك بإرادتي إلا أن المسلمين اجتمعوا على أمر لم اكن اخالف عليه وفيه، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (لن تجتمع امتي على ضلال) فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): منهم الذين اطاعوا الله واطاعوا رسوله بعهده وبعده واخذوا بهديه وأوفوا بما عادهوا الله عليه، ولم يغيروا ولا بدلوا ؟ قال أبو بكر: والله يا علي لو شهد عندي من اثق به أنك احق بهذا الأمر مني لسلمته اليك، رضي من رضي، وسخط من سخط، فقال له أمير المؤمنين منه السلام: بالله يا أبا بكر هل أنت بأحد أوثق منك برسول الله ؟ قال أبو بكر: لا والله، قال له: فقد أخذ عليك بيعتي في اربع مواطن، وعلى جماعة معك فيهم عمر وعثمان: في يوم الدار، وفي بيعة الرضوان، وتحت الشجرة ويوم جلوسه في بيت أم سلمة وأنا عن يمينه أحضرك وعمر وعثمان وسلمان والمقداد وجندب وعمار وحذيفة وابو الهيثم مالك بن التيهان وابو الطفيل عامر بن واثلة حتى امتلأ منهم البيت وحضر بريدة الاسلمي فجلس على عتبة الباب فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): قم يا أبا بكر فسلم على علي بإمرة المؤمنين وبايع له فما أجزاك إلا أن القول مني فقلت أقوم يا رسول الله عن امر الله وأمرك وأبايع عليا وأسلم عليه بإمرة المؤمنين ؟ فقال: نعم، قم يا ابا بكر، فقمت فبايعتني وسلمت علي بإمرة المؤمنين كما أمرك، وجلست، ثم قال: قم يا عمر، فأعاد القول كما أعدته انت فقال: يا رسول الله أسلم على علي بإمرة المؤمنين قال: نعم، قم فبايعه، وسلم عليه بإمرة المؤمنين فقام و بايعني وسلم علي بإمرة المؤمنين وجلس.


 

[ 103 ]

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قم يا عثمان إلى أخي علي وسلم عليه بإمرة المؤمنين، فما قام حتى قال مثلما قلتما فأعاد عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثالثة فقام فبايعني وسلم علي بإمرة المؤمنين وجلس. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): قم يا سلمان، قم يا مقداد، قم يا جندب، قم يا عمار، قم يا حذيفة، قم يا خزيمة، قم يا ابا الهيثم، قم يا عامر، قم يا بريدة، فبايعوا لأخي علي وسلموا عليه بإمرة المؤمنين فقاموا بأجمعهم بلا مراجعة، فبايعوا لي وسلموا علي بإمرة المؤمنين. وفي يوم غدير خم بعد رجوعه من حجة الوداع فقد نزل بغدير خم وقد علمت أنه كان يوما شديد القيظ يشيب فيه الطفل فأشار إلي جميعكم ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستظلوا بالدوحات التي حول الغدير، فلما قرب الزوال وقف (عليه السلام) واشار اليكم ان احتطبوا وخذوا من الدوحات ما سقط وأتوني به فكبس ما جمعتم بعضه فوق بعض فلما رأى لا يوفي الجمع امر عليه بالأقتاب، فنصب بعضا فوق بعض حتى علت العسكر ثم علاها ودعاني فعلوت معه فكان ما سمعتموه، وهو أن أخذ كفي بكفه اليمنى وقد بسطهما نحو السماء حتى رأيتم بياض إبطيه يريكم شخصي ويعلن بأمري، ويقول ما أمر به. قال الحسين بن حمدان: انما تركنا اعادة الاشهاد عند الناس جميعا، ويرجع الخبر الى قول امير المؤمنين (عليه السلام): فقلتم بأجمعكم سمعا وطاعة لله و لرسوله فقال لكم: الله ورسوله عليكم من الشاهدين، فقال لكم: فليشهد بعضكم على بعض وليسمع من سمع مني من لم يسمع فقلتم: نعم يا رسول الله فنزل وصلى صلاة الزوال، وارتفع صوت الاذان والاقامة في العسكر، فصلى بهم صلاة الظهر والعصر، فلما فرغنا من الصلاة قمتم انتم بأجمعكم تهنئون رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتهنؤني


 

[ 104 ]

بكرامة الله لنا، فدنا مني عمر فضرب على كفي وقال بحضرتكم: بخ بخ يا ابن أبي طالب اصبحت مولانا ومولى المؤمنين، قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): ويحك يا أبا حفص ألا دعوته بما امرك الله ان تدعوه بإمرة المؤمنين، فتقول: أصبحت يا أمير المؤمنين مولانا ومولى المؤمنين ؟ فقال: نعم، فقال أبو بكر: يا ابا الحسن والله لقد ذكرتني امرا لم اكن أعلم ولو يكون رسول الله شاهدا فاسمعه، فقال له امير المؤمنين (عليه السلام): يا ابا بكر، الله ورسوله عليك من الشاهدين، ان رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيا ويقول لك: انك ظالم في اخذ حقي الذي جعله الله لي ولرسوله دونك ودون المسلمين انك تسلم هذا الأمر الي وتخلع نفسك منه ؟ قال أبو بكر: هذا ما لا يكون إلا أن أرى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد موته حيا يقول لي ويأمرني بذلك قال له امير المؤمنين (عليه السلام): نعم يا أبا بكر، قال: فأرني ذلك إن يكن حقا قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الله ورسوله عليك من الشاهدين إنك تفي بما قلت، قال أبو بكر: نعم فضرب أمير المؤمنين على يده ومال يسعى به إلى مسجد قبا فلما ورداه تقدم أمير المؤمنين (عليه السلام) فدخل المسجد وأبو بكر من ورائه فإذا هما برسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس في قبلة المسجد، فلما رآه أبو بكر سقط لوجهه كالمغشي عليه فبادره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ارفع ايها الضليل المفتون ارفع رأسك فرفع رأسه وقال لبيك يا رسول الله أحياة بعد الموت ؟ قال: نعم، ويحك يا أبا بكر ان الذي احياها لمحيى الموتى قال: فسكت أبو بكر وشخصت عيناه نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ويحك يا أبا بكر انسيت ما عاهدت الله ورسوله عليك في المواطن الأربع لعلي فما بالك تناشد عليا فيها ويذكرك فتنساها، وقص عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما جرى بينه وبين امير المؤمنين فلم ينقص منه كلمة ولا زاد فيه كلمة، الى أن انتهى فقال أبو بكر يا رسول الله: فهل من توبة ؟


 

[ 105 ]

وهل يعفو الله عني إذا سلمت هذا الأمر الى امير المؤمنين ؟ فقال: نعم يا أبا بكر وأنا الضامن لك على الله ذلك إن وفيت. قال: وغاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فثبت أبو بكر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال الله الله سر معي حتى اعلو المنبر فأقص على الناس ما شاهدت وما رأيت من أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما قال لي، وما قلت له، وما امرني وأخلع نفسي من هذا الأمر، وأسلمه إليك. قال أمير المؤمنين: أنا معك يا أبا بكر إن تركك شيطانك، قال أبو بكر: إن لم يتركني تركته وعصيته، فقال أمير المؤمنين: تطيعه ولا تعصيه، والله ما اردت الا تأكيد الحجة عليك فأخذ بيده وخرجا من مسجد قبا يريدان مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمنبر وابو بكر يخفق بعضه بعضا يتلون الوانا والناس ينظرون إليه ولا يدرون بالذي كان منه حتى لقيه عمر، فقال له: يا خليفة رسول الله ما شأنك ؟ وما الذي دهاك ؟ فقال: خل عني يا عمر فوالله لا سمعت لك قولا، فقال: وأين تريد يا خليفة رسول الله ؟ فقال أبو بكر: أريد المنبر، فقال له عمر: انه ليس وقت صلاة ولا منبر، فقال: خل عني فلا حاجة لي في كلامك، فقال له عمر: يا خليفة رسول الله، فما تدخل قبل المسجد منزلك فتسبغ الوضوء ؟ فقال له أبو بكر: بلى، ثم التفت إلى أمير المؤمنين فقال: يا ابا الحسن اجلس إلى جانب المنبر حتى أخرج اليك فتبسم أمير المؤمنين، ثم قال: يا أبا بكر قد قلت لك إن شيطانك لا يدعك ويردك. وسعى أمير المؤمنين (عليه السلام) وجلس بجانب المنبر ودخل أبو بكر منزله وعمر معه فقال له: يا خليفة رسول الله لم لا تعرفني امرك وتحدثني بما دهاك ؟ فقال أبو بكر: ويحك يا عمر، رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله


 

[ 106 ]

وسلم) بعد موته وخاطبني وخاطبته في ظلمي لعلي، ويأمرني أن أرد حقه عليه وأخلع نفسي منه، فقال عمر: يا خليفة رسول الله قص على قصتك من أولها الى آخرها، فقال له: ويحك يا عمر إن عليا قال لي: إنك لا تدعني أخرج هذه المظلمة من عنقي، وإنك شيطاني فلم يزل عمر يحدثه بحديثه كله فقال له بالله يا أبا بكر أنسيت في أول شهر رمضان الذي فرض علينا صيامه، حيث جاءك خذيفة بن اليمان، ومعه سهل بن حنيف وعثمان اخوه ونعيمان الأنصاري وخزيمة بن ثابت في الجمعة الى دارك ليقضيك دينا له عليك فلما انتهوا إلى باب الدار سمعوا صلصلة في الدار فوقفوا على باب الدار ولم يستأذنوا عليك فسمعوا ام بكر زوجتك تناشدك، وتقول لك: قد عمل حر الشمس بين كتفيك، فقم من سوآء الدار إلى داخل الجدار وكن بنفسك من الشمس، وابعد من الباب ليسمعك بعض اصحاب محمد فيهدر دمك فقد علمت ان محمدا قد أهدر دم من أفطر يوما من شهر رمضان من غير سفر ولا مرض خلافا على الله ورسوله فقلت لها هاك لا أم لك فضل طعامي في الليل واترعي لي الكأس قرقفا فوقف حذيفة بن اليمان ومن معه يسمعون محاورتك فجاءت بصحيفة فيها ثريد وأخذت القعب فكرعت منه في ضحى النهار وجعلت تقول لزوجتك: ذريني اصطبح يا أم بكر * فإن الموت نقب عن هشام ونقب عن أخيك وكان صفوا * من الفتيان في شرب المدام تلبي بالتحية أم بكر * وهل لك بعد قومك من سلام فكم لك بالقليب قليب بدر * من الاجسام تكلم بالسهام وكم لك بالطوي طوي احد * من الحركات والدسع العظام من انصار الكريم الى علي * حيا الكأس الكريمة والمدام يقول لنا ابن كبشة سوف نحي * وكيف حياة أشلاء وهام يود ابن المغيرة لو فداه * بألف من سنام أو سوام أاترك ان يكف الموت عني * ويحييني إذا بليت عظامي


 

[ 107 ]

أتزعم باطلا ما قال هذا * وافكا من زخاريف الكلام الا من مبلغ الرحمن عني * بأني تارك شهر الصيام إذا ما الرأس فارق منكبيه * وليس بذاك يقطع للطعام فقل لله يمنعني شرابي * وقل لله يمنعني طعامي فسمعوك تهجو محمدا في دارك، فهجموا عليك في دارك، فوجدوك وقعب الخمر في يدك وأنت تكرعها، فقالوا لك: يا عدو الله خالفت الله وخالفت رسوله وحملوك كهيئتك الى مجمع الناس، بباب رسول الله وقصوا قصتك، وأعادوا شعرك، فدنوت منك وقلت في صحيح الناس، عليك قل: انك شربتها ليلا فثملتها نهارا، فزال عقلك فأتيت ما اتيته زيادا، ولا علم لك بذلك فعسى أن يدرأ عنك الحد. وخرج محمد فنظر اليك فقال: استنطقوه فقالوا: رأيناه ثملا يا رسول الله لا يعقل، فقال: ويحك، والخمر تزيل العقول تعلمون هذا من انفسكم، وأنتم تشربونها، فقلنا: نعم يا رسول الله وقد قال فيها قائد الشعراء امرؤ القيس ابن حجر الكندي: شربت الإثم حتى زال عقلي * كذاك الإثم تذهب بالعقول فقال: والإثم من اسماء الخمرة، فقلنا: نعم يا رسول الله، فقال: أنظروه الى افاقته من سكرته، فأمهلك حتى أريتهم أنك قد صحوت فسألك محمدا فأخبرته بما اوعزته إليك من شربك لها بالليل وكانت حلالا في سائر الشرائع والملل وفي شريعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فجاء تحريمها من أجلك من سبب سكرتك فما بالك اليوم تؤمن بمحمد وما جاء به، وهو عندنا ساحر كذاب. فقال: ويحك يا ابا حفص لا شك عندي فيما قصصته علي فاخرج الى علي، فاصرفه عن المنبر.


 

[ 108 ]

فخرج عمر وأمير المؤمنين (عليه السلام) بجانب المنبر جالس فقال: مالك يا علي قد تصديت لها هيهات هيهات، دون والله ما تروم من علو هذا المنبر خرط القتاد. فتبسم امير المؤمنين (عليه السلام) حتى بدت نواجذه، ثم قال: ويلك منها كل الويل يا عمر إذا أفضت إليك، والويل للأمة من بلائك. وانصرف أمير المؤمنين إلى منزله فكان هذا من دلائله (عليه السلام). قال الحسين بن حمدان: حدثني جعفر بن مالك، عن محمد بن خلف عن المخول بن ابراهيم، عن زيد الشحام عن ابي حمزة الثمالي، عن أبي خالد بن عبد الله بن حزام الأنصاري، عن حذيفة بن اليمان ونعيمان وسهل بن حنيف وخزيمة بن ثابت بالحديث الذي كان لحذيفة بن اليمان مع أبي بكر وقصد داره بهؤلاء الثلاثة نفر في يوم الجمعة في أول يوم من شهر رمضان فرض على المسلمين صيامه، وأكل أبي بكر الطعام، وشربه الخمرة، وشعره على ما تضمنه منه عمر بتذكيره لأبي بكر في نقضه الصيام وأكله الطعام وشربه الخمرة وقوله الشعر الذي لزمه الكفر بالله عز وجل وبرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، اجتمعت تيم - وهي قبيلة أبي بكر - وعدي - وهي قبيلة عمر - وأمية - وهي قبيلة عثمان - وزهرة - وهي قبيلة عبد الرحمن بن عوف الزهري - والكل من قريش فقالوا: يا رسول الله ما لأبي بكر ذنب فلا تحرم علينا الخمرة فهب لنا ذنبه وأقبل منا الكفارة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا حكم إلا حكم الله، وأنا منتظر ما يأتي به جبريل (عليه السلام) عن الله (عز وجل) فأنزل الله تبارك وتعالى: (والذي خبث لا يخرج إلا نكدا) ونهى بذلك وكثر سؤال الناس عن الخمرة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن شرب الخمر، ونادى في المدينة وكتب إلى أهل الإسلام بذلك.


 

[ 109 ]

واحتجوا بأنه مطلق حلال، ولم ينزل تحريمها في كتاب من كتب الله (عز وجل)، وذكروا خبر نوح (عليه السلام) وانه شرب وسكر من الخمرة حتى رقد وخرج ابنه حام وقد حملت الريح ثوب أبيه نوح (عليه السلام) حتى كشف عورته، فوقف ينظر إليه ويتضاحك في وجهه، ويعجب من أبيه فقام سام اخوه ونظر إليه ورأى ما يصنع فقال له: ويحك يا حام بمن تهزأ ؟ فلم يخبره بشئ فنظر سام منظر حام وإذا بالريح قد كشف ثوب أبيهما، وهو سكران نائم، فدنا منه ومد عليه ثوبه وألقى عليه ملاءته وقعد يحرسه إلى أن أفاق، وأنتبه من رقدته فنظر الى سام فقال: يا بني ما لك جالسا وملاءتك على لونك متفكرا لا يكون أحد جنى عليك جناية، فعدت تحرسني منها فقال له الله ورسوله اعلم فهبط جبريل (عليه السلام، وقال له: يا نوح ربك يقرئك السلام ويقول لك ان حاما فعل بك كيت وكيت، وسام ابنك انكر ذلك من فعله وسترك وطرح ملاءته عليك، وحرسك من اخيه حام ومن الريح، فقال نوح: بدل الله ما بحام من جمال قبحا، ومن خير شرا، ومن ايمان كفرا، ولعنه لعنا وبيلا كما صنع بأبيه رسولك ولم يشكر لولادته ولا لهدايته. فاستجاب الله دعاء نبيه نوح (عليه السلام) في ولده حام واستحال جماله سوادا مخبا منخلقا مجددا مقطحا طمطمانيا فوثب على أبيه نوح يريد قتله فوثب عليه سام فعلا هامته بيده وصده عنه، فدعا نوح (عليه السلام) ان ينزل عليه الأمان من ذريته وان يجعل بين حام وذريته العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة. واحتجوا بأن القرابين لها منذ قرب هابيل كانوا يشربون الخمر ويسقون القرابين منها وشرباها ووقفا يقربا منها، وان شبر وشبير ابني هارون (عليه السلام) قربا قربانا ثم سقياه الخمر وشراباها ووقفا يقربان، فنزلت النار عليهما وأحرقتهما لأن الخمر في بطونهما فقتلا بذلك. واحتجوا بقول الله عز وجل في الزبور على لسان داود (عليه السلام) خمرا مريئا، دلنا تريا مفصحا أثر فسمي لحما لنا قلب ترياشا حسر خمرا


 

[ 110 ]

حسرا حرابا. قال داود (عليه السلام: معنى خمرة هي الخمر، هي شقيق لنا قلب ترياشا ابن آدم، ويسقون القرابين منها وإنها شربت بعهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاتخذوا الزي والمزفت الى سكرة ابي بكر فقال المسلمون لم تنهانا عن شربها يا رسول الله أنزل فيها أمر من عند الله فنعمل به ؟ فانزل الله (عز وجل): (إنما الخمر والميسر والأنصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) فقال المسلمون إنما امرنا بالاجتناب عنها ولم تحرم علينا فانزل الله تبارك وتعالى: (إنما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون). فقالوا: أمرنا أن ننتهي ولم تحرم علينا فانزل الله عز وجل: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما اكبر من نفعهما) فقال المسلمون: فيه منافع للناس وان كان الإثم اكبر من المنافع ولم يحرم شربها علينا فانزل الله تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق) فصح تحريم الخمر من قولهم ان الإثم اسم م اسماء الخمر ويستشهد بما تقدم من قول امرئ القيس ابن حجر الكندي حيث يقول: شربت الإثم حتى زال عقلي * كذاك الإثم يذهب بالعقول ومما عني به السيد ابن محمد الحميري في الخمرة يقول: لولا عتيق وشؤم سكرته * كانت حلالا كسائغ العسل وفي قصيدة اخرى يقول: كانت حلالا لساكن الزمن. وله في لقاء امير المؤمنين (عليه السلام) وحمله له إلى مسجد قبا وخبره مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخطابه له يقول: لما لقاه أبو الفصيل بمشهد * فخلا به وقرينه لم يعلم


 

[ 111 ]

فتناشدوا في نقضه العهد الذي * اخذ النبي عليه غير تكتم لتسلمن الى الوصي امامة * وامارة صارت له من آدم قال الغوي فأين لي ذو خبرة * ادري ويشهد بالذي قد تزعم قال الوصي هل لك عني مخبر * عن النبي فقال آه حرم اين النبي وكيف لي بمغيب * بين الجنادل في ضريح مظلم قال الوصي علي ان تلقاه في * نادي قبا في مسجد لم يهدم قال الغوي له أبعد مماته * قال الوصي نعم برغم مرغم فأتى به فإذا النبي بمحضر * حي يحاوره بغير تجمجم أنسيت ويلك يا عتيق وكبه * لجبينه للأرض صفة النادم قال النبي له عتيق ردها * ويلك تنجو من جريرة ظالم قال الشقي نعم ارد ظلامة * لعلي ذي الهادي بغير تذمم وله في هذا المعنى قصيدة اخرى: حتى لقاه أبو الفصيل بجانب * فخلا به وقرينه لم يشعر وعنه بهذا الاسناد عن جابر بن عبد الله الانصاري عن سلمان الفارسي (عليهما السلام) قال: دخل أبو بكر وعمر وعثمان على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا يا رسول الله ما لك تفضل عليا علينا في كل الأفعال والأشياء ولا يرى لنا معه فضلا قال لهم: ما أنا فضلته بل الله فضله، فقالوا: وما الدليل على ذلك ؟ فقال (عليه السلام): إذا لم تقبلوا مني فليس شئ عندكم أصدق من أهل الكهف حتى تسلموا عليهم وانا احملكم وعليا واجعل سلمانا شاهدا عليكم فمن احيى الله اصحاب الكهف له واجابوه كان الأفضل. قالوا رضينا يا رسول الله، فأمر رسول الله أن يبسط بساطا له، ودعا بعلي فأجلسه في البساط وأجلس كل واحد منهم قرن قال سلمان: وأجلسني القرنة الرابعة وقال: يا ريح احمليهم الى الصحاب الكهف ورديهم


 

[ 112 ]

إلي فدخلت الريح وسارت بنا فإذا نحن في كهف عظيم فحطت عليه. قال أمير المؤمنين يا سلمان هذا الكهف والرقيم فقل للقوم: يتقدمون أو اتقدم ؟ فقالوا: نحن نتقدم فقام كل واحد منهم صلى ودعى وقال: السلام عليكم يا أصحاب الكهف فلم يجبهم أحد، فقام بعدهم امير المؤمنين صلى ركعتين ودعا بدعوات خفيات فصاح الكهف وصاح القوم من داخله بالتلبية فقال امير المؤمنين (عليه السلام): السلام عليكم ايها الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم هدى. فقالوا: وعليك السلام يا أخا رسول الله ووصيه، لقد اخذ الله العهد علينا بعد ايماننا بالله وبرسوله محمد، ولك يا أمير المؤمنين بالولاية الى يوم الدين، قال فسقط القوم لوجوههم وقالوا يا ابا عبد الله ردنا، فقلت: وما ذلك الي، فقالوا: يا ابا الحسن ردنا فقال (عليه السلام): يا ريح رديهم الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحملتنا فإذا نحن بين يديه، فقص عليهم رسول الله القصة كما جرت فقال: حبيبي جبريل اخبرني ان عليا فضله الله عليكم. وعنه عن يعقوب بن بشر عن زيد بن عامر الطاطري عن زيد بن شهاب الازدي عن زيد بن كثير اللخمي عن ابي سمينة محمد بن علي عن ابي بصير عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال: لما اظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فضل امير المؤمنين كان المنافقون يتخافتون بذلك ويسترونه خوفا من رسول الله الى ان خطب اكابر قريش فاطمة، وبذلوا في تزويجها الرغائب، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يزوج احدا منهم حتى خطبها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي ما خطبتها إلا والله زوجك إياها في السماء لأن الله وعد ذلك فيك وفي ابنتي فاطمة فقام إليه أبو أيوب خالد بن زيد الانصاري وقال: يا رسول الله وقد زوج الله عليا في السماء بفاطمة (عليها


 

[ 113 ]

السلام) ؟ فقال له (عليه السلام): نعم يا ابن أيوب أمر الله الجنة ان تتزخرف وشجرة طوبى أن تنشر أغصانها في السبع سماوات الى حملة العرش وان تحمل بأغصانها درا وياقوتا ولؤلؤا ومرجانا وزبرجدا وزمردا أصكاكا مخطوطة بالنور، هذا ما كان من الله للملائكة وحملة عرشه وسكان السماوات كرامة لحبيبة وابنته فاطمة ووصيه علي وأمر لجبريل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل واللوح المحفوظ والقلم ونون، وهي مخازن وحي الله وتنزيله على انبيائه ورسله وان يقفوا في السماء الرابعة وان يخطب جبريل بأمر الله، ويزوج ميكائيل عن الله، ويشهد جميع الملائكة وانتثرت طوبى من تحت العرش الى السماء الدنيا فالتقط الملائكة ذلك النثارة الصكاك فهو عندهم مذخور. قال أبو أيوب: يا رسول الله ما كان نحلتها ؟ قال يا أبا أيوب شطر الجنة وخمس الدنيا وما فيها والنيل والفرات وسيحان وجيحان والخمس من الغنائم كل ذلك لفاطمة (عليها السلام) نحلة من الله وحبا لا يحل لأحد أن يظلمها فيه بورقة. قال أبو أيوب: بخ بخ يا رسول الله هذا من الشرف العظيم أقر الله بها عينيك وعيوننا يا رسول الله فقام حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قائما على قديمه وقال: يا رسول الله تزوجها في يوم الأربعين من تزويجها في السماء، قال حذيفة بن اليمان: ما نحلتها في الأرض يا رسول الله ؟ قال: يا ابا عبد الله نحلتها ما تكون سنة من نساء امتي من آمن منهن واتقى قال: وكم هو يا رسول الله ؟ قال خمسمائة درهم، قال حذيفة: يا رسول الله لا يزيد عليها في نساء الأمة فإن بيوتات العرب تعظم النحلة وتتنافس فيها تأديبا من الله ورحمة منه في ابنتي واخي. قال حذيفة بن اليمان يا رسول الله فمن لم يبلغ الخمسمائة درهم ؟ قال له (عليه السلام) تكون النحلة ما تراضيا عليه قال حذيفة: يا رسول الله


 

[ 114 ]

فإن احب احد من الأمة الزيادة على الخمسمائة درهم ؟ فقال له (عليه السلام) يجعل ما يعطيها من عرض الدنيا برا ولا يزيد على الخمسمائة درهم، فقال حذيفة: صدقت يا رسول الله فيما بلغتنا اياه عن الله عز وجل في قوله عز من قائل: (وان آتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد افضى بعضكم الى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا). قال النبي (صلى الله عليه وآله): ما وجب لهن ذلك الا عند الإفضاء اليهن، ألا ترى يا أبا عبد الله حذيفة، وتسمع قوله عز وجل: (وان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفو أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم ان الله كان بما تعلمون بصير) فأعلم عز ذكره انه إذا لم يفض اليهن ولم يمسسن أن لا تأخذوا شيئا. قال فلما تمت الأربعون يوما أمر الله رسوله (صلى الله عليه وآله) أن يزوجها من علي (عليه السلام) فزوجت في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحضر جميع المسلمين، وفيهم حاسد لعلي وشامت بفاطمة، وانها تزوجت من فقير ورضا مسرورا رضاء الله ورسوله، فلما اجتمع الناس وتكاتفوا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قد اخبرتكم معاشر الناس ما اكرمني به الله واكرم به اخي عليا وابنتي فاطمة (عليهما السلام)، وتزويجها في السماء وقد أمرني الله أن ازوجه في الأرض وأن اجعل له نحلتها خمسمائة درهم ثم تكون سنة في امتي من أغناهم، والمقل منهم ما تراضيا عليه. ثم قال: قم يا علي فديتك فاخطب لنفسك فان هذا يوم كرامتك عند الله وعند رسوله. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): الحمد لله حمدا لأنعمه وأياديه،


 

[ 115 ]

ولا إله إلا الله شهادة تبلغه وترضيه، وصلى الله على محمد صلاة تزلفه وتحظيه، الا وان النكاح مما امر الله به ورضيه، ومجلسنا هذا مما قدره الله وقضى فيه، هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد زوجني ابنته فاطمة وصداقها علي خمسمائة درهم فاسألوا رسول الله، واشهدوا علي. فقال رسول الله: ما زوجتك حتى زوجك الله في السماء منذ أربعين يوما، فاشهدوا رحمكم الله فخرج مولى لأم سلمة - زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله) - فنثر سكرا ولوزا ونثر الناس من كل جانب، وانصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويده في يد أمير المؤمنين (عليهما السلام) حتى دخل الى مشرفة ام سلمة، وهي مشرفة عالية البناء كثيرة الأبواب والطاقات وانصرف الناس إلى منازلهم، وارتفع في دور الأنصار نقر الدفوف من مشارف رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأصوات بحمد الله وشكره والثناء عليه، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتمرات كانت له في قعب وفضلة سمن عربي فطرحه في قصعة كانت له وفتها بيده اليمنى وقال: قدموا يا أنصار الصحاف والقصاع، واحملوا الى سائر اهل المدينة وأبواب المهاجرين والانصار، ثم سائر المسلمين واسرعوا في المدينة للسابلة ما يأكلون ويتزودون فلم تزل يده المباركة فيه تنقل من قصعة الى الصحاف من ذلك الخبز وهي تمتلئ وتفيض حتى امتلأ منهما منازل المسلمين في المدينة وأسرعت في الطرقات فأكلت وتزودت السابلة وسائر الناس وقصعته (عليه السلام) كهيئتها بحالها. وتكلم المنافقون والحساد لأمير المؤمنين (عليه السلام) وقالوا لنسائهم: ألقين الى فاطمة ما تسمعن منا فبلغنها وقلن لها خطبك اكابر الناس أغنياءهم وبذلوا لك الرغائب، فزوجك رسول الله (صلى الله عليه وآله) من فقير قريش وليس له خمسمائة درهم الا ثمن درعه التي وهبها له رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن لا يقدر يملك من الدنيا اكثر من فراش أديم، ومضوغة محشوة ليف النخيل، وأصواف الغنم.


 

[ 116 ]

فألقت نساؤهم إلى فاطمة (عليها السلام) هذا القول وزدن منه وحكت ام سلمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج الى مسجده واجتمع الناس من حوله فقال (عليه السلام): ما بال قوم منكم يؤذون الله ورسوله وعليا وفاطمة ؟ فقال الناس: لعن الله من يؤذيك يا رسول الله، ومن لم يرضى ما رضيت، ويسخط ما سخطت. فقال لهم: ليبلغني عن قوم منكم انهم يقولون اني زوجت فاطمة من أفقر قريش وقد علم كثير من الناس ان الله تعالى أمر جبريل (عليه السلام) ان يعرض علي خزائن الأرض وكنوزها وما فيها من تبر ولجين وجوهر، واتاني مفاتيح الدنيا وكشف لي عن ذلك حتى رأيت من خزائن الأرض وكنوزها وجبالها وبحارها وانهارها، فقلت له وأخى علي، يرى ما رأيت ويشهد ما شهدت، فقال حبيبي جبريل: نعم، فقلت: ما عند الله من الملك الذي لا يحول ولا يزول في الآخرة التي هي دار القرار أحب الي من هذه الدنيا الفانية فكيف اكون واخي عليا وابنتي فاطمة ؟ الله بيني وبين المنافقين من امتى، فانزل الله عز وجل: (لقد كفر الذين قالوا ان الله فقير ونحن أغنياء) الى آخر القصص. وعنه بهذا الإسناد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما كثر قول المنافقين وحساد أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في ما يظهره رسول الله (صلى الله عليه وآله) من فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) ويبصر الناس ويدلهم ويأمرهم بطاعته ويأخذ البيعة له من كبرائهم ومن لا يؤمن غدره، ويأمرهم بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين، ويقول لهم: انه وصيي، وخليفتي، وقاضي ديني، ومنجز وعدي، والحجة على خلقه من بعدي، من اطاعه سعد ومن خالفه ضل وشقي، قال المنافقون: لقد ضل محمد في ابن عمه علي وغوى وجن، والله ما فتنه فيه ولا حببه إليه إلا قتل الشجعان والفرسان يوم بدر وغيره من قريش وسائر العرب واليهود، وان


 

[ 117 ]

كل ما يأتينا به ويظهره في علي من هواه وكل ذلك يبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى اجتع التسعة الرهط المفسدون في الأرض في دار الاقرع بن حابس التميمي وكان مسكنها في وقت صهيب الرومي، وهم التسعة الذين هم أعداء أمير المؤمنين علي (عليه السلام) كان عددهم عشرة، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد وسعيد عبد الرحمن بن عوف الزهري وخالد بن الوليد وابو عبيدة بن الجراح، فقالوا: قد اكثر رسول الله في أمر علي وزاد فيه حتى لو امكنه أن يقول لنا اعبدوه لقال، قال سعد ابن أبي وقاص: ليت محمدا أتانا فيه بآية من السماء كما أتاه في نفسه من الآيات من شق القمر وغيره، فباتوا ليلتهم تلك، فنزل نجم من السماء حتى صار على ذروة المدينة حتى دخل ضوءه في البيوت وفي الآبار والمغارات وفي المواضع المظلمة من منازل الناس فذعر أهل المدينة ذعرا شديدا وخرجوا وهم لا يعلمون ذلك النجم على دار من نزل، ولا أين هو معلق الا انهم يظنونه على بعض منازل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسمع رسول الله ذلك الضجيج والناس فخرج الى المسجد وصاح بالناس: ما الذي ازعجكم واخافكم ؟ من هذا النجم النازل على دار أخي علي بن أبي طالب ؟ فقالوا: نعم. فقال: فلا يقول منافقوكم التسعة الذين اجتمعوا في أمسكم في دار صهيب الرومي فقالوا في وفي أخي علي ما قالوا، وقال قائل: ليت محمدا، أتانا بآية من السماء في علي كما أتانا بها في نفسه من شق القمر وغيره فأنزل الله عز وجل هذا النجم على ذروة دار أخي علي آية له خصه الله بها فلم يزل ذلك النجم معلقا على مشربة امير المؤمنين (صلوات الله عليه) ومعه في المسجد الى ان غاب كل نجم من السماء وهذا النجم معلق. فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): هذا حبيبي جبريل قد انزل علي في هذا النجم وحيا وهو ما تسمعونه، ثم قرأ (عليه السلام): (بسم الله الرحمن الرحيم والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما


 

[ 118 ]

غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى) ثم ارتفع النجم وهم ينظرون إليه، والشمس قد بزغت وعاب كل نجم في السماء. فقال بعض المنافقين: لو شاء محمد لأمر هذه الشمس فنادت باسم علي فقالت: هذا ربكم فاعبدوه، فهبط جبريل (عليه السلام) فخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما قالوا، وكان هذا في ليلة الخميس وصبيحته، فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بوجهه الكريم على الله وعلى الناس وقال: استعيدوا عليا من منزله فاستعادوا إليه (عليه السلام)، فقال: يا ابا الحسن ان قوما من منافقي امتي ما قنعوا بآية النجم حتى قالوا: لو شاء محمد لأمر الشمس ان تسلم على علي وتقول هذا ربكم فاعبدوه، فبكر يا علي بعد صلاتك الفجر الى بقيع الغرقد وقف نحو مطلع الشمس فإذا بزغت الشمس فادع بدعوات نلتفك اياها وقل للشمس: السلام عليك يا خلق الله الجديد، واسمع ما تقول وما ترد عليك، وانصرف الى البقيع، فسمع الناس قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسمع التسعة الرهط المفسدون في الأرض فقال بعضهم لبعض: لا تزالون تغرون محمدا في ابن عمه علي على كل شئ، وليس قال مثلما قاله في هذا اليوم، فقال اثنان منهما، واقسما بالله جهد ايمانهما انهما لا بد أن يحضرا الى البقيع حتى ينظرا ويسمعا ما يكون من علي والشمس، فلما صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة الفجر وأمير المؤمنين (عليه السلام) في الصلاة معه أقبل عليه، وقال: قم يا أبا الحسن الى ما أمرك الله به ورسوله فأت البقيع حتى تقول للشمس ما قلت لك فأسر إليه سرا كان فيه الدعوات التي علمه اياها فخرج امير المؤمنين (عليه السلام) يسعى الى البقيع وتلاه الرجلان، وتلاهما آخرون معهم حتى انتهوا الى البقيع فأخفيا اشخاصهما بين تلك القبور ووقف امير المؤمنين (عليه السلام) بجانب البقيع حتى بزغت الشمس فهمهم كما علمه النبي


 

[ 119 ]

بهمهمة لم يعرفوها فقالوا: هذه الهمهمة مما علمه محمد من سحره، وقال: السلام عليك يا أول خلق الله الجديد، فأنطقها الله بلسان عربي مبين، وقالت له: وعليك السلام يا أخا رسول الله ووصيه أشهد انك عبد الله وأخو رسول الله حقا فأرعد القوم واختلطت عقولهم ورجعوا الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسودة وجوههم تفيض أنفسهم غيظا، فقالوا: يا رسول الله ما هذه العجائب التي لم تسمع من النبيين ولا من المرسلين ولا في الأمم الغابرة القديمة ليت تقول: ان عليا ليس بشرا وهو ربكم فاعبدوه، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمحضر علي: ما رأيتم ؟ فقالوا: ما نقول ونسمع ونشهد بما قال علي للشمس وما قالت له الشمس، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا بل تقولون ما قال علي للشمس فقالوا: قال علي للشمس: السلام عليك يا اول خلق الله الجديد، بعد ان همهم همهمة تزلزل منها البقيع فأجابته الشمس: وعليك السلام يا أخا رسول الله ووصيه اشهد انك عبد الله واخو رسول الله حقا. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الحمد لله الذي خصنا بما تجهلون وأعطانا ما لا تعلمون وقد علمتم أني واخيت عليا دونكم واشهدتكم انه وصيي فما انكرتم عساكم تقولون: لم قالت له الشمس أشهد أنك أنت الأول والآخر والظاهر والباطن قالوا: يا رسول الله انك اخبرتنا أن الله هو الأول والآخرو والضاهر والباطن في كتابه العزيز المنزل عليك، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ويحكم وأني لكم بعلم ما قالت الشمس ؟ أما قولها: إنك الأول فصدقت أنه أول من أمن بالله ورسوله ممن دعوتهم من الرجال إلى الإيمان بالله وخديجة في النساء، وأما قولها له: الآخر فهو آخر الأوصياء وأنا آخر النبيين والرسل، وقولها: الظاهر فهو الذي ظهر على كل ما اعطاني الله من علمه فما علمه معي غيره ولا يعلمه بعدي سواه ومن ارتضاه الله لبشريته من صفوته، وأما قولها:


 

[ 120 ]

الباطن فهو والله باطن علم الأولين والآخرين وسائر الكتب المنزلة على النبيين والمرسلين وما زادني الله وخصني الله من علم وما تعلمونه. واما قولها له: يا من انت بكل شئ عليم فإن عليا يعلم علم المنايا والقضايا وفصل الخطاب فماذا انكرتم، فقالوا بأجمعهم نحن نستغفر الله يا رسول الله لو علمنا ما تعلم لسقط الاعتذار، والفصل لك يا رسول الله ولعلي فاستغفر لنا، فانزل الله تبارك وتعالى: (سواء عليهم استغفرت لهم ام لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم ان الله لا يهدي القوم الفاسقين) وهذه في سورة المنافقون. فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن محمد بن منير القمي عن زيد بن صعصعة التميمي عن عمار بن عيسى عن علي بن ابي حمزة عن ابي بصير عن ابي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، قال قلت: يا سيدي كم من مرة ردت الشمس على جدك امير المؤمنين قال: يا أبا بصير ردت له مرة عندنا بالمدينة، ومرتين عندكم بالعراق. فأما التي عندنا بالمدينة فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى العصر وخرج الى منفسح في غربي المدينة، وامير المؤمنين (صلوات الله عليه) يتبعه ولم يكن صلى العصر فلحق رسول الله (صلى الله عليه وآله) النعاس فوضع رأسه في حجر أمير المؤمنين (عليه السلام) ورقد فلم ينتبه من رقدته إلا وقد تورات الشمس بالحجاب فلما انتبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال أمير المؤمنين: يا رسول الله ما صليت ولا ايقظتك من رقدتك اجلالا واعظاما واشفاقا عليك يا رسول الله فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم انك تعلم ان عليا عظم نبيك واشفق عليه ان يوقظه من رقدته حتى غربت الشمس ولم يصل العصر فكرم نبيك ووصيك برد الشمس عليه حتى يصلي العصر فأقبلت من مغربها راجعة لها زجل بالتسبيح والتقديس، حتى صارت في منزلة الشمس لوقت العصر فصلى امير المؤمنين (عليه السلام) ورسول الله (صلى الله عليه


 

[ 121 ]

وآله) جميع الناس ينظرون فلما قضى صلاته هوت الى مغربها كالبرق الخاطف أو كالكوكب المنقض فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبني في موضع صلاة العصر التي صلاها أمير المؤمنين مسجدا يصلى فيه ويزار. قال السيد الحسين بن حمدان (رضي الله عنه): انا رأيت هذا المسجد في غربي المدينة في ارض السهلة سنة ثلاث وسبعين ومأتين من الهجرة وصليت به مع جمع كثير من الناس والمسجد يجدد أبدا في كل زمان ويعرف بموضع ردة الشمس لعلي امير المؤمنين (رضي الله عنه) وهو مشهد معروف. وأما الأولى من المرتين في العراق فإن امير المؤمنين سار بعسكره من النخلية مغربا حتى اتى نهر كربلاء فمال الى بقعة يتضوع منها المسك وقد جن عليه الليل مظلما معتكرا ومعه نفر من أصحابه وهم محمد بن أبي بكر والحارث الاعور الهمداني وقيس بن عبادة ومالك الأشتر وإبراهيم بن الحسن الازدي وهاشم المري، قال ابن عبيد الله بن يزيد: فلما وقف في البقعة وترجل النفر معه وصلى، وقال لهم: صلوا كما صليت، ولكم علي علم هذه البقعة فقالوا: يا أمير المؤمنين لك منن علينا بمعرفتها، فقال (عليه السلام) هذه والله الربوة ذات قرار ومعين، التي ولد فيها عيسى (عليه السلام)، وفي موضع الدالي من ضفة الفرات غسلت مريم، واغتسلت وهي البقعة المباركة التي نادى الله موسى من الشجرة، وهي محط ركاب من هنأ الله به جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعزاه، فبكوا وقالوا: يا أمير المؤمنين هو سيدنا أبو عبد الله الحسين ؟ قال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام): اخفضوا من أصواتكم فإنه واخوانه في هذا السواد وما أحب أن يسمعوا فيحزنوا على الحسين، على أن الحسين قد علم وفهم ذلك كله، وأخبره به جده رسول الله (صلى الله عليه وآله).


 

[ 122 ]

ثم قبض قبضة من نثر دوحات كأنهن قضبان اللجين، فاشتمها ثم ردها في ايدينا، وقال: تحيوا بها فأخذناها فإذا هي بعر غزلان فقال لنا: لا تظنوا أنها من غزلان الدنيا، بل هي من غزلان الجنة، تعمر هذه البقعة وتؤنسها وتنثر فيها الطيب. قال قيس بن سعد بن عبادة: كيف لنا بأن نرسم هذه البقعة بأبصارنا، وهذا الليل بظلمته يمنعنا من ذلك ؟ فقال لهم: هذا عسكرنا حائر لا يهتدي مسيره، فقال له محمد ابن أبي بكر يا مولانا ومولى كل مؤمن ومؤمنة، فأين فضلك الكبير لا يدركنا ؟ فانفرد أمير المؤمنين (عليه السلام) في جانب من البقعة، وصلى ركعتين ودعا بدعوات فإذا الشمس قد رجعت من مغربها فوقفت في كبد السماء فهلل العسكر وكبروا وخر اكثرهم سجدا لله، ونظروا الى البقعة وعرفوها وعلموا أين هي من الفرات وهي كربلاء ثم سار العسكر على الجادة وغربت الشمس. وأما الثالثة فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) انكفأ من النهروان بعد قتله الخوارج حتى قرب من أرض بابل وقد وجبت صلاة العصر في أرض بابل، فلما وجبت أقبل الناس من العسكر وهم سائرون يقولون: يا أمير المؤمنين، الصلاة ليلا، ثم يجري في ارض قد خسف الله فيها بطشه وهي ارض لا يصلي لها نبي ولا وصي، فأقبل الناس يصلون الى أن غربت الشمس وقد صلى اهل المعسكر الا أمير المؤمنين وجويرية بن مسهر يقول: والله لأقلدن صلاتي لأمير المؤمنين فإني اصلها وقد صلاها سائر العسكر، ولي بأمير المؤمنين أسوة، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): ما صليت ؟ فقال: لا يا امير المؤمنين ما صليت، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): أذن وأقم حتى نصلي العصر، فصلى أمير المؤمنين وهو منفرد من العسكر ودعا بدعوات من الانجيل لم يسمع احد منها كلمة الا جويرية فإنه سمعه يقول: اللهم اني اسألك بإسمك الأعظم ودعا بالكلمات


 

[ 123 ]

الانجيلية، فاقبلت الشمس بعد غروبها راجعة لها ضجيج وزجل بالتسبيح والتقديس حتى صارت في درجة وقت العصر فصلى وجويرية معه وندم اهل المعسكر في صلاتهم دونه. قال جويرية: يا أمير المؤمنين لم أعلم أن الشمس ترد لصلاتك، فقال أمير المؤمنين منه السلام: لا تثريب عليك اليوم يا جويرية فقال قوم من العسكر: فقد صلينا يا أمير المؤمنين في ارض بابل، فقال لهم أمير المؤمنين: انتم المغرورون، إذ قلتم ما لا تعلمون واعلموا رحمكم الله ان لكل شئ حرما يكون اربعين ذراعا الا محرم مكة فإنه اثنا عشر ميلا على يمين الكعبة اربعة وثمانية بيسارها، وكذلك امركم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان تباشروا في القبلة وإذا صليتم تباينوا فانكم إذا باشرتم في وسط القبلة تباينتم خرجتم عنها وانما صليتم في حرم الفرات، ثم رجعت الشمس بعينها منقضة كالكوكب المنقض أو الشهاب الثاقب فلما توارت بالحجاب امر العسكر الى غربي الفرات فعبروا ثلاث ساعات من الليل وعسكروا بقرية سور العقيق وأمروا في الأذان والاقامة فصلى بالناس العشائين وسار من ليلته حتى ورد الكوفة. وروي انه لم ترد الشمس لأحد من خلق الله تعالى الا ليوشع بن نون وصي موسى (عليه السلام) ولأمير المؤمنين (عليه السلام) وكان آخر قتالهم له يوم الجمعة الى أن غربت الشمس وقد ظهر على المنافقين اصحاب يوشع (عليه السلام)، وقال قاتلوهم فقد غلبتموهم بإذن الله فقالوا: لا نقاتل وقد دخل السبت فانفرد يوشع (عليه السلام) فتلا اسفارا من صحف إبراهيم (عليه السلام) ومن التوراة، وسأل الله عز وجل برد الشمس عليهم حتى لا يحتج المارقون، فقال يوشع (عليه السلام): قاتلوا، قالوا: لا نقاتل لان السبت قد دخل، قال: هذا لا من السبت ولا من الجمعة، وإنما سألت الله عز وجل رد الشمس لتظهروا على أعدائكم ولا يظهروا فقاتلوهم فغلبوهم وملكوهم وغربت الشمس وكانت صفراء ابنة


 

[ 124 ]

شعيب النبي (عليه السلام) زوجة موسى بن عمران (عليه السلام) تقاتل يوشع بن نون (عليه السلام) مع المارقين من بني اسرائيل على زارفة كما قاتلت عائشة ابنة أبي بكر زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصيه أمير المؤمنين (عليه السلام) مع المارقين من امته على جمل. وقد ردت ليوشع مرة، وقد ردت لأمير المؤمنين ثلاث مرات وسلمت عليه بالبقيع. وهذا نبي الله سليمان بن داود (عليهما السلام) أمر بأن تعرض عليه خيله حتى اعجب بها وفتنته الى ان غربت الشمس، وفاتته صلاة العصر، فذكر انه لم يصل صلاة العصر فأمر برد خيلة فأمر بضرب سوقها واعناقها كفارة لما فوتته صلاة العصر ولم ترد الشمس له فصلى العصر، كما ردت لامير المؤمنين (عليه السلام) الفضل لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لأن الفضل للنبيين والمرسلين، ولأمير المؤمنين لأنه أفضل الوصيين والأئمة الراشدين. وقد قص الله خبر سليمان (عليه السلام) فقال تعالى: (إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال اني احببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والاعناق) ولم يخبر الا به ولم يخبر عن نفسه (عليه السلام) ولا اخبر ان الشمس ردت عليه فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن محمد بن جابر بن عبد الله بن خالد الخزاعى، عن محمد بن جعفر الطوسي، عن محمد بن صدقة العنبري عن محمد بن سنان الزاهري، عن الحسن بن جهم عن ابي الصامت، عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: بينما أمير المؤمنين (عليه السلام) متجهز الى معاوية ويحرض الناس على قتاله اختصم إليه رجلان فعجل احدهما بالكلام وزاد فيه فالتفت إليه امير المؤمنين وقال له: اخسأ يا


 

[ 125 ]

كلب فإذا رأسه رأس كلب فبهت من كان حوله، واقبل الرجل باصبعه المسبحة يتضرع الى امير المؤمنين ويسأله الاقالة فنظر إليه وحرك شفتيه فعاد خلقا سويا فوثب بعض اصحابه فقالوا له: يا أمير المؤمنين هذه القدرة لك اريتنا اياها وانت تجهزنا الى قتال معاوية، فما لك لا تكفينا ببعض ما اعطاك الله من هذه القدرة ؟ فأطرق قليلا ورفع رأسه إليهم فقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو شئت لضربت برجلي هذه القصيرة في طول هذه الفيافي والفلوات والجبال والاودية حتى اضرب صدر معاوية على سريره فأقبله على أم رأسه لفعلت، ولو أقسمت على الله عز وجل أن آتي به قبل أن أقوم من مجلسي هذا ومن قبل ان يرتد الى احدكم طرفه لفعلت ولكنا كما وصف الله عز من قائل: (عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون) فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن ابي الحسن بن يحيى الفارسي عن عقيل بن يحيى الحسيني عن زيد بن عمر بن كثير المدني عن جعفر بن محمد الحلبي عن حمران بن اعين عن ميثم التمار قال: خطب بنا أمير المؤمنين (عليه السلام) في جامع الكوفة فاطال خطبته وعجب الناس من طولها وحسن وعظها وترغيبها وترهيبها إذ دخل نذير من ناحية الانبار وهو مستغيث يقول: الله الله يا أمير المؤمنين في رعيتك وشيعتك، هذه خيل معاوية قد شنت علينا الغارات في سواد الفرات، ما بين هيت والانبار، فقطع أمير المؤمنين الخطبة، وقال: ويحك ان خيل معاوية قد دخلت الدسكرة التي تلي جدران الأنبار فقتلوا فيها سبع نسوة وسبعة من الاطفال ذكرانا، وشهروهم ووطئوهم بحوافر خيلهم، وقالوا هذه مراغمة لأبي تراب. فقام إبراهيم بن الحسن الازدي بين يدي المنبر فقال: " يا أمير المؤمنين هذه القدرة التي رأيت بها وأنت على منبرك وفي دارك، وخيل معاوية ابن آكلة الأكباد فعل بشيعتك ما فعل " ويعلم بها هذا النذير، ما بالها تقصر عن معاوية ؟


 

[ 126 ]

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): ويحك يا إبراهيم ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة فصاح الناس في جوانب المسجد: يا أمير المؤمنين والى متى يهلك من هلك، وشيعتك تهلك ؟ فقال لهم (عليه السلام): ليقضي الله امرا كان مفعولا. فصاح زيد بن كثير المرادي، فقال يا أمير المؤمنين تقول لنا بالأمس وانت متجهز الى معاوية، وتحرضنا على قتاله ويحتكم الرجلان في البغل، فيعجل احدهما عليك في الكلام فتجعل رأسه رأس كلب، ويستجيرك فترده بشرا سويا، ونقول لك ما بال هذه القدرة لا تبلغ معاوية فتكفينا شره، فتقول لنا: وفالق الحبة وبارئ النسمة، لو شئت ان أضرب برجلي هذه القصيرة صدر معاوية فأقلبه على أم رأسه لفعلت، فما بالك اليوم لا تفعل ما تريد الا ان يضعف يقيننا فنشك فيك فندخل النار ؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): لأفعلن ذلك ولأعجلن على ابن هند فمد رجله المباركة على منبره فخرجت من أبواب المسجد، وردها الى فخذه، وقال معاشر الناس افهموا تاريخ الوقت وأعلموه فلقد ضربت برجلي هذه في هذه الساعة صدر معاوية فألقيته على أم رأسه فظن أنه قد هبط به فقال: يا أمير المؤمنين أين النظرة، فرددت رجلي عنه، فتوقع الناس وورد الخبر من الشام بتاريخ تلك الساعة بعينها من ذلك اليوم بعينه ان رجلا جاءت من نحو ابواب كندة ممدودة متصلة قد دخلت من ابواب معاوية والناس ينظرون حتى ضربت صدر معاوية فاقلبته عن سريره على ام رأسه فصاح يا أمير المؤمنين حقا فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن أبي الحسن محمد بن يحيى الفارسي عن جعفر بن حباب عن محمد بن علي الآدمي عن الحسن بن محبوب عن مالك بن عطية عن ابي حمزة الثمالي عن ابي اسحاق القرشي قال دخلت المسجد الأعظم بالكوفة وإذا انا بشيخ أبيض الرأس واللحية يستمد بأعلى صوته ويبكي ودموعه


 

[ 127 ]

تسيل على خديه فقلت له: يا شيخ ما يبكيك ؟ فقال: انه أتى علي نيف ومائة سنة لم ار فيها عدلا ولا حقا ولا علما ظاهرا الا ساعة من الليل وساعة من النهار، فانا ابكي لذلك فقلت: وما تلك الساعة والليلة واليوم الذي رأيت فيه العدل ؟ قال: اني كنت رجلا من اليهود وكان لي ضيعة بناحية سور، وكان لنا جار في القرية من اهل الكوفة يقال له الأعور الهمداني وكان رجلا مصابا باحدى عينيه وكان خليطا وصديقا، وإني دخلت الكوفة يوما من الايام بطعام لي على أحمرة لي أريد بيعه فبينما أنا أسوق حميري وإذا بصوت في سبخة الكوفة وذلك بعد العشاء والآخرة فافتقدت حميري فكأن الأرض ابتلعتها أو السماء تناولتها أو كأن الجن اختطفتها فمررت يمينا وشمالا فلم اجدها فأتيت منزل الحارث الهمداني من ساعتي اشكو إليه ما أصابني فلما أخبرته قال: انطلق بنا إلى منزل أمير المؤمنين حتى أخبره فانطلقنا إليه وأخبره بالخبر، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) للحارث انطلق الى منزلك وخلني واليهودي فأنا ضامن له حميره وطعامه، حتى اردها إليه، فأخذ بيدي ومضى حتى أتينا الموضع الذي فقدت فيه حميري فوجه وجهه عني وتحركت شفتاه بكلام لا أفهمه ثم رفع رأسه فسمعته يقول: والله ما بايعتموني وعاهدتموني معاشر الجن إلا بالطاعة لي والاستماع لامري وأيم الله لئن لم تردوا على هذا اليهودي حميره وطعامه لأنقضن عهدكم ولأجاهدن فيكم حق الجهاد، قال: فوالله ما فرغ امير المؤمنين من كلامه حتى رأيت حميري وطعامي بين يدي فقال لي أمير المؤمنين إختر يا يهودي احدى الخصلتين إما أن تسوق حميرك وأنا أحرسها من ورائها وإما أن أسوقها أنا وأنت تحرسها، فقلت: أنا أسوقها وتقدم أنت يا أمير المؤمنين فتقدم وأتبعته الحمير حتى انتهى بها الى الرحبة فقال: يا يهودي أحط عنها وتحفظها أنت، أو تحط وأحفظها أنا حتى يصبح الصبح ؟ فإنه عليك بقية من الليل، فقلت له: يا مولاي أنا أقوى عليها بالحط، وأنت اقوى عليها بالحفظ فقال خلني وإياها ونم، حتى يطلع الفجر فليس عليك بأس فلما طلع الفجر نبهني، ثم قال لي: قد طلع الفجر فاحفظ عليك


 

[ 128 ]

طعامك وحميرك ولا تغفل عنها حتى اعود اليك فانطلق وصلى بالناس الصبح فلما طلعت الشمس أتاني، وقال افتح عن برك على بركة الله ففعلت ثم قال: اختر خصلة من خصلتين، إما تبيع واستوفي انا، وإما استوف أنت وابيع أنا، فقلت: انا اقوى على بيعها وأنت اقوى على استيفائها فبعت انا واستوفى لي الثمن، ودفعه إلي وقال: ألك حاجة ؟ فقلت: نعم أريد أدخل الى السوق في شراء حوائج فقال: امض حتى اعينك عليها، فانك ذمي فلم يزل معي حتى فرغت من حوائجي، ثم ودعني فقلت له عند الفراق: اشهد ان لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وإنك وصيه وخليفته على الجن والانس فجزاك الله عن الإسلام خيرا. ثم انطلقت الى قريتي واقمت بها شهورا ونحو ذلك، فاشتقت الى رؤية أمير المؤمنين من تلك الليلة فقدمت الكوفة فقيل لي قد قتل أمير المؤمنين (عليه السلام)، فاسترجعت وصليت صلاة كثيرة وقلت عند ذلك ذهب العلم، فكان هذا اول عدل رأيته تلك الليلة وآخر عدل رأيته في ذلك اليوم فما لي لا ابكي. فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن علي بن محمد الصيرفي قال: حدثني علي بن محمد بن عبد الله الخياط، قال: حدثني الحسين بن علي عن ابي حمزة البطائني وهو علي بن معمر عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: خرج أمير المؤمنين الى اصحابه فقال: يا قوم أرأيتم أن لا تذهب الايام والليالي حتى يجري ها هنا نهر تجري فيه السفن، فما انتم قائلون ؟ أفأنتم مصدقون فيما قلت أم لا ؟ قالوا يا أمير المؤمنين: ويكون هذا ؟ قال: والله كأنني انظر الى نهر في هذا الموضع يزخر فيه الماء وتجري فيه السفن يحرفه طاغوت ينسب إلينا وليس هو منا يكون على أهل هذه العترة اولا عذابا، ورحمة عليهم اخرا فلم تذهب الايام والليالي حتى حفر الخندق بالكوفة حفره المنصور فكان عذابا على اهلها اولا ورحمة عليهم آخرا، ثم


 

[ 129 ]

جرى فيه الماء والسفن وانتفع الناس به فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن الحسن عن أبي حمزة عن أبيه قال: حدثني مسعود المدائني، وحسين بن محمد بن فرقد جميعا عن فضل الرسول عن أبي جعفر (عليه السلام) ان أمير المؤمنين قال له أصحابه: لو أريتنا ما تطمئن به قلوبنا مما في يدك مما أنهى اليك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: لو أريتكم عجيبة من عجائبي لكفرتم، وقلتم: ساحر أو كاهن ولكان هذا من أحسن قولكم فقالوا: يا أمير المؤمنين ما منا أحد إلا وهو يعلم إنك ورثت علم رسول الله وصار إليك فقال: علم العالم صعب مستصعب، لا يحمله الا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، وأيده بروح منه، فإذا أبيتم إلا أن أريكم بعض عجائبي وما أتاني من العلم فاتبعوا اثري، إذا صليت العشاء الآخرة فلما صلى اخذ طريقه الى ظهر الكوفة واتبعوه وهم سبعون رجلا ممن كانوا عند انفسهم من خيار الناس وكانوا شيعة له له فقال: إني لست أريكم شيئا حتى آخذ عليكم عهد الله وميثاقه ألا تكفروني ولا ترموني بالمعطلات، والله ما اريكم الا بعض ما اعطيت من ميراث النبي المرسل والحجة علي وعليكم (صلوات الله عليه) فأخذ عليهم عهد الله وميثاقه ثم قال: حولوا وجوهكم حتى أدعو بما أريد فسمعوه جميعا يدعو بالدعوات التي يعرفونها ويعلمونها من أسماء الله، ثم قال حولوا وجوهكم فإذا هم بالقيامة قد قامت، والجنة والنار قد حضرت، وحشر جميعهم فما شكوا في القيامة وإنهم بعثوا وحشروا فقالوا يا أمير المؤمنين ما هذا فقال هكذا يوم القيامة فقال احسنهم قولا: ان هذا الا سحر عظيم، ورجعوا من فورهم كفارا الا رجلان فلما صار مع الرجلين، قال سمعتما مقالة اصحابكما واخذي عليهم العهود والمواثيق ورجوعهم يكفرونني اما والله انهم لفي حجتي، وهكذا كان اصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) يقولون: ساحر كاهن كذاب، وقد علمت قريش ما خلق الله


 

[ 130 ]

خلقا كان خيرا منه، وبالله الذي لا يحلف بأعظم منه وبرسوله ورسله وكتبه كلها إني لست ساحرا ولا كذابا، ولا يعرف هذا الا لي ولرسوله (صلى الله عليه وآله) انهاه الله الى رسوله، وانهاه رسوله الي، وانهيته اليكم فصدق رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكذبتموني وكذبتم رسله وننبئ عن الله، فإذا رددتم على رسول الله فقد رددتم على الله، ثم قال: وانتما راجعان معي وفي قلوبكما مرض وسيرجع احدكما كافرا قالا يا أمير المؤمنين نرجو ان لا نكفر بعد الايمان، قال: هيهات المؤمن قليل، كما قال الله (وما آمن معه إلا قليل) حتى إذا صار إلى مسجد الكوفة، ودعا بدعوات فسمعناها فإذا حصى المسجد درا وياقوتا ولؤلؤا، فقلنا: يا أمير المؤمنين هذا در وياقوت ولؤلؤ فقال لو أقسمت على الله فيما هو أعظم من هذا لابر قسمي، فرجع احدهما كافرا والآخر مثبتا، واخذ درة من ذلك الدر بيضاء لم ينظر مثلها وقال يا أمير المؤمنين قد اخذت من ذلك الدر درة واحدة وهي معي، قال فما دعاك الى هذا قال: أحببت اعلم احق هو أم باطل ؟ قال له أمير المؤمنين: إنك ان رددتها الى موضعها الذي اخذتها منه عوضك الله ان لم تردها عوضك منها النار، فقام الرجل فردها الى موضعها فتحولت حصاة كما كانت، فاخبره فقال أحسنت. وكان مما روى عمر ابن الحمق وابو الحارث الاعور وميثم التمار، فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن علي بن الحسين عن اسماعيل بن دينار، عن عمر بن ثابت، عن حبيب عن الحارث الاعور انه كان يوما مع امير المؤمنين (عليه السلام) في مجلس القضايا، إذ اقبلت امرأة مستعدية على زوجها فتكلمت بحجتها وتكلم زوجها بحجته، فأوجب بحجته القضاء عليها فغضبت غضبا شديدا ثم قالت: يا أمير المؤمنين حكمت علي بالجدر وما بهذا امرك الله، قال أمير المؤمنين: يا سلفع يا مهيع يا فردع بل حكمت عليك بالحق الذي تعلمينه فلما سمعت هذا الكلام قامت من بين يديه منسحبة ولم ترد


 

[ 131 ]

عليه جوابا فاتبعها عمر بن حريش، فقال لها: يا أمة الله لقد سمعت منك اليوم عجبا، سمعت أمير المؤمنين قد قال لك كلاما فقمت من بين يديه منهزمة وما رددت عليه حرفا، فاخبريني ما الذي قال لك حتى لم تقدري تردين عليه جوابا ؟ قالت: يا عبد الله لقد اخبرني بما لا يطلع عليه احد غيري، وانا ما قمت من بين يديه الا مخافة ان يخبرني بما هو اعظم مما رماني به فصبرت على واحدة كانت اجمل من صبر على واحدة بعدها. قال لها: فأخبريني ما الذي قال لك ؟ قالت له: يا عبد الله انه قال لي ما اكره ذكره وبعد فانه قبيح أن يعلم الرجل ما في النساء من العيوب، فقال: والله إلا تعرفيني ولا أعرفك ولعلك لا تريني ولا أراك بعد يومي هذا، فلما رأته قد ألح عليها أخبرته بما قال أمير المؤمنين (عليه السلام)، أما قوله لي: يا سلفع، والله ما كذب اي لا تحيض من حيث تحيض النساء، واما قوله: يا مهيع فإني والله امرأة صاحبة نساء وما أنا صاحبة رجال، وأما قوله: يا فردع أي إني لمخربة بيت زوجي، وما ابقي عليه شيئا، فقال: ويحك أو ما علمت بهذا انه ساحر، وكاهن ومجنون أخبرك بما فيك، وهذا علم كثير ؟ فقالت: هو والله غير ما قلت يا عدو الله انه ليس ذا ولكنه من أهل بيت الله ورسوله محمد (صلى الله عليه وآله) علمه إياه لأنه حجة الله على خلقه بعد النبي (عليهما السلام) فكانت أحسن قولا في أمير المؤمنين من عمر بن حريش (لعنه الله) وفارقته، واقبل عمر الى مجلسه، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا عمر بن حريش بم استحللت أن ترميني بما رميتني به ؟ وأيم الله لقد كانت المرأة أحسن قولا في منك ولأقفن انا وانت موقفا من الله فانظر كيف تخلص من الله ؟ فقال يا أمير المؤمنين أنا تائب الى الله واليك مما كان فاغفر لي يغفر الله لك، قال: والله لا غفرت لك هذا الذنب حتى اقف انا وانت بين يدي الله فكان هذا من دلائله (عليه السلام).


 

[ 132 ]

وعنه عن محمد بن علي الصيرفي عن علي بن محمد عن وهب بن حفص الجزائري عن بن حسان العجلي، عن فتوى ابنة رشيد الهجري، قال: قلت لها: اخبريني بما سمعت من ابيك، قالت سمعته يقول اخبرني أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: يا رشيد كيف صبرك إذا أرسل اليك دعي بني أمية فقطع يديك ورجليك ولسانك ؟ فقلت: يا أمير المؤمنين أليس خيرا من ذلك الجنة ؟ فقال: بلى يا رشيد أنت معي في الدنيا والآخرة، قالت فتوى فوالله ما ذهبت الايام والليالي حتى أرسل إليه عبيد الله بن زياد - لعنه الله - فدعاه الى البراءة من أمير المؤمنين (عليه السلام) فأبى أن يتبرأ منه، فقال له الدعي فبأي موتة قال لك تموت ؟ قال أخبرني أمير المؤمنين أنك تدعوني الى البراءة فلا أبرأ منه فتقطع يداي ورجلاي ولساني، فقال: والله لأكذبن قوله فيك فقطع يديه ورجليه وترك لسانه فقلت يا ابت هل أصابك ألم ؟ فقال: لا يا بنتي إلا كالزحام بين النساء والناس، فلما احتملناه من داره بالكوفة اجتمع الناس من حوله فقال: أئتوني بصحيفة ودواة وكتب الناس عنه وذهب اللعين فأخبره انه يحدث والناس يأخذون منه علم ما هو كائن الى يوم القيامة فارسل إليه عبيد الله بن زياد لعنه الله، فقطع لسانه في تلك الليلة. وكان أمير المؤمنين يقول له: انت رشيد البلايا، وكان قد ألقى إليه علم البلايا والمنايا في حياته، إذا لقي الرجل يقول يا فلان تموت ميتة كذا وكذا، وتقتل انت يا فلان قتلة كذا وكذا فيكون كما قال رشيد. وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: رشيد البلايا أي تقتل بهذه القتلة. فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن علي بن ياسين عن محمد بن علي الرازي عن علي بن محمد بن ميهوب عن يوسف ابن عمران قال: سمعت ميثم التمار يقول: دعاني أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: كيف أنت يا ميثم إذا دعاك


 

[ 133 ]

دعي بني أمية عبيد الله بن زياد - لعنه الله - الى براءة مني ؟ فقلت إذا والله لا أبرأ منك يا مولاي، قال: والله ليقتلنك ويصلبنك. قلت: إذا أصبر وذلك والله قليل في حبك قال: يا ميثم إذا تكون معي في درجتي. قال: وكان ميثم التمار يمر بعريف عبيد الله بن زياد فيقول له يا فلان كأني بك وقد دعاك دعي بني امية وابن دعيها يطلبني منك فتقول هو بمكة، فيقول ما أدري ما تقول، ولا بد لك أن تأتي به فتخرج الى القادسية فتقيم بها أياما، فإذا قدمت إليك ذهبت بي إليه حتى يقتلني وأصلب على باب دار عمرو بن حريث فإذا كان اليوم الرابع ابتدر من منخري دم عبيط. وكان ميثم يمر ينخلة في السبخة فيضرب بيده عليها فيقول: يا نخلة ما غرست إلا لي ولا خلقت الا لك، وكان يمر بعمرو بن حريث فيقول يا عمر إذا جاورتك فأحسن مجاورتي، وكان عمرو يروي عنه ويظن أنه يشتري دارا أو ضيعة ويجاوره لذلك فيقول: ليتك قد فعلت ذلك. ثم خرج ميثم الى مكة فأرسل الطاغوت عبيد الله بن زياد لعنه الله عريف ميثم يطلبه منه فأخبره انه بمكة، فقال: لئن لم تأتني به لأقتلنك فأجله اجلا، وخرج العريف الى القادسية ينظر ميثم فلما قدم ميثم اخذ بيده فاتى به الى ابن زياد (لعنه الله) فلما ادخله علي، قال: يا ميثم قال: نعم، قال: تبرأ من أبي تراب، قال: لا اعرف أنا ابا تراب، قال: تبرأ من علي بن أبي طالب قال: فإن لم أفعل ؟ قال: إذا والله اقتلك، قال: وايم الله انه قد كان يقول لي انك تقتلني وتصلبني على باب دار عمرو بن حريث فإذا كان اليوم الرابع ابتدر من منخري دم عبيط، فأمر ابن زياد (لعنه الله) بصلبه على باب دار عمرو بن حريث، فقال للناس: اسألوني وهو مصلوب قبل أن أقتل فوالله لأخبرنكم بعلم ما كان وما يكون الى يوم القيامة وبما يكون من الفتن، فلما سأله الناس حدثهم حديثا واحدا


 

[ 134 ]

فأتى رسول من قبل عبيد الله بن زياد (لعنه الله) فألجمه بلجام شريط من نحاس، فهو أول من ألجم بلجام وهو مصلوب حيا فمنعه الكلام فأقبل يشير الى الناس بيده ويوحي بعينه وحاجبيه ففهم اكثرهم ما يقوله فامر عبيد الله بن زياد (لعنه الله) بقتله وهو مصلوب على جذع تلك النخلة التي كان يخاطبها إذا مر بها في سبخة الكوفة وكان في جوار عمرو بن حريث فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن محمد بن علي الرازي عن علي بن محمد بن ميمون الخراساني عن علي بن ابي حمزة عن عاصم الخياط عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: لما اراد امير المؤمنين (عليه السلام) ان يسير الى الخوارج الى النهروان، واستنفر اهل الكوفة وامرهم ان يعسكروا بالمدائن فتخلف عنه شبت بن ربعي والأشعث بن قيس الكندي، وجرير بن عبد الله النخعي، وعمر بن حريش، وقالوا، يا أمير المؤمنين إئذن لنا أياما حتى نقضي حوائجنا ونصنع ما نريد، ثم نلحق بك فقال لهم: خدعتموني بشغلكم، سوءا لكم من مشائخ، والله ما كان لكم من حاجة تتخلفون عليها ولكنكم تتخذون سفرة وتخرجون الى البرية، وتجلسون تنتظرون متنكبون عن الجادة، وتبنطون سفرتكم بين ايديكم وتأكلون من طعامكم، ويمر بكم ضب، فتأمرون غلمانكم، فيصطادونه لكم ويأتونكم به فتخلعون انفسكم عن مبايعتي، وتبايعون الضب وتجعلونه امامكم دوني، واعلموا اني سمعت اخي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: ما في الدنيا أقبح وجها منكم لانكم تجعلون اخا رسول الله امامكم وتنقضون عهده الذي يأخذه عليكم وتبايعون ضبا وسوف تحشرون يوم القيامة وامامكم ضب، وهو كما قال الله تعالى: (يوم ندعو كل اناس بامامهم) قالوا: والله يا أمير المؤمنين ما نريد الا ان نقضي حوائجنا ونلحق بك ونوفي بعهدك، وهو يقول: عليكم الدمار وسوء الديار والله ما يكون الا ما قلت لكم وما قلت لكم الا الحق.


 

[ 135 ]

ومضى أمير المؤمنين حتى إذا صار بالمدائن وخرج القوم الى الخندق وذهبوا ومعهم سفرة وبسطوا في الموضع وجلسوا يشربون الخمر فمر بهم ضب فامروا غلمانهم فصادوه لهم وأتوهم به فخلعوا امير المؤمنين وبايعوا الضب وبسطوا يده، وقالوا له: أنت والله إمامنا ما بيعتنا لك ولعلي بن ابي طالب الا واحدة، وإنك لاحب إلينا منه، فكان ما قال أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكانوا كما قال الله عز وجل (بئس للظالمين بدلا) ثم لحقوا به فقال لهم لما وردوا عليه: فعلتم يا اعداء الله واعداء رسوله وأمير المؤمنين ما اخبرتكم به، فقالوا: يا أمير المؤمنين ما فعلنا، فقال: والله ان بيعتكم مع امامكم، قالوا قد افلحنا إذ بايعنا الله معك، قال: وكيف تكونون معي، وقد خلعتموني وبايعتم الضب ؟ والله لكأني انظر إليكم يوم القيامة والضب يسوقكم الى النار، فحلفوا بالله إنا ما فعلنا، ولا خلعناك ولا بايعنا الضب فلما رأوه كذبهم ولم يقبل منهم، فأقروا له وقالوا اغفر لنا ذنوبنا قال لهم والله لاغفرت لكم ذنوبكم واخترتم مسخا مسخه الله، وجعله آية للعالمين، فكذبتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد حدثني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: ويل لمن كان رسول الله خصمه وفاطمة بنت محمد (عليها السلام). ولما قتل الحسين (عليه السلام) كان شبث بن ربعي وعمرو بن حريث ومحمد بن الأشعث فيمن سار إليه من الكوفة وقاتلوا بكربلاء فقتلوه فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن عبد الله بن زيد الطبرستاني عن محمد بن علي عن الحسين بن علي بن ابي حمزة عن أبي بصير عن ابي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: لما انقضت الهدنة التي كانت بين امير المؤمنين (عليه السلام) وبين معاوية (لعنه الله) أمر أمير المؤمنين بالنداء بالكوفة وبالبصرة وهما العراقان: انكم معاشر شيعتنا طالبتمونا بالمراجعة عن قتال معاوية والهدنة التي كنتم سببها وأعوان معاوية عليها انقضت ولم يمكن نقض العهد الى أن ينقضي


 

[ 136 ]

الأجل، وعهد الهدنة، وها انا مطيعكم في المسير إليه فانهضوا بنيات صحيحة وقلوب مطمئنة، ووفاء لله ولرسوله عليكم طائعين لا مكرهين فاجتمع من شيعة الكوفة والبصرة زهاء ثلاثين ألفا محققون سوى من لحق بالعسكر، فلما برزوا وصاروا بالنخيلة وساروا الى القطقطانيات ورد عليه كتاب من عامله بالنهروان أن أربعة آلاف رجل من الخوارج حكموا بالنهروان ورفعوا راياتهم وأشهروا اسلحتهم وردوا بالمعبرة فأخرجوا عبد الله بن خباب من الحكم، وأتوا إليه وكبروا وقالوا الحمد لله الذي اظفرنا بك أيها الخائن الكافر بكفر علي بن أبي طالب، والمقيم معه على ردته، والله لنقتلنك وزوجتك تقربا الى الله بدمائكم، وأتوا بخنزير فذبحوه على شط النهروان وذبحوا عبد الله بن خباب فوقه، وقالوا: والله ما ذبحنا لك ولهذا الخنزير الا واحدا. وكان عبد الله بن خباب من اعبد شيعة أمير المؤمنين وافضلهم وأخيرهم، وذبحوا زوجته وطفله فوقه، وقالوا: هذا فعلنا بشيعة علي وانصاره نقتلهم ولا نبقي منهم احدا. فقرأ أمير المؤمنين الكتاب وبكى رحمة لعبد الله وزوجته وطفله وقال: آه يا عبد الله لئن فجع الله بك الدين لقد صرت وزوجتك وطفلك الى جنات رب العالمين، وسمع من في العسكر ما ورد عليه وصاح الناس من العسكر: فماذا ترى يا أمير المؤمنين ؟ قال: اعتدوا بنا الى هؤلاء المارقين، فهذا وأيم الله أرى بوارهم ولحوقهم بالنار. فرجع الى النهروان حتى نزل بالقرب من القنطرة وكان في أصحابه رجل يقال له جندب الازدي قد داخله شك في أمير المؤمنين (عليه السلام) فلحق بالخوارج (لعنهم الله)، فقال له أمير المؤمنين: الزمني وكن معي حيث كنت، وحقق أمير المؤمنين فحققه الى أن زالت الشمس، فأتاه قنبر فقال له يا أمير المؤمنين: الصلاة يرحمك الله، فقال له: ائتني بماء


 

[ 137 ]

فأتاه فأسبغ وضوءه وصلى فأتاه فارس يركض، فقال له: يا أمير المؤمنين قد عبر القوم القنطرة فقال له (عليه السلام): انهم ما عبروها، فقال: والله لقد عبروها، فقال: والله لقد كذبت ما عبروها ولن يعبروها ولا يقتلون منا الا تسعة ولا يبقى منهم الا تسعة. قال جندب الازدي الله اكبر هذه دلالة قد اعطاني إياها فيهم فاتاه فارس آخر يركض فرسه فقال يا أمير المؤمنين: عبروا القنطرة فقال: والله لقد كذبت ما عبروها ولا يعبرونها، ولا يبقى منهم الا تسعة ولا يفقد منا الا تسعة. قال جندب: الحمد لله وهذه دلالة اخرى، فاتاه فارس آخر فقال: يا أمير المؤمنين قد اراد القوم ان يعبروها وما عبروها، قال: صدقت. وكان لجندب فرس جواد فقال: والله لا سبقني احد ولا تقدمني فيهم برمح وضرب فيهم بسيف، وخرج امير المؤمنين (عليه السلام) من العسكر وفي رجليه نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) المخصوف، وعلى منكبيه ملاءة وعن يمينه عبد الله بن العباس، وعن يساره أبو ايوب خالد بن زيد الانصاري، يمشي نحو الخوارج فوثب اصحابه عليه من معسكره بالسلاح وقاموا بين يديه وقالوا: يا أمير المؤمنين تخرج إلى اعداء الله واعداء رسوله واعدائك، حاسرا بغير سلاح، وهم مقنعون بالحديد يريدون نفسك لا غيرها ؟ فقال: ارجعوا رحمكم الله فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لا يكون الا ما يريد الله عز وجل. فلما دنا منهم واشرف على القنطرة التي كانت من ورائها الواقعة هاجوا نحوه فصاح بهم: معاشر الخوارج اني جئتكم لأقدم الاعذار والانذار اليكم وأسألكم ما تريدون وما تطلبون وتسمعون ما اقول واسمع ما تقولون، فاخزى الله الظالمين فزجرهم. ثم قال ويلكم ايها الخوارج انا اعلم ما تقولون ولا تعلمون ما اقول،


 

[ 138 ]

فاخفضوا من اصواتكم وصلصلتكم وضجيجكم وليبرز إلي ذو الحكم والرأي منكم، فيفهم عني وافهم عنه فهدوا وبرز إليه ذو الرأي منهم، فقال امير المؤمنين (عليه السلام): يا معاشر الخوارج ما الذي أحكم بينكم ان مرقتم من دين الله كما يمرق السهم من الرمية ؟ وماذا انكرتم علي ؟ وعلى هذا الأمر الذي تطلبونه بالقتال ان ادفعه اليكم بغير قتال تقبلونه، وتقومون حتى لا تعطل شريعة الله ولا رسوله (صلى الله عليه وآله) ولا تطيش مسلمة في حكم الله، ولا يقولوا على الله الا الحق. فقالوا: لا. فقال واعجباه لقوم يطلبون امرا بقتال ادفع إليهم بغير قتال لم يقبلوه، قالوا: وكيف نقبله ونحن نريد قتلكم ؟ قال: اخبروني ما الذي اردتم للقتال بغير سؤال ولا جواب، فقالوا: انكرنا اشياء يحل لنا قتلك بواحدة منها. فقال لهم (عليه السلام): فاذكروها فقالوا: اولها: انك كنت اخا رسول الله ووصيه، والخليفة من بعده، وقاضي دينه، ومنجز عداته، واخذ لك رسول الله البيعة في أربع مواطن على المسلمين: في يوم الدار، وفي بيعة الرضوان، وتحت الشجرة، في بيت ام سلمة، وفي يوم غدير خم، وسماك امير المؤمنين فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) تشاغلت بوفاته، وتركت قريشا والمهاجرين وانصار يتداولون الخلافة، والمهاجرون يقولون: الخلافة لمن استخلفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخذ له البيعة منها، وسماه أمير المؤمنين، وهو علي بن ابي طالب وقريش تقول لهم لا نرضى ولا نعلم ما تقولون، فقال لهم الانصار: إذا منع علي حقه فنحن وأنتم أحق بها فتعالوا ننصب منا اميرا ومنكم اميرا فجاءت قريش فقامت قسامة اربعون شاهدا يشهدون على رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الأئمة من قريش فاطيعوهم ما اطاعوا الله، فان


 

[ 139 ]

عصوه فالحوهم لحي هذا القضيب، ورمى القضيب من يده، وكانت هذه اول قسامة، اقسمت بهتانا وزورا وأشهرت في الإسلام فاجتمع الناس في سقيفة بني ساعدة وعقدوا الامر باختيارهم لأبي بكر ودعوك الى بيعته، فخرجت مكرها مسحوبا بعد ان هيأت يقيم لك فيها عذرا، وتقول للناس: انك مشغول بجمع رسول الله وأهل بيته وذريته وتعزيتهن وتأليف القرآن، وما كان لك في ذلك عذر فلما تركت ما جعله الله ورسوله لك واخرجت نفسك منه اخرناك نحن أيضا وشككنا بك. قال: هيه، وماذا تنكرون ؟ قالوا: والثانية انك حكمت يوم الجمل فيهم بحكم خالفته بصفين، قلت لنا يوم الجمل: لا تقاتلوهم مولين ولا مدبرين، ولا نياما ولا ايقاظا، ولا تجهزوا على جريح، ومن ألقى سلاحه فهو كمن أغلق بابه فلا سبيل عليه، وأحللت لنا في محاربتك لمعاوية سبي الكراع واخذ السلاح وسبي الذراري فما العلة فيما اختلفوا فيه الى ان هذا حلال وهذا حرام ؟ قال: هيه، ثم ماذا انكرتم ؟ قالوا: والثالثة انك الامام والحاكم والوصي والخليفة وانك اجبتنا الى أن حكمنا دونك في دين الله الرجال فكان ينبغي لك ان لا تفعل ولا تجيبنا الى ذلك وتقاتلنا بنفسك ونطيعك، أو تقتل ولا تجيبهم عند رفع المصاحف الى ان يحكم في دين الله عز وجل الرجال وانت الحاكم. قال: هيه، ثم ماذا ؟ قالوا: والرابعة انك كتبت كتابا الى معاوية تقول فيه بسم الله الرحمن الرحيم من أمير المؤمنين الى معاوية بن صخر، فرد الكتاب اليك وكتب فيه يقول: إني لو اقررت انك امير المؤمنين وقاتلتك فأكون قد ظلمتك، بل


 

[ 140 ]

اكتب باسمك واسم ابيك فكتبت إليه: بسم الله الرحمن الرحيم من علي بن ابي طالب الى معاوية بن صخر، فلما اجبت معاوية الى اخراج نفسك من امرة المؤمنين كنا نحن في اخراجكم، عن الآمرية اولى. قال: هيه ثم ماذا ؟ قالوا: والخامسة انك قلت: هذا كتاب الله فاحكموا به واتلوه من فاتحته الى خاتمته فان وجدتم معاوية اثبت مني فاثبتوه وان وجدتموني اثبت منه فاثبتوني فشككت في نفسك فنحن فيك اعظم شكا. قال لهم: بقي لكم شئ تقولونه ؟ قالوا: لا. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في الجواب: 1 - أما ما ذكرتم وأقررتم مني من الأمر فيما اخذه الله لي ورسوله على المسلمين من البيعة في اربعة مواطن الى ان تشاغلت فيما ذكرتموه وفعلتم وفعلت قريش والمهاجرون والانصار ما فعلوا الى ان عقدوا الأمر لأبي بكر، فما تقولون معاشر الخوارج هل توجبون على آدم إذا امر الله بالسجود له فعصى الله ابليس وخالفه ولم يسجد لآدم ان يدعو ابليس الى السجود له ثانية، فقالوا: لا، قال: ولم ؟ قالوا: لأن الله أمر ابليس بالسجود فعصى الله وخالفه ولم يفعل فلم يجب لآدم ان يدعوه بعدها. قال: فهذا بيت الله الحرام أرأيتم ان امر الله الناس بالحج من استطاع إليه سبيلا فان ترك الناس الحج ولم يحجوا للبيت كفر البيت أو كفر الناس بتركهم ما فرض الله عليهم من الحج إليه ؟ قالوا: بل كفر الناس، قال: ويحكم معاشر الخوارج أتعذرون آدم وتقولون لا يجب عليه ان يدعو ابليس الى السجود له بعد أن أمر الله بذلك فعصى، وخالف، ولم يفعل وانما امره مرة واحدة ولا تعذرونني وتقولون: كان يجب عليك ان تدعو الناس الى البيعة وقد أقررتم ان المسلمين سموني بأمير المؤمنين ورسول الله (صلى


 

[ 141 ]

الله عليه وآله) اخذ لي البيعة عليهم في اربعة مواطن، وهذا بيت الله فريضة، والإمام فريضة، كسائر الفرائض التي تؤتى ولا تأتي فتعذرون البيت وتعذرون آدم (عليه السلام)، ولا تعذرونني ؟ فقال الخوارج: صدقت وكذبنا، والحق والحجة معك. ثم قال: 2 - وأما في يوم الجمل بما خالفته في صفين فإن أهل الجمل اخذوا عليهم بيعتي فنكثوا وخرجوا عن حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى البصرة ولا إمام لهم ولا دار حرب تجمعهم، وإنما خرجوا مع عائشة زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله) معهم لإكراهها لبيعتي وقد أخبرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأن خروجها خروج بغي وعدوان من أجل قوله عز وجل: (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين) وما من ازواج النبي واحدة اتت بفاحشة غيرها فإن فاحشتها كانت عظيمة، أولها خلاف لله فيما أمرها في قوله: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى) فأي تبرج أعظم من خروجها وطلحة والزبير وخمسة وعشرين ألفا من المسلمين الى الحج، والله ما ارادوا حجا ولا عمرة، ومسيرها من مكة الى البصرة واشعالها حربا قتل فيه طلحة والزبير وخمسة وعشرون الفا من المسلمين، وقد علمتم ان الله جل ذكره يقول: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما) فقلت لكم عندما اظهرنا الله عليهم ما قلته لكم لأنه لم يكن لهم دار حرب تجمعهم ولا امام يداوي جراحهم، ولا يعيدهم الى قتالهم مرة اخرى، ولو كنت احللت لكم سبي الذراري ايكم كان يأخذ عائشة زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سهمه ؟ فقالوا: صدقت والله في جوابك وأصبت وأخطأنا، والحق والحجة لك.


 

[ 142 ]

فقال لهم: 3 - وأما قولكم: اجبتكم عند رفع المصاحف الى ان حكمتم في دين الله الرجال وكنت الحاكم، فماذا تقولون ايها الخوارج في ألف رجل من المسلمين قاتلهم ألفا رجل من المشركين فولوهم الأدبار فما هم ؟ قالوا كفار بالله لأن المسلمين ألف رجل على التمام، والمشركون ألفا رجل لا يزيدون، وقد قال الله تعالى: (وان يكن منكم ألف يغلبوا الفين) فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام): فان نقص من عدد الألف رجل من المسلمين، والكفار على التمام ما هم عندكم ؟ قالوا المسلمون معذورون في ذلك، فضحك امير المؤمنين حتى بدت نواجذه ثم قال: يحكم يا معاشر الخوارج تعذرون تسعمائة وتسعة وتسعين رجلا في قتال ألفي رجل، ولا تعذرونني، وقد التقاني رجال ابن هند في مائة وعشرين الفا ما جمع حكم حاكم، وقد دعوناهم الى كتاب الله فقالوا: دعنا نحكم عليك من نشاء، والا اخرجنا انفسنا من الفريقين وأبطلنا الحكمين وارتدونا عن الدين وقعدنا عن نصرة المسلمين، فقال لي عبد الله بن العباس: حكم من هو منك وأنت منه فقلت لكم: اختاروا من شئتم من بني هاشم، فقلتم: لا يحكم فينا مضري ولا هاشمي، فاعرضتم عن المهاجرين والانصار وأظهرتم مخالفتكم لي، وكتبتم الى عبد الله بن قيس، وقد قعد عن نصرتنا وهو فدم حمار فحكمتموه وانا انصح لكم، وأقول لكم اتقوا الله ولا تحكموا علي احدا. واني الحاكم عليكم، واخبرتكم انها خديعة من معاوية، فقلتم أسكت والا قتلناك وسلمنا هذا الأمر الى عبد اسود وجعلناها بردة عن الإسلام، فمن هو أولى بالعذر ؟ فقالوا: أنت فوالله لقد أصبت وصدقت وأخطأنا والحق معك والحجة لك. قال لهم: 4 - وأما قولكم اني كتبت كتابا الى معاوية بن صخر فيه بسم الله


 

[ 143 ]

الرحمن الرحيم من علي امير المؤمنين الى معاوية بن صخر فأيكم يا معاشر الخوارج شهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزاة الحديبية وقد امرني ان اكتب بين يديه كتابا الى صخر بن حرب بإملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين) فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله الى صخر بن حرب بن امية الى آخر الكتاب فأجابوه، وقالوا: نعم حضرنا ذلك الكتاب وانت تكتبه لأبي سفيان صخر بن حرب، قال أليس علمتم ان صخر بن حرب رده الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكتب إليه: اما الرحمن الرحيم فاسمان نعرفهما بالتوراة والانجيل، واما انت يا محمد فانا لو أقررنا أنك رسول الله وقاتلناك فقد ظلمناك فاكتب باسمك واسم ابيك حتى نجيبك فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي اكتب بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله الى صخر بن حرب، ثم قال لمن حوله، ان محوت اسمي ليرد علي الجواب فاسمي لا يمحى في السماء ولا في الأرض، ولا في الدنيا ولا في الآخرة، وانما اراد صخر بن حرب ان لا يجيب عن الكتاب وكتب رسول الله (صلى الله عليه وآله الطاهرين) الى الآباء وكتبت انا الى الابناء تأسيا برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة) قالوا: صدقت وأصبت وأخطأنا والحق والحجة لك. قال لهم: 5 - واما قولكم: اني قلت هذا كتاب الله فاحكموا به اتلوه من فاتحته إلى خاتمته، فإن وجدتموني اثبت بكتاب الله من معاوية فاثبتوني وان وجدتم معاوية اثبت مني فاثبتوه فوالله يا معاشر الخوارج ما قلت لكم هذا الا بعد ان تيقنت ان الرين استولى على قلوبكم والشيطان قد استحوذ عليكم وانكم قد نسيتم الله ورسوله، ونسيتم حقي وخلا بعضكم الى بعض، وقلتم ما لنا الا ان ننظر في كتاب الله في علي ومعاوية، فمن قرب الى


 

[ 144 ]

الحق كان اولى به وكنا معه فوالله يا معاشر الخوارج، ان لم يكن في كتاب الله عز وجل الا قوله: (قل لا اسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى) وقد علمتم انه لم يكن اقرب الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مني ومن ابنته فاطمة ومن ابني الحسن والحسين، لكان هذا حسبي بهذه الآية فضلا عند الله ورسوله في كتاب الله عز وجل في ان لم أسألكم اجرا على ما هداكم الله وانقذكم من شفا حفرة من النار، وجعلكم خير أمة، وجعل الشفاعة والحوض لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فيكم الا مودتنا لكان في ذلك فضل عظيم، هذا وقد علمتم ان الله تبارك وتعالى قد انزل في حقي (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) وما احد من المؤمنين زكى في ركوعه غيري فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) جاءني بخاتم انزله جبريل (عليه السلام) من الله عز وجل ولم يصغه صائغ عليه ياقوتة مكتوب عليها (لله الملك) فتختمت به وخرجت الى مسجد رسول الله فصليت ركعتين شكرا لله على تلك الموهبة فأتاني آت من عند الله فسلم علي في الصلاة في الركعة الثانية وقال: هل من زكاة يا رسول الله توصلها الي يشكرها الله لك ويجازيك عنها فوهبت ذلك الخاتم له وما كان في الدنيا احب الي من ذلك الخاتم والناس ينظرون واتممت صلاتي وجلست اسبح الله واحمده واشكره حتى دخلنا الى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فضمني إليه وقبلني على بلجة وجهي، وقال: هنأك الله يا ابا الحسن وهنأني كرامة لي فيك وعيناه تهملان بالدموع، ثم قرأ هذه الآية وما يليها وقال لهم ولي آية الخمس في كتاب الله على سائر المسلمين، وهي قول الله عز وجل: (واعلموا انما غنمتم من شئ فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) وقد علمتم ان الله (لن ينال لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) فما هو الله من خمس الغنائم الى من يرد ؟ قالوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال فما هو لله وللرسول


 

[ 145 ]

إذا قبض الرسول الى من يرد ؟ قالوا الى اولي القربى من الرسول واليتامى والمساكين وابن السبيل قال: واليتيم إذا بلغ اشده والمساكين إذا استغنوا وابن السبيل إذا لم يحتج، الى من يرد مالهم ؟ قالوا الى ذوي القربى من الرسول، قال: فقد علمتم معاشر الخوارج أن ما غنمتم من غنيمة من جهاد أو في احتراف أو في مكسب أو مقرض الخياط أو من غنم يكسب فهو لي، والحكم لي فيه وليس لأحد من المسلمين علي حق، وانا شريك كل من آمن بالله ورسوله في كل ما اكتسبه فان وفاني حق الله الذي فرضه الله عليه كان متمثلا لأمر الله وما انزله على رسوله ومن بخسني حقي كانت ظلامتي عنده الى ان يحكم الله لي وهو خير الحاكمين. قالوا: صدقت وبررت واصبت واخطأنا والحق والحجة لك. قال هذا هو الجواب عن آخر سؤالكم قالوا: صدقت، وانحرفت إليه طائفة كانت استجابت الا الأربعة آلاف الذين مرقوا، فقالوا: يا أمير المؤمنين نقاتلهم معك فقال: لا، قفوا لا معنا ولا علينا، وانظروا الى نفوذ حكم الله فيهم. ثم صاح بهم ثلاثا، فسمع جميعهم: هل أنتم منيبون ؟ هل أنتم راجعون ؟ فقالوا بأجمعهم: عن قتالك، لا. فقال لأصحابه: والله لولا أني اكره ان تتركوا العمل وتتكلوا علي بالفضل لمن قاتل لما قاتل هؤلاء غيري، وكان لي من الله الفضل عنده في الدنيا والآخرة فشدوا عليهم فإني شاد فكانوا كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف أو كيوم قال لهم الله موتوا فماتوا. فلما أخذوا قال أمير المؤمنين (عليه السلام) من قتل منكم ؟ فلن يقتل الا تسعة، ولم يسلم منهم الا تسعة، فقدوا من قتل منهم ونجا فلم ينج الا تسعة، وعدوا اصحاب امير المؤمنين المقتولين فوجدوهم تسعة.


 

[ 146 ]

قال: وفالق الحبة وبارئ النسمة ما كذبت ولا كذبت ولا ضللت ولا أضللت وإني على بينة من ربي، بينها لنبيه (صلى الله عليه وآله) فبينها نبيه لي. ثم قال لهم: هل وجدتم ذا الثدية في القتلى ؟ قالوا: لا، قال: أئتوني بالبغلة، فقدمت إليه بغلة رسول الله الدلدل، فركبها وسار في مصارعهم، فوقفت به البغلة وهمهمت وهزت ذنبها فتبسم امير المؤمنين (عليه السلام)، وقال: ويحكم هذه البغلة تخبرني ان ذا الثدية حرقوصا (لعنه الله) تحت هؤلاء القتلى فابحثوا عليه فإذا هو في ركن قد دفن نفسه تحت القتلى فاخرجوه وكشفوا عن اثوابه فإذا هو في صورة عظيمة حول حلمته شعرات كشوك الشيهم، والشيهم ذكر القنافذ، قال: مدوا حلمته فمدوها فبلغت اطراف أنامل رجليه، ثم اطلقوها فصارت في صدره، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): الحمد لله يا عدو الله الذي قتلك، وعجل بك، وبأصحابك الى النار، فقتلوه لعنه الله، وهو جد أحمد بن حنبل لعنه الله. وقد كانت الخوارج خرجوا إليه قبل ذلك بحروراء في جانب الكوفة وهو غربي الفرات في اثني عشر ألف رجل فأتاه الخبر فخرج إليهم في جملة الناس وعليه ملاءة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومعه بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له الناس: يا أمير المؤمنين تخرج إليهم في جملة الناس في ملاءة، والقوم شاكون سلاحهم ؟ فقال: انه ليس هو يوم قتالهم، ولكنهم يخرجون علي في قتال النهروان أربعة آلاف رجل يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فلما برزوا قال لهم: إرضوا بمائة منكم ثم قال، للعشرة: إرضوا برجل منكم، وقال للرجل: ليس هذا يوم أوان قتالهم، سيفرقون حتى يصيروا أربعة آلاف، ويخرجون علي في قابل مثل هذا الشهر، وفي مثل هذا اليوم فاخرج إليكم فاقتلكم حتى لا يبقى الا تسعة نفر والذي فلق الحبة وبرأ النسمة هكذا أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) فافترقوا حتى صاروا اربعة آلاف


 

[ 147 ]

رجل يتبرأ بعضهم من بعض كما اخبرهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وقتلهم فلم يبق منهم إلا تسعة نفر فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن أبي العباس عن غياث بن يونس الديلمي عن محمد بن علي عن علي بن محمد عن الحسن بن علي عن ابي مسعود العلاف عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: خطب أمير المؤمنين بالكوفة فبينما هو على المنبر إذ أقبلت عليه حية كالخابوط العظيم سوداء مظلمة حمراء العينين محددة الأنياب، حتى دخلت باب المسجد ففزع الناس منها واضطربت فقطع أمير المؤمنين (عليه السلام) الخطبة، وقال لهم: أفرجوا فإنها رسول قوم يقال لهم بنو عامر، فجاءت الحية حتى صعدت المنبر ووصلت الى أمير المؤمنين (عليه السلام) ووضعت فاها على أذنه والناس ينظرون إليها، وانها تساره اسرارا وتنقنق كتنقنق الطير، ثم كلمها بكلام يشبه نقيقها، ثم ولت الحية خارجة من حيث دخلت ونزل أمير المؤمنين عن المنبر فقالوا له: ماذا أرادت الحية يا أمير المؤمنين ؟ وما حالها ؟ فقال: هذه الحية رسول قوم من الجن، يقال لهم بنو عامر أخبرتني أنه وقع بينهم وبين قوم يقال لهم بنو عنترة شر وقتال فبعثوا إلي هذه الحية يسألوني الإصلاح بينهم فوعدتهم بذلك وأنا آتيهم الليلة. قالوا: يا أمير المؤمنين إئذن لنا ان نخرج معك، قال: أنا لا اكره ذلك فلما صلى بهم العشاء الآخرة انطلق والناس حوله حتى أتى بهم ظهر الكوفة في غربيها فخط عليهم خطة ثم قال لهم: إياكم ان تخرجوا من هذه الخطة فقعدوا في الخطة وهم ينظرون إليه وقد نصب منبر فصعد عليه ثم خطب خطبة لم يسمع الأولون بمثلها ثم لم يبرح حتى اصلح بينهم واقتدى بعضهم ببعض، وأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى اصحابه وهم ينظرون إلى الجن حوله يمينا وشمالا فقالوا: يا أمير المؤمنين رأينا عجبا في المشاهدة، قال: رأيتموهم ؟ قالوا: نعم، قال: فصفوهم لي، قالوا: هم أقوام شبر بالطول شبية بالزط، قال: صدقتم فقد رأيتموهم


 

[ 148 ]

حقا انهم بعثوا يستغيثوني فأغثتهم، وكان بينهم دماءا فخافوا ان يتفانوا فاصلحت بينهم وقربت بعضهم من بعض فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن جعفر بن مالك عن موسى بن زيد الجلاب، عن محمد بن علي عن علي بن محمد عن سيف بن عميرة عن اسحاق بن عمار عن حمزة الثمالي عن ميثم التمار النهرواني عن الاصبغ بن نباتة الطائي قال: خرجنا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يريد صفين فلما انتهى الى كربلا وقف بها وقال: ها هنا يقتل ابني الحسين وثمان رجال معه من اولاد عبد المطلب وثلاثة وخمسون من انصاره، ثم سار مغربا وعدل عن الجادة بشاطئ الفرات قاصدا فلما توسطنا البر وكان يوم قيظ شديد الحر، وكان الماء في العسكر يسيرا إلا إنا كنا على جادة الفرات فلم تزوده بقدر الماء الذي كان معنا وعطش أهل العسكر حتى تقطع الناس عطشا وشكوا الى امير المؤمنين (عليه السلام) فبينما نحن نسير فإذا بقائم من حديد شاهق عال في رأسه راهب، فقصد إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) فصاح يا راهب هل بقربك ماء فأشرف الراهب من رأس القائمة، فقال: وأين لنا بالماء إلا على حد فرسخين ؟ كيف يكون الماء في هذه القفرة البيداء ؟ فعدل أمير المؤمنين إلى قاع رضراض وحصى رمل فوقف هنيهة ثم اشار الى العسكر أن ينزلوا فنزل اكثر الناس فقال لهم: ها هنا ماء فابحثوا، فتلقوا صخرة على عين ماء ابيض زلال اشد بياضا من اللبن واحلى من الشهد فكبر الناس، وبحثوا في القاع حتى قلعوا كثبانا من ذلك الرمل والحصى وظهرت لنا صخرة بيضاء فقال لنا: دونكم أياها، فاقتلعوها فبحثنا عليها فصعبت وامتنعت منا فقال: ارموها باجمعكم فانكم لا تشربون الماء ولا تروون زلالا إن لم تقلعوها، وكنا في العسكر ستين الف رجل وتبع كثير، ولم تبق كف منا الا رامت قلع تلك الصخرة فلم نقدر نقلعها، فقلنا يا أمير المؤمنين قد بلوتنا بها فوجدنا ضعفنا فأدركنا بفضلك علينا، فدنا منها وجرد


 

[ 149 ]

ذراعه ومديده الى السماء وتكلم بكلمات مستقبل القبلة فسمعناه يقول كلاما من الانجيل: طاب طاب الماء، والعلم طيبوثا، واليوح اسمينا، والحايوثا، وإذا يكونا، ثم اهوى بيده المباركة اليمنى إلى الصخرة واقتلعها كالكرة إذا انضربت من اللعب فكبر الناس وظهر الماء على وجه الأرض من تلك العين أبيض زلال لم ير مثله في ماء الدنيا فشربنا وروينا وتزودنا والراهب مشرف في رأس القائمة، فلما استقينا اخذ الصخرة بيده المباركة فردها على تلك العين فكأنما لم تزل ورددنا كلما بحثناه من الرمل وسرنا فلم نبعد، حتى قال لنا: ليرجع بعضكم فلينظر هل لموضع الصخرة اثر ؟ فرجعوا يحلفون بالله انهم ما رأوا لها اثرا، وكان وجه القاع عليه سحيق الرمل. قال: فلما نظر الراهب الى فعل أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: هذا والله وصي محمد (صلى الله عليه وآله)، فوجدناه في الانجيل والزبور ونزل من القائمة، ولحق بأمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: أنا أشهد ان أبي أخبرني عن جدي، وكان من حواري سيدنا المسيح (صلوات الله عليه)، والمسيح أخبره بقرب هذا القائم الذي كنت فيه، وبهذه العين الماء الابيض من الثلج واعذب من كلما عذب وانه من اجلها بني ذلك الدير والقائم، وإنه لا يستخرجها إلا نبي أو وصي نبي وأنا أشهد أن لا إله الا الا وأن محمدا عبده ورسوله، وإنك وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمؤدي عنه والقائم بالحق الى يوم القيامة وقد رأيت يا أمير المؤمنين أني أصحبك في سفرك هذا يصيبني ما أصابك من خير وشر فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام: جزاك الله خيرا، ودعا له بالخير، فقال له: يا راهب الزمني وكن قريبا فانك تستشهد معي بصفين وتدخل الجنة فلما كان ليلة الهرير بصفين والتقى الجمعان قتل الراهب في تلك الليلة فلما اصبح أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال لأصحابه: ادفنوا قتلاكم، وأقبل أمير المؤمنين يطلب الراهب فوجدناه فاخذه وصلى عليه ودفنه في لحده. ثم قال


 

[ 150 ]

أمير المؤمنين (عليه السلام): لكأني انظر إليه وإلى منزلته في الجنة وزوجاته التي اكرمه الله بها فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن أحمد بن محمد الحجال الصيرفي عن محمد بن جعفر الصيرفي عن محمد بن علي عن أبي حمزة الثمالي عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: مد الفرات عندهم بالكوفة على عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو بها مقيم مدة عظيمة حتى طغى وعلا كالجبال وصار بازاء شرفات الكوفة وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك اليوم قد خرج الى النجف، ونفرا من اصحابه فنظر إلى بعض النجف وقال للنفر الذين معه إني أرى النجف يخبران الماء قد طغى في الفرات حتى أوفى على منازل الكوفة وإن الناس بها ضجوا وفزعوا الينا فقوموا بنا إليهم فأقبل هو والنفر الى الكوفة وتلقاه اهلها صارخين مستغيثين فقال: ما شأنكم طغى الماء عليكم، ما كان الله ليعذبكم وأنا فيكم، وسار يريد الفرات والناس من حوله حتى ورد على مجلس لثقيف فتغامزوا عليه وأشار إليه بعض احداثهم، فالتفت إليهم أمير المؤمنين مغضبا فقال صغار الخدود، قصار الغمود، بقايا ثمود، عبيد بني عبيد، من يشتري مني ثقيف برغيف، فانهم عبيد زيوف، فقام إليه مشايخهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين أن هؤلاء شباب لا يعقلون فلا تؤاخذنا بهم فوالله إنا لهذا كارهون، وما أحد منا يرضى به فاعف عنا، عفا الله عنك فقال (عليه السلام): لست اعفوا عنكم الا على أن لا أرجع إلى الفرات أو تهدموا مجلسكم هذا وكان منظرا وروشنا مشرف وميزاب يصب إلى طريق المسلمين، وتسدون بلاليعكم فيها فقالوا نفعل يا أمير المؤمنين، وسكروا مجلسهم وفعلوا كل ما أمرهم به حتى أتى إلى الفرات وهو يزخر بأمواج كالجبال فسقط الناس لوجوههم وصاحوا: الله الله يا أمير المؤمنين أرفق برعيتك فنزل وأخذ قضيب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقرعه قرعة واحدة، وقال: أسكن يا أبا خالد فانزجر الماء فما أتم كلامه، حتى


 

[ 151 ]

ظهرت الأرض في بطن الفرات حتى كان لم يكن فيها ماء فصاح الناس: الله الله رفقا برعيتك يا أمير المؤمنين، لئلا يموتوا عطشا، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): اجر على قدر يا فرات فجرى لا زائدا ولا ناقصا، ووجد فوق الجسر رمانة فوقعت على الجسر رمانة لم يوجد في الدنيا مثلها فمد الناس أيديهم ليحملوها إلى أمير المؤمنين فلم تصل أيديهم إليها فمد يده المباركة واخذها، وقال: هذه رمانة من رمان الجنة لا يمسها ولا يأكلها إلا نبي أو وصي نبي ولولا ذلك لقسمتها عليكم في بيت مالكم، وفي ذلك اليوم كانت فتنة عبد الله بن سبأ وأصحابه العشرة الذين كانوا معه وقالوا ما قالوه، وأحرقهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بالنار بعد ان استتابهم ثلاثة أيام فأبوا ولم يرجعوا فأحرقهم في صحراء الاخدود. وكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن أبيه عن محمد بن ميمون عن، الحسن بن علي عن أبي حمزة عن حيان بن سدير الصيرفي عن مراد يقال له رباب بن رياح قال: كنت قائما على رأس أمير المؤمنين بالبصرة بعد الفراغ من أصحاب الجمل إذ أتى عبد الله ابن عباس فقال: يا أمير المؤمنين إن لي إليك، حاجة فقال له: عرفت حاجتك قبل أن تذكرها لي، جئت تطلب مني الأمان لمروان بن الحكم، فقال له: يا أمير المؤمنين أحب أن تؤمنه، قال: اذهب فجئني به يبايعني ولا يجيئني إلا رديفا قال: فما لبث إلا قليلا حتى أقبل ابن عباس وخلفه مروان بن الحكم رديفا، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): هل أبايعك قال مروان على أن في النفس ما فيها، قال أمير المؤمنين: إني لست أبايعك على ما في نفسك إنما أبايعك على ما ظهر لي، قال: فمد يده أمير المؤمنين فلما بايعه، قال: هيه يا بن الحكم قد كنت تخاف ان ترى رأسك يقطع في هذه المعمعة كلا بالله لا يكون حتى يخرج من صلبك طواغيت يملكون هذه الرعية يسومونهم خوفا وظلما وجورا ويسقونهم كؤوسا مرة. قال مروان كان مني ما اخبرني علي ثم هرب فلحق بمعاوية وكان كما قال


 

[ 152 ]

أمير المؤمنين (عليه السلام) فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن جعفر بن محمد عن محمد بن عبد الرحمن الزيات عن الربيع ابن محمد الاصم عن بني الجارود عن القاسم بن الوليد الهمداني عن الحارث الأعور الهمداني قال: كنا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) بالكناسة، إذ أقبل أسد يهوي فضعضعنا من حوله حتى انتهى الى امير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: أرجع ولا تدخل دار هجرتي بعد اليوم وبلغ السباع عني تتجافى الكوفة وجميع ما حولها ألا ان طاعتي طاعة الله فإذا عصوا الله وخلوا طاعتي حكمت فيهم فلم تزل السباع تتجافى الكوفة إلى أن قبض أمير المؤمنين (عليه السلام)، وتقلدها زياد ابن ابيه دعي أبي سفيان (لعنه الله) فلما دخلها سلطت السباع على الكوفة وما حولها حتى أفنت اكثر الناس فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن أبيه عن محمد بن ميمون عن محمد بن علي عن الحسن بن أبي حمزة عن القاسم الهمداني عن الحارث الاعور الهمداني قال: بينما أمير المؤمنين (عليه السلام) يخطب في الناس يوم الجمعة في مسجد الكوفة إذ أقبلت أفعى من ناحية باب الفيل رأسها اعظم من رأس البعير تهوي الى نحو المنبر فافترق الناس في جانبي المسجد خوفا منه حتى صعد المنبر، ثم تطاول الى أذن أمير المؤمنين فأصغى إليه وجعل يساره مليا ثم نزل فلما بلغ باب أمير المومنين الذي يسمونه باب الفيل انقطع اثره وغاب عن الناس فلم ير، فلم يبق مؤمن ولا مؤمنة، الا قال هذا من عجائب أمير المؤمنين، ولم يبق منافق ولا منافقة إلا قال: هذا من سحر علي، فقال أمير المؤمنين: أيها الناس إني لست ساحرا وهذا الذي رأيتموه وصي محمد على الجن، وأنا وصيه على الانس وهو يطيعني اكثر مما تطيعونني وهو خليفتي فيهم وقد جرى بين الجن ملحمة تتهادر فيها الدماء والذي لا يعلم ما المخرج منها ولا الحكم فيها فإنه مسائلي عن الجواب في ذلك فاجبته عنه بالحق، وهذا المثل الذي يمثل لكم به أراد يريكم فضلي عليكم الذي هو


 

[ 153 ]

اعلم به منكم فكان هذا من دلائله (عليه السلام). و عنه بهذا الاسناد عن الحارث قال: خرجنا مع أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى انتهينا إلى القاطول بالكوفة على شاطئ الفرات فإذا نحن بأصل شجرة قد وقع لحاؤها وبقي على شاطئ الفرات عودها يابسا فضربها بيده ثم قال لها: ارجعي بإذن الله خضراء ذات ثمر فإذا هي تهتز بأغصانها مورقة مثمرة، وحملها الكمثري الذي لم ير مثله في فواكه الدنيا فاطعمنا منه وتزودنا وحملنا فلما كان بعد ثلاثة أيام عدنا إليها فإذا بها خضراء فيها الكمثري فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن أبيه عن محمد بن عمار قال حدثني عمر بن قاسم عن عمر بن شمر عن جابر بن يزيد الجعفي عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: لما أمر أمير المؤمنين (عليه السلام) بانجاز عدات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقضاء دينه نادى منادى أمير المؤمنين: ألا من كان له دين عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو عدة فليقبل إلينا فكان الرجل يجئ وأمير المؤمنين لا يملك شيئا فيقول: اللهم اقض عن نبيك فيجد ما وعد النبي (صلى الله عليه وآله) تحت البساط لا يزيد ولا ينقص، قال أبو بكر لعمر هذا يصيب ما وعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت البساط ونخشى ان يميل الناس إليه، فقال عمر فينادي مناديك أيضا فإنك تقضي كما قضى فنادى مناديه ألا من كان له عند رسول الله دين أو عبرة فليقبل إلينا فسلط عليهم اعرابي فقال لي عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمانون ناقة سوداء المقل، حمراء الوبر، بأزمتها ورحالها، فقال أبو بكر: تحضر عندنا غدا فمضى الأعرابي فقال أبو بكر لعمر: لا تزال في ذلك مدة ويحك من أين في الدنيا ثمانون ناقة بهذه الصفة ما تريد الا ان تجعلنا عند الناس كاذبين، فقال عمر: يا أبا بكر إن ها هنا مخلص منه قال: وما هي ؟ قال: تقول: احضر لنا بينتك على رسول الله بهذا الذي ذكرته حتى نوفيك إياه، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: ألا من أتاكم


 

[ 154 ]

ببينة. فلما كان بعد العصر حضر الأعرابي فقال: جئتكم ببينة فقال: أوجبت الوعد على رسول الله، فقال أبو بكر وعمر: احضر لنا بينتك على رسول الله بهذه حتى نوفيكه، فقال: اترك رجلا يعطيني بلا بينة واجئ الى قوم لا يعطوني إلا ببينة ما ارى إلا قد تقطعت بكما الأسباب، وتزعمون أن رسول الله كان كاذبا لآتين أبا الحسن (عليه السلام) فلئن قال لي كما قلتما لأرتدن عن الإسلام فجاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له: إن لي عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثمانون ناقة حمراء الوبر، سوداء المقل، بأزمتها ورحالها فقال (عليه السلام)، اجلس يا أعرابي ان الله يقضي عن نبيه، ثم قال: اذهب يا حسن ويا حسين اذهبا إلى وادي فلان، وناديا عند شفير الوادي: بعثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليكم وحبيباه ووصياه إن للأعرابي عند رسول الله ثمانين ناقة، سوداء المقل، حمراء الوبر، بأزمتها ورحالها فمضيا ومعهما أهل المدينة إلى حيث أمرهما أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقالا ما قاله لهما، ومن تبعهما من الناس يسمعون ما جاء بهما فجاؤا من الوادي يقولون نشهد انكما حبيبا محمد (صلى الله عليه وآله) ووصياه كما قلتما فانظرا حتى نجمعها بيننا فما جلسنا الا قليلا حتى ظهرت ثمانون ناقة حمر الوبر سود المقل بأزمتها ورحالها وان الحسن والحسين (صلوات الله عليهما) ساقاها إلى أمير المؤمنين فدفعها إلى الأعرابي فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن محمد بن جبلة التمار عن موسى بن محمد الازدي عن المخول بن ابراهيم عن رشدة بن يزيد الخيبري عن الحسن بن محبوب عن ابي خديجة سالم بن مكرم عن أبي حمزة الثمالي عن جابر بن عبد الله بن عمر بن حزام الأنصاري قال: أرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) سرية فقال لهم: إنكم تصلون ساعة كذا وكذا من الليل إلى أرض لا تهتدون فيها سيرا فإذا وصلتم فخذوا ذات الشمال فإنكم تمرون برجل فاضل خير في كنانة فتسترشدونه فيأبي أن يرشدكم حتى تأكلوا من طعامه


 

[ 155 ]

فيذبح لكم كبشا فيطعمكم ويرشدكم الطريق فأقرأوه مني السلام واعلموه إني قد ظهرت في المدينة فمضوا فلما وصلوا الموضع في الوقت ضلوا فقال قائل منهم: ألم يقل لكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) خذوا ذات الشمال ففعلوا فمروا بالرجل الذي ذكره رسول الله (صلى الله عليه و آله) لهم فاسترشدوه الطريق فقال: لا أفعل حتى تأكلوا من طعامنا فذبح لهم كبشا فأكلوا من طعامه، وقام معهم فأرشدهم الطريق، وقال لهم: ظهر النبي (صلى الله عليه وآله) في المدينة ؟ قالوا: نعم وبلغوه السلام، فخلف في نسائه من خلف ومضى الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو عمرو بن الحمق الخزاعي الكاهن بن حبيب بن عمر بن الفتى بن رياح بن عمره بن سعد بن كعب فلبث معه ما شاء الله سبحانه وتعالى ثم قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): ارجع الى الموضع الذي هاجرت الي منه فإذا نزل أخي أمير المؤمنين بالكوفة وجعلها دار هجرته فأته، فانصرف عمرو بن الحمق الى نسائه حتى إذا نزل أمير المؤمنين بالكوفة أتاه فأقام معه بالكوفة فبينما أمير المؤمنين جالس وعمر بين يديه فقال له يا عمر لك دارا بعها واجعلها في الأزد فإني غدا لو غبت عنكم لطلبتك الأزد حتى تخرج من الكوفة متوجها نحو الموصل فتمر برجل نصراني فتقعد عنده وتستسقيه الماء فيسقيك ويسألك عن قصتك فتخبره وستصادفه مقعدا فادعه إلى الإسلام فإنه ينهض صحيحا مسلما، وتمر برجل محجوب جالس عن يمين الجادة فتستسقيه الماء فيسقيك ويسألك عن قصتك، وما الذي اخافك وممن تتوقى فحدثه ان معاوية طلبك لقتلك ويمثل بك لايمانك بالله ورسوله وطاعتك لي واخلاصك لولايتي ونصحك لله في دينك، فادعه الى الإسلام فإنه يسلم فمر يدك على عينيه، فإنه يرجع بصيرا بإذن الله تعالى فيتبعانك ويكونان هما اللذان يواريان بدنك في الأرض ثم تصير إلى دير على نهر يقال له الدجلة فإن فيه صديقا عنده من علم المسيح (عليه السلام) فاتخذه عونا من الأعوان على سر صاحبيك، وما ذلك إلا ليهديه الله بك فإذا


 

[ 156 ]

احس بك شرطة ابن الحكم وهو خليفة معاوية بالجزيرة يكون مسكنه بالموصل فاقصد إلى الطريق الذي في الدير يتواضع لك حتى تصير في ذروته، فإذا رآك ذلك في اعلى الموصل فناده فإنه يمتنع عنك فاذكر إسم الله الذي علمتك إياه فان الدير يتواضع لك حتى تصير في ذروته فإذا رأى ذلك الراهب الصديق، قال التلاميذ معه: ليس هذا أوان ظهور سيدنا المسيح، هذا شخص كريم، ومحمد قد توفاه الله، ووصيه قد استشهد بالكوفة، وهذا من حوارييه ثم يأتيك خاشعا ذليلا، فيقول لك: أيها الشخص العظيم اهلتني لما لم استحقه فبم تأمرني فتقول استر تلميذك هذا من عبدك، ويشرف على ديرك، فانظر ماذا ترى، فإذا قال لك: أرى خيلا غائرة نحونا فخلف تلميذك عنده وأنزل وأركب فرسك، وأقصد نحو الغاب على شاطئ الدجلة، استتر فيه فإنه لا بد ان يشترك في دمك فسقة من الجن والانس، فإذا استترت فيه عرفك فاسق من مردة الجن يظهر لك بصورة تنين اسود ينهشك نهشا يبالغ أظفارك وتعثر بك فرسك، فينذر بك الخيل فيقولون هذا فرس عمرو بن الحمق ويقفون اثرك فإذا أحسست بهم دون الغار فأبرز إليهم بين الدجلة والجادة، وقاتلهم في تلك البقعة فإن الله جعلها حضرتك وحرمك فالقهم بنفسك واقتل ما استطعت حتى يأتيك امر الله فإذا غلبوك حزوا رأسك وسيروه على قناة الى معاوية لعنه الله، ورأسك اول رأس يشهر في الإسلام من بلد الى بلد، ثم يبكي أمير المؤمنين ويقول: وقرة عيني ابني الحسين، فإن رأسه يشهر على قناة وتستباح ذراريه بعدك يا عمرو من كربلا غربي الفرات الى يزيد بن معاوية عليهما اللعنة، ثم ينزل صاحباك المحجوب والمقعد فيواريان بدنك في موضع مصرعك وهو بين الدير والموصل فكأن كلما ذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن علي بن بشر عن علي بن النعمان عن هارون بن يزيد


 

[ 157 ]

الخزاعي عن احمد بن خالد الطبرستاني عن حمران بن اعين بن القاسم بن محمد بن ابي بكر عن رميلة وكان رجلا من خواص أمير المؤمنين (عليه السلام) قال رميلة: وعكت وعكا شديدا في زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) قال ثم وجدت منه خفة في نفسي في يوم الجمعة فقلت: لا اعمل شيئا أفضل من أن أعلا على الماء وآتي المسجد فأصلي خلف امير المؤمنين (عليه السلام) ففعلت ذلك، فلما علا المنبر في جامع الكوفة عاودني الوعك فلما خرج أمير المؤمنين من المسجد اتبعته فالتفت الي، فقال: ما لي اراك متشكيا بعضك الى بعض، قد علمت من الوعك وما قلت أنك لا تعمل شيئا أفضل من غسلك لصلاتك الجمعة خلفي وإنك كنت وجدت خفا، فلما صليت وعلوت المنبر عاد إليك، قلت: والله يا أمير المؤمنين ما زدت في قصتي حرفا ولا نقصت حرفا، قال: يا رميلة ما من مؤمن ولا مؤمنة يمرض إلا مرضنا لمرضه، ولا يحزن إلا حزنا لحزنه، ولا دعا الا امنا على دعائه، ولا شكا الا دعو نا له، فقلت: يا أمير المؤمنين هذا لمن كان معك في هذا المصر فمن كان في اطراف الأرض كيف يكون في هذه المنزلة ؟ قال: يا رميلة ليس بغائب عنا مؤمن ولا مؤمنة في مشارق الأرض ومغاربها إلا وهو معنا ونحن معه فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن جعفر بن يزيد القزويني عن زيد الشحام عن أبي هارون المكفوف عن ميثم التمار عن سعد العلاف، عن الأصبغ بن نباتة قال: جاء نفر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقالوا أن المعتد يزعم أنك تقول إن هذا الجري مسخ فقال مكانكم حتى اخرج اليكم فتناول ثوبه، ثم خرج إليهم ومضى حتى انتهى الى الفرات بالكوفة فصاح يا جري فأجابه لبيك لبيك، قال: من أنا ؟ قال: أنت إمام المتقين وأمير المؤمنين (عليك السلام)، قال: من أنت ؟ قال: أنا ممن عرضت عليه ولايتك فجحدتها، ولم أقبلها فمسخت جريا، وبعض هؤلاء الذين كانوا


 

[ 158 ]

معك يمسخون جريا. فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): بين ضيعتك وفيمن كنت ومن كان معك، قال: نعم يا أمير المؤمنين كنا اربعة وعشرين طائفة من بني اسرائيل قد تمردنا وطغينا واستكبرنا وتجبرنا وسكنا المفاوز رغبة منا في البعد من المياه، والأنهار فأتانا آت وأنت والله أعرف به منا يا أمير المؤمنين فجمعنا في صحن الدار، وصرخ بنا صرخة فجمعنا في موضع واحد وكنا مبددين في تلك المفاوز والقفار، فقال لنا: ما لكم هربتم من المدن والمياه والأنهار وسكنتم هذه المفاوز ؟ فأردنا نقول لأننا فوق العالم تكبرا وتعززا، فقال لنا: قد علمت ما في نفوسكم فعلى الله تتعززون ؟ فقلنا له: بلى فقال: أليس قد أخذ عليكم العهد لتؤمنن بمحمد بن عبد الله الملكي ؟ قلنا: بلى، قال: وأخذ عليكم العهد بولاية وصيه وخليفته بعهده وبعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فسكتنا فلم نجب بألسنتنا وقلوبنا، ونياتنا لا تقبلها، فقال: لا أو تقولون بألسنتكم، فقلناها بأجمعنا بألسنتنا وقلوبنا ونياتنا: لا نقبلها، فصاح بنا صيحة، وقال لنا: كونوا بإذن الله مسوخا، كل طائفة جنسا، ويا أيتها القفار كوني بإذن الله انهارا وتسكنك هذه المسوخ وتتصل بحار الدنيا وانهارها حتى لا يكون ماء الا كانوا فيه فمسخنا ونحن اربعة وعشرون جنسا فصاحت اثنا عشر طائفة: منا أيها المقتدر علينا، بقدرة الله عليك الا ما اعفيتنا من الماء، وجعلتنا على ظهر الأرض، قال: قد فعلت: فقال أمير المؤمنين: هيه يا جري بين ما كان الأجناس الممسوخات البرية والبحرية، فقال: أما البحرية فنحن: الجري، والسلاحف، والمرماهي، والزمار، والسراطين، والدلافين، وكلاب الماء، والضفادع، وبنات نقرس، والغرمان والكوسج، والتمساح، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): هيه، والبرية ؟ قال: نعم، الوزغ، والخفاش، والكلب، والدب، والقرد والخنازير، والضب، والحرباء، والورل، والخنافس، والارنب، والضبع.


 

[ 159 ]

قال أمير المؤمنين: فما فيكم من خلق الإنسانية وطبائعها ؟ قال الجري: أقوامنا والبعض لكل صورة وخلقه، وكلنا تحيض مثل الاناث. قال أمير المؤمنين صدقت أيها الجري، وحفظت ما كان، قال الجري: يا أمير المؤمنين هل من توبة ؟ فقال (عليه السلام): للأجل المعلوم وهو يوم القيامة والله خير حافظا وهو ارحم الراحمين. قال الأصبغ بن نباتة: فسمعنا والله ما قال ذلك الجري ووعيناه وكتبناه وعرضناه على أمير المؤمنين (عليه السلام) فصح والله لنا ومسخ من بعض القوم الذين حضروا جريا فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن أبي الحواري عن عبد الله بن محمد بن فارس بن ماهويه عن اسماعيل بن علي النهرواني، عن ماهان الأبلي، عن المفضل بن عمر الجعفي عن الصادق (عليه السلام) ان أمير المؤمنين كان حوله من جهة الأنبار في بني مخزوم، وان انسانا منهم أتاه فقال له يا خالي ان صاحبي وتربي مات ضالا وأني عليه لحزين، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): اتحب أن تراه ؟ قال: نعم، قال: فلبس بردة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخرج معه الى أن اتى الى قبر، فركض برجله القبر فخرج الرجل من قبره وهو يقول: ويله وبيه سلان، فقال له اخوه المخزومي: أولم تمت وانت رجل من العرب ؟ قال كنا على سنة ابي بكر وعمر في العربية، ونحن اليوم على سنة الفرس فليست ألسنتنا على دين الله بالعربية فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): ارجع الى مضجعك وانصرف المخزومي معه فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن أبيه عن سعد بن مسلم عن صباح الأمري عن الحارث بن خضر عن الاصبغ بن نباتة قال: خرجنا مع أمير المؤمنين وهو يطوف بالسوق يأمر بوفاء الكيل والميزان وهو يطوف الى ان انتصف النهار، مر برجل جالس فقام إليه فقال له يا أمير المؤمنين: مر معي إلى أن تدخل بيتي


 

[ 160 ]

تتغدى عندي، وتدعو لي وما أحسبك اليوم تغديت، قال أمير المؤمنين: على أن لا تدخر ما في بيتك ولا تتكلف من وراء بابك، قال: لك شرطك، ودخل ودخلنا واكلنا خبزا وزيتا، وتمرا ثم خرج يمشى حتى انتهى الى قصر الامارة بالكوفة فركض برجله الأرض فزلزلت ثم قال: وأيم الله لو علمتم ما ها هنا، وأيم الله لو قام قائمنا لأخرج من هذا الموضع اثني عشر ألف درع واثني عشر ألف بيضة لها وجهات ثم البسها اثني عشر الفا من ولد العجم، ثم يأمر بقتل كل من كان على خلاف ما هم عليه، وأني اعلم ذلك وأراه كما اعلم اليوم، واراه فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن محمد بن داود عن الحسين عن أبيه عن عمر بن شمر ومحمد بن سنان الزاهري عن جابر بن يزيد الجعفي عن يحيى بن أبي العقب عن مالك الأشتر رضي الله عنه، قال: دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) في ليلة مظلمة فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال: وعليك السلام ما الذي ادخلك علي في هذه الساعة يا مالك ؟ فقلت: خيرا يا أمير المؤمنين، وشوقي إليك فقال: صدقت والله يا مالك، فهل رأيت أحدا ببابي في هذه الليلة المظلمة ؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين رأيت ثلاثة نفر، فقام أمير المؤمنين (عليه السلام) فخرج وخرجنا معه فإذا بالباب رجل مكفوف ورجل أزمن ورجل أبرص، فقال لهم أمير المؤمنين، ما تصنعون ببابي في هذا الوقت ؟ قالوا: يا أمير المؤمنين جئناك تشفينا مما بنا فمسح أمير المؤمنين يده المباركة عليهم فقاموا من غير زمن ولا عمى ولا برص فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن أبيه عن أحمد بن الخصيب عن أحمد بن نصير عن عبد الله الأسدي عن فضيل بن الزبير قال: مر ميثم التمار على فرس له مستقبل حبيب بن مظاهر فجلس بين بني اسد، بالكوفة فتحدثا حتى اختلف اعناق فرسيهما قال حبيب: لكأني شيخ أصلع ضخم البطن شبيع البطيح


 161 ]

ازرق العينين قد صلب في اهل البيت بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكأني وقد جاء برأسي الى الكوفة، وأخبر الذي جاء به، ثم افترقا فقال أهل المجلس: ما رأينا اعجب من اصحاب ابي تراب، يقولون: ان عليا علمهم الغيب، فلم يفترق أهل المجلس حتى جاء رشيد الهجري يطلبهما فسأل عنهما، فقالوا له قد افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا، قال رشيد الهجري لهم: رحم الله ميثم فقد نسي انه يزاد في عطاء الذي يجيب رأسه مائة درهم، ثم قال أهل المجلس: ميثم مصلوب على باب دار عمرو بن حريث وجئ برأس ابن مظاهر من كربلا وقد قتل مع الحسين بن علي (عليهما السلام) إلى عبيد الله إبن زياد لعنه الله، وزيد في عطاء الذي حمل رأس حبيب مائة درهم كما ذكر، وكان كل ما قالوه مما اخبرهم به أمير المؤمنين فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن محمد بن عبد الرحمن الطريقي عن يونس بن احمد الزيات عن كثير بن جعفر الأدني عن الحسن بن محبوب عن حمزة الثمالي عن أبي اسحاق السبيعي عن سويد بن غفلة، قال: بينما نحن عند أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ أتى رجل فقال يا أمير المؤمنين إني قد جئت من وادي القرى وقد مات خالد بن عرفطة فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): مه لم يمت فاعاد عليه الرجل ثانية فقال: لم يمت، واعرض عنه بوجهه، فأعاد عليه ثالثة فقال: سبحان الله قد اخبرتك انه قد مات، وتقول لي: انه لم يمت، فقال (عليه السلام): لم يمت ولن يموت حتى يقود جيش ضلالة ومصيرها النار يحمل رايته حبيب بن جماز، فأتى إلى أمير المؤمنين فقال له: ناشدتك بالله انا لك شيعة، وقد ذكرتني يا مولاي شيئا ما اعرفه من نفسي، فقال له: من أنت ؟ عساك حبيب بن جماز ؟ فقال له: انا هو يا أمير المؤمنين فقال: إن كنت هو فلا يحملها غيرك، فولى حبيب مغضبا فقال سويد بن غفلة: فوالله ما ذهبت الأيام والليالي حتى بعث عمر بن سعد بن ابي وقاص خالد بن عرفطة على مقدمته في جيش ضلالة وحبيب


 

[ 162 ]

ابن جماز يحمل رايته الى ابي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه) وعلى آبائه الطاهرين، حتى استشهد وقاتله فكان هذا من دلائله وعجائبه (عليه السلام). وعنه عن أبيه عن أحمد بن الخصيب عن ابي المطلب جعفر بن محمد بن المفضل عن محمد بن سنان الزاهري عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم عن مديح بن هارون بن سعد، قال: سمعت ابا الطفيل عامر بن واثلة يقول: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لعمر: من علمك الجهالة يا مغرور ؟ وأيم الله وكنت بصيرا وكنت في دنياك تاجرا نحريرا، وكنت فيما امرك رسول الله (صلى الله عليه وآله) أركبت وفرشت الغضب ولما أحببت ان يتمثل لك الرجال قياما، ولما ظلمت عترة النبي (صلى الله عليه وآله) بقبيح الفعال غير اني اراك في الدنيا قبلا بجراحة ابن عبد أم معمر تحكم عليه جورا فيقتلك توفيقا يدخل والله الجنان على رغم منك، والله لو كنت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) سامعا مطيعا لما وضعت سيفك في عنقك، ولما خطبت على المنبر ولكأني بك قد دعيت فأجبت ونودي باسمك فأحجمت لك هتك سترا وصلبا ولصاحبك الذي اختارك وقمت مقامه من بعده. فقال عمر: يا ابا الحسن اما تستحي لنفسك من هذا اليك فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): ما قلت لك الا ما سمعت وما نطقت إلا ما علمت. قال: فمتى هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال: إذا اخرجت جيفتاكما عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قبريكما اللذين لم تدفنا فيها الا لئلا يشك احد فيكما إذا نبشتما، ولو دفنتما بين المسلمين لشك شاك، وارتاب مرتاب، وستصلبان على أغصان دوحة يابسة فتورق تلك الدوحة بكما وتفرع وتخضر بكما فتكونا لمن أحبكما ورضي بفعلكما آية ليميز الله الخبيث


 

[ 163 ]

من الطيب، ولكأني انظر إليكما والناس يسألون ربهم العافية مما بليتما به، قال: فمن يفعل ذلك يا أبا الحسن ؟ قال: عصابة قد فرقت بين السيوف أغمادها، وارتضاهم الله لنصرة دينه فما تأخذهم في الله لومة لائم، ولكأني انظر إليكما وقد اخرجتما من قبريكما طريين بصورتيكما حتى تصلبا على الدوحات، فتكون ذلك فتنة لمن أحبكما، ثم يؤتى بالنار التي اضرمت لإبراهيم (صلوات الله عليه) ولجرجيس ودانيال وكل نبي وصديق ومؤمن ومؤمنة وهي النار التي أضرمتموها على باب داري لتحرقوني وفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابني الحسن والحسين وابنتي زينب وام كلثوم، حتى تحرقا بها، ويرسل الله اليكما ريحا مدبرة فتنسفكما في اليم نسفا ويأخذ السيف من كان منكما ويصير مصيركما إلى النار جميعا، وتخرجان الى البيداء إلى موضع الخسف الذي قال الله تعالى: (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب) يعني من تحت اقدامكما. قال: يا ابا الحسن تفرق بيننا وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ قال: نعم. قال: يا ابا الحسن إنك سمعت هذا وأنه حق ؟ قال: فلحف أمير المؤمنين أنه سمعه من النبي (صلى الله عليه وآله) فبكى عمر وقال اعوذ بالله مما تقول، فهل لك علامة ؟ قال: نعم قتل فظيع، وموت سريع، وطاعون شنيع، ولا يبقى من الناس في ذلك الا ثلثهم وينادي مناد من السماء باسم رجل من ولدي وتكثر الآفات حتى يتمنى الأحياء الموت مما يرون من الاهوال، وذلك مما أسئتما، فمن هلك استراح ومن كان له عند الله خير نجا ثم يظهر رجل من عترتي فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يأتيه الله ببقايا قوم موسى ويحيى له اصحاب الكهف وتنزل السماء قطرها وتخرج الأرض نباتها. قال له عمر: فإنك لا تحلف إلا على حق فإنك أن تهددني بفعال


 

[ 164 ]

ولدك فوالله لا تذوق من حلاوة الخلافة شيئا أنت ولا ولدك، وإن قبل قولي لينصرني ولصاحبي من ولدك قبل أن أصير إلى ما قلت. فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): تبا لك أن تزداد الا عدوانا فكأني بك قد اظهرت الحسرة وطلبت الاقالة، حيث لا ينفعك ندمك. فلما حضرت عمر الوفاة أرسل الى أمير المؤمنين فأبى أن يجئ فأرسل إليه جماعة من اصحابه فطلبوه إليه أن يأتيه، ففعل فقال عمر: يا ابا الحسن هؤلاء حالوني مما وليت من امرهم فإن رأيت ان تحالني، فافعل، فقام أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: أرأيت ان حاللتك فمن حالل بتحليل ديان يوم الدين، ثم ولى وهو يقول: (واسروا الندامة لما رأوا العذاب) فكان هذا من دلائله (عليه السلام) الذي شهد اكثرها وصح ما نبأ به فهو حق. وعنه عن محمد بن موسى القمي عن داود بن سليمان الطوسي عن محمد بن خلف الطاطري عن الحسن بن سماعة الكوفي عن راشد بن يزيد المدني عن المفضل بن عمر الجعفي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: جلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) في رحبة مسجده بالمدينة وطائفة من المهاجرين والانصار حوله وأمير المؤمنين عن يمينه وعمر عن شماله إذ طلعت غمامة ولها زجل بالتسبيح وهفيف قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قد شاهدته من عند الله ثم مد يده الى الغمامة فنزلت ودنت من يده فبدا منها جام يلمع حتى غشيت ابصار من في المسجد من لمعاته وشعاع نوره، وفاح في المسجد روائح حتى زالت عقولنا بطيبها ومشمها والجام يسبح الله ويقدسه ويمجده بلسان عربي مبين حتى نزل في بطن راحة رسول الله (صلى الله عليه وآله) اليمين وهو يقول: السلام عليك يا حبيب الله وصفيه ونبيه ورسوله المختار على العالمين والمفضل على خلق الله أجمعين من الأولين والآخرين، وعلى وصيك خير الوصيين وأخيك


 

[ 165 ]

خير المواخين وخليفتك خير المستخلفين وامام المتقين وأمير المؤمنين ونور المستضيئين وسراج المهتدين وعلى زوجته فاطمة ابنتك خير نساء العالمين الزهراء في الزاهرين والبتول في المتبتلين، والأئمة الراشدين وعلى سبطيك ونوريك وريحانتيك وقرة عينيك ابناء علي الحسن والحسين، ورسول الله وسائر من كان حاضرا يسمعون ما يقول الجام ويغضون من أبصارهم من تلألؤ نوره (صلى الله عليه وآله) وهو يكثر من حمد الله وشكره حتى قال الجام - وهو في كفه -: يا رسول الله أنا تحية الله اليك والى اخيك علي وابنتك فاطمة والحسن والحسين فردني يا رسول الله في كف علي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) خذه يا ابا الحسن تحية من عند الله فمد يده اليمنى فصار في بطن راحتيه فقبله واشتمه فقال مرحبا بكرامة الله لرسوله وأهل بيته واكثر من حمد الله والثناء عليه والجام يسبح الله عز وجل ويهلله ويكبره ويقول: يا رسول الله ما بقي من طيب في الجنة إلا وأنا أطيب منه، فارددني إلى فاطمة والحسن والحسين كما أمرني الله عز وجل فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قم يا ابا الحسن به فاردده إلى كف قرة عيني فاطمة وكف حبيبي الحسن والحسين، فقام أمير المؤمنين (عليه السلام) يحمل الجام ونوره يزيد على نور الشمس والقمر ورائحته قد ذهلت العقول طيبا حتى دخل على فاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) من الله ورحمته وبركاته ورده في ايديهم فتحيوا به وقبلوه واكثروا من حمد الله وشكره والثناء عليه، ثم رده الى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما صار في كفه قام عمر على قدميه فقال: يا رسول الله، تستأثر بكل ما نالك من عند الله من تحية وهدية، أنت وعلي وفاطمة والحسن والحسين ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عمر ما اجرأك على الله ؟ اما سمعت الجام حتى تسألني أن أعطيك ما ليس لك ؟ فقال له: يا رسول الله أتأذن لي بأخذه واشتمامه وتقبيله ؟ فقال له


 

[ 166 ]

رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما أشد جأشك، قم، إن نلته فما محمد رسول الله حقا ولا جاء بحق من عند الله فمد عمر يده نحو الجام فلم يصل إليه وارتفع الجام نحو الغمام، وهو يقول: يا رسول هكذا يفعل المزور بالزائر ؟ قال: قم يا ابا الحسن على قدميك، وامدد يدك الى الغمام وخذ الجام وقل ما امرك الله به أن تؤديه الينا ثانية، فقام أمير المؤمنين (عليه السلام) فمد يده الى الغمام فتلقاه الجام فأخذه فقال له: رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لك: ماذا أمرك الله أن تقول له ؟ فأتاه الجام وقال: نعم يا رسول الله أمرني أن أقول لكم ان قد اوقفني على نفس كل مؤمن ومؤمنة من شيعتكم وأمرني بحضور وفاته فلا يستوحش من الموت ولا ييأس من النظر اليكم وأن أنزل على صدره وأن أكسوه من روائح طيبي فتقبض روحه وهو لا يشعر. فقال عمر لأبي بكر: يا ليت الجام مضى بالحديث الأول ولم يذكر شيعتهم فكان هذا من فضل الله على رسوله وعلى أمير المؤمنين (عليه السلام). وعنه بهذا الاسناد قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) ذات يوم الى بستان البرني ومعه اصحابه فجلس تحت نخلة فرطبت ونزل منها رطب فوضع بين ايديهم فأكلوا فقال رشيد الهجري: يا أمير المؤمنين ما أطيب هذا الرطب، فقال: يا رشيد اما انك تصلب على جذعها، قال رشيد: فكنت اختلف إليها اطراف النهار وأسقيها ومضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فخرجنا يوما وقد قطعت وذهب نصفها فقلت: قد اقترب اجلي فجئت اليوم الآخر فإذا بالنصف الثاني قد جعل زرنوقا يستقى عليه، فقلت: والله ما كذبني خليلي فأتاني العريف فقال: أجب الأمير فأتيته فلما وصلت القصر فإذا انا بخشب ملقى


 

[ 167 ]

وفيه الزرنوق وجئت حتى ضربت الزرنوق برجلي، وقلت: إليك اعدت وإليك أتيت، ثم دخلت على عبيد الله بن زياد لعنه الله فقال: هات من كذب صاحبك، فقلت: والله ما كان يكذب ولقد أخبرني أنك تقطع يدي ورجلي ولساني قال: إذن اكذبه، اقطعوا يديه ورجليه واطرحوه، فلما حمل الى أهله أقبل يحدث الناس بالعظائم وما يأتي وهو يقول: يا أيها الناس اسألوني فإن للناس عندي طلبة لم يقضوها. فدخل رجل الى عبيد الله بن زياد لعنه الله قال: بئسما صنعت به قطعت يديه ورجليه وتركت اللسان فهو يحدث الناس بالعظائم قال: ردوه فقد بلغ إلي ذلك فردوه فأمر بقطع لسانه وصلبه على جذع تلك النخلة فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن جعفر بن المفضل المخلول عن إبراهيم عن جعفر بن يحيى القرني عن يونس بن ظبيان عن أبي خالد عبد الله بن غالب عن رشيد الهجري (رضي الله عنه) قال كنت وابا عبد الله سلمان، وأبو عبد الرحمن قيس بن ورقا، وأبو الهيثم مالك بن التيهان وسهل بن حنيف بين يدي أمير المؤمنين (عليه السلام) بالمدينة إذ دخلت خبابة الوالبية وعلى رأسها كور شبيه السيف، وعليها اطمار سابغة متقلدة مصحف، وبين اناملها مسباح من حصى فسلمت وبكت، وقالت آه يا أمير المؤمنين، آه من فقدك واسفاه على غيبتك واحسرتاه على ما يفوت من الغيبة منك لا يلهم عنك ولا يرغب يا امير المؤمنين من الله فيه الخشية وارادة من امري معك على يقين وبيان وحقيقة، وأني اتيتك وأنت تعلم ما أريد فمد يده اليمنى إليها فأخذ من يدها حصاة بيضاء تلمع وترى من صفائها وأخذ خاتمه من يده وطبع به في الحصاة فانطبعت، فقال لها: يا حبابة هذا كان مرادك مني ؟ فقالت: اي والله يا أمير المؤمنين هذا أريد لما سمعناه من نقول شيعتك واختلافهم بعدك، فأردت بهذا برهانا يكون معي ان عمرت بعدك - ولا عمرت - ويا ليتني وقومي لك الفداء، فإذا وقعت الاشارة


 

[ 168 ]

وشئت شيعه فمن يقوم مقامك أتيته بهذه الحصاة، فإذا فعل فعلك بها علمت أنه الخليفة وأرجو ان لا أوجد لذلك. قال: بلى: والله يا حبابة، لتلقين بهذه الحصاه ابني الحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن على، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، وكلا إذا اتيته استدعى بالحصاة منك وطبعها بهذا الخاتم لك فبعهد علي بن موسى ترين في نفسك برهانا عظيما تعجبين منه فتختارين الموت فتموتين ويتولى أمرك ويقوم على حفرتك ويصلي عليك وأنا مبشرك بأنك مع المكرورات مع المهدي من ذريتي إذا اظهر الله امره. فبكت حبابة، ثم قالت: يا أمير المؤمنين من أين لأمتك الطائعة الضعيفة اليقين القليلة العمل لولا فضله وفضل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفضلك يا أمير المؤمنين أن تتأتى هذه المنزلة التي انا فيها، والله بما قلته لي مؤقنة ليقيني بأنك أمير المؤمنين حقا لا سواك، فادع لي يا أمير المؤمنين بالثبات على ما هداني الله إليه، ولا أسلبه ولا أفتتن فيه، ولا أضل عنه. فدعا لها أمير المؤمنين بذلك، واصحبها خيرا. قالت حبابة: لما قبض أمير المؤمنين (عليه السلام) بضربة عبد الرحمن بن ملجم المرادي في مسجد الكوفة أتيت مولاي الحسن فلما رآني قال: أهلا وسهلا بك يا حبابة هاتي الحصاة فمد يده إليها (عليه السلام) كما مد أمير المؤمنين يده فأخذ الحصاة وطبعها كما طبعها أمير المؤمنين، وخرج ذلك الخاتم بعينه، فلما قبض الحسن بالسم أتيت الحسين (عليه السلام) فلما رآني قال: مرحبا بك يا حبابة هاتي الحصاة، فأخذها وختم عليها بذلك الخاتم، فلما استشهد (عليه السلام) أتيت عليا بن الحسين وقد شك الناس فيه ومالت شيعة الحجاز الى محمد بن الحنفية، من


 

[ 169 ]

شكهم في زين العابدين (عليه السلام)، وصار من كبارهم جميع، فقالوا: يا حبابة الله الله فينا اقصدي الى علي بن الحسين (عليه السلام) حتى يتبين الحق، فصرت إليه فلما رآني رحب بي ومد يده وقال: هاتي الحصاة فأخذها وطبعها بذلك الخاتم ثم صرت بذلك الخاتم الى محمد، والى جعفر بن محمد، والى موسى بن جعفر، والى علي بن موسى الرضا (صلوات الله عليهم أجمعين)، فكل يفعل كفعل أمير المؤمنين (عليه السلام) والحسن والحسين (عليهما السلام)، وكبر سني ورق جلدي ودق عظمي وحال سواد شعري بياضا، وكنت بكثرة نظري إليهم صحيحة العقل والبصر والفهم، فلما صرت الى علي الرضا بن موسى (صلوات الله عليه) رأيت شخصه الكريم ضحكت ضحكا فقال من حضر: قد خرفت يا حبابة، والا نقص عقلك، فقال لهم علي الرضا (صلوات الله عليه) اني لكم، ما خرفت حبابة ولا نقص عقلها، ولكن جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) أخبرها بأنها تكون معي وأنها تكون مع المكرورات مع المهدي (عليه السلام)، من ولدي، فضحكت تشوقا الى ذلك وسرورا وفرحا بقربها منه، فقال القوم: استغفر لنا يا سيدنا وما علمنا هذا، قال: يا حبابة ما الذي قال لك جدي أمير المؤمنين (عليه السلام) ؟ قالت: قال تريني برهانا عظيما، قال: يا حبابة ترين بياض شعرك ؟ قلت: بلى يا مولاي، قال: يا حبابة افتحبين ان تريه اسود حالكا كما كان في عنفوان شبابك ؟ قلت: نعم يا مولاي، قال: يا حبابة ويجزيك ذلك أو نزيدك ؟ فقلت: يا مولاي زدني من فضلك علي قال: اتحبين ان تكوني مع سواد شعرك شابة ؟ فقلت: يا مولاي هذا البرهان عظيم، قال: وهذا اعظم منه ما تجدينه مما لا يعلم الناس به، فقلت: يا مولاي اجعلني لفضلك اهلا فدعا بدعوات خفية حرك بها شفتيه فعدت والله شابة طرية غضة سوداء الشعر حالكا، ثم دخلت خلوة في جانب الدار ففتشت نفسي فوجدتها بكرا فرجعت وخررت بين يديه ساجدة، ثم قلت: يا مولاي النقلة الى الله عز وجل فلا حاجة لي في حياة الدنيا، فقال: يا


 

[ 170 ]

حبابة ارحلي الى امهات الأولاد فجهازك هناك منفردا. قال الحسين بن حمدان الخصيبي (رضي الله عنه): حدثني جعفر بن مالك، قال حدثني محمد بن يزيد المدني قال: كنت مع مولاي علي الرضا (صلوات الله عليه) حاضرا لأمر حبابة وقد دخلت إلى امهات الأولاد فلم تلبث الا بمقدار ما عاينت جهازها حتى تشهدت وقبضت إلى الله رحمها الله. قال مولانا الرضا (صلوات الله عليه) رحمك الله يا حبابة قلنا: يا سيدنا ولما قبضت قال لبثت الى ان عاينت جهازها حتى قبضت الى الله وامر يتجهيزها فجهزت وخرجت وصلينا عليها وحملت الى حفرتها وأمر سيدنا بزيارتها وتلاوة القرآن عندها والتبرك بالدعاء هناك فكان هذا من دلائل مولانا أمير المؤمنين وبراهينه (عليه السلام). وعنه بهذا الإسناد قال: حدثني جابر بن عبد الله الانصاري قال كنت بين يدي مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ دخل عمر بن الخطاب فلما جلس قال لجماعة ان لنا سترا فيما بيننا، تخففوا رحمكم الله، فشمرت وجوهنا وقلنا ما كذا كان يفعل بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقد كان يأتمننا على سره فما لك لما رأيت فتيان المسلمين تسريت بفتيان رسول الله ؟ فقال: للناس اسرار لا يمكن اعلانها فقمنا مغضبين، وخلا بأمير المؤمنين مليا، ثم قاما من مجلسهما حتى رقيا منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) جميعا فقلنا: الله أكبر ترى ابن حنتمة رجع عن غيه وطغيانه ورقي المنبر مع أمير المؤمنين، وقد مسح يده على وجهه، ورأينا عمر يرتعد ويقول: لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، ثم صاح ملء صوته يا سارية الجأ الجبل، ثم لم يلبث ان قبل صدر أمير المؤمنين ونزلا وهو ضاحك، وأمير المؤمنين يقول له: إفعل ما زعمت يا عمر انك فاعله وأن لا عهد لك ولا وفاء، فقال له امهلني يا ابا


 

[ 171 ]

الحسن حتى انظر ما يرد إلي من خبر سارية وهل ما رأيته صحيحا أم لا، قال له أمير المؤمنين: ويحك يا عمر فإذا صح ووردت الاخبار عليك بتصديق ما رأيت وما عاينت، وانهم قد سمعوا صوتك ولجأوا الى الجبل كما رأيت هل أنت مسلم ما ضمنت ؟ قال: لا يا ابا الحسن، ولكني أضيف هذا الى ما رأيت منك ومن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والله يفعل ما يشاء. فقال له أمير المؤمنين: ويلك يا عمر ان الذي تقول أنت وحزبك الضالون انه سحر وكهانة ليس فيك شك، فقال: ذلك قول قد مضى والامر لنا في هذا الوقت، ونحن أولى بتصديقكم في افعالكم وما نراه من عجائبكم الا ان هذا الملك عقيم. فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) ولقيناه فقلنا: يا أمير المؤمنين ما هذه الآية العظيمة ؟ وهذا الخطاب الذي سمعناه ؟ فقال: هل علمتم أوله ؟ فقلنا ما علمناه يا أمير المؤمنين ولا نعلمه الا منك، قال: ان هذا ابن الخطاب قال لي انه حزين القلب باكي العين على جيوشه التي في فتوح الجبل في نواحي نهاوند، وأنه يحب ان يعلم صحة اخبارهم وكيف مع كثرة جيوش الجبل وان عمرا بن معدي كرب قتل ودفن بنهاوند، وقد ضعف جيشه واتصل الخبر بقتل عمر، فقلت له: ويحك يا عمر كيف تزعم أنك الخليفة في الأرض، والقائم مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنت لا تعلم ما وراء اذنك وتحت قدمك والإمام يرى الأرض ومن عليها، ولا يخفى عليه من اعمالهم شئ ؟ فقال لي: يا أبا الحسن أنت بهذه الصورة فأت خبر سارية وأين هو ؟ ومن معهم ؟ وكيف صورهم ؟ فقلت له: يا ابن الخطاب، فان قلت لك لا تصدقني ولكني أريك جيشك واصحابك وسارية قد كمن بهم جيش الجبل في واد قعيد بعيد الأقطار كثير الأشجار فإن سار به جيشك يسيرا خلصوا بها، وإلا قتل اول جيشك وآخره، فقال: يا أبا الحسن ما لهم ملجأ منهم، ولا يخرجون


 

[ 172 ]

من ذلك الوادي، فقلت: بلى لو لحقوا الجبل الذي يلي الوادي سلموا وتملكوا جيش الجبل فقلق واخذ بيدي، وقال: الله الله يا ابا الحسن في جيوش المسلمين فأرينهم كما ذكرت أو حذرهم ان قدرت ولك ما تشاء من خلع نفسي من هذا الأمر ورده اليك فأخذت عليه عهد الله وميثاقه ان رقيت به المنبر وكشفت عن بصره وأريته جيوشه في الوادي وانه يصيح إليهم فيسمعون منه ويلجأون الى الجبل ويظفرون بجيش الجبل يخلع نفسه ويسلم الي حقي، فقلت له: قم يا شقي، والله لا وفيت بهذا العهد والميثاق كما لم تف لله ولرسوله ولي بما اخذناه عليك من العهد والميثاق والبيعة في جميع المواطن، فقال لي: بلى والله فقلت له: ستعلم أنك من الكافرين، ورقيت المنبر فدعوت بدعوات وسألت الله ان يريه ما قلت ومسحت على عينيه وكشفت عنه غطاءه فنظر الى سارية وسائر الجيش وجيش الجبل وما بقي الا الهزيمة لجيشه، فقلت له: صح يا عمر ان شئت، قال: يسمع ؟ قلت: نعم، يسمع ويبلغ صوتك إليهم، فصاح الصيحة التي سمعتموها: يا سارية إلجأ الجبل، فسمعوا صوته ولجأوا الى الجبل فسلموا وظفروا بجيش الجبل فنزل ضاحكا كما رأيتموه وخاطبته وخاطبني بما سمعتموه. قال جابر: آمنا وصدقنا وشك آخرون الى ورود البريد بحكاية ما حكاه أمير المؤمنين واراه عمر ونادى بصوته فكاد اكثر العوام المرتدين أن يعبدوا ابن الخطاب وجعلوا هذا منقبا له والله ما كان الا منقلبا. فكان هذا من دلائل مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام).


 

[ 173 ]

الباب الثالث باب سيدة النساء (عليها السلام)


 

[ 175 ]

قال السيد الحسين بن حمدان الخصيبي بإسناده: ولدت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد خمس سنين من ظهور الرسالة ونزول الوحي ومن بناء الحرم الذي أراد ابرهة ابن الصباح الجبار خرابه، وملك الحبشة وهو الجلندي ابن كركر صاحب الفيل وكان تخريبه بعد طسم وجديس وحزبهم ورحلهم من مكة وبني قريش ما كان خرب منه، فلما ورد ابرهة لهدم البيت وتخريبه أغار على اموال قريش وبني هاشم فاستباحها فصار إليه عبد المطلب فأستأذنوه عليه فلما صار إليه ارتعب منه ابرهة وعظم في نفسه وكبر عليه، فقال لمن حوله: من هذا الرجل العظيم ؟ فقالوا: سيد قريش وافضل بني هاشم واشرف العرب نفسا ونسبا، وهو صاحب هذا البيت فقال اسألوه فيما جاءنا فسألوه، قال: جئت أساله رد ما اخذه واستباحه من اموالنا، ونعمنا، فرغب ابرهة وقال لأصحابه: تزعمون انه صاحب البيت، وفخره له يراني قد قصدت إليه ولا يسألني الصفح عنه ويسألني رد ماله، ما أقول ما قلتم فاعيدوا قولي هذا عليه، فأعادوه على عبد المطلب فقال لهم يرد علينا اموالنا فان لهذه الكعبة ربا يمنعك منها، فقال: ردوا عليهم اموالهم حتى ننظر كيف رب هذه الكعبة يمنعنا منها، وامر بالفيلة فجمعت وحملوا بها وقال لساستها: احملوا على البيت فاجعلوه


 

[ 176 ]

سحيقا فلما جمع الفيلة وحملوا بها وقفت ولم تدخل الحرم ودعا بفيل وحمله على البيت فلم يدخل البيت ولم يزالوا من غروب الشمس الى طلوع الفجر يريدونها على دخول الحرم فلم تدخل فادار الى خارج الحرم ويأمر بحطم كل ما يلقاه فلما اسفر الصبح وطلع النهار ارسل الله تعالى عليهم طيرا ابابيل فكانوا كما قال الله عز وجل فجعلهم كعصف مأكول. وتوفيت فاطمة (عليها السلام) ولها ثمانية عشر سنة وشهران وخمسة وعشرون يوما. واقامت مع أبيها بمكة ثماني سنين ثم هاجرت معه الى المدينة، وأقامت بها عشر سنين الهجرة ومضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولها ثمانية عشر سنة، وعاشت بعده خمسة وسبعين يوما وبرواية الغار اربعين يوما وهو الصحيح. وأسماؤها (عليها السلام: فاطمة وفاطم ترخيما. وكناها: أم الحسن والحسين وأم الأئمة وأم أبيها. وألقابها: الزهراء، والبتول، والحصان، والحوراء، والسيدة، والصديقة، ومريم الكبرى، ووالدة الحسن والحسين، وأم النقي، وام التقي، وام البلجة، وأم الرأفة، وأم العطية، وأم الموانح، وأم النورين، وأم العلا، وأم البدية، وأم الرواق الحسيبة، وأم البدريين. ومن أسماء أبي الحسن لها ام البركات، وأم الهادي، وأم الرحبة (عليها السلام). ولها احدى عشرة سنة بعد الهجرة، ولم تحض كما تحيض النساء. وكان حملها ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال لما عرج بي جبريل (عليه السلام) إلى ربي ورأيت كل ما رأيته في الملكوت


 

[ 177 ]

ودخلت الجنة وناداني كل ما فيها من شئ حتى ثمارها، وأخذ حبيبي جبريل (عليه السلام) تفاحة من تفاح الجنة، فقال لي يا رسول الله ربك يقرئك السلام، ويقول لك: خذ هذه التفاحة فإن من مائها إذا تخلق تفاحة الدنيا والآخرة، وهي فاطمة ابنتك ورأيت النار وما فيها ثم هبطت الى الدنيا فوافيت خديجة (عليها السلام) فحملت بفاطمة. وصدق هذا الخبر في التفاحة قول عائشة وقد دخل عليها بالمدينة نسوة من العراقيات وعندها نسوة من الشاميات فقلن لها يا عائشة نسألك عن خروجك على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على ضلال استحللت قتاله أم على حق فبغيت عليه فقالت عائشة ويحكن يا عراقيات لقد سألتنني عن الداهية الدهيآء والطامة العظمى، ان عليا (عليه السلام) كان لله ناصرا ولدين الله ثابتا قائما بالحجة وخليفة النبوة واديب الملائكة وقريع الوحي يسمعه بكرة وعشيا ويعيه في اذن واعية، وحجته على خلقه والباب بينهم وبينه وما عسى أن أقول في ابي الحسن وقد اشتبكت رحمه برسول الله (صلى الله عليه وآله) كاشتباك الاصابع المتشابكة بالأوصال المتحابكة فصارت النفس واحدة واودعت جسمين فما يفارق جسم رسول الله ويرى ثقل حبيبه وخليله وقرة عينه الذي كان احب الناس إليه مريم الكبرى والحوراء التي افرغت من ماء الجنة من تفاحة في صلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقحت اكرم لقح وانتجبت اكرم من نجب فهو وابناه كبعض فضل الله لأن عليا (عليه السلام) اعلاهم فضل من الله ومنزلة عند الله ورسوله وسماكن مسلمات وجعلكن مؤمنات وهداكن سبلا، وجعل الأرض لكن مهادا وذللا فقلن الشاميات فما بال علي امير المؤمنين يلعنه معاوية على منابر الشام ؟ فقالت: ويلكن يا شاميات ان معاوية احتقب بخزيه الى خزيكن وبعماه الى عماكن والله لولا اني اكره لامرت بنفيكن اخرجن يا ناريات. وكانت فاطمة (عليها السلام) غمضت عينها وحفظت نفسها ومدت


 

[ 178 ]

عليها الملاءة وقالت: يا اسماء بنت عميس إذا انا مت فانظري الى الدار فإذا رأيت سجافا من سندس الجنة قد ضرب فسطاطا من جانب الدار فاحمليني وزينب وام كلثوم وأتيا بي فاجعلوني من وراء السجاف وخلوا بيني وبين نفسي. فلما توفيت فاطمة (عليها السلام) وظهر السجاف حملتها وجعلت وراءه فغسلت وحنطت بالحنوط وكان كافورا أنزله جبريل (عليه السلام) من الجنة وثلاث صدر، فقال: يا رسول الله العلي الاعلى يقرئك السلام، ويقول لك هذا حنوطك وحنوط ابنتك فاطمة، وحنوط اخيك علي مقسوم ثلاثا، وان اكفانها من الجنة لأنها امة اكرم على الله من ان يتولاها احد غيره. وروي انها تكفنت من بعد غسلها وحنوطها وطهارتها لا دنس فيها وانها لم يكن يحضرها الا أمير المؤمنين والحسن والحسين وزينب وام كلثوم وفضة جاريتها وأسماء ابنة عميس وان أمير المؤمنين (عليه السلام) جهزها ومعه الحسن والحسين في الليل وصلوا عليها وانها وصت، وقالت لا يصلي علي امة نقضت عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم يعلم بها احدا، ولا حضر وفاتها احد ولا صلى عليها من سائر الناس غيرهم لأنها وصت (عليها السلام)، وقالت: لا يصلي علي امة نقضت عهد الله وعهد ابي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين بعلي وظلموني واخذوا وراثتي وحرقوا صحيفتي التي كتبها ابي بملك فدك والعوالي وكذبوا شهودي وهم والله جبريل وميكائيل وأمير المؤمنين وام ايمن وطفت عليهم في بيوتهم وأمير المؤمنين (عليهم السلام) وعليه يحملني ومعي الحسن والحسين ليلا ونهارا الى منازلهم يذكرهم بالله ورسوله لئلا يظلمونا ويعطونا حقنا الذي جعله الله لنا فيجيبون ليلا ويقعدون عن نصرتنا نهارا ثم ينفذون الى دارنا قنفذا ومعه خالد بن الوليد ليخرجا ابن عمي الى سقيفة بني ساعدة


 

[ 179 ]

لبيعتهم الخاسرة ولا يخرج إليهم متشاغلا بوصاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأزواجه وتأليف القرآن وقضاء ثمانين ألف درهم وصاه بقضائها عنه عدات ودينا فجمعوا الحطب ببابنا وأتوا بالنار ليحرقوا البيت فأخذت بعضاذتي الباب وقلت: ناشدتكم الله وبأبي رسول الله (عليه السلام) ان تكفوا عنا وتنصرفوا فأخذ عمر السوط من قنفذ مولى أبي بكر، فضرب به عضدي فالتوى السوط على يدي حتى صار كالدملج، وركل الباب برجله فرده علي وانا حامل فسقطت لوجهي والنار تسعر، وصفق وجهي بيده حتى انتثر قرطي من اذني وجاءني المخاض فاسقطت محسنا قتيلا بغير جرم فهذه امة تصلي علي، وقد تبرأ الله ورسوله منها وتبرأت منها. فعمل أمير المؤمنين بوصيتها، ولم يعلم بها احد واصبح الناس في البقيع ليلة دفن فاطمة (عليها السلام) اربعون قبرا جددا وان المسلمين لما علموا بوفاة فاطمة ودفنها أتوا أمير المؤمنين (عليه السلام) يعزونه بها، فقالوا: يا أخا رسول الله امرت بتجهيزها وحفر تربتها فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) قد ووريت ولحقت بأبيها (صلى الله عليهما) فقالوا: انا لله وانا إليه راجعون تموت بنت محمد، ولم يخلف ولدا غيرها ولا يصلي عليها، ان هذا الشئ عظيم. فقال (عليه السلام): حسبكم ما جئتم به على الله ورسوله من أهل بيته ولم اكن والله اعصيها في وصيتها التي وصت بها أن لا يصلي عليها احد منكم وما بعد العهد غدر. فنفض القوم اثوابهم وقالوا: لا بد من الصلاة على بنت نبينا ومضوا من فورهم إلى البقيع فوجدوا فيه اربعين قبر جددا، فاستشكل عليهم قبرها بين تلك القبور فضج الناس، ولام بعضهم بعضا، وقالوا: لم تحضروا وفاة بنت نبيكم ولا الصلاة عليها ولا تعرفون قبرها فتزورونها. فقال أبو بكر: أتوا نساء المسلمين من ينشر هذه القبور حتى تجدوا


 

[ 180 ]

فاطمة (عليها السلام) فتصلوا عليها ويزار قبرها، فبلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) فخرج من داره مغضبا وقد احمرت عيناه ودارت أوداجه وعلى يده قباه الاصفر الذي لم يكن يلبسه الا في كريهة، يتوكأ على سيفه ذي الفقار، حتى ورد على البقيع فسبق الى الناس النذير فقال لهم: هذا علي قد أقبل كما ترون يقسم بالله لئن بحث من هذه القبور حجر واحد لأضعن سيفي على غابر الأمة، فولى القوم ولم يحدثوا احداثا. والذي ولدت فاطمة (عليها السلام) من أمير المؤمنين (عليه السلام): الحسن والحسين ومحسنا سقطا وزينب وام كلثوم وكان اسمها آمنة، وولدت الحسن والحسين من فخذها الأيمن وام كلثوم وزينب من فخذها الأيسر. ومثله ما روي عن وهب بن منبه ان مريم ولدت عيسى (صلوات الله عليه) من فخذها الأيمن وان النفخة كانت من جيبها والكلمة على قلبها وتفسير جابر عن الباقر (عليه السلام) أن في قول الله عز وجل كفاية قوله: (فنفخنا فيه من روحنا) وانها كانت النفخة من جيبها والكلمة على قلبها وصح ان النفخة في آدم (عليه السلام) لم تكن في فرجه وانما كانت في فيه.


 

[ 181 ]

الباب الرابع باب الامام الحسن المجتبى (عليه السلام)


 

[ 183 ]

مضى الحسن بن علي (عليهما السلام) وله سبع واربعون سنة، اقام مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمدينة سبع سنين من سني الهجرة، واقام مع أمير المؤمنين (عليه السلام) عشر سنين وكان اسمه الحسن، وسماه الله في التوراة: شبر. وكناه عند العامة أبو محمد، وعند الخاصة أبو القاسم، لأنه كني بأخيه المستشهد بكربلا. الزكي، والسبط الأول، وسيد شباب اهل الجنة، والأمين، والحجة والتقي. وأمه الطاهرة فاطمة ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم اولاده عبد الله والقاسم وزيد وعمر وعبيد الله وعبد الرحمن واحمد واسماعيل وعقيل والحسين وبشر. ومن البنات ام الحسن فقط. ومشهده البقيع بالمدينة.


 

[ 184 ]

وتوفي بالسم في تمام سنة خمسين من سني الهجرة وكان سبب سمه على يد زوجته جعدة بنت محمد بن الاشعث بن قيس الكندي لأنه بذل لها معاوية على ذلك عشرة آلاف درهم واقطاع عشر ضياع سورا وهي من سواد الكوفة. ولما حضرت الحسن الوفاة قال لأخيه الحسن (عليهما السلام) ان جعدة لعنها الله ولعن اباها وجدها فإن جدها خالف أمير المؤمنين (عليه السلام) وقعد عنه بالكوفة بعد الرجوع من صفين معاندا منحرفا مخالفا طاعته بعد ان خلعه بالكوفة من الامارة وبايع الضب دونه وكان لعنه الله لا يشهد له جمعة ولا جماعة ولا يشيع جنازة لاحد من الشيعة ولا يصلي عليهم منذ سمع أمير المؤمنين (عليه السلام) على منبره يقول ويح لفراخ افراخ آل محمد وريحانتي وقرة عيني ابني الحسن من ابنتك التي من صلبك يا أشعث وهو ملع متمرد وجبار يملك من بعد ابيه فقام إليه أبو بحر الاحنف بن قيس التميمي فقال له يا أمير المؤمنين ما اسمه قال يزيد بن معاوية ويؤمر على قتل ابني الحسين (عليه السلام) عبيد الله بن زياد لعنه الله على الجيش السائر الى ابني بالكوفة فتكون وقعتهم بكربلاء غربي الفرات كأني انظر إلى مناخ ركابهم ورحالهم وإحاطة جيوش أهل الكوفة بهم واغماد سيوفهم ورماحهم وسقيهم في جسومهم ودمائهم ولحومهم وسبي اولادي وذراري رسول الله (صلى الله عليه وآله) حملهم ناشرين الاقتاب وقتل الشيوخ والكهول والاطفال فقام الأشعث بن قيس على قدميه وقال ما ادعى رسول الله ما تدعيه من العلم من أين لك هذا فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) ويلك يا من عنق النار لابنك محمد ابنك من قوادهم اي والله وشمر بن ذي جوشن وشبث بن ربعي والزبيدي وعمرو بن حريث فاسرع الاشعث وقطع الكلام وقال يا ابن ابي طالب افهمني ما تقول حتى اجيبك عنه فقال له ويلك يا اشعث اما سمعت فقال يا ابن ابي طالب ما سوى كلامك يمر وولى فقام الناس على اقدامهم ومدوا اعينهم إلى أمير المؤمنين


 

[ 185 ]

ليأذن لهم في قتله فقال لهم مهلا يرحمكم الله إني اقدر على هلاكه منكم ولا بد ان تحق كلمة العذاب على الكافرين ومضى الأشعث لعنه الله عليه بنيان خطة وهي المعروفة بالاشعثية وبنى في داره مئذنة عالية فكان إذا ارتفعت (اصوات) مؤذني أمير المؤمنين (عليه السلام) في جامع الكوفة صعد الأشعث الى مئذنته فنادى نحو المسجد يريد أمير المؤمنين انا كذا وكذا انك ساحر كذاب واجتاز أمير المؤمنين في جماعة من اصحابه في خطة الأشعث ابن قيس لعنه الله وهو على ذروة بنيانه فلما نظر أمير المؤمنين (عليه السلام) اعرض بوجهه فقال له ويلك يا اشعث حسبك ما وعد الله لك من عنق النار فقال اصحابه يا أمير المؤمنين وما معنى عنق النار، فقال: ان الأشعث لعنه الله إذا حضرته الوفاة دخل عليه عنق ممدودة حتى تصل إليه وعشيرته ينظرون فتبلعه فإذا خرجت به عنق النار لم يجدوه في مضجعه فيأخذون عليهم اثوابهم ويكتمون امرهم ويقولون لا تقروا بما رأيتم فيشمت بكم أصحاب أمير المؤمنين فقال له اصحابه يا أمير المؤمنين ما يصنع به عنق النار فقال أمير المؤمنين عجلت عليه النار يكون فيها جثيا معذبا إلى ان نورده النار بعد ذلك في الآخرة فقالوا يا امير المؤمنين فكيف عجلت له النار في الدنيا فقال (عليه السلام) لأنه كان يخالف الله ويخاف النار فيعذبه الله بالنار وبالذي كان يخاف منه فقالوا يا أمير المؤمنين وأين يكون عنق هذه النار قال في هذه الدنيا والاشعث فيها على كل يوم حتى تقذفه بين يديه فيراه بصورته ويدعوه الأشعث ويستجير ويقول ايها العبد الصالح ادع ربك لي يخرجني من هذه النار التي جعلها الله عذابي في الدنيا والآخرة أي والله لبغضي في علي ابن ابي طالب وفي محمد (عليهما السلام) فيقول له المؤمن لا اخرجك الله منها في الدنيا ولا في الآخرة وأي والله ويقذفه عند عشيرته وأهله ممن شك ان عنق النار أخذته حتى يناجيهم ويناجونه ويقول لهم: إذا سألوه بما صرت معذبا في هذه الدنيا، فيقول لهم: شكي في محمد وبغضي لعلي (عليهما السلام) وكراهتي لبيعته وخلافي عليه وخلافي لبيعته


 

[ 186 ]

ومبايعتي ضبا دونه فيلعنونه ويتبرؤون منه ويقولون ما نحب ان نصير إلى ما صرت إليه، قال الحسن (عليه السلام): إذا أنا مت يا أخي فغسلني وحنطني وكفني وصل علي واحملني الى جدي رسول الله (صلى الله عليه واله) حتى تلحدني إلى جنبه فإن منعت من ذلك فبحق جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي أبيك وأمك فاطمة الزهراء (عليهما السلام) وبحقي يا اخي ان لا خاصمت احدا ولا قاتلته فحسبك بما قال لك في قتال جيش يزيد بكربلا في غربي الفرات وارادوا تعنفي فارجع من فورك الى بقيع الغرقد فادفني فيه، واعلم انك إذا حملتني إلى قبر جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يدع مروان طريد جدك لكفره ويركب بغلته ويصير إلى عائشة مسرعا فيقول لها يا أم المؤمنين تتركين الحسين يدفن اخاه مع جده رسول الله فتقول له يا مروان ما اصنع فيقول والله يا عائشة لئن دفن الحسن مع جده محمد ليذهبن فخر ابيك وفخر عمر الى يوم القيامة فتقول له وانى لي بهم وقد سبقوني فيقول هذه بغلتي فاركبيها والحقي بالقوم فامنعيهم من الدخول إليه ولو جزت ناصيتك وينزل عن بلغته وتركب عائشة وتسرع إليهم فتلحق بنعشي وقد وصل إلى حرم جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فترمي نفسها بينكم وبين القبر وتقول لا يدفن الحسن ها هنا أو تجز ناصيتي هذه وتأخذ ناصيتها بيدها فإذا فعلت ذلك فارددني الى البقيع وادفني إلى جانب قبر إبراهيم ابن جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما توفي الحسن (صلوات الله عليه) اخذ الحسين (عليه السلام) في جهازه وحمله وصلى عليه وصار به الى قبر جده (عليه السلام) ووافى مروان لعنه الله مسرعا على بغلته الى عائشة لعنها الله وقال كما حكاه الحسن للحسين (عليهما السلام) وقالت له مثله ونزل مروان عن بغلته وركبتها عائشة ولحقت القوم وقد وصلوا الى حرم النبي (عليه السلام) فرمت بنفسها عن البغلة واخذت بناصيتها ووقفت بينهم وبين القبر وقالت والله لا يدفن الحسن مع جده أو تجر ناصيتي هذه فأراد بنو هاشم الكلام فقال الحسين (عليه السلام) الله الله لا تضيعوا وصية اخي واعدلوا به الى


 

[ 187 ]

البقيع فانه اقسم علي ان منعت من دفنه مع جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا اخاصم احدا وان ادفنه في البقيع فعدلوا به إليه فدفنوه فيه فقال عبد الله بن العباس: كم لنا منكم يا حميراء يوم على جمل ويوم على زرافة فقالت يا ابن العباس ليس قتالي لعلي بعجيب وقد رويتم ان صفراء ابنة شعيب زوجة موسى بن عمران (عليه السلام) قاتلت بعده وصية يوشع بن نون على زارفة فقال لها ابن العباس هي والله صفراء وأنت حميراء الا انها بنت شعيب وأنت بنت عتيق إبن عبد العزى قالت إن لنا عندك يا إبن العباس ثارا بثأر والمعاد لا تقول به فقال لها ابن عباس والله انت ومن انت منه وحزبكم الضالون فكان هذا من دلائله (عليه السلام). قال الحسين بن حمدان الخصيبي حدثني جعفر بن محمد القصير البصري عن محمد بن عبد الله بن مهران الكرخي عن محمد بن صدقة العنبري عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) ان اعرابيا خرج من قومه حاجا محرما فورد على ادحي نعام فيه بيض فاخذه واشتواه واكل منه وذكره ان الصيد حرام فورد المدينة فقال اين الخليفة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد جنيت عظيما فأرسل إلى أبي بكر فورد عليه وعنده ملأ من قريش فيهم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وابو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة فسلم الأعرابي ثم قال: يا خليفة رسول الله افتني، فقال له أبو بكر: قل يا أعرابي، فقال: إني خرجت من قومي حاجا محرما فأتيت على أدحي فيه بيض نعام فأخذته واشتويته فأذن لي من الحج ما علي فيه جلال وما علي فيه حرام من الصيد فاقبل أبو بكر على من حوله وقال: انتم حواري رسول الله فقال الزبير من دون الناس انت خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وانت احق بإجابته فقال له أبو بكر: يا زبير علي بن أبي طالب في صدرك قال وكيف وأمي صفية ابنة عبد المطلب عمة رسول الله، فقال الأعرابي ما في القوم الا من يجهد وقال له الاعرابي: ما اصنع قال له الزبير لم يبق في المدينة من نسأله


 

[ 188 ]

بعد من حضر هذا المجلس الا صاحب الحق الذي هو اولى بهذا المجلس منهم، قال الأعرابي فترشدني إليه، قال الزبير: إن أخباري يسومونه قوم ويحط آخرون قال الأعرابي قد ذهب الحق وصرتم تكرهون، قال عمر: الى كم تطيل الخطاب يا ابن العوام قوموا بنا والاعرابي الى علي فلا نسمع جواب هذه المسألة الا منه فقاموا باجمعهم والاعرابي معهم حتى صاروا إلى أمير المؤمنين فاستخرجوه من بيته وقالوا للأعرابي اقصص قصتك على أبي الحسن علي قال الأعرابي فلم ارشدتموني الى غير خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: ويحك يا أعرابي خليفة رسول الله أبو بكر وهذا وصيه في أهل بيته وخليفته وقاضي دينه ومنجز عداته ووارث علمه قال الأعرابي: ويحكم يا أصحاب محمد والذي اشرتم إليه بالخلافة ما فيه من هذه الخصال خصلة واحدة، قالوا: ويحك يا أعرابي اسأل عن مسألتك ودع عنك ما ليس من شأنك، قال الأعرابي يا أبا الحسن، يا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إني خرجت من قومي حاجا محرما، قال له أمير المؤمنين: تريد الحج، فوردت على أدحي فيه بيض نعام فاخذته واشتويته وأكلته، فقال الأعرابي: من سبقني بالخبر إليك، فقال أمير المؤمنين عمن تحدث به في المجلس مجلس أبي بكر خليفة رسول الله فكيف لا يسبق الخبر إليه قال له أمير المؤمنين فافته يا ابا حفص قال له أبو حفص لو حضرت وعلمت الفتوى ما حملنا إليك فقال أمير المؤمنين اجل يا اعرابي عليك بالصبي الذي بين يدي معلمه ومؤدبه صاحب الرواية فانه ابني الحسن فاسأله فانه يفتيك قال الأعرابي إنا لله وإنا إليه راجعون مات دين محمد (صلى الله عليه وآله) بعد موته فحمد وتنازع اصحاب محمد وازبد قال امير المؤمنين حاش لله يا اعرابي لم يمت ابدا قال الأعرابي أفمن الحق ان أسأل خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحوارييه واصحابه ولا يفتوني ويحيلوني عليك وتحيلني وتأمرني أن أسأل الصبي الذي بين يدي معلمه لا يفصل بين الخير والشر فقال: أمير المؤمنين (عليه السلام) يا اعرابي لا تقل ما ليس لك به


 

[ 189 ]

علم واسأل الصبي فانه يفتيك فقام الاعرابي إلى الحسن (عليه السلام) وقلمه في يده يخط في الصحيفة ومؤدبه يقول احسنت احسن الله إليك يا حسن قال الأعرابي يا مؤدب يحسن للصبي من احسانه وما اسمعك تقول له شيئا حتى كأنه بمؤدبك قال فضحك القوم من الأعرابي وصاحوا به ويحك يا اعرابي اوجز قال الأعرابي قد نبأتك يا حسن اني خرجت من قومي حاجا محرما فوردت على أدحي فيه بيض نعام فاشتويته واكلته عامك هذا ناسيا قال الحسن زدت في القول يا اعرابي قولك عامدا لم يكن هذا عبثا قال الأعرابي ما كنت ناسيا فقال له الحسن - وهو يخط في صحيفته - يا اعرابي خذ بعدد البيض نوقا فاحمل (اي فاعل) عليها فيقا يعني ذكر النوق، فإذا انتجت من قابل فاجعلها هديا بالغ الكعبة كفارة لفعلك، قال الأعرابي: فديتك يا حسن ان من الإبل لما يزلقن. قال الحسن (عليه السلام) يا اعرابي وان في البيض لما يمرقن قال الأعرابي انت صبي محق وفي علم الله معروف ولو جاز ان يكون ما اقول لقلت انك خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال الحسن (عليه السلام) ما ترى قوما اختاروه فإذا ابغضوه عزلوه فكبر القوم وعجبوا لما سمعوا من الحسن فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) الحمد لله الذي جعل في ابني هذا كما جعله في داود وسليمان فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن محمد بن علي عن علي بن محمد عن الحسين بن علي عن بن فرقد عن علي بن الحسن العنبدي عن ابي هارون المكفوف عن الحارث الأعور الهمداني قال: لما مضى أمير المؤمنين (عليه السلام) جاء الناس الحسن بن علي (عليهما السلام) فقالوا: يا ابن رسول الله نحن السامعون المطيعون لك أمرنا بأمرك قال: كذبتم والله ما وفيتم لمن كان خيرا مني يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) فكيف توفون لي وكيف اطمئن إليكم


 

[ 190 ]

وأثق بكم ان كنتم صادقين، فهو غدا ما بيني وبينكم أعسكر بالمدائن فوافوني هناك. فركب معه من اراد الخروج وتخلف عنه خلق كثير لم يوفوا له بما قالوا وغروه كما غروا اباه أمير المؤمنين (عليه السلام) قبله. فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وذكر جده فصلى عليه وقال: يا ايها الناس قد غررتموني كما غررتم أبي أمير المؤمنين قبلي فلا جزاكم الله عن رسوله خيرا مع أبي أما انه تقاتلون بعدي مع الظالم الكافر اللعين ابن اللعين عبيد الله بن زياد الذي لا يؤمن بالله ولا برسول الله ولا باليوم الآخر ولا اظهر الإسلام هو ولا أبيه قاطبة الا خوفا من السيف ولو لم يبق من بني امية الا عجوز درداء لابتغت لدين الله عوجا هكذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله). ثم وجه قائدا في أربعة آلاف رجل وكان من كندة أمره أن يعسكر بالأنبار ونزل بها، وعلم بذلك معاوية بعث إليه رسول وكتب إليه معاوية إنك ان اقبلت إلي وليتك بعض كور الشام والجزيرة غير ما افيضه من الانعام عليك، وحمل إليه خمسمائة الف درهم وقبضها الكندي لعنه الله من الرسول وانقلب عن الحسن ومضى إلى معاوية لعنه الله. فقام الحسن (عليه السلام) خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أيها الناس إن صاحبي بعث إليه معاوية خمسمائة ألف درهم ووعده ومناه وولاه بعض كور الشام والجزيرة وقد توجه إليه وغدر بي وبكم وقد أخبرتكم مرة بعد مرة إنه لا وفاء لكم ولا خير عندكم أنتم عبيد الدنيا، وإني موجه مكانه رجلا إن هو علم به سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبه ولا يراقب في ولا فيكم فبعث رجلا من مراد في أربعة آلاف رجل وتقدم إليه فحلف بالإيمان لا تقوم لها الجبال بأنه لا يفعل كما فعل صاحبه، وحلف الحسن (عليه السلام) مثلها إنه يفعل ويغدر به، فلما توجه وصار إلى


 

[ 191 ]

الأنبار ونزل بها وعلم ذلك معاوية بعث إليه رسولا وكتب إليه كما كتب إلى صاحبه وبعث إليه خمسمائة ألف درهم ومناه أن يوليه خيرا من كور الشام والجزيرة فنكث على الحسن ما فعل وأخذ طريقه إلى معاوية ولم يراقب ولم يخف ما أخذ عليه من العهد والميثاق. وبلغ الحسن فعل المرادي لعنه الله فقام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس قد أخبرتكم مرة بعد مرة إنكم لا توفون بعهد الله وإنكم قد أغررتم هذا صاحبكم المرادي وقد غدر بي وصار إلى معاوية وكتب معاوية إلى الحسن (عليه السلام) يا أبن العم: الله الله فيما بيني وبينكم ان تقطع الرحم وأن قد غدروا بيني وبينكم وبالله استعين. فقرأ عليهم الحسن كتاب معاوية فقالوا: يا ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن كان الرجلان غدرا بك وغراك من انفسهما فإنا لك ناصحون متبعون غير غادرين، فقال الحسن (عليه السلام) والله لأعذرن هذه المرة فيما بيني وبينكم ان يعسكر بالنخيلة فوافوني هناك إن شاء الله تعالى فوالله لا توفون ما بيني وبينكم. ثم ان الحسن (عليه السلام) اخذه طريقه الى النخيلة عشرة ايام فوافاه عشر آلاف راجل فانصرف الى الكوفة فدخلها وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: واعجباه من قوم لا حياء لهم ولا دين يغدرون مرة بعد مرة، وأيم الله لو وجدت على ابن هند اعوانا ما وضعت يدي في يده ولا سلمت إليه بالخلافة وإنها محرمة عليهم، فإذا انتم لا يأمن غدركم وافعالكم فإني واضع يدي في يده أيم الله لا ترون فرجا ابدا مع بني أمية واني لأعلم أني عنده أحسن حالا منكم وتالله ليسؤمنكم بنو أمية سوء العذاب ويشنون عليكم جيشا عظيما من معاوية فأف لكم وترحا يا عبيد الدنيا وابناء الطمع. ثم كتب الى معاوية إني تاركها من يومي هذا وغير طالب لها وتالله لو وجدت عليكم اعوانا ناصرين عارفين بحقي غير منكرين ما سلمت إليك


 

[ 192 ]

هذا الأمر ولا أعطيتك هذا الأمر الذي أنت طالبه أبدا ولكن الله عز وجل قد علم وعلمت يا معاوية وسائر المسلمين إن هذا الأمر لي دونك ولقد سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن الخلافة لي ولأخي الحسين وأنها لمحرمة عليك وعلى قومك وسماعك وسماع المسلمين، والصادق والأمين والمؤدي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله). وانصرف الى الكوفة فاقام بها عاتبا على أهلها مواريا عليهم حتى دخل عليه حجر بن عدي الطائي، فقال له يا أمير المؤمنين كيف يسعك ترك معاوية ؟ فغضب الحسن (عليه السلام) غضبا شديدا، حتى احمرت عيناه ودارت اوداجه وسكبت دموعه وقال: ويحك يا حجر تسميني بأمرة المؤمنين وما جعلها الله لي ولا لأخي الحسين ولا لأحد ممن مضى ولا لأحد ممن يأتي إلا لأمير المؤمنين خاصة ؟ أو ما سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قد قال لأبي يا علي ان الله سماك بأمير المؤمنين ولم يشرك معك في هذا الاسم احدا فما تسمى به غيره الا وهو مأفون في عقله، مأبون في عقبه، فانصرف عنه وهو يستغفر الله فمكث أياما ثم عاد إليه، فقال له السلام عليك يا مذل المؤمنين فضحك في وجهه وقال والله يا حجر هذه الكلمة لأسهل علي واسر الى قلبي من كلمتك الأولى فما شأنك ؟ أتريد أن تقول ان خيل معاوية قد اشرفت على الأنبار وسوادها وأتى في مائة ألف رجل في هذين المصرين يريد البصرة والكوفة، فقال حجر يا مولاي ما أردت أن أقول الا ما ذكرته، فقال: والله يا حجر لو أني في ألف رجل لا والله الا مائتي رجل لا والله إلا في سبع نفر لما وسعني تركه، ولقد علمتم أن أمير المؤمنين دخل عليه ثقاته حين بايع أبا بكر فقالوا له مثلما قلتم لي فقال لهم مثلما قلت لكم فقام سلمان والمقداد وابو الذر وعمار وحذيفة بن اليمان وخزيمة بن ثابت وابو الهيثم مالك بن التيهان فقالوا: نحن لك شيعة ومن قال بنا شيعة لك مصدقون الله في طاعتك فقال لهم حسبي بكم قالوا وما تأمرنا قال إذا كان غدا فاحلقوا رؤوسكم واشهروا سيوفكم وضعوها


 

[ 193 ]

على عواتقكم وبكروا إلي فإني أقوم بأمر الله ولا يسعني القعود عنه فلما كان من الغد بكر إليه سلمان والمقداد وأبو ذر وقد حلقوا رؤوسهم وأشهروا سيوفهم وجعلوها على عواتقهم ومعهم عمار بن ياسر وقد حلق نصف رأسه وشهر نصف سيفه، فلما قعدوا بين يديه (عليه السلام) نظر إليهم، وقال لعمار يا أبا اليقظان من يشتري نفسه على نصر دينه يبقى ولا يخاف، قال: يا أمير المؤمنين خشيت وثوبهم علي وسفك دمي فقال اغمدوا سيوفكم فوالله لو تم عددكم سبعة رجال لما وسعني القعود عنكم وتالله يا حجر إني لعلى ما كان عليه أبي أمير المؤمنين لو اطعتموني، فخرج حجر واجتمع إليه وجوه قبائل الكوفة فقالوا انا قد أمتحنا أهل مصرنا فوجدناهم سامعين مطيعين وهم زهاء ثلاثين ألف رجل فقم بنا الى سيدنا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى نبايعه بيعة مجددة ونخرج بين يديه ولا ندع ابن هند يعبر علينا وقوائم سيوفنا في أيدينا فجاؤا إلى الحسن (عليه السلام) فخاطبوه بما يطول شرحه فقال لهم والله ما تريدون إلا انقطاع الجبل بي حتى تريحوا معاوية مني ولئن خرجت معكم بالله حتى ابرز عن هذا المصر ليرغبنكم معاوية وليدبر على رجل منكم يرغبه في قتلي بالمال الكثير ويسأله اغتيالي بطعنة أو ضربة فيضربني ضربة يجرحني بها ولا يصل الي قالوا بأجمعهم تالله يا أبن رسول الله لا تقل هذا فنقتل انفسنا وقد قلدناك دمنا فقال أبرزوا إلى المدائن حتى تنظروا فبرزوا وساروا حتى وردوا المدائن فعسكر بها في ليلة مقمرة وقد كان معاوية كاتب يزيد بن سنان البجلي ابن أخي جرير بن عبد الله البجلي لعنه الله وبذل له مالا على اغتيال الحسن وقتله فأخذ له سيفا وأحتمل تحت اثوابه وتوجه نحو الحسن (عليه السلام) فخاف على نفسه فرجع فرمى السيف وأخذ الرمح معه فضاق به صدره فرده خوفا وأخذ حربة مرهفة وأقبل بتوكأ عليها حتى انتهى الى الفسطاط المضروب للحسن بن علي (عليهما السلام) فوقف غير بعيد ونظر إليه ساجدا وراكعا والناس نيام فرمى بالحربة فاثبتها فيه وولى هاربا فتمم صلاته والحربة تهتز في بدنه ثم انتقل من صلاته ونبه من حوله وصاحوا


 

[ 194 ]

الناس فجاؤا حتى نظروا إلى الحربة تهتز في بدنه فقال لهم هل أنا يا أهل الكوفة اخبرتكم ما تفعلونه وكذبتموني وأخذ الحربة وصاح بالرحيل وانكفأ من المدائن جريحا وكان له بالكوفة خطبا وخطابا كثيرا يسب فيه أهل الكوفة ويلعنهم وقال لهم أن يزيد بن سنان ابن اخي جرير بن عبد الله البجلي رماني بحربة فاطلبوه فخرج من الكوفة وسلم ولحق بمعاوية ورحل الحسن (عليه السلام) من الكوفة وسلم الأمر الى معاوية وقلدها معاوية الى زياد لعنه الله فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن أبي الحسن عن أبي قرنة عن جعفر بن يزيد الخزاز عن محمد بن علي الطوسي الرسي عن علي بن محمد عن الحسن بن عبد الله عن صندل عن أبي أسامة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خرج الحسن ابن علي (عليهما السلام) الى مكة سنة من السنين ماشيا من المدينة، فتورمت قدماه فقال له بعض مواليه: لو ركبت سكن عنك هذا الورم الذي برجليك، قال كلا إذا اتيت المنزل سيلقاك اسود معه دهن لهذا الورم فاشتره ولا تماسكة فقال مولاه بابي أنت وأمي أتيت منزلا ليس فيه أحد يبيع هذا الدواء قال بلى انه امامك دون المنزل فسار مليا فإذا الاسود قد قابله قال الحسن لمولاه دونك الرجل فخذ منه الدهن واعطه الثمن فقال الأسود ويحك يا غلام لمن اردت هذا الدهن ؟ فقال: للحسن بن علي (عليهما السلام) فقال انطلق بي إليه فأخذ بيده حتى ادخله عليه فقال: بأبي أنت وأمي لم أعلم انك محتاج الى الدهن فلست آخذ له ثمنا انا مولاك ولكن ادع الله لي ان يرزقني ذكرا سويا يحبكم أهل البيت، فقد خلفت أهلي بمحضر، قال انطلق الى منزلك فان الله قد وهب لك ذكرا سويا وهو لنا شيعة فرجع الأسود فإذا أهله قد وضعت غلاما سويا، فرجع الحسن (عليه السلام) فاخبره بذلك فدعا الله له وقال له خير ومسح رجله بذلك الدهن وخرج من مجلسه وقد سكن ما به ومشى على قدميه فكان هذا من دلائله (عليه السلام).


 

[ 195 ]

وعنه عن علي بن بشر عن أحمد بن هارون الوراق عن محمد بن علي عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) قال: جاء الناس الى الحسن بن علي (عليهما السلام) قالوا أرنا ما عندك من عجائب أبيك التي كان يرينا إياها قال: تؤمنون بذلك ؟ قالوا: نعم نؤمن بالله تعالى، فقال: أليس تعرفون أبي، قالوا: بلى كلنا نعرفه، فرفع لهم جانب ستر فإذا بأمير المؤمنين جالس، قال: تعرفونه ؟ قالوا بأجمعهم: هذا والله أمير المؤمنين، ونشهد أنك الإمام بعده ولقد أريتنا أمير المؤمنين بعد موته، قال لهم الحسن: ويلكم أما سمعتم قوله عز وجل: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون) إلى آخر الآية فإذا كان هذا فيمن قتل في سبيل الله فماذا تقولون فينا ؟ قالوا: آمنا وصدقنا فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن جعفر بن محمد بن مالك عن زياد بن جعفر الوشا عن محمد بن خالد عن الحسن بن مسكان عن داود الرقي عن أبي حمزة الثمالي عن عبد الله بن غالب وهو أبو خالد الكابلي عن سيد العابدين علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) قال: كتب معاوية الى عمي الحسن كتابا يقول فيه إني قد أعددت لك بزا فدخلت في نفسي وصغرت فيما تستحقه فإن أذنت بقبولها أنفذتها إليك وإن أجبت ان اعرفكها تختار منها ما تراه فقلت وكان بعد وروده المدينة من الكوفة وأقبل للقائه فكتب إليه وصل كتابك بما عندنا علمه والذي أعددته لنا فإن أخذناه أخر عنك وإن تركناه كان عليك أعظم حمل ثقيل الوقر وإن كان المال دون الدماء التي سفكت والفتن التي ظهرت وأما عرضك علي ما أعددته لأختار منه ما أشاء فوالله انني بفضل الله احيط به علما ومن ذلك انك غلطت ونسيت فرددت خاتما جعلته في السفط الجزع من الجوهر الذي يكون عدده اثنتان واربعون حبة قد أستأثرت بالخاتم لنفسك وأعجبك فبخلت ببعثه إلينا وجعلته في سبابتك اليمنى وقلت في نفسك ماذا يقول أهل الشام إذا رأوا خاتمي في يده قد


 

[ 196 ]

هوى عليا بعد موته وتشاغلت بما اعددت لنا من البز والحرم، ودق مصر، ونسيج عدن، ومسك تيبت، وكافور قصورة، وعنبر الهند، ولو شئت لفصلت لك كلما اعددته وزنا وعددا وكيف تعرض علينا ان نختار ما نحن اعلم به منك ولو كنت تأدبت بآداب الله وأهديت ولم تشاور للزمنا قبول هديتك فدع الآن الى أن تنظر وننظر والسلام. فلما ورد الكتاب الى معاوية وفضه وقرأه وهم ان يخفيه ثم اظهره فقال له اخوه ابن ابي سفيان: يا أمير المؤمنين ان صدق الحسن فيما قال فقد اظهرت عيب نفسك باظهارك ما كتبت به إليك وإن كان كذاب فبين ذلك من كذبه عند من حضرك.. فقال: ويحك يا عتبة قد كان ما كان في النفس ما فيها واتيان الحق اجمل، والكذب لا يليق بذوي الكرم، والله لقد صدق في كل ما ذكره فقال له عتبة أدام الله لك رعبك من بني هاشم فلا تزال تخافهم كلما ذكرت عليا ونهض من مجلسه مغضبا فقال معاوية ان غضبت يا عتبة فعن قليل ترضى وما سخطك ورضاك بنافعي عند الله شيئا فخرج اكثر من في المجلس وهم يقولون لا جزاك الله يا معاوية خيرا فقد ادخلتنا في ضلال وعاقبة خسر، فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن الحسن بن علي المقري الكوفى عن محمد بن جبلة التمار عن المخول بن إبراهيم عن زيد بن كثير الجمحي عن يونس بن ظبيان عن المفضل بن عمر الجعفي عن المولى الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: لما قدم الحسن بن علي (عليه السلام) من الكوفة التقاه أهل المدينة معزين بأمير المؤمنين (عليه السلام)، ومهنئين له بالقدوم، ودخلت عليه ازواج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت عائشة والله يا ابا محمد ما فقد جدك الا حيث فقد ابوك ولقد قلت يوم قام عندنا ناعيه قولا صدقت فيه ما كذبت. قال لها الحسن (عليه السلام) عسى هو تمثلك بقول لبيد بن ربيعة


 

[ 197 ]

حيث يقول: وبشرتها فاستعجلت بخمارها * يحق على المستعجلين المباشر واخبرها الركبان ان ليس بينها * وبين قرى نجران والشام كافر فألقت عصاها واستقرت بها النوى * كما قر عينا بالأياب المسافر فقالت له يا ابن خبوت جدك وأبوك في علم الغيب، فمن ذا الذي اخبرك بهذا عني ؟ فقال لها ما هذا غيب لانك اظهرتيه، وسمع منك، وعن نبشك جزرا اخضر في وسط بيتك ليلا، بلا قش فتترين الحديدة في كفك حتى صار جرحا الا فاكشفي عنه، وأريه لمن حولك من النساء، ثم اخراجك الجزر وما فيه وما جمعته من خيانة واخذك منه اربعين دينارا عددا لا تعلمين وزنها وتفريقك له في ضعفة مبغضي أمير المؤمنين من تيم وعدي شكرا لقتل أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقالت: والله يا حسن لقد كان ما قلت ولله ابن هند فلقد شفا وشفا في. فقالت لها ام سلمة زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله): ويحك يا عائشة ما هذا منك بعجب، وإني لأشهد عليك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي وأنت حاضرة صوام أم أيمن وميمونة: يا ام سلمة كيف تجدين في نفسك ؟ فقلت يا رسول الله ما اجده قربا ولا أبلغه وصفا، قال كيف تجدين عليا في نفسك قلت لا يتقدمك يا رسول الله ولا بتأخر عنك وانتما في نفسي سوآء فقال شكر الله فعلك يا أم سلمة لو لم يكن علي في نفسك مثلي لبرئت منك في الآخرة ولم ينفعك قربك مني في الدنيا فقلت انني يا رسول الله وكذلك ازواجك قال نعم قلت والله ما اجد لعلي في نفسي موضعا قريبا أو بعيدا فقال لك حسبك يا عائشة ثم يا ام سلمة يمضي محمد ويمضي الحسن عليهما ويمضي الحسين مقتولا كما اخبر جدهما فقال لها الحسن: وأخبرك جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)


 

[ 198 ]

ان تموتين والى ماذا تصيرين فقالت له (نعم) ما اخبرني الا بخير. فقال لها الحسن: تالله لقد اخبرك جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) انك تموتين بالداء والدبيلة فقالت يا حسن متى قال هذا قال اخبرك بعد لومك أمير المؤمنين (عليه السلام) ونشائك حرما تجرين فيه عن بيتك متأمرة على جمل أحمر ممسوخ من مردة الجن يقال له عسكر تسفكين دم خمسة وعشرين الفا من المؤمنين الذين يزعمون أنك امهم قالت له جدك اخبرك بذلك ام هذا من غيبك قال هذا من علم الله وعلم رسوله وعلم أمير المؤمنين (عليه السلام) فاعرضت عنه بوجهها وقالت بنفسها والله لا تصدقن باربعين دينارا ونهضت فقال لها (عليه السلام) والله لو تصدقت باربعين قنطارا ما كان ثوابك الا النار. فهذا من دلائله (عليه السلام).


 

[ 199 ]

الباب الخامس باب الإمام حسين الشهيد (عليه السلام)


 

[ 201 ]

مضى أبو عبد الله الحسين وله سبعة وستون سنة في عام الستين من الهجرة في يوم عاشوراء، وهو يوم السبت من المحرم وكان بينه وبين اخيه الحسن (عليهما السلام) طهور الحمل وكان حمل أبي عبد الله ستة أشهر، ولم يولد لستة اشهر غير الحسين (عليه السلام) وعيسى بن مريم (عليه السلام)، وروي يحيى بن زكريا كذلك صلى الله عليه. وكان مقام الحسين مع جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ست سنين وستة أشهر وعشرة أيام والعشرة أيام هي المدة بين مولد الحسن وحمل الحسين (عليهما السلام). وأقام مع أمير المؤمنين ست سنين، ومع أبي محمد بعد مضي أمير المؤمنين عشر سنين، وأقام بعد مضي الحسن (عليه السلام) عشر سنين وستة أشهر لانه لم يكن بينهما غير الحمل. واسمه الحسين وفي التوراة شبير ولما علم موسى بن عمران (عليه السلام) قبل التوراة ان الله سمى الحسن والحسين سبطي محمد شبر وشبير سمى اخوه هارون ابنيه بهذين الاسمين وكان يكنى ابا عبد الله والخاص أبو علي ولقبه الشهيد والسبط والتام وسيد شباب اهل الجنة والرشيد والطيب


 

[ 202 ]

والوفي والمبارك والتابع والرضي لله والشاري نفسه لله والدال على ذات الله وامه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليهما ومشهده البقعة المباركة والربوة ذات قرار ومعين بكربلاء غربي الفرات وقتله عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن بأمر يزيد بن معاوية لعنهم الله واتوه ومعهم اثنان وثلاثون الف فارس واربعة وعشرون الف راجل وعدة اصحاب الحسين (عليه السلام) اثنان وثلاثون فارسا واربعون راجلا وثمانية عشر رهط عبد المطلب والباقون من سائر الناس ووقع شبهه على حنظلة الشبامي وشبام من همدان ولما رأى اخاه العباس بن علي مخلصا في الجهاد بين يديه رحمه الله فالقى شبهه على رشدة بن سنان والذي كان له من الأولاد علي سيد العابدين وهو الأكبر وعلي الأصغر وهو المتصل به وعبد الله وهو الطفل المذبوح بالنشابة ومحمد وجعفر ومن البنات زينب وسكينة وفاطمة. وروي بإسناده عن النبي (صلى الله عليه وآله) ان الله عز وجل هنأه بحمل الحسين وولادته وعزاه بقتله ومصيبته فعرفته فاطمة فكرهت حمله وولادته فأنزل الله تعالى في كتابه العزيز: (حملته امه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) وهذه الآية انزلت في حق مولانا الحسين خاصة ليس هذا في سائر الناس لأن حمل النساء تسعة اشهر والرضاع حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة وهما أربعة وعشرون شهرا ليكون بذلك ثلاثة وثلاثون شهرا ومن النساء من تلد لسبعة اشهر مع اربعة وعشرين فيكون احد وثلاثون شهرا والمولود لا يعيش ابدا إذا ولد لستة اشهر ورضاعه اربعة وعشرون شهرا فهو ثلاثون شهرا كما قال الله عز وجل فكان هذا من دلائله (عليه السلام). قال الحسين بن حمدان الخصيبي شرف الله مقامه حدثني أبو الحسين محمد بن علي الفارسي عن أبي بصير عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال لما أراد الحسين بن علي (عليه السلام) الخروج الى


 

[ 203 ]

الشام بعثت إليه ام سلمة وهي التي كانت ربته وكان هو احب إليها من كل احد وكانت أرأف الناس عليه وكانت تربة الحسين عندها في قارورة مختومة دفعها إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال لها إذا خرج ابني الى العراق فاجعلي هذه القارورة نصب عينيك فإذا استحالت التربة في القارورة دما عبيطا فاعلمي ان ابني الحسين قد قتل فقالت له اذكرت رسول الله ان تخرج الى العراق قال ولم يا أم سلمة قالت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يقتل ابني الحسين بالعراق وعندي يا بني تربتك في قارورة مختومة دفعها إلي النبي (صلى الله عليه وآله) فقال يا أم سلمة إني مقتول لا محالة فأين أفر من القدر والقضاء المحتوم والأمر الواجب من الله سبحانه تعالى قالت واعجباه فأين تذهب وأنت مقتول قال يا أم إني ان لم أذهب اليوم ذهبت غدا وإن لم أذهب غدا ذهبت بعد غد وما من الموت مفر والله يا أم إني لأعرف اليوم الذي أقتل فيه والساعة التي أحمل فيها والحفرة التي أدفن فيها واعرف قاتلي ومحاربي والمجلب علي والسائق والقائد والمحرض ومن هو قاتلي ومن يحرضه ومن يقتل معي من أهلي وشيعتي رجلا رجلا واحصيهم عددا واعرفهم باعيانهم واسمائهم وقبائلهم وعشائرهم كما اعرفك وإن احببت اريتك مصرعي ومكاني فقالت فقد شئت فما زاد علي ان تكلم بإسم الله فخضعت له الأرض حتى أراها مضجعه ومكانه ومكان اصحابه واعطاها من تلك التربة التي كانت عندها ثم خرج الحسين (عليه السلام) وقال لها يا أم إني لمقتول يوم عاشوراء يوم السبت فكانت أم سلمة تعد الايام وتسأل عن يوم عاشوراء فلما كانت تلك الليلة صبحته قتل الحسين (صلى الله عليه وآله) فرأت في منامها أشعث مغبرا باكيا وقال دفنت الحسين وأصحابه الساعة فانتبهت أم سلمة وخرجت صارخة بأعلى صوتها واجتمع إليها أهل المدينة فقالوا لها ما الذي دهاك قالت قتل الحسين بن علي وأصحابه (عليه السلام) قالوا اضغاث احلام فقالت مكانكم فإن عندي تربة الحسين فاخرجت إليهم القارورة فإذا هي


 

[ 204 ]

دم عبيط فحسبوا الأيام فإذا الحسين قتل في ذلك اليوم. وعنه عن الحسين بن محمد بن جمهور عن محمد بن علي عن علي بن الحسن عن علي بن محمد عن عاصم الخياط عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت عليا بن الحسين (عليهما السلام) يقول لما كان اليوم الذي استشهد فيه أبو عبد الله (عليه السلام) جمع اهله وأصحابه في ليلة ذلك اليوم فقال لهم: يا أهلي وشيعتي اتخذوا هذا الليل جملا لكم وانجوا بأنفسكم فليس المطلوب غيري ولو قتلوني ما فكروا فيكم فانجوا بانفسكم رحمكم الله فانتم في حل وسعة من بيعتي وعهد الله الذي عاهدتموني فقالوا اخوته واهله وانصاره بلسان واحد والله يا سيدنا ابا عبد الله لا تركناك أبدا ايش يقول الناس تركوا امامهم وسيدهم وكبيرهم وحده حتى قتل ونبلو بيننا وبين الله عذرا وحاش لله أن يكون ذلك أبدا أو نقتل دونك فقال (عليه السلام) يا قوم فإني غدا أقتل وتقتلون كلكم حتى لا يبقى منكم احد فقالوا الحمد لله الذي اكرمنا بنصرتك وشرفنا بالقتل معك اولا ترضى ان نكون معك في درجتك يا ابن بنت رسول الله فقال لهم خيرا ودعا لهم بخير فأصبح وقتل وقتلوا معه اجمعين فقال له القاسم ابن اخي الحسن يا عم وأنا اقتل فاشفق عليه ثم قال: يا ابن اخي كيف الموت عندك قال: يا عم احلى من العسل قال أي والله فذلك احلى لا أحد يقتل من الرجال معي ان تبلو بلاء عظيما وابني عبد الله إذا خفت عطشا قال يا عم ويصلون الى النساء حتى يقتل عبد الله وهو رضيع فقال فداك عمك يقتل عبد الله إذا خفت عطشا روحي وصرت الى خيامنا فطلبت ما اوليناه فلا اجد فاقول ناولني عبد الله اشرب من فيه اندى لهواني فيعطوني إياه فأحمله على يدي فادنى فاه من في فيرميه فاسق منهم لعنه الله بسهم فيخره وهو يناغي فيفيض دمه في كفي فارفعه الى السماء وأقول اللهم صبرا واحتسابا فيك فتلحقني الاسنة منهم والنار تحرق وتسعر في الخندق الذي في ظهر الخيم فأكر عليهم في آخر اوقات بقائي في دار الدنيا فيكون ما يريد الله فبكى وبكينا وارتفع البكاء


 

[ 205 ]

والصراخ من ذراري رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخيم ويسألني زهير بن القين وحبيب بن مظاهر عن علي فيقولان يا سيدنا علي الى ما يكون من حاله فأقول مستعبرا لم يكن الله ليقطع نسلي من الدنيا وكيف يصلون إليه وهو أبو ثمانية أئمة وكان كلما قاله صار فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن أحمد بن عبد الله بن صالح عن محمد بن عبد الرحمن عن محمد بن علي بن الحسين عن صندل عن هارون بن خارجة قال: قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) قال الحسين بن علي (عليه السلام): لا تخرجوا إلا في يوم سبت أو يوم خميس فانكم إن خالفتموني وخرجتم في غيرهما قطع عليكم الطريق وقتلتم وذهب ما معكم وكان قد أرسلهم إلى ضيعة له فخالفوه وخرجوا في غير اليومين الذي قال لهم واخذوا في طريق الجزيرة فاستقبلهم اللصوص فقتلوا القوم اجمعون واخذوا ما كان معهم فقيل ذلك للحسين (صلوات الله عليه) فقال قد قلت لهم لا تخرجوا إلا في يوم السبت أو في يوم الخميس فخالفوني فدخل من ساعته إلى والي المدينة فقال قد بلغني ما نزل بغلمانك ومواليك فآجرك الله فيهم فقال الحسين (عليه السلام) فاني ادلك على من قتلهم فأشدد يدك عليهم فقال يا أبا عبد الله وتعرفهم قال: نعم كما اعرفك وهذا منهم واشار بيده الى رجل على رأس الوالي قائم قال له: وكيف عرفتني يا ابن بنت رسول الله بأني كنت معهم قال ان صدقتك تصدق قال: نعم والله لافعلن قال الحسين (عليه السلام): نعم، ومعك فلان وفلان يسميهم بأسمائهم كلهم وفيهم أربعة من موالي الوالي والباقي من حبشان المدينة فقال الوالي للغلام: برب القبر والمنبر لتصدقني أو لأنزلن لحمك بالسياط فقال الرجل والله ما كذب الحسين ولو كان ما زاد علما على قوله قليلا ولا كثيرا فجمعهم الوالي جميعا فاقروا بلسان واحد والله اراد بهم ليعلم الناس والوالي من هو أحق بالأمر فقام الوالي وضرب اعناقهم فكان هذا من دلائله (عليه السلام).


 

[ 206 ]

وعنه عن الحسين بن علي بن جمهور عن علي بن الطيب الصابوني قال الحسين بن حمدان لقيت علي بن الطيب الصابوني فحدثني بهذا الحديث عن الحسن بن زيد المدني عن محمد بن علي بن الحسين الزيات عن سيف بن عميرة التمار عن أبي عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) قال: جاء رجل من موالي أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) يشاوره في امرأة يتزوجها فقال له (عليه السلام): لا أحب لك أن تتزوجها فإنها أمرأة مشؤومة وكان الرجل محبا له ذو مال كثير فخالف مولانا الحسين (عليه السلام) وتزوجها فلم تلبث معه الا قليلا حتى اتلف الله ماله وركبه دين ومات اخ له كان احب الناس إليه فقال له الحسين (عليه السلام): لقد أشرت عليك ما هو خير لك منها واعظم بركة فخلى الرجل سبيلها فقال عليك بفلانة فتزوجها فما خرجت سنته حتى اخلف الله عليه ماله وحاله وولدت له غلاما ورأى منها ما يحب في تلك السنة فكان هذا من دلائله (عليه السلام) والتحية. وعنه بهذا الإسناد عن أبي عبد الله جعفر الصادق (عليه السلام) قال: لما سار أبو عبد الله الحسين (صلوات الله عليه وآله) من المدينة تكنفه افواج الملائكة المسومين والمردفين في ايديهم الحراب على نجب من نجب الجنة فسلموا عليه وقالوا: يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه ان الله قد أمدك بنا فقال لهم: الموعد حضرتي وبقعتي التي استشهد بها في كربلاء فإذا وردتها فأتوني فقالوا يا حجة الله ان الله أمرنا ان نسمع لك ونطيع فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك فقال لا سبيل لهم علي ولا يلقوني بكريهة حتى أصل إلى بقعتي وأتاه افراخ من مؤمني الجن فقالوا له: يا مولانا نحن شيعتك وانصارك مرنا بأمرك فإن امرتنا نقتل كل عدو لك وانت مكانك لكفيناك ذلك فجزاهم خيرا وقال لهم: أما قرأتم كتاب الله المنزل على نبيه المرسل قوله تعالى: (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم) فإذا أقمت مكاني فبماذا يمتحن


 

[ 207 ]

الله هذا الخلق المنكوس وإنما يحشرون إلى النار وأما من يكون حضرتي بكربلاء التي اختارها الله لي دون الأرض وجعلها معقلا لشيعتنا ومحبيهم ويقبل فيها اعمالهم ويشكر الله سعيهم وتكون لهم امانا في الدنيا والآخرة ولا يبقى مطلوب من أهلي ونسبي وذراري واخوتي وأهل بيتي ويسير برأسي الى يزيد بن معاوية لعنه الله ولعن كل ظالم لهم، فقالت له الجن: والله يا حبيب الله وابن حبيبه لولا ان أمرك امر الله وطاعتك ذلك لا يجوز لنا مخالفته لخالفناك وقتلنا جميع اعدائك قبل أن يصلوا إليك فقال لهم (عليه السلام) ونحن بالله عليهم اقدر ولكن ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن الحسين بن علي الصائغ عن محمد بن شهاب الوشاء عن كثير بن وهب عن الحدا ابن يونس بن ظبيان عن جابر بن يحيى المعبراني عن سعيد بن المسيب قال لما استشهد أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) وحج الناس من قابل دخلت على سيدي علي بن الحسين (عليهما السلام) فقلت له يا مولاي قد قرب الحج فماذا تأمرني قال امض على نيتك فحججت فبينما أنا أطوف بالكعبة فإذا نحن برجل مقطوع اليدين ووجهه كقطع الليل المظلم متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول اللهم رب هذا البيت الحرام اغفر لي وما أحسبك تغفر لي ولو شفع لي سكان سماواتك وجميع من خلقت لعظم جرمي قال سعيد بن المسيب فشغلنا وشغل جميع الناس من الطواف حتى حف به الناس واجتمعنا عليه وقلنا له يا ويلك لو كنت إبليس لعنه الله لكان ينبغي أن لا ييأس من رحمة الله فمن أنت وما ذنبك فبكى وقال يا قوم انا أعرف بنفسي وذنبي وما جنيت فقلنا له تذكره لنا فقال إني كنت جمالا لأبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) لما مر من المدينة الى العراق وكنت اراه إذا أراد الوضوء للصلاة فإذا يضع سراويله فأرى التكة تغشي الأبصار بحسن اشراقها والوانها وكنت اتمناها إلى أن صرنا بكربلاء فقتل الحسين بن علي (صلوات الله عليه) وأنا معه فدفنت


 

[ 208 ]

نفسي في مكان من الأرض ولم اطلب الا مثالي قال فلما جن علينا الليل خرجت من مكاني فرأيت تلك المعركة بها نورا لا ظلمة ونهارا لا ليلا والقتلى مطروحين على وجه الأرض فذكرت لشقاوتي التكة فقلت والله لأطلبن الحسين فأرجوا أن تكون التكة عليه في سراويله فاخذها ولم أزل انظر في وجوه القتلى حتى وجدته جديلا فإذا التكة فيها فدنوت منه وضربت بيدي الى التكة فإذا هو قد عقدها عقدة قوية فلم أزل احل حتى حللت منها عقدة فمد يده اليمين وقبض على التكة فلم اقدر على اخذ يده عنها ولا اصل إليها فدعتني نفسي الملعونة إلى أن طلبت فوجدت قطعة من سيف مطروحة فأخذتها وانكببت على يده فلم ازل احزها من يده حتى فصلتها عن التكة ثم حللت عقدة اخرى فمد يده اليسرى فقطعتها ثم نحيتها عن التكة ومددت يدي الى التكة لآخذها وإذا بالأرض ترجف والسماء وإذا بجبلة عظيمة وبكاء ونداء يقول وا ابناه وا حسيناه فصعقت ورميت نفسي بين القتلى فإذا ثلاث نفر وأمرأة، وحولهم خلائق وفرق قد امتلأت منهم الأرض والسماء في صور الناس واجنحة الملائكة وإذا بواحد منهم يقول وا ابناه يا حسين فداك جدك وأبوك وامك واخوك وإذا بالحسين قد جلس ورأسه على بدنه وهو يقول لبيك يا جداه يا رسول الله ويا ابتاه يا أمير المؤمنين ويا أماه يا فاطمة ويا اخاه المقتول بالسم قبلي وإذا هم قد جلسوا حوله وفاطمة تقول يا ابي يا رسول الله اتأذن لي حتى آخذ من دم شيبته واخضب ناصيتي والقى الله يوم القيامة قال لها افعلي فرأيتهم يأخذون وفاطمة تمسح ناصيتها والنبي وعلي والحسن (عليهم السلام) يمسحون نحورهم وصدورهم وأيديهم إلى المرافق وسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول فديتك يا حسين فما كان من قطع يدك اليمنى وثني باليسرى قال يا جداه كان معي جمال صحبني من المدينة وكان ينظر الى سراويلي ووضوء الصلاة فيتمنى ان يكون له فما منعني أن ادفعها إليه الا لعلمي انه صاحب هذا الفعل فلما قتلت خرج يطلبني فوجدني بلا رأس فتفقد سراويلي ورأى التكة وقد كنت عقدتها عقدة صعبة فضرب يده الى


 

[ 209 ]

العقدة منها فحلها فمددت يدي اليمنى فقبضت على التكة فطلب في المعركة فوجد قطعة من سيف فقطع بها يدي اليمنى ثم حل عقدة اخرى فضربت بيدي اليسرى على التكة لئلا يحلها فتنكشف عورتي فأخذ يدي اليسرى فلما ان حل العقدة الاخرى احس بك فرمى بنفسه بين القتلى فقالوا أف لك جمالا سود الله وجهك في الدنيا والآخرة وقطع يديك وجعلك في حزب من سفك دماءنا وحايش على الله في قتلنا فما استتم دعاءه حتى انتثرت يداي وحسست بوجهي انه البس قطعا من النار مسودة فجئت الى هذا البيت استشفع واعلم بانه لا يغفر لي ابدا فلم يبق بمكة احد ممن سمع بحديثه الا تقرب الى الله بلعنه وكل يقول حسبك ما أنت فيه فكان هذا من دلائله وعجائبه وغرائبه وبرهانه (عليه السلام).


 

[ 211 ]

الباب السادس باب الإمام علي السجاد (عليه السلام)


 

[ 213 ]

مضى وله سبع وخمسون سنة مثل اقامة ابيه في العمر في عام خمسة وتسعين من اول سني الهجرة. وكان ولده ليلة الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين من الهجرة قبل وفاة جده أمير المؤمنين (عليه السلام). وكان مقامه مع جده أمير المؤمنين (عليه السلام) سنتين. وأقام مع أبيه الحسين عشر سنين وبعد وفاة ابيه (عليه السلام) خمسة وثلاثون سنة. وكان اسمه علي. وكنيته أبو الحسين والخاص أبو محمد وروي أنه كني بأبي بكر ولم تصح هذه الكنية. وألقابه سيد العابدين، وزين الصالحين، وذو الثفنات، والزاهد، والخاشع، والباكي، والمجتهد، والرهباني، وإنما لقب بذي الثفنات لأنه كان من طول سجوده وكثرة عبادته تخفى غضون جبهته فتصير ثفنات منتصبة فيقصها إذا طالت لتستقر جبهته على الأرض في سجوده واسم امه


 

[ 214 ]

حلوة وروي حلولا بنت سيد الناس يزدجرد ملك فارس وسماها أمير المؤمنين شازان معناه بالفارسية النساء وكان يقال لعلي بن الحسين (عليه السلام) ابن الخيرتين ويقال امه برابنة والنوسجان ويقال شهر حاجون بنت يزدجرد وهو الصحيح. وأسماء أولاده محمد الباقر (عليه السلام) والحسين وزيد المصلوب بكناسة الكوفة وعبد الله وعبيد الله وعلي وعمر ولم يكن له ابنة غير زوجة محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وعقبه منها ومشهده بالبقيع في المدينة بجانب قبر عمه الحسن بن علي (عليهما السلام). وكان من دلائله: قال الحسين بن حمدان (رضي الله عنه) حدثني عتاب بن يونس الديلمي عن عسكر مولى أبي جعفر الإمام التاسع (عليه السلام) عن أبيه (عليهما السلام) عن علي بن موسى بن جعفر عن جعفر بن محمد (صلوات الله عليهم اجمعين) قال: دخلت عليه طائفة من شيعة الكوفة فقالوا: يا ابن رسول الله الأنبياء كلهم عابدون لله فكيف سمي جدك علي بن الحسين سيد العابدين فقال الصادق (صلوات الله عليه) ويحكم اما سمعتم قول الله عز وجل: (نرفع درجات من نشاء) وقوله تعالى: (هم درجات عند ربهم) وقوله تعالى: (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) فماذا انكرتم ؟ قالوا: أحببنا ان نعلم ما سألنا عنه فقال: ويحكم ان إبليس لعنه الله ناجى ربه فقال إني قد رأيت العابدين لك من عبادك منذ أول العهد الى عهد علي بن الحسين (عليه السلام) فلم أر اعبد لك ولا أخشع منه فأذن لي يا الهي ان اكيده وابتليه لاعلم كيف صبره فنهاه الله عز وجل عن ذلك فلم ينته وتصور لعلي بن الحسين وهو قائم يصلي في صلاته فتصور في صورة افعى لها عشر رؤوس محددة الأنياب متقلبة الاعين


 

[ 215 ]

بحمرة وطلع عليه من الأرض من موضع سجوده ثم تطاول في قبلته فلم يرعه ولم يرعبه ذلك ولم ينكس رأسه إليه فانتفض إبليس لعنه الله إلى الأرض في صورة الأفعى وقبض على عشر انامل رجلي علي بن الحسين (صلوات الله عليه) وأقبل يكدمها بأنيابه وينفخ عليها من نار جوفه وكل ذلك لا يميل طرفه إليه ولا يحول قدميه عن مقامه ولا يختلجه شك ولا وهم في صلاته وقراءته فلم يلبث إبليس لعنه الله حتى انقض عليه شهاب من نار محرق من السماء فلما احس به صرخ وقام الى جانب علي بن الحسين في صورته الأولى ثم قال: يا علي انت سيد العابدين كما سميت وأنا إبليس كما جنيت والله لقد شهدت عبادة النبيين والمرسلين من عهد ابيك آدم إليك فما رأيت مثلك ولا مثل عبادتك ولوددت انك استغفرت لي فان الله كان يغفر لي ثم تركه وولى وهو في صلاته لا يشغله كلامه حتى قضى صلاته على تمامها فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه بهذا الاسناد الى أبي عبد الله (عليه السلام) كان قائما يصلي حتى زحف ابنه محمد (عليهما السلام) وهو طفل إلى بئر كانت في داره بالمدينة عميقة فسقط فيه فنظرت إليه امه فصرخت وانقلبت تضرب بنفسها حول البئر وتستغيث وتقول يا ابن رسول الله غرق ابنك محمد في قعر البئر في الماء فلما طال عليها ذلك قالت له جزعا على ابنها ما اقسى قلوبكم يا أهل بيت النبوة فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها الى غير كمالها ثم قال لها وقد جلس على البئر ومد يده الى قعرها وكانت لا تصل الا برشاء طويل وأخرج ابنه على يده يناغي ويضحك ولم يتبلل له ثوب ولا جسد فقال هاك يا ضعيفة اليقين بالله فضحكت لسلامة ابنها وبكت لقوله لها يا ضعيفة اليقين فقال لها لا تثريب عليك اما علمت بأني كنت بين يدي جبار ولو ملت بوجهي عنه لمال بوجه عني فمن ترين راحمي بعده فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن محمد بن علي الصيرفي عن علي بن محمد عن الحسن بن محمد


 

[ 216 ]

عن شعيب بن عمر عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال بينما علي بن الحسين (عليه السلام) جالس مع جماعة من أصحابه إذ دخلت عليه ظبية من الصحراء حتى قامت بين يديه فضربت بيدها على الأرض وثغت فقال بعض القوم: يا ابن رسول الله ما تقول هذه الظبية فقال: تزعم ان فلانا ابن القرشي أخذ خشفها بالامس وإنها لم ترضعه اليوم شيئا فوقع في قلب رجل منهم شك ثم ان علي بن الحسين (عليهما السلام) قال لابن القرشي ما بال هذه الظبية تشكوك قال: وما تقول قال: تزعم انك اخذت خشفها بالامس وانها لم ترضعه اليوم شيئا منذ أخذته وقد سألتني أن أسألك ان تبعث به إليها حتى ترضعه وترده فقال له القرشي: والذي بعث جدك بالحق نبيا واصطفاه بالرسالة نجيا لقد صدقت في قولها فقال سيد العابدين (عليه السلام) ابعث الخشف إليها فلما رأته ثغت وضربت بيدها ثم رضع منها، فقال علي بن الحسين بحقي عليك يا فلان الا ما وهبته لي فوهبه القرشي فأطلق الخشف مع أمه فقال: يا ابن رسول الله ما الذي قالت، قال: دعت الله لكم وجزتكم خيرا فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن الحسين بن محمد بن يحيى الفارسي عن محمد بن علي عن علي بن الحسين عن سيف بن عميرة عن بكر بن محمد قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كان علي بن الحسين (صلوات الله عليه) قد عمل سفرة لأصحابه بالكوفة يأكلون منها فبينما هم كذلك إذا أقبل ظبي من الصحراء حتى قام بازائه فثغى وضرب بيده فقال القوم: يا ابن رسول الله ما يقول هذا الظبي قال يشكو انه لم يأكل شيئا منذ ثلاثة أيام فأحب ان تحلفوا له ان لا تؤذوه ولا تصيبونه بسوء ففعلوا فكلمة علي بن الحسين (صلوات الله عليه وآله) مثل كلامه فاقبل الظبي حتى وضع فمه على سفرتهم وأكل قليلا ثم ان رجلا منهم مسح يده على ظهره فذعر وقام يعدو


 

[ 217 ]

فقال زين العابدين (عليه السلام) أليس قد حلفتم ان لا تصيبوه بسوء فحلف الرجل بالله الذي لا اله الا هو ما اراد به غائلة ولا سوءا فكلمه علي بن الحسين (صلوات الله عليه) فرجع فأكل حتى شبع وثغى وضرب بيده وانطلق نحو الصحراء فقالوا: يا ابن رسول الله ما قال: قال دعا لكم وجزاكم خيرا ودعا لكم بالعافية فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن محمد بن علي عن علي بن الحسين عن أبيه الحسين عن زيد ابن عاصم الخياط عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت من املآء علي بن الحسين زين العابدين (صلوات الله عليه) بين مكة والمدينة فقال إذا بلغت جبال صيحان تقف ناقتي لأمر أخبرك به هناك قال أبو حمزة: فلما وصلنا الى جبال صيحان وقفت الناقة، فقال لها: سيري والا قلت ما تعلمين فسارت فقلت جعلت فداك الناقة وقفت فقال يا ابا حمزة جاء معاوية لعنه الله وفي عنقه سلسلة واصحابه معه يسألوني اسقيهم الماء فوقفت الناقة لأنها تهواهم فهتف بي هاتف من عند الله لأسقيهم لا سقاهم الله فهم في هذا الموضع يعذبون بأنواع العذاب الى يوم القيامة قال أبو حمزة فما الذي قالت الناقة وإلا فقلت ما تعلمين قال: قد قلت لها سيري والا عذبت معهم فسارت فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي عن محمد بن علي عن علي بن محمد عن الحسن بن ابي عشار عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت من املاء علي بن الحسين (صلوات الله عليه) بين مكة والمدينة فمررنا بشجرة فيها قنابر تصفر فقال: يا ابا حمزة اتدري ما الذي تقول هذه القنابر فقلت والله ما أدري، قال: ولكني أدري، قلت: يا سيدي ما تقول، قال: يقدسن ربهن ويسألنني قوت يوم بيوم فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن جعفر بن مالك عن محمد بن علي عن علي بن الحسين عن


 

[ 218 ]

معمر بن خديجة عن ابن يزيد الجعفي عن أبي خالد عبد الله بن غالب الكابلي قال: جاء الناس الى سيدنا سيد العابدين (صلوات الله عليه) فقالوا: يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نريد الحج إلى مكة فاخرج أنت معنا نشكر الله قال لهم: نعم، فدعا لهم ووعدهم يوم الخميس فلما نزل بعسفان بين مكة والمدينة وإذا غلمانه قد سبقوه فضربوا لهم فسطاطا في موضع عال من الأرض فلما دنا من ذلك الموضع قال لغلمانه كيف ضربتم وفي هذا الموضع قوم من الجن لنا اولياء وشيعة قد أضررتم بهم وضيقتم عليهم فقالوا ما علمنا يا مولانا هذا يكون ها هنا فإذا هاتف من جانب الفسطاط نسمع كلامه ولا نرى شخصه وهو يقول يا ابن رسول الله لا تحول فسطاطك فإنا نحب هذا ونرى ذلك علينا فرضا وطاعتك طاعة الله وخلافك خلاف على الله وهذه الطاف قد اهدينا لك فنحب ان تأكل منها فنظر صلى الله عليه وإذا طبق عظيم بجانب الفسطاط واطباق اخرى دونه فيها رطب وعنب ورمان وموز ومن سائر الفواكه فدعا (عليه السلام) كل من كان حوله واكلوا واكل من تلك الهدية وقال لهم هذه هدية اخوانكم من الجن المؤمنين ثم رحل فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن علي بن الطيب الصابوني عن محمد بن علي بن الحسن عن محمد بن ابي العلاء عن أبي الفراء جميعا عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال دخل أبو هاشم محمد بن الحنفية على سيد العابدين علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) لإظهار أمر كان من شيعته بمكة والمدينة مكتوم ما رحل عند الحسين بن علي (صلوات الله عليه) بالعراق وسيد العابدين ابنه معه وكانت تلك وصية من الحسين (عليهما السلام) الى اخيه محمد بن الحنفية ان يظهر للناس امامته لئلا يرجعوا عن محبتهم أهل البيت الى أن يعود علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) من الشام إلى المدينة بعد أن تحمل من العراق إلى الشام فنصب محمد نفسه


 

[ 219 ]

للشيعة وأظهر هم بأنه الإمام وخرج المختار بن عبيد الله الثقفي بما يريده الحسين (عليه السلام) وسأل عن الإمام بعده فقالت له شيعة في المدينة: هو محمد بن الحنفية وكان المختار حيث مات أبوه وهو طفل وتبعل عمه بأمه وكان المختار كيسيا وحده وكان عمه يدعوه بكيسان المكتسبة فلما اتاه بدم الحسين (عليه السلام) أدعى امامة محمد بن الحنفية فعرف اصحابه بالكيسانية ولما صار بالمزار ومعه عبيد الله بن أمير المؤمنين علي وسأله وهو في المعسكر على أيدي وجوه الشيعة الذين كانوا مع المختار إنك كنت تطلب هذا الثأر لترد إلينا حقنا وأنا ابن أمير المؤمنين وأنا أحق منك بهذا الأمر فسلمه الي وإن كنت تطلبه بنفسك فانظر حتى أرحل عنك فقال له المختار سأنظر الى ما ذكرت ولا أؤخره فلما جن عليه الليل وهو في المعسكر احضر القوم الذين كانوا الرسل إليه فقال لهم: قد حل قتل عبيد الله لأن الإمام محمد بن الحنفية وقد طلب عبيد الله الإمامة لنفسه قالوا: بئسما قلت ان في قتله تكون كيزيد بن معاوية وجنده فقال لهم انصرفوا الى اخبيتكم حتى انظر وتنظرون وصار بنفسه في عدة من خاصته الى خيمة عبيد الله وأخذوه من بين غلمانه فقتلوه ودرجوه في بساطه وجهزوه وصلوا عليه ودفنوه بالمزار وتفرق عن المختار طوائف وانكروا قتل عبيد الله فلما قتل الحسين بن علي (عليهما السلام) وحمل علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) وذراري رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى يزيد بن معاوية وكان علي بن الحسين عليلا نحيفا رده يزيد وأهله إلى المدينة وتسامعت الشيعة برجوع علي بن الحسين في إمامة محمد بن الحنفية ودخلت أحياؤها على علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) فاراهم دلائل الامامة وبراهينها فاستجابت الشيعة وسلمت الامر إليه وسرت بصحيح الاخبار عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعن أمير المؤمنين وعن اللوح المنزل على فاطمة (عليها السلام) وأن محمد بن الحنفية ما له شئ بالامامة وما الامير المؤمنين والحسن والحسين والتسعة من ولد الحسين أولهم سيد العابدين فلما فشا ذلك


 

[ 220 ]

في الشيعة ورجعت إلى علي بن الحسين فقامت طائفة على محمد بن الحنفية اراد محمد بن الحنفية يروي الشيعة في دخوله على علي فقال يا علي بن الحسين ألست تعلم أني إمام عليك قال له: يا عم لو علمت منك ذلك لما خالفتك ولا وسعني جحدك وإنك لتعلم أني إمامك وامام جميع المؤمنين والحجة على الخلق أجمعين، وإن طاعتي عليك فرض مفترض، يا عم أما علمت أني وصي الحسنين وأن أبي وصي أبيه أمير المؤمنين ووصي أخيه الحسن، أخذ الله عليهما بعد أبيهما أمير المؤمنين، وأن الاوصياء مني والمهدي، فتشاجرا مليا، قال علي بن الحسين (عليهما السلام) لمححمد بن احنفية فمن ترضى تجعله حكما بيني وبينك، قال له محمد بن الحنفية: من شئت، قال له ترضى ان تجعل بيني وبينك الحجر الاسود قال له محمد: يا علي تجعل بيني وبينك الحجر حكم لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق سبحان الله ما أعجب هذا تترك الناس وتحكم الحجر، فقال له علي بن الحسين: يا عم وإن لم يسمع ويبصر وينطق ود علمت ان الله تعالى اخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على انفسهم ألست بربكم ؟ قالوا: بلى، اخذ ذلك العهد فاستودعه الحجر الاسود في البيت الحرام وجعل البيت أول بيت وضع للناس ببكة، وأمر الناس بالحج إليه فإذا كان يوم القيامة أتى بالحجر سميعا بصيرا فيشهد لمن وفد إليه بالوفاء وعلى من تأخر عنه بالغدر، فقال له محمد بن الحنفية قد رضيت والوعد ان يكون مجيئنا إليه في وقت الحج وجمع الناس فلما حج الناس تلك السنة وهي سنة من سني حج علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) ومحمد واجتمعت الشيعة فوقفوا تجاه الحجر فقال علي بن الحسين (عليهما السلام) تقوم يا عم فانت أكبر سنا مني فاقسم على الحجر ان يجيبك وبين امرك فدنا محمد بن الحنفية وقام وصلى في مقام ابراهيم فقال يا حجر: أسالك بحرمة الله وحرمة رسوله وبحق كل مؤمن ومؤمنة ان كنت تعلم إني الحجة على الناس وعلى علي بن الحسين فانطق وبين ذلك فلم يجبه الحجر فقال تقدم أنت يا بني منه فدنا


 

[ 221 ]

علي بن الحسين وقد صلى فتكلم بكلام خفي لم يفهم منه ثم قال: أسالك أيها الحجر بحرمة الله وحرمة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وحرمة أمير المؤمنين وحرمة فاطمة وحرمة الحسن وحرمة الحسين (صلوات الله عليهم أجمعين) إن كنت تعلم أني الحجة على عمي محمد بن الحنفية وعلى الخلق أجمعين من أهل السماوات والارضين الا نطقت بذلك وبينته لنا وللناس كلهم فنطق الحجر بلسان عربي مبين يقول: يا محمد بن أمير المؤمنين اسمع واطع لعلي بن الحسين فانه حجة الله عليك وعلى جميع خلقه من الاولين والآخرين من أهل السماوات والارضين فقال محمد بن الحنفية: اللهم إني أشهد أني قد سمعت واطعت وسلمت هذا الامر الى إمامي وحجتي وحجة الله علي وعلى خلقك علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) فآمن به اكثر الشيعة التي قالت محمد بن الحنفية امام واقام عليه قوم غلبت عليهم شقوتهم واستحوذ عليهم الشيطان ما كان محمد بن الحنفية اظهر ما اظهره الا ليضبط الشيعة في وقت قتل الحسين (عليه السلام) لئلا يشكوا ويرجعوا فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن علي ابن الطيب الصابوني عن محمد بن علي عن علي بن الحسين عن أبيه عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول كان أبو خالد الكابلي ومحمد بن الحنفية دهرا وما كان يشك الا انه الامام حتى أتاه ذات يوم فقال له: جعلت فداك ان لي حرمة ومودة وانقطاع اليك فاسالك بحرمة الله وحرمة روله وحرمة أمير المؤمنين ألا أخبرتني أنت الامام الذي فرض الله طاعتك على خلقه، فقال لي: يا أبا خالد حلفتني اعلم ان الامام علي وعليك وعلى جميع الخلق، علي بن الحسين (صلوات الله عليه) فاقبل أبو خالد لما سمع مقالة ابن الحنفية إلى الامام زين العابدين (صلوات الله عليه) فاستاذن عليه فاخبره أن أبا خالد في الباب، فاذن له فلما دخل عليه قال: مرحبا بك يا كنكر أما كنت منا فما بدا لك فخر أبو خالد ساجدا شاكرا لله تعالى لما سمع من الامام زين العابدين


 

[ 222 ]

علي بن الحسين (صلوات الله عليهما)، فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي فقال له الامام زين العابدين: وكيف عرفت إمامك يا أبا خالد قال لانك دعوتني باسمي الذي سمتني أمي به وما سمعه أحد من الناس قال له (عليه السلام): وما معنى كنكر، قال يا مولاي أنت أعلم به مني، قال: كنت ثقيلا في بطن أمك، أنت حمل فكانت تقول بلغة كابل يا كنكر تريد يا ثقيل الحمل، قال: ودلني عليك محمد بن الحنفية، وكنت في غم من هذا وحيرة ولقد خدمت محمد بن الحنفية برها من عمري ولا اشك إلا أنه إمامي حتى إذا كان سألته بحرمة الله وحرمة رسوله وحرمة أمير المؤمنين فارشدني إليك وقال هو الامام علي وعليك وعلى خلق الله اجمعين، ثم اذنت إلي فلما دخلت إليك سميتني باسمي الذي سمتني به أمي فقلت أنت الامام الذي فرض علي وعلى كل مسلم طاعته فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن أحمد بن جعفر القصير عن محمد بن ميمون الخراساني، قال الحسين بن حمدان الخصيبي رضي الله عنه: سمعت هذا الخبر عن محمد بن ميمون، عن محمد بن علي، عن علي بن الحسين، عن ابن الصباح، عن ابي جعفر الباقر (صلوات الله عليه)، قال سمعته يقول: خدم أبو خالد الكابلي الى علي بن الحسين (عليهما السلام) دهرا من عمره ثم انه اراد أن ينصرف الى اهله فاتى الى علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) فشكى إليه شوقه إلى والدته، وإنه بلا مال ولا نفقة تحمله، فقال يا ابا خالد يقدم غدا رجل من أهل الشام له قدر ومال كثير وقد اصاب ابنته عارض من الجن يريدون ان يطلبوا له معالجا يعالجها فإذا انت سمعت بقدومه فاته وقل له أنا اعالجها على أن تعطيني ديتها عشرة آلاف درهم، فيقولون لك نعم نعطيك ولا يوفون لك ولا بد ان تأخذ منها، فقدم الرجل الشامي بابنته وكان من عظماء أهل الشام في الحال والقدر، فقال لاصحابه: ما من معالج يعالج هذه، فقال لهم أبو خالد: أنا اعالجها على أن اعطى


 

[ 223 ]

ديتها عشرة آلاف درهم، فان وفيتم وفيت لكم على أن لا يعود إليها ابدا، فشرطوا ذلك وضمنوه ثم أقبل الى الامام زين العابدين (عليه السلام) فاخبره بالخبر، فقال: إني اعلم أنهم سيكذبون ولا يوفون لك فانطلق يا ابا خالد فخذ باذن الجارية ثم قل: يا حبيب يقول لك علي بن الحسين أخرج من هذه الجارية ولا تعود ففعل أبو خالد ما أمره فخرج عنها، فافاقت الجارية فطلب الذي جعلوا له، فلم يعطوه فخرج معه، فقال له الامام زين العابدين (عليه السلام) ما لي اراك كئيبا يا ابا خالد، ألم أقل لك أنهم يغدرون دعهم فانهم سيعودون إليك لان الجني يعاودها فإذا جاؤك فقل لهم: قد غدرتم والآن فلست أعالجها أو تعدون العشرة آلاف درهم عند سيد العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) لانه ثقة علي وعليكم فعادوا الجارية العارض ففعلوا ذلك وعدوا المال على يديه ورجع أبو خالد الى الجارية، فقال لها: كالاول وهو اناخذ باذنها وقال يا حبيب يقول لك علي زين العابدين اخرج من هذه الجارية ولا تعود إليها، فانك ان عدت إليها احرقت بنار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة، فخرج منها ولم يعد إليها فدفع المال الى أبي خالد فخرج إلى بلاده فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي، عن محمد بن علي، عن علي بن الحسين، عن الحسن بن سيف بن عميرة، عن أبي الصباح، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: لما ولي عبد الملك بن مروان الخلافة، كتب إلى الحجاج بن يوسف الثقفي لعنه الله بذلك، وبعث الكتاب مع ثقته فعلم بذلك علي بن الحسين صلوات الله عليهما)، وما كتب به واسره وكتب الى الحجاج كتابا ان الله قد شكر إلي فعلك وترك عليك الجماعة وزادك برهة، وكتب من ساعته كتابا الى عبد الملك بن مروان، أما بعد: فانك كتبت في يوم كذا وكذا كتابا الى الحجاج تقول فيه: أما بعد فانظر دماء آل عبد المطلب فاحقنها فان آل أبي سفيان لما


 

[ 224 ]

ولغو فيها لم يلبثوا إلا قليلا واسررت ذلك وكتمته وقد شكر الله لك فعلك، وترك عليك ملكك وزادك برهة، وبعث بالكتاب مع غلامه على راحلة وامره أن يوصله الى عبد الملك بن مروان، فلما وصل إليه نظر في تاريخه فوجده وافق الساعة التي كتب إليه وبعث الى الحجاج بالكتاب، لم يشك عبد الملك بن مروان في صدق علي بن الحسين (عليهما السلام) وبعث إليه بوقر راحلته فجازاه لما اسره من كتابه مالا جزيلا ليصرفه في فقراء شيعته وأهل بيته فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن محمد بن يحيى الخرقي، عن محمد بن علي، عن علي بن الحسين، عن محمد بن سنان عن اسماعيل بن زكريا، عن أبيه زكريا، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، عن أبيه محمد بن علي، عن جده علي بن الحسين (صلوات الله عليهم)، ان رجلا من أهل الشيعة دخل عليه فقال: يا ابن رسول الله ما فضلنا على اعدائنا ونحن وهم سواء، بل منهم من هو أجمل منا وأحسن أدبا وأطيب رائحة، فما لنا عليهم من الفضل، فقال زين العابدين (عليه السلام): تريد أن أريك فضلك عليهم، قال: نعم، قال أدن مني فدنا منه فاخذ بلحيته ومسح عينيه وروح بكفه على وجهه، وقال انظر ما ترى فنظر الى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما فيه الا قردة وخنازير ودب وضب، فقال جعلت فداك ردني كما كنت فان هذا نظر صعب فمسح عينيه فرده كما كان، فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن احمد بن صالح، عن جعفر بن يحيى عن محمد بن خالد، عن سعدان بن مسلم، عن عمار، عن أبي عبد الله الصادق (صلوات الله عليه)، قال: لما كان الليلة التي فقد فيها سيد العابدين، قال لابيه: أئتني بوضوء فاتاه بوضوء، فقال له: قبل ان يصل إليه أردده فان فيه ميتة فدعا بالمصباح، فإذا فيه فارة ميتة فاتاه بوضوء غيره فقال له: يا بني هذه الليلة وعدت فيها الحق لحوقي بجدي رسول الله (صلى الله


 

[ 225 ]

عليه وآله) وجدي أمير المؤمنين (عليه السلام) وجدتي فاطمة (صلوات الله عليها) وعمي الحسن وأبي الحسين (صلوات الله عليهم أجمعين) فإذا توفيت وواريتني فخذ ناقتي فاجعل لها خطاما واقرر لها علقما فانها تخرج الى قبري فتضرب بجرانها للارض حول قبري وترغوا، فاتها وردها إلى موضعها فانها تطيعك وترجع إلى موضعها ثم تعود الخروج فتفعل مثل فعلها الاول فارفق فيها وردها ردا رفيقا فانها تنفق بعد ثلاثة أيام، فلما قبض زين العابدين (صلوات الله عليه) في تلك السنة فعل بالناقة أبو جعفر محمد الباقر (صلوات الله عليه) ما وصاه به، فخرجت الى القبر وضربت الارض حوله ورغت، فأتاها أبو جعفر فقال لها: قومي يا مباركة فارجعي إلى مكانك فرجعت إلى مكانها ثم مكثت قليلا وخرجت إلى القبر ففعلت مثل فعلها الاول، فأتاها أبو جعفر الباقر (صلوات الله عليه) فقال لها: قومي الآن فلم تقم، فصاح بها من حضر، فقال الباقر (صلوات الله عليه): دعوها فان أبي أخبرني إنها تنفق بعد ثلاثة أيام ونفقت قال أبو عبد الله كان جدي علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) يحج إلى مكة فيعلوا الصوت في الرحل فلا يصل إليها حتى يرجع الى داره بالمدينة، فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن محمد بن عبد الله الشاشي، عن محمد بن يزيد الداعي بطبرستان، عن أحمد بن يحيى صاحب مولانا الرضا، عن محمد بن أبي عميرة، عن الحسن بن عبيدة، عن أبي خالد الكابلي، قال: خدمت محمد بن الحنفية سبع سنين، ثم قلت له: جعلت فداك ان لي إليك حاجة قد عرفت خدمتي لك، قال: فاسال حاجتك، قلت: تريني الدرع والمغفر، قال: ليس هما عندي، ولكن عند ذلك الفتى، وأشار بيده الى مولانا زين العابدين علي بن الحسين (صلوات الله عليه)، فنظرت إليه حتى أنصرف وأتبعته حتى عرفت منزله، فلما كان من الغد، وتعالى النهار اقبلت فإذا بابه مفتوح فانكرت ذلك لاني كنت أرى أبواب


 

[ 226 ]

الائمة (عليهم السلام) تطبق ابدا فقرعت الباب فصاح يا كنكر أدخل فدخلت عليه فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإنك حجة الله على جميع خلقه وهذا والله لقبي لقبتني به أمي وما عرفه خلق، قال: اجلس فانا حجة الله وخزانة وحي الله فينا الرسالة والنبوة والامامة ومختلف الملائكة وبنا فتح الله وبنا يختم، قال أبو خالد: فاطلت الجلوس ووقع على قلبي الفكر في فتح الباب، وكانت لحيته بطيب وعليه ثوبان موردان، فقال يا كنكر: تعجب من فتح الباب ومن الخصلة والطبع الذي في الثوبين قلت: نعم، قال: يا أبا محمد أما الباب فخرجت خادمة من الدار لا علم لها، فتركت الباب مفتوحا، ولا يجوز لبنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان يبرزن فيصفقنه، وأما الخصلة فليس أنا فعلتها، لكن النساء أخذن طيبا فخصلنني به واما الطبع في الثوبين فانا قريب العهد بعرش ابن عمي ولي منذ استخرجتها اربعة ايام ثم قبض على عضادتي الباب، ثم قال: هات السفط الابيض فاقبل السفط الابيض حتى صار بن يديه فقلت له: يا سيدي من جلب السفط، قال: بعض خدمي من الجن، ثم فك الختم، وبكى بكاءا شديدا، ثم اخذ الدرع والمغفر فلبسهما وقام قائما، وقال كيف ترى قلت كأنهما افرغا عليك يا ابن رسول الله افراغا قال: هكذا كان على جدي (صلى الله عليه وآله) وعلى جدي أمير المؤمنين وعمي الحسن وأبي الحسين والله لا يراهما احد الاعلي وعلى القائم المهدي من ذريتي فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه قال حدثني محمد بن علي القمي قال: حدثني محمد بن احمد بن عيسى، عن محمد بن جعفر البرسي، قال: حدثني ابراهيم بن محمد الموصلي، عن أبيه، عن حنان بن سدير الصيرفي، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: لما قبض أمير المؤمنين وأفضت الخلافة الى بني امية سفكوا الدماء ولعنوا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) على المنابر وتبرؤا منه واغتالوا الشيعة في كل بلدة وقتلوهم وما يليهم من الشيعة بحطام الدنيا


 

[ 227 ]

فجعلوا يمتحنون الناس في البلدان كل من لم يلعن أمير المؤمنين ويتبرأ منه قتلوه، فكشت الشيعة الى زين العابدين وسيد الرهبان من المؤمنين وإمامهم علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) فقالوا: يا ابن رسول الله قد قتلونا تحت كل حجر ومدر، واستاصلوا شافتنا وأعلنوا لعن أمير المؤمنين على المنابر والطرق والسكك وتبرأوا منه حتى انهم ليجتمعون في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعند منبره فيطلقون على أمير المؤمنين (عليه السلام) اللعنة علانية لا ينكر ذلك عليهم ولا يغير فان انكر ذلك احد منا حملوا عليه باجمعهم، وقالوا: ذكرت ابا تراب بخير، فيضربونه ويحبسونه فلما سمع ذلك نظر الى السماء، وقال: سبحانك ما احلمك، وأعظم شأنك، ومن حلمك انك امهلت عبادك حتى ظنوا انك اغفلتهم وهذا كله لا يغالب قضاؤك ولا يرد حكمك تدبيرك كيف شئت وما أنت أعلم به مني، ثم قال لابنه ابي جعفر (عليه السلام) يا محمد قال: لبيك، قال: إذا كان غدا اغدوا الى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخذ الخيط الذي نزل به جبريل (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحركه تحريكا خفيفا ولا تحركه تحريكا شديدا فيهلك الناس كلهم، قال جابر فبقيت والله متعجبا من قوله وما أدري ما أقول وكنت كل يوم أغدو إلى أبي جعفر (عليه السلام) فلما كان في ذلك اليوم غدوت إلى أبي جعفر الباقر (صلوات الله عليه) وقد بقي من الليل جانب حرصا على ان انظر إلى الخيط وتحريكه فبينما أنا على الباب وإذا بابي جعفر قد خرج فقمت وسلمت عليه فقال لي: ما غدوتك ولم تاتنا في مثل هذا الوقت قلت: يا ابن رسول الله سمعت انك بالامس تقول في الخيط ما تعلمه فقال نعم، يا جابر لولا الوقت المعلوم والاجل المحتوم والقدر المقدور لخسفت والله بهذا الخلق في طرفة عين، لا بل في لحظة الابل في لمحه بل اننا عباد الله المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعلمون، قال جابر: فقلت سيدي لم تفعل


 

[ 228 ]

ذلك بهم، قال اما حضرت بالامس والشيعة يشكون الى أبي ما يلقون من الناصبة الملاعين قال جابر: قلت: بلى، يا سيدي ومولاي قال: فانه قد أمرني أن أرعبهم وكنت أحب ان تهلك طائفة منهم قلت يا سيدي ومولاي كيف ترعبهم وهم اكثر من ان يحصوا قال امضي بنا الى مسجد رسول الله لاريك قدرة من قدر الله عز وجل الذي خصنا بها وفضلا من فضله الذي اعطانا إياه قال جابر فمضيت معه الى المسجد فصلى فيه ركعتين، ثم وضع خده على التراب وتكلم بكلمات ثم رفع رأسه، وأخرج من كمه خيطا تفوح منه رائحة المسك وهو ادق من الخيط المخيط في النظر ثم قال: خذ إليك يا جابر طرف هذا الخيط فاخذته ومشيت به رويدا فقال قف يا جابر فحرك الخيط تحريكا لينا خفيفا، وما ظننت أنه حركه من لينه ثم قال ويحك يا جابر أخرج انظر ما حال الناس فيه قال فخرجت من المسجد وإذا بصياح وولولة من كل ناحية وإذا زلزلة شديدة وهزه ورجفة قد أخربت عامة بالخلق باكيين يخرجون من السكك ولهم بكاء وعويل وضجيج ورنه شديده وهم يقولون انا لله وإنا إليه راجعون قد قامت الساعة ووقعت الواقعة فهلك الناس وآخرون يقولون انا لله وإنا إليه راجعون كانت رجفة هلك فيها عامة الناس وإذا اناس قد اقبلوا يبكون ويريدون المسجد وبعض يقولون لبعض كيف لا يخسف بنا وقد تركنا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اظهرنا الفسق والفجور وشرب الخمر واللواط وكثر الزنى وفشا الربا والله لينزل بنا ما هو اشد واعظم أو نصلح من أنفسنا، قال جابر: فبقيت متحيرا أنظر إلى الناس وهم يبكون ويتضرعون ويعدون زمرا زمرا الى المسجد، فرحمتهم والله حتى بكيت معهم لبكائهم وإذا المساكين لا يدرون من أين أتوا وأخذوا، فانصرفت الى الباقر (صلوات الله عليه) وقد حف به الناس يقولون يا ابن رسول الله الا ترى ما قد حل بنا وبحرم رسول الله من هذه النازلة العظمى والآية الكبرى، قال والله لقد رأيت في هذه الآية ما ازال


 

[ 229 ]

متعجبا به حتى القى الله عز وجل، فقال: يا جابر هذه منزلة الائمة (عليهم السلام) عند الله ومنزلة اوليائه المخلصين قلت يا سيدي ومولاي: فان شياطينهم قد سالونا ان يحضر حتى يحتملون إلى عندك ويدعون الى الله ويتضرعون إليه ويسالونه الاقالة فتبسم (عليه السلام) وتلا قوله تعالى: (اولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين الا في ضلال انا لننصر رسلنا والذين آمنوا معهم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد) وتلا قوله تعالى: (ولو اننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا ان يشاء الله ولكن اكثرهم يجهلون) وتلا قوله تعالى: (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم انهم فيم شركاء) لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون وهي اجزاها وهي والله ولايتنا وهذه اجزاها وهي ما وصف الله عز وجل في كتابه العزيز بل نقذف بالحق على الباطل يدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون يا جابر ما تقول بقوم اماتوا كلمة الحق وأظهروا الباطل وهتكوا حريمنا وظلمونا حقنا وغصبونا ملكنا وفعلوا افعال المنافقين وساروا سيرة الفاسقين قال جابر قلت يا سيدي الحمد لله الذي من علي بمعرفتكم والهمني فضلكم ووفقني لشيعتكم وموالاة مواليكم ومناداة اعدائكم فقال يا جابر: أتدري ما المعرفة قلت: لا أدري قال: اثبات التوحيد اولا، ثم معرفة المعاني، ثانيا، ثم معرفة الابواب ثالثا، ثم معرفة الايتام رابعا، ثم معرفة النقباء خامسا، ثم معرفة النجباء سادسا، ثم معرفة المختصين سابعا، ثم معرفة المخلصين ثامنا، ثم معرفة الممتحنين تاسعا، وهو قوله تعالى: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) وتلا قوله تعالى: (لو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله) الآية. يا جابر مولاك امرك بثبات التوحيد


 

[ 230 ]

معرفة معنى المعان، قال جابر: فقلت سيدي ومولاي وفقني على اثبات التوحيد فهي معرفة الله الازل القديم العلي العظيم الذي لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير وهو غيب باطن ليس يتدارك كما وصف نفسه عز وجل واما المعاني فنحن معانيه وظاهره فينا اختارنا من نور ذاته وفوض الينا امر عباده فنحن نفعل باذنه ما نشاء ونحن لا نشاء الا ما شاء الله وإذا اردنا اراد الله احلنا الله هذا المحل واصطفانا من بين عباده وخصنا بهذه المنزلة الرفيعة السنية وجعلنا عينه على عباده وحجته في بلاده ووجه وآياته فمن انكر من ذلك شيئا ورده فقد رد على الله وأنبيائه وآياته ورسله، يا جابر من عرف الله بهذه الصفة فقد اثبت التوحيد لان هذه الصفة موافقة لكتا الله المنزل وهو قوله: (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير) وقوله في كتابه العزيز: (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) وقوله تعالى: (لا يسال عما يفعل وهم يسالون) يا جابر فإذا عرفت الله بهذه الصفة، ثم عرفت معانيه وإنهم من نور ذاته اختصهم الله بالفضل واعزهم بالروح التي هي منه لم يطفا بتلك الروح والنور الذي هو منه عزنا وأنت عارف خبير مستبصر كامل بالغ، قال جابر: انا لله ما اقل اصحابي، قال: هيهات يا جابر: اتدري كم على وجه الارض من اصحابك، قلت: يا ابن رسول الله كنت اظن ان في كل بلدة ما بين المائة الى المائتين وكل أقليم ما بين الالف الى الالفين، لانا كنا نظن انهم اكثر من مائة الف في اطراف الارض ونواحيها. قال: يا جابر خاب ظنك وقصر رأيك اولئك هم المقصرة وليس من اصحابك قلت: يا ابن رسول الله ومن المقصرة قال الذين يقصرون عن معرفة الائمة وعن معرفة ما فوض إليهم من روحه، قال جابر: من علي يا سيدي، قال: ان تعرف كل من خصه الله بالروح فقد فوض إليه أمره أن يخلق باذنه ويعلم ويخبر بما في الضمائر ويعلم ما كان وما يكون الى يوم القيامة وذلك ان هذه الروح من امر الله عز وجل خصه بهذه الروح وهو


 

[ 231 ]

كامل غير ناقص يفعل ما يشاء بامر الله يسير باذن الله من المشرق الى المغرب في لحظة ويعرج الى السماء وينزل الى الارض متى شاء واراد قلت سيدي اوجدني بيان هذه الروح من كتاب الله المنزل على نبيه المرسل (صلوات الله عليه) وأنها من أمر الله خص الله بها رسوله وارتضاه، قال: نعم، اقرأ هذه الآية قوله تعالى: (وكذلك اوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي الى صراط مستقيم) قال جابر: قلت: يا ابن رسول الله هل بعد هذه المعرفة تقصير، قال: نعم، ان قصر في حقوق اخوانه ولم يشركهم في كل امرهم واستاثر بحطام الدنيا دونهم فهنالك يسلب المعرفة وينسلخ من دينه وتصيبه من آفات الدنيا وبلاياها ما لا يطيقه من الاوجاع وإذهاب ماله وتشتيت شمله بما قصر في حقوق اخوانه. قال جابر: فاغتممت غما شديدا وقلت: يا ابن رسول الله ما حق المؤمن على اخيه قال يفرح بفرحه ويحزن لحزنه، ويتفقد اموره كلها فيصلحها ولا يغتنم بشئ من حطام الدنيا إلا واساه به حتى يكونا في الخير والشر قرآنا واحدا قلت سيدي ومولاي كيف فرض الله هذا للاخ على أخيه المؤمن، قال: لان المؤمن اخو المؤمن لا أبيه وامه يرثه ويعتقد منه وهو احق بملكه من ابنه إذا كان على مذهبه قلت: سبحان الله ومن يمكنه ذلك ومن يقدر عليه قال: من احب ان يقرع باب الجنان ويعانق الحور الحسان ويجتمع معنا في دار السلام، ويشتاق العلي العلام، قال جابر: هلكنا والله قال يا جابر ان رجلا من اخوانك شابا طريا اتاني فسألني عن حقوق الاخوان اخبرته ببعض حقوقهم فمر متحيرا لا يهتدي لامره من صعوبة ما مر على مسامعه من حقوق المؤمن على أخيه المؤمن. فقال: يا ابن رسول الله هلكت والله قلت: ولم، قال: لاني ضيعت حقوقا وجبت علي لاخواني المؤمنين فقصرت فيها وكان يمكني أن اقضيها ولم اعلم انه يلزمني من التقصير كل هذا يسير قلت له هو ما اخبرتك لا أن الله عز


 

[ 232 ]

وجل امتحنك بمعرفتنا وبحقوق اخوانك المؤمنين فتنفس صعدا ونظرت إليه وقد تحول شعر رأسه ولحيته بياضا من شدة ما داخله من الاسف والحزن وخرج وهو يبكي ويقول اتوب الى الله يا ابن بنت رسول الله مما كان مني من التقصير في رعاية حقوق اخواني المؤمنين تالله اني كنت في ضلال مبين قبل يومي هذا وجعل يبكي بكاء شديدا حتى غاب عن بصري قال جابر: فقلت يا ابن رسول الله فما حال جابر، فيما ينفقه على أهله وولده وهم لا يعرفون الحق وشفقتي عليهم اكثر من شفقتي على اخواني وأنا منهم، قال معاذ الله ما انت منهم ولا هم منك إذا كانوا لا يعرفون هذا، قال جابر: قلت سيدي ومولاي قد ابتليت بهم قال: والله ما ابتليت بهم الا بتركك بر اخوانك وتضييعك لحقوقهم، قلت سيدي ومولاي فاخواني إذا قليل على حسب ما وصفت قال: ذلك أوكد للحجة عليك من حق المؤمنين فمن كان مقصرا فليس يلزمك حقه ومن كان بالغا فهو اخوك لابيك وامك ترثه ويرثك وليس شئ احق من حق اخيك المؤمن يا جابر فقلت وللقصرة قال: عرفهم الشئ بعد الشئ وارفعهم من الدرجة الى الدرجة فان يرد الله بهم خيرا ارشدهم الى هذا الامر ومن لم يرد به خيرا نكبه في معرفته ومن ارشدته فقد احييته ومن احيى ميتا فكانما احيى الناس جميعا وإياك يا جابر ان تطلع على سر الله مقصرا حتى تعلم انه قد استبصر قال الله تعالى: (فان انستم منهم رشدا فادفعوا إليهم اموالهم ولا تأكلوها اسرافا وبدارا) يعني إذا بلغوا التفويض قلت: يا ابن بنت رسول الله فكيف صار الامر مكتوما قال: يا جابر ان الله احب ان يعبد سرا ذنب محمد وعلي. وعنه عن أبي الطيب الصابوني، عن هارون بن اسحاق المدني، عن الحكم بن ابان بن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: كتب عبد الملك بن مروان الى الحجاج بن يوسف الثقفي لعنه الله وهو بالمدينة ان اشتري لي درع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيفه،


 

[ 233 ]

فبعث الحجاج الى علي بن الحسين (صلوات الله عليه) بعني درع رسول الله وسيفه، وكان عبد الملك في ذلك الوقت اكبر من الحجاج سنا، فقال عبد الملك: ان ولي الامر بعد رسول الله امير المؤمنين (عليه السلام) وعلى ذريته بعده الحسن ابنه والحسين وبعده علي بن الحسين (عليهم السلام)، والسيف والدرع عند علي بن الحسين، فبعث الحجاج لعنه الله ان لا بد من السيف والدرع أو ضرب عنقه فاستاذنه وضمن له حمله إليه، وصار الى منزله واحضر صانعا وأخرج إليه عن درع النبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيف غير سيفه فقبض الدرع ودار في مواضع غير السيف، وحملهما الى الحجاج، فقال الحجاج لعنه الله ما هذا سيف رسول الله ولا درعه، فقال له علي بن الحسين (عليه السلام): القول لك فقل ما شئت فارسلهما الى محمد بن الحنفية، وقال أخبرني أهذان سيف رسول الله ودرعه، فقال: كأنهما هما وشبههما، قال الحجاج، وما تعرفهما، فقال محمد كيف لا اعرفهما وانا افرغت الدرع على أمير المؤمنين في يوم الجمل ويوم صفين ويوم النهروان، فقال له الحجاج: فلم لا تصدقني عنهما، قال نسيتهما على طول المكث والعهد، فقال الحجاج لعنه الله لعلي بن الحسين (صلوات الله عليه): بعني هما قال لا أبيع، ولم، قال: لاني لاجد ذلك فاعطاه أربعين الف درهم في اربع بدر وانفذهما الى عبد الملك بن مروان، وكتب له بكل ما جرى بينهما، فبعث إليه ان يحمل إليه اربعين الف درهم اخر وحج عبد الملك بن مروان في تلك السنة ولقيه علي بن الحسين (صلوات الله عليه) فرحب به وقربه إليه فقال له علي بن الحسين ظلامتي قال عبد الملك وما ظلامتك يا أبا محمد، فقال سيفي والدرع، قال اوليس بعتنا هما وقبضت الثمن قال ما بعت، قال: فاردد مالنا فبعث فحمل المال مختوما فقال له عبد الملك: فهذه خمسين الف درهم أخرى، وتم لنا البيع فابى أن يفعل فاقسم عليه ثانيا، لا بد ان يفعل فابى فاقسم عليه ثالثا لا بد ان يعفل، فقال له علي بن الحسين (صلوات الله عليه): على شرط تكتب لي عليك كتابا يشهد فيه قبائل قريش أني وارث


 

[ 234 ]

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وان السيف والدرع لي دونك ودون كل هاشمي وهاشمية قال له: ولك ذلك اكتب ما احببت فكتب عبد الملك ابن مروان من علي بن الحسين بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشترى عبد الملك بن مروان من علي بن الحسين وارث رسول الله (صلى الله عليه واله) اشترى منه درعه وسيفه الذين ورثهما من رسول الله بمائة وثلاثين الف درهما وقد قبض علي بن الحسين الثمن وقبض عبد الملك بن مروان السيف والدرع ولاحق ولا سبيل لاحد من بني هاشم من رجالهم ونسائهم عليه ولا لاحد من العالمين واحضروا قبائل قريش قبيلة بعد قبيلة وشهدوا على علي بن الحسين (عليه السلام) وعلى عبد الملك بن مروان فكانوا إذا خرجوا من الشهادة يقول بعضهم لبعض عبد الملك بن مروان اجهل خلق الله يقر لعلي بن الحسين انه وارث رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو احق به منه ان هذا هو الخسران المبين يقول هذا القول مؤالفهم ومخالفهم ثم اخذ علي (عليه السلام) الكتاب وخرج بالمال وهو يقول انا اعلى العرب سيفا ودرعا يريدهما انهما غير سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودرعه فكان هذا من دلائله (عليه السلام).


 

[ 235 ]

الباب السابع باب الامام محمد الباقر (عليه السلام)


 

[ 237 ]

مضى محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) وله سبع وخمسون سنة مثل عمر ابيه وجده (عليهما السلام) في عام مائة واربعة عشر سنة من الهجرة في شهر ربيع الآخر. وكان مولده (عليه السلام) قبل مضي الحسين جده بثلاث سنين وهي سنة ثمانين وخمسين من الهجرة. وأقام مع ابيه علي بن الحسين (عليهما السلام) خمسة وثلاثين سنة غير شهرين. وكان اسمه محمدا، وكنيته أبو جعفر لا غير. ولقبه باقر العلم، والشاكر لله، والهادي، والامين. وروي ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لجابر بن عبد الله الانصاري انك لن تموت حتى تلقى سيد العابدين علي بن الحسين وابني منه محمد بن علي (عليهما السلام) فإذا ولد محمد بن علي بن الحسين فصر إليه عند اوان ترعرعه تقرئ اباه السلام وتقول له اني امرتك ان تلحق ابنه محمد في بيت وتقرئه مني السلام وتقبل بين عينيه وتساله ان يلصق بطنه ببطنك


 

[ 238 ]

فان لك في ذلك امانا من النار وتقول له جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لك يا باقر علم الاولين والآخرين من النبيين والمرسلين بوركت كثيرا حيا وميتا ثم إذا فعلت ذلك يا جابر فاوص وصيتك فانك راحل الى ربك فلم يزل جابر بن عبد الله باقيا بحياته حتى قيل له قد ولد محمد ابن علي وترعرع ثم صار الى علي بن الحسين والى محمد بن علي (عليهما السلام) فادى رسالة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفعل ما أمره رسول الله فقال محمد بن علي (عليهما السلام) يا جابر اثبت وصاتك فانك راحل الى ربك فبكى جابر وقال له يا سيدي وما اعلمك بذلك وبهذا عهد الي جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: يا جابر لقد اعطاني الله علم ما كان وما يكون الى يوم القيامة فأوصى جابر وصاته وادركته الوفاة وصلى عليه علي بن الحسين ومحمد بن علي عليهما السلام) فلاجل ذلك سمي الباقر. وامه فاطمة بنت عبد الله بن الحسين بن علي بن ابي طالب (صلوات الله عليهم). واسماء اولاده: جعفر الامام الصادق، وعلي، وعبد الله، وابراهيم. ومن البنات ام سلمة. ومشهده في البقيع الى جانب مشهد ابيه علي بن الحسين وعمه الحسن ابن علي ابن ابي طالب (صلوات الله عليه). وفي اربع سنين من امامته توفي الوليد بن عبد الملك، وكان ملكه تسع سنين وشهور، وبويع لسليمان بن عبد الملك وأمر الامامة مكتوم. وتوفي الوليد والشيعة في شدة شديدة وفي ست سنين وشهور من امامته توفي سلمان بن عبد الملك وبويع لعمر بن عبد العزيز بن مروان بن


 

[ 239 ]

الحكم فرفع اللعن عن أمير المؤمنين منه السلام وإقام في الملك سنتن وخمسة اشهر ثم توفي في تسع سنين من امامته فروي انه قال وهو بالمدينة توفي في هذه الليلة رجل تلعنه ملائكة السماء وتبكي عليه اهل الارض، وبويع ليزيد بن عبد الملك وملك اربع سنين وفي اربع سنين ولد هاشم بن عبد الملك وكان شديد العداوة والعناد لابي جعفر (عليه السلام) ولاهل بيته فروي انه بعث إليه يستحضره فاحضره ليوقع به فلما دخل عليه حرك شفتيه بدعاء لم يسمع فاجلسه معه على سريره، ثم قال له: تعرض علي حوائجك فقال له: تردني الى بلدي فقال له: ارجع وكتب الى عامله يمنعه الميرة في طريقه فمنعه فصعد الجبل وقرأ باعلى صوته (والى مدين اخاهم شعيبا) الى قوله تعالى: (بقية الله خير لكم ان كنتم مؤمنين) وفي المدينة شيخ من بقايا العلماء خرج الى أهل المدينة فناداهم باعلى صوته هذا والله شعيب يناديكم فقالوا له ليس هذا شعيب هذا محمد بن علي بن الحسين له امر فلا تمنعه الميرة فقال لهم: افتحوا الباب والا فتقعوا في العذاب فاطاعوه وفتحوا الباب وامرهم بحمل الميرة إليه ففعلوا فرجع الى المدينة وأقام بها فلما قربت وفاته استدعى بابي عبد الله جعفر ابنه (عليهما السلام) فقال له: ان هذه الليلة التي وعدت فيها ثم سلم إليه الاسم الاعظم ومواريث الانبياء والسلاح وقال له: يا ابا عبد الله الله الله في الشيعة، فقال أبو عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) لا اتركهم يحتاجون لها احد فقال له ان زيدا سيدعو بعدي الى نفسه فدعه ولا تنازعه فان عمره قصير فروي ان خروج زيد يوم الاربعاء وقتل يوم الجمعة رحمه الله وجدد على قاتله العذاب. وعنه عن أبي حمزة الثمالي عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: كنت عند ابي جعفر (عليه السلام) فالتفت الي وقال لي: يا جابر أما لك حمار تركبه قلت: لا يا سيدي فقال لي اني اعرف رجلا بالمدينة له حمار يركبه فياتي المشرق والمغرب في ليلة واحدة (عليه السلام) وانه قال نحن جنب


 

[ 240 ]

الله ونحن صفوة الله ونحن خيرة الله ونحن مستودعون مواريث الانبياء ونحن آمنا بالله ونحن حجج الله ونحن حبل الله ونحن رحمة الله الى خلقه وبينا يختم الله من تمسك بنا نجا ولحق ومن تخلف عنا غرق ونحن القادة الغر المحجلين ثم قال بعد كلام طويل يا قوم عرفنا وعرف حقنا وأخذ بامرنا فهو منا والينا. وعنه عن المفضل بن شبان قال سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يقول ان الامام منا يسمع الكلام في بطن امه فإذا وقع الى الارض رفع له عمود من نور يرى به اعمال العباد. وعنه عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يقول لا والله لا يكون عالما بشئ ان الله عز وجل واكرم واعز واعدل من ان يفوض طاعة عبده يجعله حجة ثم يحجب عنه علم ارضه وسمائه ثم قال: يا يحجب ذلك عنه وروي عن حبابة الوالبية قال: دخلت على ابي جعفر (عليه السلام) فقال لي: يا حبابة ما الذي ابطاك قالت كثرة همي وظهر في راسي البياض فقال: يا حبابة ارنيه فدنوت إليه فوضع يده المباركة في مفرق رأسي ودعا لي بكلام لم افهمه ثم دعا لي بالمرآة فنظرت فإذا شمط رأسي قد اسود وعاد حالكا فسررت بذلك وسر أبو جعفر (صلوات الله عليه) لسرورها فقالت له حبابة بالذي اخذ ميثاقكم على النبيين اي شئ كنتم في الاظلة قال يا حبابة نورا بين يدي العرش قبل ان يخلق الله عز وجل آدم (عليه السلام) واوحى الله تبارك وتعالى إلينا فسبحنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا ولم نكن نسبح. وروي عن العالم منه السلام انه تزوج أبو محمد علي بن الحسين بام عبد الله بنت الحسن بن علي عمه (عليه السلام) وهي ام أبي جعفر الباقر (صلوات الله عليه) فكان يسميها الصديقة ويقول لم يدرك في الحسن امرأة مثلها.


 

[ 241 ]

وروي عن أبي جعفر (عليه السلام) انه قال: كانت امي ام عبد الله بنت الحسن (عليه السلام) جالسة عند جدار فتصدع الجدار فقالت: بيدها لا وحق المصطفى ما اذن لك الله في السقوط حتى اقوم فبقي معلقا حتى قامت وبعدت ثم سقط فتصدق علي بن الحسين (عليهما السلام) بمائة دينار. وكان مولد ابي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) في سنة ثمانية وخمسين من الهجرة قبل ان يصاب جده علي بن الحسين سنتين وشهور وحضر الطف وكان من دلائله مناظرته اللعين بن يزيد ما قد ذكرناه وكان مولده ومنشاه مثل مواليد آبائه (عليهم السلام) فاتاه جابر بن عبد الله الانصاري فقبل رأسه، ثم قال له: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) جدك يقرئك السلام وكان قال لي تعيش حتى ترى محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) فإذا رأته فاقرأ عليه سلامي ثم قل له: أني وقت اخر وقبل رأسه وقل له يا باقر العلم فلما فعل ذلك امر علي بن الحسين ابا جعفر لا يخرج من الدار فكان جابر ياتيه طرفي النهار فيسلم عليه فلما مضى علي بن الحسين (صلوات الله عليه) كان أبو جعفر يمضي الى جابر ليساله من تصحيفه جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وامير المؤمنين (صلوات الله عليه) في الوقت بعد الوقت. وروي عنه عن عدة من اصحابه انهم قالوا كنا معه فمر زيد بن علي بن الحسين (عليهما السلام) فقال: لنا اترون اخي هذا والله ليخرجن بالكوفة وليقتلن ويصلبن ويطاف برأسه. وروي ان اصحابه كانوا مجتمعين عنده إذ سقط بين يديه ورشان ومعه أنثاه فرقن لهما فرقنا ساعة ثم طارا فقال (عليه السلام) علمنا منطق الطير واؤتينا من كل شئ ان هذا لهو الفضل المبين كل شئ اسمع والطوع لنا واعرف بحقنا من هذه الامة ان هذا الورشان ظن بزوجته ظن سوء فاتى


 

[ 242 ]

مشتكيا عليها وهي معه فحاكمها فحلفت له بالولاية انها ما خانته فاخبرته انها صادقة ونهيته عن ظلمها لان ليس من بهيمة ولا طير يحلف بولايتنا كاذبا ولا يحلف بها كاذبا الا ابن آدم فاصطلحا وطارا. وروي عن محمد بن مسلم قال: كنت مع ابي جعفر (عليه السلام) في طريق مكة إذا بصوت شاة منفردة من الغنم تصيح بسخلة لها قد انقطع عنها وتسرع السير السخلة إليها فقال أبو جعفر (عليه السلام): اتدري ما تقول هذه الشاة لولدها قلت: لا يا سيدي قال تقول لها اسرعي الى القطيع فان اخاك عام اول تخلف عن القطيع في هذا المكان فاختلسه الذئب فاكله. قال محمد بن مسلم: فدنوت من الراعي فقلت ارى هذه الشاة تصيح بسخلتها لعل الذئب اكل قبل هذا سخلها في هذا الموضع فقال قد كان ذلك في عام اول فما يدريك. وروي أن الاسود بن سعيد كان عن أبي جعفر (عليه السلام) فابتدأ فقال نحن حجج الله ونحن لسان الله ونحن وجه الله ونحن ولادة الله ونحن امة الله ثم قال: يا اسود ان بيننا وبين كل ارض برا مثل برنا الينا فإذا امرنا بامر في الارض جذبنا ذلك البر فاقبلت تلك الارض الينا وروي عن الحكم ابن ابي نعيم قال: أتيت ابا جعفر (عليه السلام) بالمدينة فقلت له نذر بين الركن والمقام إن انا لقيتك لا اخرج من المدينة حتى اعلم انك قائم آل محمد اولا فلم يجبني بشئ فاقمت ثلاثين يوما ثم استقبلني في الطريق فقال: يا حكم وانك لهاهنا بعد ان قلت لاني اخبرتك بما جعلت لله عز وجل على نفسي فلم تأمرني ولم تنهني فقال بكر الى المنزل فغدوت إليه فقال سل عن حاجتك فقلت جعلت فداك اني جعلت علي نذر صيام وصدقة ان انا لقيتك لم اخرج من المدينة حتى اعلم انك قائم آل محمد (عليه السلام) اولا فان كنت انت رابطتك وان لم تكن


 

[ 243 ]

انتشرت في الارض وطلبت المعاش فقال يا حكم كلنا قائم يمين قائم بامر الله عز وجل فقلت وانت المهدي، قال كلنا نهدي الى الله عز وجل قلت: فانت صاحب السيف ووارث السيف وانت الذي تقتل اعداء الله وتعز اولياءه ويظهر بك دين الله قال يا حكم اكون انا هو وقد بلغت هذا اليس صاحب الامر اقرب عهدا باللين مني ثم قال بعد كلام طويل سر في حفظ الله والتمس معاشا. وروي عن ابن مصعب عن جابر بن يزيد الجعفي قال سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن القائم فضرب بيده على أبي عبد الله (عليه السلام) وقال والله هذا قائم آل محمد قال عنبسة فلما قبض أبو جعفر دخلت على ابي عبد الله (عليه السلام) فاخبرته بذلك فقال صدق جابر ثم لعلكم ترون الامام ليس هو القائم بعد الامام الذي قبله هذا اسم لجميعهم. وقد روي عن محمد بن عمير عن عبد الصمد عن أبي بصير عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عاده علي (عليه السلام) في المرض الذي قبض به فقال له يا علي ادن مني حتى اسر اليك ما اسره الله إلي فائتمنك على ما إثتمنني عليه الله فدنا منه فاسر إليه وفعل علي بالحسن وفعل الحسن بالحسين وفعل الحسين بابي وفعل ابي بي. وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: انا اولى بالمؤمنين من انفسهم واخي علي اولى بالمؤمنين من انفسهم فإذا استشهد أبو الحسن فالحسن أول بالمؤمنين من انفسهم ثم ابني الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه يا حسين. وروى هذا الحديث عبد الله بن العباس وأسامة بن زيد وعبد الله بن جعفر الطيار (عليهم السلام) انه قال انتم ورثة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لي: نعم، رسل الانبياء ونحن ورثتهم وورثة رسول الله


 

[ 244 ]

(صلى الله عليه وآله) قلت تقدرون تحيون وتميتون وتبرئون الاكمة والابرص فقال لي باذن الله ثم قال ادن مني يا محمد ففعلت فمسح يده على وجهي فابصرت الشمس والسماء والارض وكل شئ في الدار قال اتحب ان تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم أو تعود الى حالك ولك الجنة خالصا قلت اعود والجنة خير لي فمسح يده على وجهي فرجعت كما كنت.


 

[ 245 ]

البا الثامن باب الامام جعفر الصادق (عليه السلام)


 

[ 247 ]

مضى مولانا جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهم) وله خمس وستون سنة في ثمانية واربعين ومائة من الهجرة. من الهجرة. وكان مقامه مع جده (عليه السلام) تسعة عشر سنة واقام مع ابيه اثني عشر سنة، واقام بعد أبيه اربعا وثلاثين سنة. وكانت كنيته أبا عبد الله وابا اسماعيل والخاص: أبو موسى. ولقبه الصادق، والفاضل، والقاهر، والتام، والكامل، والمنجي. وامه ام فروة وكانت تكنى ام القاسم وهي بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر بن ابي قحافة. ومشهده بالبقيع إلى جانب مشهد أبيه محمد بن علي وجده علي بن الحسين (صلوات الله عليهما). وكان له من الولد موسى الامام الكاظم، واسماعيل، ومحمد، وعلي، وعبد الله، واسحاق، وام فروة، وهي التي زوجها ابن عمها الخارج مع زيد.


 

[ 248 ]

وكان من دلائله (عليه السلام). قال الحسين بن حمدان حدثني علي بن بشر عن جعفر بن يزيد الرهاوي عن محمد بن المفضل عن الحسن بن مسكان عن داود الرقي عن ابي حمزة الثمالي عن ميثم التمار عن جابر بن عبد الله الانصاري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا ولد جعفر بن محمد بن علي بن الحسين (صلوات الله عليه) فسموه جعفر الصادق فانه يولد من ولده ولد يقال له جعفر الكذاب ويل له من جرأته علي وبغيه على اخيه صاحب الحق وإمام الخلق ومهدي اهل بيتي فلاجل ذلك سمي جعفر الصادق وجعفر الكذاب هو جعفر بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر الصادق وهو المعروف بزق خمر وهو الذي سعى بجارية اخيه الحسن بن علي الى السلطان وقال له: ان اخي توفي ولم يكن له ولد وإنما خلف حملا في بطن جاريته نرجس وأخذت هي وورداس الكتابية جاريتا الحسن بن علي من داره في سوق العطش وحبستا سنتين فلم يصح على نرجس ما ادعى عليها ولا غيرها فاطلقتا. قال الحسين بن حمدان قال حدثني أبو الحسين بن يحيى الخرقي وابو محمد جعفر بن اسماعيل الحسني، والعباس بن احمد واحمد بن سندولا، واحمد بن صالح، ومحمد بن منصور الخراساني، والحسن بن مسعود الفزاري، وعيسى بن مهدي الجوهري الجنبلاني، والحسين بن غياث الجنبلاني، واحمد بن حسان العجلي الفزاري، وعبد الحميد بن محمد السراج جميعا في مجالس شتى انهم حضروا وقت وفاة ابي الحسن بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر الصادق (صلوات الله عليهم والصلاة) بسر من رأى، فان السلطان لما عرف خبر وفاته أمر سائر أهل المدينة بالركوب إلى جنازته وأن يحمل الى دار السلطان حتى صلى عليه، وحضرت الشيعة وتكلموا، وقال علماؤهم: اليوم يبين فضل سيدنا ابي محمد الحسن بن عي على اخيه جعفر، ونرى خروجهما مع النعش قالوا جميعا فلما خرج


 

[ 249 ]

النعش وعليه أبو الحسن خرج أبو محمد حافي القدم مكشوف الرأس محلل الازرار خلف النعش مشقوق الجيب مخضل اللحية بدموع على عينيه يمشي راجلا خلف النعش، مرة عن يمين النعش، ومرة عن شمال النعش ولا يتقدم النعش إليه، وخرج جعر أخوه خلف النعش بدراريع يسحب ذيولها معتم محبتك الازرار طلق الوجه على حمار يماني يتقدم النعش فلما نظر إليه اهل الدولة وكبراء الناس والشيعة ورأوا زي ابي محمد وفعله ترجل الناس وخلعوا اخفافهم وكشفوا عمائمهم ومنهم من شق جيبه وحلل ازراره ولم يمش بالخفاف ولا الامراء واولياء السلطان احد فاكثروا اللعن والسب لجعفر الكذاب وركوبه وخلافه على أخيه لما تلا النعش الى دار السلطان سبق بالخبر إليه فامر بان يوضع على ساحة الدار على مصطبة عالية كانت على باب الديوان وأمر أحمد بن فتيان وهو المعتمد بالخروج إليه والصلاة عليه واقام السلطان في داره للصلاة عليه الى صلاة العامة وامر السلطان بالاعلان والتكبير وخرج المعتمد بخف وعمامة ودراريع فصلى عليه خمس تكبيرات وصلى السلطان بصلاتهم والسلطان في ذلك الوقت المعتز وكان اسم المعتز الزبير والموفق طلحة وكانت أم المعتز تتوالى أهل البيت فقال المعتز وكل وقد ولد المعتز وقد سميته الزبير قالت: وكيف اخترت له هذا الاسم. فقال هذا اسم عم النبي (صلى الله عليه وآله). قال الحسين بن حمدان: انما ذكرت هذا ليعلم من لا يعلم ما كان المعتز هو الزبير وجعفر المتوكل على الله المعتضد احمد بن طلحة. وجع الحديث الى الجماعة الذين شهدوا الوفاة والصلاة قال: اجعلوا النعش الى الدار، فدفن في داره، وبقي الامام أبو محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) ثلاثة أيام مردود الابواب يسمع من داره القراءة والتسبيح والبكاء ولا يؤكل في الدار الا خبز الخشكار والملح ويشرب الشربات وجعفر بغير هذه الصفة ويفعل ما يقبح ذكره من الافعال قالوا جميعا: وسمعنا الناس يقولون هكذا كنا نحن جميعا نعلم ما عند سيدنا ابي محمد


 

[ 250 ]

الحسن من شق جيبه، قالوا جميعا: فخرج توقيع منه (عليه السلام) في اليوم الرابع من المصيبة. بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد من شق جيبه على الذرية يعقوب على يوسف، حزنا قال: يا اسفي على يوسف فانه قد جيبه فشقه. قال الحسين بن حمدان: حدثنى الحسن بن محمد بن جمهور عن محمد بن علي، عن علي بن محمد عن أبي المعز عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله الصادق بعد مضي والده الباقر (صلوات الله عليه) وقد جامعت اهلي فاتيت الى عند سيدي الصادق من قبل ان اغتسل لامتحنه وارى دلالته مثل ما اراني ابوه فلما دخلت عليه بمجلسه وانا على هذه الحال فقال لي: يا محمد ما كان فيما كنت فيه حاجة ان تدخل على امامك وانت جنب فقلت له: جعلت فداك اعتمدت ذلك لارى دلالتك فقال اولم تؤمن قلت: بلى، ولكن ليطمئن قلبي قال: قم اغتسل من جنابتك ففعلت وعدت الى مجلسه وعلمت بهذه الدلالة انه الامام حقا. وعنه عن احمد بن صالح عن جرير بن يزيد الشاري عن محمد بن علي، عن الحسن بن علي، عن محمد غلام سعد الاسكاف قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من أهل الجبل بهدايا والطاف فكان مما كان أهدى إليه جراب فيه قديد وحيش فنثر أبو عبد الله (عليه السلام) القديد من الجراب، قال الرجل: انا ما أتيتك الا ناصحنا، قال: هذا القديد ليس مزكى فرده بين يديه أبو عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) في الجراب ثم تكلم عليه بكلام لم افهمه وقال للرجل: قم بهذا الجراب فادخل في ذلك البيت وضعه في الزاوية فسمع الرجل القديد من داخل الجراب وهو يقول ليس مثلي ياكله الامام لاني غير مزكى فحمل الرجل الجراب وخرج الى أبي عبد الله (صلوات الله عليه)، فقال الصادق: ان القديد اخبرني بما اخبرني بما اخبرتني به قال: انه غير مزكى فقال


 

[ 251 ]

له: أبو عبد الله (عليه السلام) اما علمت يا هارون انا نعلم ما لا يعلم الناس قال: بلى، جعلت فداك فعلمت ان اسم الرجل هارون وخرج وخرجت اتبعه حتى مر على كلب فالقاه إليه فاكله الكلب حتى لم يبق منه شئ فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن أحمد بن محمد الحجالي الصيرفي، عن محمد بن علي، عن علي بن الحسن، عن أبيه، عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله بن يحيى الكاهلي، قال: قال أبو أبو عبد الله (عليه السلام) يا عبد الله بن يحيى الكاهلي إذا لقيته فاقرأ آية الكرسي، ثم قل ه عزمت عليك بعزيمة أمير المؤمنين والائمة بعده (صلوات الله عليهم اجمعين) الا تنحيت عن طريقنا لا تؤذينا ولا نؤذيك قال عبد الله بن يحيى: فانا وابن عمي في الطريق إذ عرض لنا سبع فقلت له: ما امرني الصادق (عليه السلام) وكان السبع يزأر فانكف وطاطا رأسه وجمع نفسه واددخل ذنبه بين يديه ومشى على الطريق من حيث جاء فقال لي ابن عمي ما سمعت كلاما أحسن مما قلته للسبع فقلت هذا مما علمني أبو عبد الله (عليه السلام) فقال: أشهد انه الامام الذي فرض الله طاعته ولولا ذلك ما اطاعه السبع وما كان ابن عمي يعرف قليلا ولا كثيرا من دينه فدخلت على الصادق (صلوات الله عليه) من قابل فاخبرني بما كان مني ومن ابن عمي والسبع وقال لا تكن ظننت ثم قال: ان لي مع كل ولي اذنا سامعة وعينا ناظرة ولسانا ناطقا، ثم قال لي: يا عبد الله ولقيك السبع ببيداء الكوفة على شاطئ النهر واسم ابن عمك حبيب وما كان الله ليميته حتى يعرف هذا الامر قال: فرجعت الى الكوفة فاخبرت ابن عمي بمقالة ابي عبد الله الصادق (عليه السلام) ففرح فرحا شديدا وما زال مستبصرا حتى مات على ذلك. وعنه عن جعفر بن احمد القصير عن محمد بن علي، عن علي بن محمد، عن الحسن بن علي، عن أبي العلاء، عن أبي بصير، قال:


 

[ 252 ]

دخلت على ابي عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) فكان ابنه اسماعيل موعوكا فقال: قم يا محمد فادخل على ابني اسماعيل فعده فدخلت معه، فإذا في جانب داره قصر فيه فاختة وهي تصيح فقال: يا بني تمسك هذه الفاختة أما علمت انها مشؤومة قليلة الذكر لله تدعو على اربابها وعلينا أهل البيت، قال أبو بصير: فقلت: وماذا دعاؤها يا سيدي، قال: تقول فقدتكم أهل البيت وفقدت اربابي، قال لاسماعيل: ان كان لا بد متخذا مثلها فاتخذ ورشانا فانه ما زال كثيرا يذكر الله تعالى ويتولانا ويحبنا، قال أبو بصير: فقلت يا سيدي: فهل في الطير مثله بهذه الصفة قال: نعم، الزاعبي والقنابر والديك الافرق والطيطوي والبنية قلت وما البنية قال الذي تسمونه البوم فانه من يوم قتل الحسين يسكن نهارا ويندبنا ليلا. وعنه عن محمد بن علي، عن شعيب العاقرقوني، قال: دخلت انا وحمزة وأبو بصير ومعي ثلاثمائة دينار على أبي عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) فصببتها بين يديه فقبض منها لنفسه وقال: يا شعيب خذ الباقي فانه مائة دينار وارددها الى موضعها الذي اخذتها منه فقد قبلنا منك ما هو لك ورددنا المائة على صاحبها، قال شعيب: فخرجنا من عنده جميعا، فقال لي أبو بصير: يا شعيب ما حال هذه الدنانير التي ردها أبو عبد الله (صلوات الله عليه) قلت له اخذتها من غرفة اخي سرا وهو لا يعلم فقال أبو بصير وأبو حمزة زن الدنانير وعدها لننظركم هي فزناها وعددناها فإذا هي مائة دينار لا تنقص ولا تزيد. وعنه عن محمد بن غالب، عن زيد بن رياح، عن محمد بن علي، عن علي بن محمد، عن الحسين بن علي، عن أبي حمزة، عن أبيه علي، عن أبي بصير: قال: كنت عند أبي عبد الله (صلوات الله عليه) يوما جالسا إذ قال يا محمد هل تعرف امامك قلت اي والله الذي لا اله الا هو، وانت هو ووضعت يدي على ركبتيه وفخذيه فقال يا محمد ليس هذا الامر معرفة ولا اقرار للامام بما جعله الله له وفيه ولكن نطالبه بعلامة


 

[ 253 ]

ودلالة قلت يا سيدي قولك الحق ولكي ازداد علما ويقينا وليطمئن قلبي قال يا محمد ترجع الى الكوفة ويولد لك ولد تسميه عيسى ويولد لك بعد سنتين ولد تسميه محمدا ويولد لك بعدهما ابنتان في ثلاث سنين واعلم ان اسماء ابنائك عندنا في الصحيفة الجامعة والوسطى مثبتان مسميان مع أسماء شيعتنا واسماء آبائئهم وامهاتهم وقبائلهم وعشائرهم مصوران مجليان واجدادهم واولادهم وما يلدون الى يوم القيامة رجلا رجلا وامرأة امرأة وهي صحيفة صفراء مدروجة مخطوطة بالنور لا بحبر ولا بمداد قال أبو بصير: فرجعت من المدينة ودخلت الكوفة فولد لي والله ولدان وابنتان في الاوقات التي قال عنها فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه بهذا الاسناد عن أبي بصير: قال دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال يا ابا محمد ما فعل أبو حمزة الثمالي فقلت له جعلت فداءك خلفت ابا حمزة صالحا فقال لي: إذا رجعت فاقرأه مني السلام وقل له: انك تموت يوم الجمعة من شهر رمضان من السنة الداخلة قلت جعلت فداك لقد كان للشيعة فيه انس وكان عليهم نعم الشيعة فقال: صدقت يا ابا محمد وما عندنا وعنه الله خير قلت: جعلت فداءك شيعتكم تعلم قال: نعم، إذا هم خافوا الله وراقبوه وخافونا وخافوا الذنوب فإذا هم فعلوا ذلك كانوا معنا في درجتنا قال أبو بصير: لما رجعت بلغت ابا حمزة كل ما قاله أبو عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) فلما كانت السنة الداخلة توفي أبو حمزة رحمة الله عليه يوم الجمعة في رمضان كما قال. وعنه عن محمد بن خالد عن جعفر بن احمد الصفار عن محمد بن علي، عن علي بن الحسين عن الحسن والحسين أبنا ابي العلاء، عن أبي العلاء، عن أبي المغيرة عن أبي بصير قال سمعت ابا عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) يقول وقد جرى ذكر الملى بن خنيس فقال رحم الله المعلى بن خنيس فقلت: يا سيدي وما حاله فقال لي اكتم علي يا ابا


 

[ 254 ]

محمد ما اقول في المعلى بن خنيس فقلت افعل يا سيدي فقال: ان المعلى ما كان ينال درجتنا الا بما نال منه داود بن علي بن عبد الله بن عباس، قلت له: جعلت فداك وما الذي ينال داود بن علي، قال يدعو به إذا تقلد المدينة عليه لعنة الله وسوء الدار فيطالبه بان يثبت له اسماء شيعتنا واوليائنا ليقتلهم فلا يفعل فيضرب عنقه ويصلبه فقلت انا لله وإنا إليه راجعون ومتى يكون ذلك قال قابل فلما كان من قابل ولي المدينة داود بن علي لعنه الله فاحضر المعلى بن خنيس فسأله عن شيعة جعفر الصادق (صلوات الله عليه) واوليائه ان يكتبهم له، فقال له: المعلى ما اعرف من شيعته واوليائه احدا، وانما انا وكيله انفق له واتردد في حوائجه وما اعرف له شيعة ولا صاحبا، قال: لا تكتمني فاقتلك قال المعلى بن خنيس: أفبالقتل تهددني والله لو كانوا تحت قدمي ما رفعتها عنهم ولئن قتلتني ليسعدني الله ويشقيك فامر به فضرب عنقه وصلب على باب دار الامارة فدخل عليه أبو عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) فقال له يا داود بن علي، قتلت مولاي ووكيلي وثقتي على عيالي، قال ما انا قتلته، قال فمن قتله، قال ما ادري قال الصادق (صلوات الله عليه): ما رضيت ان صلبته وقتلته حتى تجحد وتكذب والله ما رضيت ان قتلته ظلما وعدوانا ثم صلبته اردت ان تشهر به وان تنوه بقتله وانه مولاي والله انه لا وجه عند الله منك ومن امثالك منزلته عند الله رفيعة ولك منزلة وضيعة في النار فانظر كيف تخلص منها والله لادعون الله فيقتلك الله كما قتلته فقال له داود بن علي: تهددني بدعائك اصنع ما أنت صانع وادع لنفسك، فإذا استجيب لك فادع علي فخرج الصادق (صلوات الله عليه) من عنده مغضبا، فلما جن عليه الليل اغتسل ولبس ثياب الصلاة وابتهل الى الله عز وجل، وقال يا ذاي يا ذاي يا ذويه ارم سهما من سهامك على داود بن علي يفلق به قلبه ثم قال لغلامه: اخرج اسمع الصراخ على داود فخرج ورجع الغلام، وقال يا مولاي الصراخ عال عليه وقد مات فخر الصادق (عليه


 

[ 255 ]

السلام) ساجدا وهو يقول شكرا للكريم شكرا للقائم الدائم الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء واصبح داود بن علي ميتا لعنه الله والشيعة يهرعون الى أبي عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) ويهنئونه بموته فقال لهم: قد مات على دين أبي لهب ولقد دعوت الله عليه بثلاث كلمات لو دعوت الله بها على الارض لزالت ومن عليها فأجابني وعجل عليه الى إمه هاوية. وعنه عن محمد بن ابراهيم الخياط، عن بشار بن علي، عن زيد الشحام، عن أبي سمينة، عن محمد بن علي، عن يونس بن ظبيان، عن المفضل بن عمر الجعفي، عن سيدنا ابي عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) وهو جالس على بساط احمر في وسط داره وانا اقول ان كان داود اوتي ملكا عظيما فالذي أئتيه محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) واهل بيته (عليهم السلام) اعظم واجل وقلت في نفسي اللهم إني ما اشك في حجتك على خلقك واما جعفر فبين لي فيه آية تزيدني ثباتا ويقينا فرفع رأسه الي وقال قد اوتيت سؤلك يا موسى يا مفضل ناولني النواة واشار بيده الى نواة في جانب الدار فاخذتها وناولته اياها فجمع سبابته عليها وغمرها في الارض فغيبها ودعا بدعوات سمعت يقول: اللهم فالق الحب والنوى، ولم اسمع الباقي، وإذا تلك النواة نبتت نخلة واخذت تعلو حتى صارت بازاء علو الدار ثم حملت حملا حسنا وتهدلت ونارت ورطبت وانا انظر إليها فقال لي يا مفضل اهززها فهززتها فنثرت علينا في الدار رطبا جنيا ليس مما رأى الناس ولا عرفوه ولا اكلوا اصفى منه وهو اصفى من الجوهر واعطر من روائح المسك والعنبر توري كالمرأة فقال لي: التقط وكل فالتقطت واكلت فقال ضم كلما سقط من هذا الرطب واهده الى مخلص شيعتنا الذين اوجب الله لهم الجنة، فلا يحل هذا الرطب الا لهم فاهد الى كل نفس منهم واحدة، قال المفضل: فضممت ذلك الرطب وظننت اني لا اطيق حمله فخف حتى حملته الى منزلي وفرقته فيمن أمرني به ممن هو بالكوفة


 

[ 256 ]

فخرج باعدادهم لا يزيد رطبة ولا ينقص رطبة فرجعت إليه فقال لي: اعلم يا مفضل ان هذه النخلة تطاولت وانبسطت في هذه الدنيا فلم يبق مؤمن ولا مؤمنة من شيعتنا بالكوفة وغيرها بمقدار مضيك الى منزلك ورجوعك إلينا الا وقد وصل إليهم منها فهذا فضل من الله اعظم الى جدنا محمد (عليه السلام) وان الكتب من شيعتنا سترد الينا واليك من طول الدنيا وعرضها بان النخلة وصلت إليهم جميعا وطرحت الى كل واحد منهم رطبة، قال المفضل: فلم تزل الكتب ترد عليه من سائر الشيعة من سائر الدنيا بذلك فعرفت عددهم من كتبهم. وعنه عن الحسين بن مسعود، عن عبد الله بن زيد التمار، عن هشام بن جعفر الوشا، عن الحسين بن مسكان، عن بشار الشعيري، عن المفضل بن عمر، قال: خرج أبو عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) وأنا معه إلى بعض قرى سواد الكوفة، فلما رجعنا رأينا على الطريق رجلا يلطم رأسه ويدعو بالويل والعويل وبين يديه حمار قد خنق، كان عليه رحله وزاده فنظرت إليه فرحمته فقلت: لو ادركت يا مولاي هذا البائس رحمتك ودعوت له ان يحيي حماره، قال يا مفضل: اني افعل هذا به فاسال الله تعالى فيحييه له فإذا احييناه سالنا من نحن فنعرفه انفسنا فيدخل الكوفة فينادي علينا فيها ويقول للناس هاهنا رجل يعرف بجعفر بن محمد وهو ساحر كذاب فيقولون له ما رأيت من سحره فيحدثهم بالذي كان، فإذا سمعوه فرحت شيعتنا واغتم اعداؤنا وينسبوننا الى السحر والكهانة وان الجن تحدثنا وتطيعنا ويكذبون علينا، فادن منه وخذ عليه العهد ان احيينا له حماره لا يشنع علينا فانه يعطيك ولا يفي وما تشنيعه علينا بضار بل يشنع علينا اكثر اهل الكوفة، من اعدائنا، قال المفضل: فدنوت منه فقلت له: ان احيى سيدنا لك حمارك تكتم عليه ولا تشنع به قال: نعم واعطى عهد الله وميثاقه على ذلك فحلف ودنا سيدنا أبو عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) من حماره وتكلم بكلمات، وقال


 

[ 257 ]

لصاحب الحمار امدد برأسه فمده فنهض حيا وحمل عليه رحله ودخل الكوفة ونادى وشنع في الناس والطرق، وقال: ان ها هنا ساحر يعرف بجعفر بن محمد مر بحماري وهو ميت فتكلم عليه بسحره فاحياه فشنع اكثر الناس المخالفين من اجل ذلك وقال لي: من قابل اخرج يا مفضل: فانك تلقى صاحب الحمار سائل العينين اصم الاذنين مقطوع اليدين والرجلين اخرس اللسان على ظهر ذلك الحمار يطاف به فكان كما قال (صلوات الله عليه). وروي عن محمد بن زيد، عن ابراهيم بن اسحاق، عن محمد بن عبيد الله الجوهري، عن علي بن ابراهيم، عن حمران بن اعين، عن أبي هارون المكفوف، عن ابي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال أبو هارون: خرجت اريده فلقيني بعض اعدائه فقال اعمى يسعى الى عند اعمى فمصيركما الى النار يا سحرة يا كفرة فدخلت على مولاي الصادق (صلوات الله عليه) حزينا باكي العين، وعرفته ما جرى فاسترجع وقال: يا هارون لا يحزنك ما قاله عدونا فوالله ما اجترأ الا على الله وقد نزلت به في الوقت عقوبة اندرت ناظريه من عينيه وجعلت أنت من بعده بصيرا ومن علامة ذلك خذ هذا الكتاب فاقرأه قال أبو هارون: فاخذت الكتاب ففضضته وقرأته إلى آخر حرف منه ثم قال: لا تنظر في امر يهمك الا رأيته لا تحجب بعد يومك هذا الا عن ما لا يهمك، قال أبو هارون: فصرفت قائدي من الباب وجئت الى بيتي انظر الى طريقي وإلى ما يهمني وقرأت سكك الدراهم والدنانير ونقش الفصوص وتزويق السقوف ولم احجب الا عما لا يعنيني فاني لم أكن اراه وسالت عن الرجل فوجدته لم يبلغ بعض طريقه الى داره حتى فقد ناظريه من عينيه وافتقر وكان ذا مال فكان يسال الناس عن الطريق. وعنه عن محمد بن قاسم العطار، وعلي بن عاصم الكوفي، قالا جميعا: حدثنا علي بن عبد الله الحسني، عن أبي هاشم داود بن القاسم


 

[ 258 ]

الجعفري، عن علي بن احمد البزاز صاحب جعفر (صلوات الله عليه)، قال هاشم: جلست بين يديه اسمع منه ولا أسال * وجلست عشرين سنة اساله ويحبيبني، فقلت له يوما: وقد دخل عليه عبد الله الديصاني وجماعة معه من اصحابه وقد ساله فقال له: يا ابا عبد الله يقدر ربك يجمع السماوات والارض في بيضة لا تكبر البضة ولا تضغر السماوات والارض، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) انظر بعينيك يا ديصاني ماذا ترى، فقال أرى سماء وارضا وجبالا وبحارا وانهارا وضروبا من الخلق في صور شتى فقال له: ويحك يا ديصاني انت ترى هذا كله في ناظريك الذي هو اقل من عدسة ولا يكبر ناظريك ولا يصغر ما تراه فالذي يجمع السماوات والارض في بيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر السماوات والارض هو الذي جمع هذا كله في ناظريك ولم يصغر ما تراه فكان آخر كلامه أن قال له: ما اسمك فسك الديصاني فهزه اصحابه فقال لهم: اسمي عبد الله، فقال: ويحك كيف تجحد من انت عبده فانقطع عن الكلام وسكت فلما خلا المجلس قلت له: يا ابا عبد الله اما رحمتك وسعت كل شئ فقد حملتني منها عظيما فارني دلالة من دلائلك فقال: يا ديصاني حدث هاشم بقصتك فقلت في نفسي اوليس قد خرج الديصاني وخلا المجلس فإذا بالديصاني وحده واقف بين يديه ينتفض ويرتعد فقال حدثه لا أم لك فقال الديصاني: يا هاشم القدرة لله رب العالمين رب السماوات والارض وهي في هذا الرجل ولقد والله دعا علي سبع مرات وزجرني سبع زجرات يقول لي بعد كل زجرة إن لم تقر بالله فكن قردا فصرت قردا وخضعت وخشعت وبكيت بين يديه فردني بشرا سويا فلم اقر بالله فقال لي: كن خنزيرا وكن وزغا وكن جريا وكن حديدا فكلا اكون واستقيله فيردني ولا أقر بالله الى غايتي هذه ولا ادري ما يفعل فقلت لا اله الا الله ما اعظم جرمك واشد كفرك فقال له: الحق باصحابك فانهم منتظروك في الموضع الذي اخذناك منهم فقص عليهم قصتك فغاب الديصاني فقلت له يا


 

[ 259 ]

مولاي فإذا قال لهم يؤمنون فقال والله لا يزيدهم ذلك الا كفرا ولا يؤمنون الا على ذلك ويحشرون الى النار قال هاشم: وكنت اعرف القوم واسال عنهم واسالهم فما ماتوا الا على كفرهم.


 

[ 261 ]

الباب الثاني


 

[ 263 ]

مضى موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (صلوات الله عليهم اجمعين) وله تسع واربعون سنة في عام ثلاث وثمانين ومائة سنة من الهجرة. وكان مقامه مع أبيه جعفر الصادق اربعة عشر سنة، وأقام بعد ابيه خمسا وثلاثين سنة. واسمه: موسى. وكناه أبو الحسن، وابو ابراهيم، والخاص أبو علي. ولقبه: الكاظم، والصابر، والمصلح، والمبرهن، والبيان، وذو المعجزات. وامه حميدة البربرية، ويقال: الاندلسية، والبربرية اصح. ومشهده ببغداد في مقابر قريش. وكان له من الولد علي الرضا الامام (صلوات الله عليه)، وزيد الباز، وابراهيم، وعقيل، ومروان، واسماعيل، وعبد الله، ومحمد،


 

[ 264 ]

واحمد، وجعفر، والحسن، ويحيى، والعباس، وحمزة، وعبد الرحمن، والقاسم. وكان له من البنات: ام فروة، وام ابيها، ومحمودة، وامامة، وميمونة، وعلية، وفاطمة، وام كلثوم، آمنة وزينب، وام عبد الله، وام القاسم، وحليمة، وأسماء، وصرخة. وكانت وفاته في زمن هارون الرشيد في دار السندي بن شاهك والي الشرطة ببغداد في الكوفة. وكان من دلائله وبراهينه (عليه السلام): قال الحسين بن حمدان الخصيبي قدس الله روحه حدثني جعفر بن محمد بن مالك، عن ابراهيم بن زيد النخعي، عن الخليل بن محمد عن احمد البزاز، وكان بزاز أبي الحسن موسى (عليه السلام)، قال: لما بعث الرشيد إليه فحمله من المدينة وجاء به الى بغداد واعتقله في داره وفكر في قتله بالسم فدعا برطب فاكل منه ثم اخذ صينية فوضع فيها عشرين رطبة واخذ سلكا فركه بالسم وادخله في سم الخياط واخذ الرطبة واقبل يردد السلك المسموم من رأس الرطبة الى آخرها حتى علم انه قد مكن السم فيها واستكثر منه ثم ردها بين الرطب وقال: لخادمه احمل هذه الصينية الى موسى، وقل له: ان أمير المؤمنين احمل لك من هذا الرطب وتنغص لك به وهو يقسم عليك بحقه الا ما اكلته عن آخره فانه اختاره لك بيده ولا تدعه يبقى منه شيئا ولا يطعم منه احدا فاتاه به الخادم وبلغه الرسالة فقال: ائتني بخلال فناوله خلالا وقام بازائه وهو ياكل من الرطب وكانت للرشيد كلبة أعز عليه من كل مملكته فخلعت نفسها وخرجت تجر سلاسلها وهي من فصحة حتى حاذت موسى بن جعفر (صلوات الله عليه) فبادر بالخلال الى الرطبة المسمومة فغرزها ورماها الى الكلبة فاكلتها، فلم تلبث ان ضربت بنفسها الى الارض وعوت حتى تقطعت قطعا واكل


 

[ 265 ]

(عليه السلام) باقي الرطب كله عن آخره وحمل الغلام الصينية وصار بها الى الرشيد، فقال له: اكل الرطب كله قال: نعم، قال: كيف رأيته، فقال ما انكرت منه شيئا، فقال: وورد خبر الكلبة وانها قهرت وماتت فقلق الرشيد بذلك قلقا شديدا واستعظمه ووقف على الكلبة فوجدها متهرأة بالسم فاخذ الخادم ودعا له بالسيف والنطع وقال له لتصدقني الصحيح عن خبر الرطب والا قتلتك قال له: يا أمير المؤمنين اني حملت الرطب الى موسى وبلغته سلامك وقمت بازائه فطلب خلالا فدفعته إليه فاقبل يغرز الرطبة بعد الرطبة وياكلها حتى مرت به الكلبة فغرز رطبة ورماها إليها وأكل باقي الرطب فكان ما ترى يا أمير المؤمنين، فقال الرشيد: ما ربحنا من موسى بن جعفر الا ان اطعمناه جيد الرطب وضيعنا سمنا وقتلنا كلبتنا ما في موسى حيلة. وعنه بهذا الاسناد عن علي بن احمد البزاز قال أمر الرشيد السندي بن شاهك ان يبني لموسى (عليه السلام) مجلسا في داره وتحول إليه من دار هارون ويقيده بثلاثة قيود من ثلاثة ارطال حديد ويلزمه ابقاءه ويطبق عليه ويغلق الباب في وجهه الا وقت الطعام ووضوء الصلاة قال: فلما كان قبل وفاته بثلاثة ايام دعا برجل كان فيمن وكل به يقال له المسبب وكان وليا فقال له يا مسبب قال: لبيك قال: إني ظاعن عنك في هذه الليلة الى مدينة جدي رسول الله (صلى الله عليه واله) لا عهد الى من بها عهدا يعمل به بعدي قال المسبب كيف تأمرني والحرس معي ان افتح لك الابواب واقفالها، قال: ويحك يا مسبب ضعف يقينك في الله عز وجل وفينا فقلت لا يا سيدي ولم ازل ساجدا قال: فمه قال: المسبب فثبتني سيدي، وقال: يا مسبب إذا مضى من هذه الليلة المقبلة ثلثها قف وانظر قال المسبب: فحرمت على نفسي الانضجاع في تلك الليلة ولم ازل ساجدا وراكعا وناظرا الى ما وعدني به، فلما مضى من الليلة ثلثها تغشاني النعاس وانا جالس وإذا سيدي موسى (صلوات الله عليه) يجذبني برجله فقال:


 

[ 266 ]

قم فقمت قائما وإذا بتلك الجدران المشيدة والابنية المعلاة وما حولها من القصور والدور وقد صارت كلها ارضا والدنيا من حولها فضاء فظننت ان مولاي قد اخرجني من المسجد الذي كان فيه فقلت لمولاي اين انا من الارض فقال لي في مجلسي فقلت مولاي خذ بيدي من ظالمي وظالمك فقال يا مسبب اتخاف القتل قلت مولاي انا معك فلا قال: يا مسبب كن على جملتك فاني راجع اليك بعد ساعة فإذا وليت عنك فيعود مجلسي الى بنيانه قلت مولاي فالحديد لا تقطعه قال: يا مسبب بنا والله لان الحديد لداود فكيف يصعب علينا قال المسبب: ثم خطا من بين يدي خطوة فلم أدر اين غاب عن بصري، ثم ارتفع البنيان وعادت القصور الى ما كانت عليه فاشتد هيامي فعلمت ان وعده الحق فلم ازل قائما على قدمي ولم يمض الا ساعة كما اخبرني حتى رأيت الجدران والابنية والدور والقصور قد خرجت الى الارض ساجدة فإذا بسيدي قد عاد الى مجلسه وعاد الحديد الى رجليه فخررت ساجدا لوجهي بين يديه فقال لي ارفع رأسك واعلم ان سيدك راحل الى الله تعالى في ثالث هذا اليوم الماضي فقلت مولاي فاين سيدي علي الرضا قال: شاهد عندك غير غائب وحاضر غير بعيد يسمع ويرى قلت سيدي الى اين قصدت قال قصدت والله كل مستجيب لله على وجه الارض شرقا وغربا حتى صحبني من الجن في الراري والبحر ومختفي الملائكة في مقاماتهم وصفوفهم فبكيت قال لا تبك فانا نور لا يطفا ان غبت عنك فهذا ابني علي الرضا بعدي هو انا فقلت الحمد لله الذي وفقني ثم دعاني في ثالث ليلة فقال لي يا مسبب ان سيدك يصبح من ليلة يومه على ما فرغت من الرحيل الى الله فإذا دعوت بشربة من الماء فشربتها فرأيت قد انتفخ بطني واصفر لوني واحمر واخضر وتلون الوانا فخبر الطاغية هارون بوفاتي قال المسبب لم ازل ارقب وعده حتى دعا بشربة من الماء فشربها ثم دعاني وقال يا مسبب ان هذا الرجس السندي بن شاهك سيقول انه يتولى امر دفني وهيهات ان يكون ذلك ابدا فإذا حملت الى المقابر المعروفة بمقابر قريش فالحدوني بها، ولا تعلوا على قبري بناء وتجنبوا زيارتي ولا تأخذوا


 

[ 267 ]

من تربتي ترابا لتتبركوا فان كل تربة له مجربة الا تربة جدي الحسين (صلوات الله عليه) فان الله تعالى جعلها شفاء لشيعتنا واوليائنا، قال: ثم إني رأيته مختلفا الوانه وينتفخ بطنه ثم رأيت شخصا اشبه الاشخاص بشخصه جالسا الى جانبه في مثل شبهه وكان عهدي بالرضا بن موسى غلاما فاقبلت اريد سؤاله فصاح بي اليس قد نهيتك يا مسبب فوليت عنه ثم لم ازل حتى قضى وغاب ذلك الشخص ثم اوصلت الخبر الى الرشيد لعنه الله فوافى السندي بن شاهك فوالله لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون انهم يغسلونه ويحنطونه ويكفنونه وايديهم لا تصل إليه وا يصنعون به شيئا وهو مغسل محنط مكفن، ثم حمل فدفن في مقابر قريش ولم يعلو عليه بناء الا في هذا الزمان. وعنه عن محمد بن موسى القمي عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن اسحاق بن عمار الكوفي، قال: سمعت سيدي ابا الحسن موسى (صلوات الله عليه) ينعى الى رجل نفسه ويخبره ساعة موته وقرب الموت منه يوما بعينه سماه فقلت في نفسي والله انه يعلم متى يموت الرجل من شيعته فالتفت الي شبيه المغضب فقال لي: يا اسحاق قد كان رشيد الهجري من المستضعفين يعلم علم الخفايا والبلايا فالامام اولى بعلم ذلك ثم قال يا اسحاق اصنع ما انت صانع فان عمرك فني وانت تموت الى سنتين وأبوك وأخوك وأهلك لا يلبثون بعدك الا يسيرا يتفرق كلهم ويخفون بعضهم بعضا ويصيرون عند اخوانهم ومن عرفهم رحمه الله قال اسحاق فاني استغفر الله مما عرض في صدري فلم يلبث اسحاق بعد هذا الكلام الا سنتين ثم مات واخوته وتفرقت كل اهل بيته وقام آل عمار باموال وافتقروا اقبح فقر. وعنه بهذا الاسناد عن علي بن احمد البزاز قال: كنت في جامع الكوفة في شهر رمضان في العشر الاخير، إذ جاء حبيب الاحول بكتاب مختوم من أبي الحسن موسى (عليه السلام) مقداره اربع اصابع فيه:


 

[ 268 ]

بسم الله الرحمن الرحيم إذا قرأت كتابي هذا فانظر الكتاب الصغير المختوم الذي في هذا الكتاب فاحرزه عندك حتى اطلبه منك. قال: فاخذت الكتاب فادخلته في بيت جوف بيت فيه ثوبي ومتاعي فجعلته في صندوق مقفل واخذت مفاتيح الاقفال فكانت معي في نهاري وليلي ولا ياخذها غيري ولا يدخل ذلك البيت احد سواي، فلما حضر الموسم خرجت الى مكة وحملت معي كلما كان أمرني بحمله إليه فلما قدمت عليه قال: يا علي ما فعل الكتاب الصغير الذي امرتك باحرازه فقلت جعلت فداءك عندي بالكوفة في بيت في جوف بيت وان لي في البيت صندوقا فيه قمطر في القمطر حقة فيها الكتاب وكل واحد منها مفصل لا يدخل ذلك غيري، والمفاتيح معي بمكة قال يا علي ان رأيت الكتاب تعرفه قلت: اي والله يا سيدي إني لاعرفه ولو انه في وسط الف كتاب، قال: فرفع مصلى كان تحته فاخرج ذلك الكتاب بعينه الي، ثم قال يا علي هاك هو واحتفظ به فقلت والله ما نفعني احرازي ولا اقفالي ببيت اردته يا سيدي قال خذه: واحتفظ به والله لو علمت بما فيه لضاق به ذرعك قال علي: فاخذته ورددته إلى الكوفة معي وقعدت وأخي محمد وكانت محيطة في جنب جبتي القز فكان الكتاب لا يفارقني ايام حياته (عليه السلام) فلما توفي لم يكن همي الا ان قمت انا وأخي الى فروتي ففتقت جيبها وطلبت الكتاب فلم اجده فعلمنا أنه (عليه السلام) أخذه كما في الكرة الاولى. وعنه عن محمد بن جرير الطبري عن محمد بن علي، عن علي بن أبي حمزة الثمالي، قال: أخبرني شعيب قال: قال لي أبو الحسن موسى (صلوات الله عليه) بمكة مبتدئا من غير مسالة اركب يا شعيب وسر قليلا يلقاك رجل من أهل المغرب يسالك عني وعن امامتي فقل له: ما تعلمه منها وما قاله ابي في اوان سؤالك عن الحلال والحرام فافته فانه يحتاج الى ذلك قلت جعلت فداءك ما علامة هذا الرجل قال: هو رجل طويل جسيم يقال له يعقوب إذا لقيك فسالك عنا عليك ان تجيبه عما سالك عنه


 

[ 269 ]

فانه حاج قومه وملتمس معرفتي وإذا احب ان يدخل علي فافعل ما امرتك به قال شعيب: فوالله لقد ركبت وسرت قليلا فإذا انا بالرجل قد اقبل بتلك العلامات فقلت: هذا والله الرجل الذي وصفه سيدي فلما دنا مني اراد كلامي فقلت له يا يعقوب فنظر إلي وقال: ما اعلمك باسمي فقلت له وصفك لي وسماك من قصدت معرته فقال: اريد ان اسالك عن صاحبك فقلت له: عن أي اصحابي تسال قال عن أبي الحسن موسى (صلوات الله عليه) فقلت له ومن اين انت قال لي من أهل بلد المغرب قلت كذا اخبرني سيدي فمن اين عرفتني قال لي: فما اسمك فلم اقل له فقال لي: يا هذا الرجل اتاني آت في منامي، فقال ألق شعيب فاسأله عن جميع ما تحتاج إليه فانه يخبرك قلت له: وانا شعيب والذي امرك في منامك وسماني هو الذي سماك لي ووصفك فحمد الله وشكره، وقال هو صاحبنا أبو الحسن موسى (عليه السلام) فقلت له هو لا غير وخرجنا الى الطواف فطفنا فقال لي أريد أن تدخلني عليه فقلت تجلس مكانك حتى افرغ من طوافي واجيبك ان شاء الله تعالى فطفت ثم اتيته فكلمته فإذا به رجل عاقل فاخذت بيده فادخلته على أبي الحسن موسى (عليه السلام) فلما نظر إليه قال له: يا يعقوب قدمت أمس ووقع بينك وبين اخى خلف في موضع كذا وكذا حتى شتم بعضكم بعضا وليس هذا ديني ولا دين آبائي ولا نامر بهذا احدا من الناس فاتق الله وحده لا شريك له فانكما ستفرقان بالموت اما ان اخاك سيموت في سفره قبل ان يصل الى اهله وستندم انت على ما كان بينكما فانكما تقاطعتما فبتر الله اعماركما قال له يعقوب جعلت فداءك متى أجلي قال له: اما اجلك فانه كان قد حضر وبتر حتى أوصلت عمتك بما اوصلتها في المنزل الذي نزلتموه بعد المنزل الذي اختصمت انت واخوك فيه فزاد الله في عمرك عشرين سنة قال شعيب: فلقيت الرجل بعينه من قابل في الحج فقلت له ما كان من خبر اخيك فقال مات والله في الطريق قبل ان يصل الى اهله وندمت على ما كان بيني وبينه وقد علمت ان اجلي على ما


 

[ 270 ]

قال (عليه السلام). قال الحسين بن حمدان: حدثني علي بن بشر، عن محمد بن زيد، عن محمد بن علي، عن علي بن محمد، عن الحسن والحسين ابني العلاء جميعا، عن صفوان بن مهران الجمال لابي عبد الله الصادق (عليه السلام) الى باب الدار واضع عليها رحلها ففعلت ووقفت افتقد امره فإذا انا بابي الحسن موسى (صلوات الله عليه) قد خرج مسرعا وله في ذلك الوقت ست سنين مشتملا ببردته اليمانية وذوائبه تضرب على كتفيه حتى استوى في ظهر الناقة وأثارها فلم أجسر على منعه من ركوبها وذهبت به فغاب عن نظري فقلت انا لله وما الذي اقول لسيدي ابي عبد الله ان خرج ليركب الناقة وبقيت متململا حتى نمت ساعة فإذا انا بالناقة قد انحنت كأنها كانت في السما وانقضت الى الارض وهي تعرق عرقا جاريا ونزل عنها ولم يعرق لها جبين وسبق دخل الدار فخرج مغيث الخادم الي وقال لي: يا صفوان ان مولاك يامرك ان تحط عن الناقة رحلها وتردها الى مربطها فقلت الحمد لله ارجو ان الامام ندم على ركوبه اياها وقلت ذلك ووقفت في الباب فاذن لي بالدخول على سيدي ابي عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) فقال: يا صفوان لا لوم عليك فيما امرتك به من احضارك الناقة واصلاح رحلها عليها وما ذاك الا ليركبها أبو الحسن موسى (عليه السلام) فهل علمت اين بلغ عليها في مقدار هذه الساعة قلت: والله انه لا علم لي بذلك قال: بلغ ما بلغه ذو القرنين وجازه اضعافا مضاعفة فشاهد كل مؤمن ومؤمنة وعرفه نفسه وبلغه سلامي وعاد فادخل عليه يخبرك بما كان في نفسك وما قلت لك قال صفوان: فدخلت على موسى (صلوات الله عليه) وهو جالس وبين يديه فاكهة ليست من فاكهة الزمان والوقت فقال لي: يا صفوان لما ركبت الناقة قلت في نفسك إنا لله وإنا إليه راجعون ماذا أقول لسيدي أبي عبد الله إذا خرج ليركب فلا يجدها وأردت منعي من


 

[ 271 ]

الركوب فلم تجسر فوقفت متململا حتى نزلت فخرج الامر إليك بالحط عن الراحلة فقلت: الحمد لله ارجو بالدخول فقال: يا صفوان لا لوم عليك هل علمت أين بلغ موسى في مقدار هذه الساعة فقلت الله وأنت يا مولاي أعلم فقال لك: إني بلغت ما بلغه ذو القرنين وجاوزته اضعافا مضاعفة وشاهدت كل مؤمن ومؤمنة وعرفته نفسي وبلغته سلام ابي فقال ادخل عليه فانه يخبرك بما كان في نفسك وما قلت لك قال صفوان: فسجدت لله شكرا وقلت له يا مولاي هذه الفاكهة التي بين يديك في غير اوانها ياكلها مثلي إذا اكل منها من هو مثلك قال فعد الى دارك فقد اتاك منها رزقك فخرجت من عنده فقال لي مولاي أبو عبد الله الصادق (صلوات الله عليه) يا صفوان ما زادك كلمة ولا نقصك كلمة فقلت لا والله يا مولاي فقال كن في دارك فاني آكل من الفاكهة واطعمه واطعم اخوانك وياتيك رزقك كما وعدك موسى فقلت ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ومضيت الى منزلي وحضرت الصلاتان الظهر والعصر فصليتهما وإذا بطبق من تلك الفاكهة بعينها وقال لي الرسول يقول لك مولاك فما تركنا لنا وليا الا واطعمناه على قدر استحقاقه. وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي، عن محمد بن علي، عن علي بن محمد، عن خلاد المقري، عن أبي خالد الديالي، عن علي بن احمد البزاز، قال: لما قدم هارون الرشيد على سيدنا موسى (صلوات الله عليه) من المدينة الى بغداد امر ان لا يدخل الكوفة وأن يعدل له إلى البصرة ويصعد به في الدجلة إلى بغداد ففعل به ذلك فلما وصل إلى بغداد أمر به ان يكرمه فاصحب له وفرشت له الفراشات وحملت إليه الاطعمة والاغذية واسكن أبو الحسن موسى اياها وأمر الناس بالسلام عليه ولم يزل ثلاثة أيام تجيئه أهل الدولة بالزي وان يحضر الناس الدار ووقفوا في مراتبهم ولا يتاخر أحد قرشي ولا هاشمي، ولا عربي ولا عجمي الا حضر الناس بالزي الحسن والعدد والجنس واقيموا صفوفا من خارج الدار والشارع وإلى


 

[ 272 ]

دون السرير وزخرفت الدار وجلس الرشيد على السرير وعليه البردة والتاج والمصحف بين يديه وأقام بني هاشم صفين الى طرف البساط واقام محمد الامين وعبد الله المأمون بالسرد وسيوفهما ومناطقهما مع السرير ووقف الوزراء والكتاب من دون بني هاشم ووقف من دونهم الخدم والحشم ووقف من دونهم القواد والامراء الامثل فالامثل واستحضر أبا الحسن موسى (عليه السلام) على حما اسود يماني وعليه بياض وبين يديه ثلاثة نفر من مواليه فلما ورد الباب خرج الاذن بان يدخل على حماره الى طرف البساط وان يشار إليه بالسلام إلى أن يصل فدخل على هذا حتى انتهى الى طرف البساط فصاح هارون الرشيد بابنيه الامين والمأمون تلقيا ابن عمكما فاسرعا يجران سيفيهما حتى تلقياه فقبلا فخذيه واشار هارون إليه قبل ان يطا البساط فلم يفعل أبو الحسن موسى ذلك فنزل على البساط فلما قرب من سريره ومحمد وعبد الله بين يديه تطاول الرشيد نحوه فلما صعد السرير قام إليه قائما وأعتنقه وأوسع له من موضعه وفرح به وأظهر سرورا بقدومه عليه وقال: قد رأيتك شيئا وقد قضينا وطرا من السلام والتلاقي ولا عليك يا ابن العم اليوم جلوس اكثر من هذا فاظهر له أبو الحسن موسى صلوات الله عليه مثلما اظهر وشكر له ونهض فقال الرشيد لابنيه يمشوا بين يديه واشار الى بني هاشم ان يمشوا بين يديه وقدم حماره الى طرف البساط فركب من حيث نزل وسار وبني هاشم بين يديه الى باب الدار قال عبد الله المأمون يا أمير المؤمنين من هذا الابن العم العظيم الشان الذي ما رأيتك فعلت باحد من العالمين فعلك به، قال الرشيد: يا عبد الله هذا حجة الله عليه خلقه وإمام المسلمين، قال له عبد الله: يا أمير المؤمنين ألست انت الامام قال: يا بني نحن أئمة الملك وهذا إمام الدين، قال له المأمون: يا أمير المؤمنين فهل هو أفضل أو أنت قال: والله يا بني لو قلت اني افضل منه تعذبت في النار، قال له المأمون فتحبه يا أمير المؤمنين وتدين لله به قال: نعم أما في الدين فنعم وأما في الملك فلا فكان سبب تشيع المأمون قول ابيه، ما قاله


 

[ 273 ]

في موسى قال علي ابن حمد: فلما أنساه الشيطان ذكر ربه وأمر باعتقاله وحسبه وفكر بماذا يقتله فقال اخوه إبراهيم بن شكلة يا أمير المؤمنين أما نفعل بموسى ما فعله جدك المنصور بابيه جعفر قال وماذا صنع به قال حدثني ابي المهدي انه بعث الى قوم من الاعاجم يقال لهم البزغز فاستدعى رجالا ينعم عليهم ويفضلهم ويطيعونه في كلما يامرهم به فقدم عليه منهم نحو المائة رجل فدخلوا عليه، فلما نظر إليهم واستنطقهم وجدهم قوما لا يفصحون بكلمة ولا يعقلون ما يقال لهم ولا يعقلون ما يقولون فقال لترجمانهم قل لهم: من ربكم فكلمهم فسكتوا عنه فلم يجيبوه فقال المنصور: هؤلاء يصلحون إذا كانوا لا يعرفون الله فخلع عليهم الديباج المثقل والوشي وأقيمت لهم الانزال السرية الوافرة وفرشوا وخدموا وحملت إليهم الاموال والالطاف تجدد عليهم في كل يوم وخلع واموال حتى مضى لهم نحو شهر فقالوا لترجمانهم: هذا الملك يفعل بنا هذا الفعل ولا يتخذ منا كلمة انظر أي شئ يريد بنا فقال له الترجمان ما قالوا فقال قد قالوا: كل هذا، قال: نعم، قال: فقل لهم ان لي عدوا يدخل علي الليلة فإذا دخل فليقتلوه فعرفهم الترجمان ذلك قالوا نحن قتل كل عدو له إذا رأيناه فقال لهم: احضروا الليلة الدار باسلحتكم فان العدو يوافي فإذا رأيتموه فاقتلوه قال الرشيد: ثم ماذا قتلوه قال له ابراهيم: اخوه لا لان جدك صفح عنه ووهب له ذنبه قال له الرشيد: ليس كذا بلغني قال ابراهيم: فما الذي بلغك يا أمير المؤمنين قال: بلغني أنه احضرهم في الدار في الثلث الاول من الليل فحضروا وجردوا اسلحتهم ووقفوا يزأرون زئير السباع وبعث الى جعفر بن محمد فاتاه فلما اقبل قد حشروا الدار قال: يدخل وحده وقال: لتجرمانهم هو عدوي يدخل وحده فاقتلوه فلما دخل جعفر واشرف عليهم تعاووا مثل الكلاب ورموا اسلحتهم وكتفوا ايديهم وخروا على وجوههم الى الارض نحو جعفر فلما رآه جدي المنصور قام إليه: وتلقاه وقال: يا ابا عبد الله ما الذي جاء بك في هذا الوقت قال له


 

[ 274 ]

جعفر: رسلك أتت بي اليك وما جئتك والله الا مغسلا محنطا مكفنا قال له جدي: حاش لله ان يكون كما تقول ما كنت لاقطع رحم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيك فارجع راشدا فخرج جعفر والقوا البزغز على الارض مكتفين حتى خرج جعفر قاموا كالسكارى وقالوا لترجمانهم: لا جزاك الله خيرا تقول يدخل عليكم عدو الملك وحده فاقتلوه فيدخل علينا إمامنا ومن يكفلنا في ليلنا ونهارنا ويدبرنا كما يدبر الرجل ولده فقال جدي المنصور للترجمان ما يقولون فاعاد عليه قولهم فقال: اخرجهم عني فلا حاجة لي فيهم وسيرهم من تحت ليلتهم قال ابراهيم بن شكلة لعنه الله: ما سمعت من ابيك باقي الحديث الذي سمعته منك قال له الرشيد: أليس أبي المهدي قال: باقي الحديث قال ابراهيم: يا امير المؤمنين ما قال لك قال: قالت امي حدثها ياسر الخادم لانه كان حاضرا ذلك قال له ابراهيم قد كانت امك اقرب إليه من أمي وكان ياسر الخادم يلقي إليها سر جدك المنصور قال الرشيد ولكنني سافعل فعلا إن تم لم يبق غيره في موسى ثم كتب الى عماله في الاطراف ان التمس لي قوما غتما لا دين لهم ولا يعرفون لهم ربا ولا رسولا فاقدم عليه منهم طائفة فنظر عماله فلم يجدوا احدا بهذه الصفة الا قوما من وراء بحر الترك يقال لهم: العبدة راسلوهم وحملوا إليهم ولطفوا بهم وآمنوهم إلى أن أقدموا منهم على الرشيد خمسين رجلا قال احمد بن علي البزاز: فلما قدموا نزلوا في حجر دار الرشيد وحمل إليهم من الكسوة الحلي والمال والجوهر والطيب والجواري والخدم وما يجد ذكره قولا لترجمانهم: قل لهم من ربكم فقالوا لا نعرف لنا ربا ولا ندري ما هذه الكلمة قال لهم من انا قالوا له قل انك ما شئت حتى نقول انك هو فقال لترجمانهم: أليس قد رأيتم ما فعلت بكم منذ قدمتم قالوا: بلى قال: فانا أقدر أجمعكم وأفرقكم واجيعكم واعريكم واقتلكم واحرقكم بالنار قالوا له لا ندري ما تقول الا انا نطيعك ولو في قتل انفسنا وكان الرشيد قد صور لهم صورة موسى (صلوات الله عليه) فامر الرشيد


 

[ 275 ]

فنصب لهم موائد وهو جالس والخادم معه على مشرف ايديهم وينقل إليهم الطعام الذي لا يعقلونه وخرجت عليهم الجواري بالعيدان والنايات والطبول فوقفن صفوفا حولهم يغنين والكاسات تأخذهم من كل جانب والخلع تطرح عليهم والاموال تنثر بين أيديهم فلما سكروا قال لترجمانهم: قل لهم ياخذوا سيوفهم ويدخلوا على عدو لي في هذه الحجرة وقال ان كان هؤلاء يعرفون موسى كمعرفة البزغز لجعفر بن محمد فسيفعلون فعلهم وان لم يعرفوه سيقتلون صورته فإذا قتلوا صورته اليوم قتلوه غدا فاخذوا سيوفهم عليه ورضوه فقال الرشيد لعنه الله: الآن قتلت موسى بهؤلاء القوم فخلع عليهم خلعا اخرى وحمل إليهم الاموال وردهم إلى منازلهم فلما كان من الغد قال الرشيد: اثبتوا تلك الصورة والمثال يقينا ثم أمر فصور مثالا آخر صورة موسى (عليه السلام) كانه هو في غير تلك الحجرة واحضرهم ففعل بهم مثل ذلك الفعل وأمرهم ان يسكروا وقال لترجمانهم: فقل لهم ياخذوا سيوفهم ويدخلوا عليه فوضعوها من أيديهم ثم قالوا: أليس هذا الذي قتلناه بالامس قال هو شبهه فاقتلوه فوضعوا عليه سيوفهم فرضوه فزادهم خلعا وقال لهم: قد قتلت موسى بن جعفر بعون الله وردهم الى منازلهم ولم يقدم على اظهار أبي الحسن موسى (عليه السلام) حتى صوره سبع مرات ويقتلونه فقال الرشيد: ما بقي لي غير اظهاري ابا الحسن موسى لهم فامر باحضاره وجعله في حجرة مثل تلك الحجر على سبيل تلك التماثيل واحضرهم وقال لترجمانهم: ما بقي لي من اعدائي غير عدو واحد فاقتلوه وأنا اسلم إليكم المملكة فاخذوا سيوفهم ودخلوا على موسى (صلوات الله عليه) والرشيد وخادمه على مشترف له على الحجرة يقول للخادم أين موسى قال جالس في وسط الحجرة على بساط قال ماذا يصنع قال: مستقبل القبلة مادا يده الى السماء يحرك شفتيه قال الرشيد: إنا لله ليته ما يريده ثم قال للخادم: دخل القوم عليه قال قد دخل اولهم ورومي سيفه ودخلوا معه ورموا سيوفهم وخروا سجدا حوله وهو يمر يده المباركة


 

[ 276 ]

على رؤوسهم ويخاطبهم بمثل لغتهم وهم يخاطبونه قال فغشي على الرشيد، وقال اغلق باب المشترف الذي نحن فيه لا يامرهم موسى بقتلنا وقل لترجمانهم حتى يقول لهم يخرجوا واقبل يتململ ويقول وافضيحتاه من موسى كدته كيدا ما نفعني فيه شيئا وصاح الخادم لترجمانهم قل لهم أمير المؤمنين يقول لكم اخرجوا فخرجوا مكتفين الايدي على ظهورهم وهم يمشون القهقري حتى غابوا عنه ثم جاؤوا الى منازلهم فاخذوا ما فيها وركبوا خيولهم من ساعتهم وخرجوا وامر الرشيد بترك العرض لهم قال علي بن احمد والله لقد اتبعهم خلق كثير من شيعة ابي الحسن موسى (صلوات الله عليه) فما وجدوا لهم اثرا ولا علم احدا اين ساروا ولا اي طريق اخذوا فكان هذا من دلائله وبراهينه (عليه السلام).


 

[ 277 ]

الباب العاشر باب الامام علي الرضا (عليه السلام)


 

[ 279 ]

مضى علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) وله تسع واربعون سنة واستشهد في عام ثلاث ومائتين من الهجرة وكان مولده سنة ثلاث وخمسين ومائة وأام مع أبيه تسعا وعشرين سنة وستة أشهر وأقام بعد أبيه عشرين سنة الا شهرا، واسمه علي وكناه أبو الحسن والخاص أبو محمد ولقبه الرضا والصابر والوفي ونور الهدى وسراج الله والفاضل وقرة اعين المؤمنين ومكيد الملحدين واسم امه ام البنين وأم ولد ومشهده بطوس بخراسان ومات بالسم (عليه السلام). وكان من دلائله (عليه السلام). قال الحسين بن حمدان قدس الله روحه: حدثني محمد بن زيد القمي، عن محمد بن بشر، قال: حدثني الحسين ولقيت بشر، وحدثني بهذا الحديث عن عبد الله بن جعفر اللافي قال: خرجت مع هرثمة بن اعين الى خراسان وكان مع المأمون وكان سبب سم المأمون حمله من المدينة في طريق الاهواز يريد خرسان فلما صار بالسوس لقيه الشيعة بها وكان علي بن اسباط الفارسي قد سار من فارس بهدايا والطاف ليلقاه بها فقطعت اللصوص واخذوا كلما كان فيها واخذوا الهدايا والالطاف التي كانت مع


 

[ 280 ]

علي بن اسباط وكان ذا مال ودنيا عريضة فطالبه القفص بان يشتري نفسه منهم بمال عظيم وعذبوه الى أن قال قائل منهم احشوا فاه جمرا حتى يشتري نفسه منا ففعلوا ذلك فانتثرت نواجذه وانيابه واضراسه وتركته القفص وجميع سائر من في القافلة وساروا بالغنيمة فبكي علي بن اسباط وقال والله ما مصيبتي بغمي باعظم من مصيبتي بما حملته الى سيدي الرضا (عليه السلام) ورقد من شدة وجعه فرأى في منامه سيدنا الرضا (عليه السلام) وهو يقول له: لا تحزن فان هداياك والطافك عندنا بالسوس إذا وردناها ووردتها واما فوك فاول مدينة تدخلها فاطلب السعد المسحوق فاحش به فاك فان الله يرد عليك نواجذك وانيابك واضراسك فانتبه مسرورا، فقال: الحمدلله حق حمده على ما رأيت وحقا ما رأيت وحمل نفسه حتى دخل أول مدينة والتمس السعد بها فاخذه وحشى فاه فرد الله عليه جميع نواجذه وسار حتى لقي سيدنا الرضا (عليه السلام) بالسوس فلما دخل عليه قال له: يا علي قد وجدت جميع ما قلنا لك في السعد حقا فادخل الى تلك الخزانة فانظر هداياك والطافك وجميع ما كان مما اهديته الينا تراه بحاله وما كان لك فخذه فدخل علي بن اسباط اخزانة فوجد جميع ما كان معه لم يفقد منه شيئا فاخذ ما كان له وترك الهدايا والالطاف وسار الرضا (عليه السلام) الى المأمون فزوجه اخته وجعله ولي عهده وضرب اسمه على الدراهم وهي الدارهم الرضوية وجمع بني العباس وناظرهم في فضل علي بن موسى حتى الزمهم الحجة ورد فدكا على ولد فاطمة (عليها السلام) ثم سمه بعد كيد طويل نشرح منه بعضه في كتابنا هذا ان شاء الله تعالى. حدثني محمد بن زيد وحدثه محمد بن منبر، بعد ان حدثني محمد بن زيد، قال: حدثني محمد بن خلف الطاطري، قال: حدثني هرثمة بن اعين قال: دخلت على سيدي الرضا علي بن موسى (عليه السلام) فدخلت اريد الاذن على سيدي الرضا (عليه السلام) وكان يتوالى سيدنا


 

[ 281 ]

الرضا (عليه السلام) فإذا أنا بصبيح قد خرج فلما رآني قال الست تعلم ثقة المأمون بي على سره وعلانيته قلت بلى قال اعلم ان المأمون دعاني في الثلث الاول من الليل فدخلنا عليه وقد صار ليله نهارا بالشمع وبين يديه سيوف مسللة مسحوبة ومسمومة ودعانا غلاما غلاما فاخذ علينا العهد والميثاق بلسانه ليس بحضرته احد من خلق الله غيرنا فقال لنا هذا الغلام لازم انكم تفعلون ما أمركم به ولا تخالفوا منه شيئا فحلفنا له فقال ياخذ كل واحد منكم سيفا من هذه الاسياف في يده وامضوا حيث تدخلوا على علي بن موسى في حجرته فان وجدتموه قائما أو قاعدا ضعوا اسيافكم هذه عليه ولا تكلموه ورضوه بها حتى تخلطوا لحمه ودمه وشعره وعظمه ومحه ثم اقلبوا عليه بساه وامسحوا اسيافكم وصيروا الي فقد جعلت لكل واحد منكم في هذا الفعل وكتمانه عشرة بدر دراهم وعشرة منتجبة والحظوة مني ما عشت وبقيت فاخذنا الاسياف بايدينا ودخلنا عليه في حجرته فوجدناه منضجعا طرفه وهو يتكلم بكلام لم نعلمه فبادروا الاسياف والغلمان إليه ووضعت سيفي وانا قائم حتى فعلنا به ما حدثنا به المأمون ثم طوي عليه البساط ومسحوا اسيافهم وخرجوا حتى دخلوا على المأمون فقال ما الذي صنعتموه فقالوا ما امرتنا يا أمير المؤمنين وانا اظن انهم يقولون اني ما ضربت معهم بسيف فلما تقدمت فقال ايكم المسرع إليه فقالوا صبيح الديلمي يا أمير المؤمنين ثم قال لا تعيدوا شيئا مما فعلتم فتخسوا وتعجلوا الفنا وتخسروا الآخرة والاولى فلما كان في تبلج الفجر خرج المأمون فجلس مجلسه مكشوف الرأس محلل الازرار واظهر وفاته وقعد للتعزية قبل ان يصل إليه الناس قام حافيا فمشى الى الدار لينظر إليه وانا بين يديه فلما دخل إليه في حجرته سمع همهمة فارتعد ثم قال من عنده فقلنا لا علم لنا يا أمير المؤمنين فقال اسرعوا فانظروا فاسرعنا الى البيت فإذا نحن بسيدنا الرضا (عليه السلام) جالسا في محرابه مواصل بتسبيحه قلنا يا امير المؤمنين هوذا نرى شخصا جالسا في محرابه يصلي ويسبح فانتفض المأمون وارتعد ثم


 

[ 282 ]

قال غررتموني لعنكم الله فقال يا صبيح أنت تعزيه فانظر من المصلي عنده قال صبيح: وتولى المأمون راجعا فلما صرت بعتبة الباب قال: يا صبيح قلت: لبيك يا مولاي وسقطت لوجهي قال: قم يرحمك الله فارجع إليه فقل له: (يريدون ليطفئوا نور الله بافواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) قال: فرجعت الى المأمون فوجدت وجهه كقطع الليل المظلم فقال يا صبيح: ما وراءك فقلت: يا امير المؤمنين جالس في محرابه وقد ناداني باسمي وقال: كيت وكيت فشد ازراره وامر برد اثوابه وقال: قولوا انه كان غشي عليه وقد افاق من غشوته فلما رآني قال: يا هرثمة لا تحدث بما حدثك به صبيح إلا من قد امتحن الله قلبه بمحبتنا وولايتنا فقلت نعم يا سيدي وقال: والله يا هرثمة فلا يضرنا كيدهم شيئا حتى يبلغ الكتاب اجله. وعنه عن محمد بن ميمون الخراساني عن أبيه ميمون بن احمد بن هرثمة بن اعين قال ميمون كنت مع هرثمة بطوس وحضرت وفاة علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وحضرت غسله ودفنه وشاهدت ما كان ذلك كله وسالت هرثمة فقلت له: كيف كان خبر السم الذي سم به سيدنا الرضا فقمت من عنده فقال هرثمة كنت بين يدي المأمون الى ان مضى من الليل اربع ساعات ثم اذن لي بالانصراف فانصرفت فلما مضى من الليل ساعتين قرع قارع بابي فكلمه بعض غلماني فقال: قل لهرثمة اجب سيدنا الرضا فقمت مسرعا فاخذت علي اثوابي واسرعت الى سيدي فدخل الغلام بين يدي ودخلت داره فإذا انا بسيدي الرضا في صحن داره جالس قال هرثمة قلت: لبيك يا مولاي قال اجلس واسمع وعي هذا وان رحيلي الى الله عز وجل ولحوقي بابائي واجدادي (عليهم السلام) وقد بلغ الكتاب اجله وقد عزم هذا الطاغي على سمي في عنب ورمان مفروك فاما العنب ليحضى واما الرمان فانه ليطرح السم في كف بعض غلمانه ويفرك بيده ليلطخ حبه في ذلك السم وانه يستدعيني إليه في يومنا هذا المقبل ويقرب الي


 

[ 283 ]

الرمان والعنب ويسالني اكله فاكله وينفذ الحكم ويحضر القضاء فإذا انا مت فيقول انا اغسله بيدي فإذا قال: ذلك فقل له لا يتعرض لغسلي ولا لكفني ولا لدفني فانه ان فعل ذلك عاجله الله من العذاب ما اخر عنه وحل به أليم ما يحذروا شيعتي قال: فقلت يا سيدي فإذا خلى بينك وبين غسلي فيجلس من ابنيته هذه مشرفا على موضع غسلي لنظر الي، قال فلا تعرض يا هرثمة لشئ من غسلي حتى ترى فسطاطا ابيضا قد ضرب في جانب الدار فإذا رأيت ذلك فاحملني في أثوابي التي انا فيها من وراء الفسطاط وقف وراءه ويكون معك دونك ولا تكشف عن الفسطاط فتراني فتهلك فانه سيشرف عليك ويقول لك يا هرثمة أليس زعمتم ان الامام لا يغسله الا الامام مثله فمن يغسله وابنه محمد بالكوفة أو في بلاد الحجاز ونحن بوسط بلاد خراسان فإذا قال لك ذلك فاجبه وقل له ما يغسله احد غير من ذكرته فإذا ارتفع الفسطاط فسوف تراني مندرجا في اكفاني محنطا فضعني على نعش واحملني وصل علي واعلم ان صاحب الصلاة علي محمد ابني فإذا ارادوا ان يحتفروا قبري فانه سيجعل قبر أبيه هارون الرشيد قبلة لقبري ولن يكون والله ذلك ابدا فإذا ضربوا بالمعاول فستنبوء عن الارض ولا ينحفر كقلامة الظفر فإذا اجتهدوا في ذلك وصعب عليهم فقل له: ان امرتك ان تضرب معولا واحدا في قبلة قبر هارون الرشيد فإذا ضربت نفذ في الارض قبرا محفورا وضريحا قائما فإذا انحفر ذلك القبر مع وجه الارض ثم يظهر فيه حيتان صغار فخذ لقمة من خبز ففتها فانهن ياكلنها ثم يظهر حوت ويطول فيأكل تلك الحيتان الصغار فيقول لك ما هذا فقل له ان مثل هذه الحيتان الصغار مثل بني العباس فانهم ياكلون مدتهم من الدنيا ومثل الحوت الذي اكلهم مثل القائم المهدي من ولدي فانه إذا ظهر افنى بني العباس فإذا كان ذلك فلا تنزلني في القبر حتى إذا غاب الحوت وغار الماء فيسجف على قبري سجفا ابيض فخلوا بيني وبين من ينزلني في قبري


 

[ 284 ]

ويلحدني فانه محمد ابني فإذا أرادوا ترابا يلقونه في قبري فامنعهم من ذلك فان القبر ينطبق من نفسه ويمتلئ ويتربع قال فقلت نعم يا سيدي، ثم قال: احفظ ما عهدت اليك واعمل به ولا تخالفه قلت اعوذ بالله يا سيدي ان اخالف امرك قال هرثمة: فخرجت باكيا حزينا فلم ازل على ما قال لي ولا يعلم ما في نفسي الا الله ثم دعاني المأمون إليه فدخلت فلم ازل قائما الى ضحى النهار ثم قال المأمون امض يا هرثمة الى ابي الحسن فاقرأه مني السلام وقل له: تصير إلينا أو نصير إليك فان قال بلى نصير إليه ونساله ان يقدم بمصيرنا قال: فجئته فلما طلعت على سيدي الرضا قال لي: يا هرثمة اليس قد حفظت ما وصيتك به قلت بلى فقال: قدموا نعلي فقد علمت ما سالك به فقدمت نعله ومشى إليه فلما دخل المجلس قام إليه المأمون قائما فعانقه وقبل بين عينيه واجلسه الى جانبه على سريره واقبل عليه يحادثه من النهار طويلا ثم قال لبعض غلمانه أتوني بعنب ورمان قال هرثمة قال سمعت لم استطع الصبر ورأيت النفضة قد عرضت في جسدي فكرهت ان يتبين ذلك فرجعت القهقري حتى رميت نفسي في موضع من الدار فلما قرب زوال الشمس احسست بسيدي الرضا (عليه السلام) قد خرج من عنده ورجع الى داره ثم رأيت الامر قد خرج من عند المأمون باحضار الاولياء والمتفرقين فقلت ما هذا فقال علة عرضت لابي الحسن علي الرضا (عليه السلام) فكان الناس في شك وكنت انا في يقين لما علمته منه فلما كان في بعض الليل وهو الثلث الثاني علا الصياح وعلت الوجبة من الدار فاسرعت فيمن اسرع فإذا نحن بالمامون مكشوف الرأس محلل الازرار قائما ينتحب ويتباكى فوقفت فيمن وقف وانا احس في نفسي اكاد اتميز من الغيظ فلما اصبحنا جلس المأمون للتعزية ثم قام يمشي الى الموضع الذي كان فيه سيدنا الرضا (عليه السلام) فقال: اصلحوا لنا موضعا اني اريد ان اغسله فدنوت منه فقلت خلوة يا امير المؤمنين فاخلى نفسه فاعدت عليه ما قاله لي سيدي بسبب الغسل والكفن والدفن فقال لي


 

[ 285 ]

لست اعرض في شئ من ذلك يا هرثمة قال: فلم ازل قائما حتى رأيت ذلك الفسطاط الابيض قد نصب الى جانب الدار فحملته فوضعته الى جانب الفسطاط فعبر الفسطاط وصار داخله وقعدت في ظاهره وكل من في الدار دوني وانا اسمع التكبير والتهليل والتسبيح وتردد الاواني وتضوع الطيب فإذا انا بالمامون قد اشرف على بعض داره فصاح يا هرثمة اليس زعمتم ان الامام لا يغسله الا امام مثله فاين محمد ابنه عنه وهو في مدينة الرسول وهذا بطوس بخراسان فقلت له والله يا امير المؤمنين ما يغسله غير من ذكرته فسكت عني ثم ارتفع الفسطاط فإذا انا به مدرج في اكفانه فوضعته على نعشه ثم حملناه فاشتال النعش من ايدينا وهو يسير الى موضع الصلاة علييه فصلى عليه المأمون وجميع الناس فجئنا الى موضع قبره فوجدتهم يضربون بالمعاول من فوق الرشيد ليجعلوه قبلة لقبر علي الرضا (عليه السلام) والمعاول تنبو حتى ما تقلب شيئا من تراب الارض فقال لي ويحك يا هرثمة اما ترى الارض كيف تمتنع من حفر قبر له فقلت يا امير المؤمنين إئذن لنا لاضرب معولا واحدا في قبلة قبر أبيك ولا أضرب غيره قال: فإذا ضربت يا هرثمة يكون ماذا قلت له اخبرني انه لا يجوز ان يكون قبر ابيك قبلة لقبره واني إذا ضربت هذا المعول نفذ القبر محفورا من غير يد تحفره وبان الضريح في وسطه قال المأمون سبحان الله ما اعجب هذا الكلام، فلا عجب من امر أبي الحسن فاضرب حتى نرى قال هرثمة فاخذت المعول في يدي فضربت في قبلة قبر هارون فنفذ القبر محفورا وبان الضريح في وسطه قال المأمون انزله يا هرثمة فقلت له يا سيدي لا انه امرني لا انزله حتى ينفجر من ارض هذا القبر ماء ابيض فيمتلئ به القبر مع وجه الارض ثم تظهر فيه حيتان صغار فانثر لها خبزا فتأكله ثم يظهر حوت بطول القبر فيضطرب وياكل الحيتان الصغار فإذا غاب الحوت وضعته على جانب القبر وخليت بينه وبين من ينزله في يلحده ثم غاب الحوت وغار الماء ثم جعلت النعش بجانب القبر مما يلي الرأس كما أمرني فتسجف على القبر


 

[ 286 ]

سجاف ابيض لم يبيضه احد من الناس ممن حضر فاشار المأمون الى الناس ان هاتوا التراب فالقوه في القبر فقلت لا تفعل يا أمير المؤمنين قال: ويحك فمن يملاه قلت قد امرني لا يطرح التراب عليه وأن القبر سيمتلئ من نفسه وينطبق ويتربع على وجه الارض ويرش عليه ماء ليس من عند الناس فاشار المأمون الى الناس ان كفوا فرموا ما في ايديهم من التراب ثم امتلا القبر وانطبق وتربع على وجه الارض ورش عليه الماء لم يدر من رشه ازكى من المسك وابيض من اللجين ثم انصرف المأمون وانصرفنا ثم دعاني وأخذ مجلسه ثم قال: والله يا هرثمة لتصدقني عما سمعته من أبي محمد قلت قد أخبرتك يا أمير المؤمنين قال لي: لا والله أو تصدقني عما اخبرك من غير ما قلته لي فقلت: يا أمير المؤمنين نعم تسألني قال: بالله يا هرثمة هل أسر اليك شيئا غير هذا قلت نعم خبر العنب والرمان والسم فاقبل المأمون يتلون الوانا صفراء وحمراء وسوداء ثم مد نفسه كالمغشي عليه وسمعته يقول في غشيته وهو يجهر ويل المأمون من الله ويل المأمون من الحسن والحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى وويل لابيه هارون منهم جميعا وويله من موسى بن جعفر ان هذا لهو الخسران المبين يقول هذا القول ويكرره، قال هرثمة: فلما رأيته قد طال عليه الكلام وليت عنه فجلست في بعض الدار فجلس ودعاني إليه وهو كالسكران إذا ثمل فقال لي والله يا هرثمة ما انت اعز علي منه ولا جميع من في الارض والسماء والله لئن اعدت مما سمعت و رأيت شيئا ليكونن هلاكك اهون علي مما لم يكن قلت يا امير المؤمنين ان اظهرت على ذلك احدا فانت في حل من دمي قال لا والله أو تعطيني عهدا موثقا انك تكتم هذا الامر ولا تعيده فاخذ مني العهد والميثاق واكده فلما وليت عنه صفق بيديه ثم سمعته يقول يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا. وعنه عن الحسين بن محمد بن جمهور القمي، عن أبيه، عن محمد بن


 

[ 287 ]

عبد الله بن مهران عن أبي محمد الحسن بن نصير البصري قال أبو محمد الكوفي: دخلت على ابي الحسن الرضا (عليه السلام) بالمدائن فسلمت عليه فاقبل يحدثني باحاديث سألته عنها إذ قال ما ابتلى الله مؤمنا ببلية صبر عليها الا كان له اجر الف شهيد قال أبو محمد ولم يكن في حديثنا شئ من ذكر البلوى والعلل والامراض فانكرت ذلك من قوله فقلت في نفسي سبحان الله ما اجمل هذا الحديث رجل انا معه قد عنيت به إذ حدثني بالوجع في غير موضعه فسلمت عليه وودعته ثم خرجت فلحقت باصحابي وقد حلوا فاشتكت رجلي من ليلتي فقلت هذا من تعبي فلما كان من الغد تورمت رجلاي ثم اصبحت وقد اشتد الورم وضرب علي فذكرت قوله (عليه السلام) ووصلت الكوفة وخرج منها القيح وصار جرحا عظيما لا انام ولا انيم فعلمت انه ما حدثني هذا الحديث الا لهذه البلوى فبقيت معه تسعة عشر يوما فزالت ثم افقت فحدثت بحديثي هذا قال أبو محمد ابن مهران البصري ثم نكس فمات. وعنه عن محمد بن مهران عن علي بن اسباط القدسي، عن أحمد بن محمد بن أبي بصير الاسدي، قال: دخلت على سيدي الرضا (عليه السلام) انا وعبد الله بن المغيرة وعبد الله بن جندب، وصفوان ومحمد بن سنان، وهو بصاريا خارجا عن المدينة في القصر على الوادي فجلسنا عنده ساعة ثم قمنا فقال اثبت انت يا احمد فاجلس فجلست واقبل علي يحدثني واساله فيجيبني حتى ذهل عامة الليل فلما اردت الانصراف قال يا احمد تنصرف أو تثبت فقلت جعلت فداك ان امرت بالمبيت بت فقال: أقم بهذه الحجرة فقمت وقد هدأ الناس فقام (عليه السلام) فلما ظننت أنه قد دخل خررت ساجدا فقلت في نفسي الحمد لله ان حجة الله ووارث علم النبيين آثرني من بين اخواني واجلسني عنده فبينما انا في سجودي وشكري لله فما علمت الا وقد ركلني برجله فوثبت قائما فاخذ بيدي فغمزها


 

[ 288 ]

ثم قال: يا احمد ان امير المؤمنين عاد صعصعة في مرضه فلما قام من عنده قال يا صعصعة لا تفتخر على اخوانك بعيادتي اياك فقد علمت ما في نفسك فاتق الله ربك فقد علمت يا احمد ما كان في نفسك في سجودك وما فخرت به على اخوانك من ان اسررتك من بينهم وحملتك من دونهم فقلت كذا كان واستغفر الله. وعنه عن جعفر بن احمد القصير عن ابي النضر عن ابي عبد الله عن جعفر بن محمد بن يونس قال: جاء قوم الى باب ابي الحسن الرضا (صلوات الله عليه) برقاع فيها مسائل وفي القوم رجل واقفي واقف على باب ابي الحسن بن موسى، فوصلت الرقاع إليه فخرجت الاجوبة في جميعها وخرجت رقعة الواقفي بلا جواب فسألته لم خرجت رقعته بلا جواب فقال لي الرجل ما عرفني الرضا ولا رآني فيعلم اني واقفي ولا في القوم الذين جئت معهم من يعرفني اللهم إني تائب من الوقف مقر بامامة الرضا فما استتم كلامه حتى خرج الخادم فاخذ رقعته من يده ودخل بها وعاد الجواب فيها الى الرجل فقال الحمد لله هذان برهانان في وقت واحد. وعنه بهذا الاسناد عن جعفر بن محمد بن يونس قال: جاء رجل من شيعة الرضا (عليه السلام) بكتاب منه إلى ابي الحسن الرضا (عليه السلام) فسألني ان انفذه إليه فلما انفذت الكتاب فقال جعلت فداك سهوت ان اذكر في الكتاب عن سلاح رسول الله اين هو وعن الاحرام هل يجوز في الثوب الملحم ام لا فقلت له قد أنفذ كتابك فتذكرني في كتاب آخر فورد جواب كتابه في آخره إن كنت نسيت ان تسألنا عن سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) واين هو فنحن لا ننسى وسلاح رسول الله فينا بمنزلة التابوت في بني اسرائيل والسلاح معنا حيث اردنا ولا باس في الاحرام في الثوب الملحم. وعنه عن محمد بن ميمون الخراساني، عن محمد بن اسحاق الكوفي، عن علي بن مهران، قال جاءني رجل من شيعة ابي الحسن الرضا


 

[ 289 ]

(عليه السلام)، فقلت جعلت فداك تكتب إليه فان لي بنتا قد طلب ابوابا ان يهب لها العافية أو يريحنا منها قال: جعفر بن محمد بن يونس فاردت الخروج إليه فحملت برسالة الرجل فلما عاد جعفر اخبرنا انه ابقى الرسالة واخذ بيده فغمزها ثم قال له: قد كفيت مؤونتها فحفظت منه (عليه السلام) فلما قدمت وجدتها قد ماتت قبل قدومي بيوم واحد. وعنه عن الحسن بن ابراهيم، عن جابر بن خالد البزاز الكوفي قال: سالت الحسين بن الحسن بن موسى هل تروي عن اخيك الرضا شيئا قال: احدثك عنه بثلاثة اشياء رأيتها منه: خرجنا معه في يوم صائف شديد الحر الى بعض الاماكن فقال لنا في الطريق حملتم مماطر فقلت جعلت فداك وما حاجتنا إليها في هذا القيظ الشديد والناس قد ماتوا بالحر فقال لكنني حملت ممطري فما سرنا الا يسيرا حتى نشات سحابة فجاء منها من المطر شئ عظيم فما بقي منا احد الا تبللت ثيابه غيره وأنا خلونا معه وعنده جماعة من سماتنا أهل البيت بالمدينة فمر علينا جعفر بن عمر الذي غلب على المدينة فرأيناه رث البزة جدا فضحكنا منه فقال أبو الحسن تضحكون من رثاثة بزة جعفر فقلنا نعم يا سيدنا فقال: عن قريب ترونه عظيم الموكب جليل البزة. قال الحسين فما مضى لذلك الا ايام يسيرة حتى غلب جعفر على المدينة فكان يمر بنا في موكب عظيم وبزة جليلة كما قال اخي وأتى اقوام من أهل مصر فاستاذنوه في الزراعة في عامهم ذلك فقال لا تزرعوا في عامكم هذا فتدمروا واخبروا اهل مصر فزرع قوم وامسك آخرون فاصابتهم الآفة فذهب زرعهم فقال لهم: ألم انهكم عن الزراعة في عامكم هذا فكان هذا مما رأيت وسمعت. وعنه عن محمد بن موسى القمي، عن ابراهيم بن زيد السامري عن


 

[ 290 ]

جعفر بن محمد بن يونس، قال دفع سيدنا أبو الحسن الرضا (عليه السلام) الى مولى له حمارا بالمدينة وقال تبيعه بعشر دنانير ولا تنقصه شيئا فعرفه المولى فاتاه رجل من اهل خراسان من الحاج فقال له معي ثمانية دنانير ما املك غيرها فقال له ارجع لمولاك ان شئت لعله ياذن لك في بيعه بهذه الثمانية دنانير فرجع المولى إليه فاخبره بخير الخراساني فقال له: قل له ان قبلت منا الدينارين صلة اخذنا منك الثمانية فقلت له: فقال قد قبلت فسلمت إليه وحج أبو الحسن معه فلما كنا في بعض المنازل في المنصرف وإذا انا بصاحب الحمار يبكي فقلت له ما لك قال سرق حماري وعليه الخرج وفيه نفقتي وثيابي وليس معي شئ الا ما ترى فاخبرت ابا الحسن ان هذا صاحب الحمار الذي اشتراه ذكر من قصته كذا وكذا، فقال أبو الحسن: اعطه عشرين درهما وقل له إذا قدمت المدينة فالقنا قال: فمضينا فلما كنا في اوائل المدينة بعد رجوعنا من مكة نظر أبو الحسن الى قوم متكئين على الطريق فاشار إليهم وقال سارق الحمار معهم: والحمار معه والرجل ما احدث فيه حدثا فامض إليه وقل له: يقول لك علي بن موسى إما ان ترد الحمار وما كان عليه والا رفعت امرك الى السلطان فاتيته فقلت له: ما قال، قال سارق الحمار يجعل عهدا وذمة ان لا يدل علي وارد الحمار وما عليه الخرج وقدم صاحب الحمار فقال: هذا حمارك وما عليه فانظر فانك لا تفقد منه شيئا من متاعك فنظر وقال جعلني الله فداك ما فقدت من متاعي قليلا ولا كثيرا. وعنه عن محمد بن يحيى الخرقي، عن أبي الحسن الخفاف عن النضر بن سويد، قال: كان أبي مريضا فدخلت المدينة على ابي الحسن الرضا (عليه السلام) فقلت له: جعلت فداك اني خلفت أبي بالكوفة مريضا فقال لي: اجرك الله فلما قدمت الكوفة وجدت ابي قد مات قبل مسالتي أياه عن الدعاء له بالعافية.


 

[ 291 ]

وعنه عن أحمد بن محمد الكوفي، عن رشيد بن محمد الحذاء، عن الحسين بن بنت الامين، قال: أتيت خراسان في تجارة ومذهبي الوقف على أبي الحسن موسى وكنت قد حملت بزا فيه ثوب وشئ في بعض الرزم ولم اشعر به ولم اعرف مكانه فلما قدمت سامراء نزلت في بعض منازلها ولم اشعر الا برجل مدني من مولدي المدينة قد اتان فقال لي مولاي الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) يقول لك ابعث بالثوب الوشي الذي معك فقلت له ومن اخبر ابا الحسن بقدومي وإنما قدمت آنفا وما عندي ثوب وشئ فرجع إليه وعاد إلي فقال: يقول لك الثوب معك في الرزمة الفلانية فوجدت الرزمة التي وصفها فحللتها فوجدت الثوب الوشي فبعثت به إليه وآمنت به وعلمت أنه الامام بعد ابيه (عليه السلام) والتحية والاكرام وعلى آبائه الغرر الكرام.


 

[ 293 ]

الباب الحادي عشر باب الامام محمد الجواد (عليه السلام)


 

[ 295 ]

مضى أبو جعفر محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) وله خمسة وعشرون سنة وثلاثة اشهر واثنا عشر يوما في وم الثلاثاء لست خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين، فكان مقامه مع ابيه تسع سنين وثلاثة اشهر، وأقام بعد ابيه ست عشرة سنة واثني عشر يوما. واسمه محمد. وكنيته: أبو جعفر، والخاص أبو علي. ولقبه: المختار، والمرتضى، والتقي، والمتوكل. ومشهده في مقابر قريش الى جانب مشهد جده موسى في القبة. واسم امه: خيزران المرسية. وكان له من الولد: علي العسكري، وموسى، ومن البنات: خديجة، وحليمة، وام كلثوم. وكان (عليه السلام) شديد الادمة ولقد قال فيه اهل الحيرة والشاكون والمرتابون انه ليس من ولد الرضا وقالوا - لعنهم الله - انه من ولد سيف


 

[ 296 ]

الاسود مولاه، وقالوا: من لؤلؤ وانهم اخذوا الرضا اباه عند المأمون فحملوه الى القافة بمكة، وهو طفل في مجمع من الناس في المسجد الحرام فعرضوه عليهم فلما نظر إليه القافة خروا سجدا، ثم قاموا فقال: ويحكم من هذا الكوكب العظيم الدري النور المبين يعرض علي هذا والله الزكي النسب المهذب الطاهر والله ما تردد الا في الاصلاب والارحام الطاهرة، والله ما هو الا من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي أمير المؤمنين المؤمنين فارجعوا فاستقيلوا الله عز وجل واستغفروه ولا تشكوا في نسب مثله، وتحمد، (عليه السلام) في ذلك الوقت وله خمسة وعشرون شهرا فنطق بلسان ارهف من السيف وافصح من الصاحة يقول: الحمد لله الذي خلقنا من نوره، واصطفانا من بريته، وجعلنا امناءه، على خلقه ووحيه، معاشر الناس انا محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن امير المؤمنين علي المرتضى وفاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى (صلى الله عليهم أجمعين) وعلى اولادي بعدي، وأعرض على القافة والله اني لاعلم بانساب الناس من آبائهم، والله اني لاعلم خوافي سرائرهم وظاهرهم واني لاعلم بهم أجمعين وما هم إليه صاترون أقوله حقا، واظهره صدقا علما اورثناه الله عز وجل قبل الخلق اجمعين، وبعد فناء السماوات والارض، وايم الله لولا تظاهر الباطل علينا وغلبة دولة الكفر وتولي اهل الشك والشرك والشقاق علينا لقلت قولا يعجب منه الاولون والآخرون، ثم وضع يده على فمه وقال: يا محمد اصمت كما صمت آباؤك: (واصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون) إلى آخر الآية، ثم تولى الى رجل الى جانبه فقبض على يده وتمشى يتخطى رقاب الناس، والناس يفرجون له فرأيت مشيخة حلة وهم ينظرون إليه، ويقولون: الله اعلم حيث يجعل رسالته، فسالت عن المشيخة فقيل لي: هؤلاء قوم من بني هاشم من اولاد عبد المطلب.


 

[ 297 ]

قال فبلغ الخبر الى علي بن موسى وما صنع بابنه محمد، فقال: الحمد لله، ثم التفت الى من بحضرته من شيعته فقال لهم: هل علمتم ما قذفت به مارية القبطية / وما ادعى عليها في ولادتها ابراهيم بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ فقالوا: يا سيدنا انت اعلم خبرنا لنعلم، فقال: ان مارية اهداها المقوقس الى جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتحظى بمارية من دونهم وكان معها خادم يقال له جريح وحسن إيمانها وإسلامها، ثم ملكت مارية قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحسدها بعض ازواجه، واقبلت عائشة وحفصة تشكوان إلى ابويهما ميل رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى مارية وايثاره إياها عليهما حتى سولت لابويهما انفسهما بان يقذفوا مارية بانها حملت بابراهيم من جريح الخادم، وكانوا لا يظنون جيحا خادما فاقبل أبواهما الى النبي (صلى الله عليه وآله) وهو جالس في مسجده فجلسا بين يديه، ثم قالا: يا رسول الله ما يحل لنا ولا لشيعتنا ان نكتم عليك ما يظهر من خيانة واقعة بك، قال: ماذا تقولان ؟ قال: يا رسول اله ان جريحا ياتي من مارية الفاحشة العظمى، وان حملها من جريح ليس هو منك، فاربد وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعرضت له سهوة لعظيم ما تلقياه به، ثم قال: ويحكما ما تقولان ؟ قالا: يا رسول الله انا خلفنا جريحا ومارية في مسرتها يعتبها في حجرتها ويفاكهها ويلاعبها ويروم منها ما يروم الرجال من النساء فابعث الى جريح فانك تجده على هذه الحال فانفذ فيهما حكم الله حكمك. فاتى النبي الى علي (عليه السلام)، وقال: قم يا أبا الحسن بسيفك ذي الفقار حتى تمضي مسرية مارية فان صادفتها وجريحا كما يصفان فاخمدهما بسيفك ضربا. وقام علي (عليه السلام) ومسح سيفه وأخذه تحت ثوبه فلما ولى من بيد يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) انثنى إليه فقال يا رسول الله:


 

[ 298 ]

اكون كالشكة، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، فقال له: فديتك يا ابا الحسن امض، فمضى وسيفه في يده حتى تسور من فوق مسرية مارية وهي في جوف المسرية، وجريح معها يؤدبها بآداب الملوك، ويقول لها: عظمي رسول الله ولبيه واكرميه حتى التفت جريح فنظر الى أمير المؤمنين وسيفه مشهور في يده ففزع جريح، وصعد الى نخلة في المسرية فصعد الى رأسها فنزل امير المؤمنين الى المسرية، فكشف الريح عن اثواب جريح فرآه خادما مسموحا ليس له ما للآدميين، فقال: انزل يا جريح، قال: يا امير المؤمنين آمنا على نفسي ؟ فقال: آمنا على نفسك، فنزل جريح وأخذ بيده أمير المؤمنين الى رسول الله فاوقفه بين يديه، وقال: يا رسول الله ان جريحا خادم ممسوح، فولى النبي وجهه الى الجدار، وقال: حل لهما - لعنهما الله - يا جريح حتى يتبين كذبهما ويحتقبا خزيهما، بجرأتهما على الله ورسوله فكشف جريح عن اثوابه فإذا هو خادم ممسوح فسقطا بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقالا: يا رسول الله التوبة، استغفر لنا ولن نعود. فقال رسول الله (عليه السلام): لا تاب الله عليكما فا نفعكما استغفاري ومعكما هذه الجرأة على الله عز وجل وعلى رسوله فقالا: يا رسول الله ان استغفرت لنا رجونا ان يغفر الله لنا، فانزل الله الآية بهما وفي براءة مارية: (ان الذين يرمون المحصنات المؤمنات الغافلات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وارجلهم بما كانوا يعملون). قال الرضا علي بن موسى (عليهما السلام): الحمد لله الذي في ابني محمد اسوة برسول الله (صلى الله عليه وآله) وابنه ابراهيم (عليهما السلام) وكان هذا من دلائله وبراهينه الذي ذكرناهم (عليه السلام).


 

[ 299 ]

عن الحسين بن حمدان قال: حدثني احمد بن صالح عن عسكر مولى ابي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) قال: دخلت عليه وهو جالس في وسط ايوان له يكون عشرة اذرع في عشرة اذرع فوقفت بباب الايوان اراه فقلت في نفسي سبحان الله ما اشد سمرة مولاي واضوأ جسده قال فوالله ما استتممت هذا القول حتى عرض جسده وتطاول وامتلا به الايوان الى سقفه مع جوانب حيطانه ثم رأيت لونه قد أظلم ثم اظلم ثم ابيض ثم صار كابيض من الثلج ثم احمر ثم صار مثل العقيق المحمر ثم اخضر حتى صار كاغض ما يكون من الاغصان المورقة المخضرة ثم تناقص جسده حتى صار في صورته الاولى واعاد لونه الى اللون الاول فسقطت لوجهي لهول ما رأيت فصاح بي يا عسكر تشكون بي فنثبتكم وتضعفون فنقويكم فوالله لا وصل الى حقيقة معرفتنا الا من من الله بها عليه وارتضيناه لنا وليا قال عسكر فما لبث في نفسي الا ما اظهره لساني وتفوه به جناني. وعن الحسين بن داود السعدي عن ابي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: دخلت على ابي جعفر (عليه السلام) ومعي ثلاث رقاع غير مترجمة ولا عليها اسم لاصحابها فاشتبهت علي فتناول احداها وقال هذه رقعة زيد بن شهاب، ثم تناول الثانية وقال: هذه رقعة محمد بن جعفر، ثم اخذ الثالثة وقال: هذه رقعة علي بن الحسين فسماهم والله وسمى آباءهم ووقع فيها بالذي سالوا فاخذتها ونهضت فنظر إلي وتبسم لانه علم بسروري بتلك الدلائل ثم اعطاني ثلاثمائة دينار وأمر بحملها الى علي بن الحسين بن ابراهيم بن موسى بن عمه، وقال: يقول لك دلني على حريف يعرف ليشتري بها متاعا فدلك عليه فكلمني اجمال ان أساله (عليه السلام) ان يدخله في خدمته فجئت به باب الدار فاوقفته ودخلت على ابي جعفر (عليه السلام) لاكلمه في أمره فوجدته على مائدة ياكل معه جماعة من أوليائه وشيعته فلم يمكنني كلامه فقال: يا ابا هاشم اجلس فكل


 

[ 300 ]

واخذ بيده طعاما فوضعه يبن يدي فاكلت ثم ابتدأ من غير ان أساله ولا اذكر له الجمال فقال يا غلام انظر الجمال الذي اتانا به أبو هاشم وانه واقف بالباب فضمه في خدمتنا وطاعتنا. وعنه عن محمد بن موسى القمي، عن خالد الحداء، عن صالح بن محمد بن داود اليعقوبي، قال: لما توجه أبو جعفر (عليه السلام) لاستقبال المأمون وقد أقبل من نواحي الشام وأمر ان يعقد ذنب دابته وذلك في يوم صائف شديد الحر وطريق لا يوجد فيه الماء فقال بعض من كان معنا ممن لا علم له أي موضع عقد ذنب دابته فما سرنا الا يسيرا حتى وردنا ارض ماء ووحل كثير وفسدت ثيابنا وما معنا ولم يصبه شئ من ذلك قال: صالح وقال: لنا يوما ونحن في ذلك الوجه اعلموا انكم ستضلون عن الطريق قبل المنزل الاول الذي يلقاكم الليلة ترجعون إليه في المنزل بعدما يذهب من الليل سبع ساعات فقال من فينا من لا فضل له بهذه الطريق ولا يعرفه ولا يسلكه قط وستنظرون صدق ما قال صالح فضللنا عن الطريق قبل المنزل الذي كان يلقانا وسرنا بالليل حتى تنصف وهو يسير بين ايدينا ونحن نتبعه حتى صرنا في المنزل الثاني على الطريق فقال انظروا كم ساعة مضى من الليل فانها سبع ساعات فنظرنا فإذا هي كما قال. وعن الحسين بن محمد بن جمهور، عن صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان الزاهري قالا جميعا: دخلنا على أبي الرضا (عليه السلام) بمكة، وقد عمل على المقام وعملنا على الخروج الى المدينة فقلنا: يا سيدنا انت مقيم ونحن خارجون وان رأينا ان تكتب لنا كتابا الى ابي جعفر توصية فيكم وبارك بالنظر إليه فكتب لنا إليه فلما وردنا المدينة صرنا بالكتاب الى داره فخرج الينا موفق الخادم وقد حمل ابا جعفر على صدره وله في ذلك الوقت خمسة عشر شهرا، فرأينا واشرنا بالكتاب الى موفق فمد أبو جعفر يده فاخذ الكتاب واشار به الى موفق ليفضه ففضه موفق واخذه أبو جعفر


[ 301 ]

واقبل يقرأ الكتاب ويطويه من اعلاه وينشره من اسفله ويتبسم حتى اتى على آخره ثم قال: سألتما سيدي ان يكتب لكما كتابا الي لتكلماني فنظر الي قلنا يا سيدنا هكذا كان قال: محمد بن سنان يا سيدي اردد الي بصري انظر إليك وارددني محجوبا فان هذه آيتي مع ابيك وجدك موسى وجعفر قال: فمسح يده على عيني فرجعت بصيرا ثم رده يده على وجهي فرجعت محجوبا فقلت بطرسيا فحرك رجله الى صدر موفق وقال باخ باخ حكاية لما يقوله إذا ناغى قال صفوان بن يحيى، ومحمد بن سنان ما أخذنا الكتاب الا ونحن لا نشك انه الامام بعد ابيه فارانا دلالته وخاطبنا وقرأ الكتاب من أوله الى آخره ثم عاد الى حكاية طفوليته ان هذا برهان عظيم. وعنه عن أبي الحسن محمد بن يحيى عن محمد بن حمزة بن القاسم الهاشمي، عن علي بن محمد بن علي بن احمد بن ابي الحسن، قال: دخلت على أبي جعفر في صبحة عرسه بام الفضل بنت المأمون وكنت أول من دخل عليه في ذلك اليوم فدنوت منه وقعدت فوجدت عطشا شديدا فجللته ان اطلب الماء فنظر إلي وقال يا علي: شربت الدواء بالليل وتغديت على بكرة فاصبت العطش واستحييت تطلب الماء مني فقلت: والله يا سيدي هذه صفتي ما غادرت منها حرفا فصاح في نفسه يا غلام تسقيني فقلت في نفسي يا ليت لا يسقى الماء واغتممت فاقبل الغلام ومعه الماء فنظر إلى الماء والي وتبسم واخذ الماء وشرب منه وسقاني فمكث قليلا وعاودني العطش فاستحييت اطلب الماء فصاح بالخادم وقال تسقيني ماء فقلت في نفسي مثل ذلك القول الاول واقبل الخادم بالماء فاخذه وشرب منه وسقاني فقلت لا اله الا الله اي دليل دل على امامته من علمه ما اسره في نفسي فقال: يا علي والله نحن كما قال تعالى: (أم يحسبون انا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون) فقمت وقلت لمن كان معي هذه ثلاث براهين رأيتها من أبي جعفر (عليه السلام) في مجلسي هذا فقال: من لا علم له بفضله اني لاحسب هذا الهاشمي كما يقال انه يعلم الغيب


 

[ 302 ]

فنظرت إليه وحمدت الله على معرفة سيدي لجهل الرجل به. وعنه عن علي بن بشر عن أبي عمران موسى بن زيد، عن يحيى بن ابي عمران، قال: ان موسى بن جعفر الداري قال: وردنا جماعة من أهل الري الى بغداد نريد أبا جعفر (عليه السلام) فدللنا عليه ومعنا رجل من أهل الري زيدي يظهر لنا الامامة فلما دخلنا على أبي جعفر (عليه السلام) سألناه عن مسائل قصدنا بها وقال أبو جعفر لبعض غلمانه خذ بيد هذا الرجل الزيدي وأخرجه فقام الرجل على قدميه وقال انا اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله وان عليا امير المؤمنين وان آباءك الائمة واثبت لك الحجة لله في هذا العصر فقال له: اجلس فقد استحقيت بترك الضلال الذي كنت عليه وتسليمك الامر لي من جعله له يسمع ولا يمنع فقال الرجل: والله يا سيدي اني ادين لله امامة زيد بن علي مدة اربعين سنة ولا اظهر للناس غير مذهب الامامة فلما علمت مني ما لا يعلمه الا الله اشهد انك الامام والحجة. وعنه عن جعفر بن محمد بن مالك، عن محمد بن يونس عن داود بن زيد الخياط، قال: كنت بين يدي ابي جعفر (عليه السلام) وهو جالس في مجلسه فسرقت شاة لبعض مواليه فطالب قوما باعينهم فقال (عليه السلام): احضروا فلانا لقد سرقت شاته وهو يطالب بها من لا يسرقها فاحضروه فقال خل القوم الذين تطالبهم بشاتك وامض الى منزل راشد مولاك وخذ شاتك من بيته فهو اخذها قال: داود فقمت حتى صرت بداره فوجدت الشاة في بيته فاخذتها وابترأ القوم الذين كانوا يطالبون بها. وعن ابي العباس عتاب بن يونس الديلمي عن محمد بن علي بن حديد الوشا الوفي قال خرجنا حاجين فلما قضينا حجنا ورجعنا من مكة قطع علينا الطريق ونحن عصابة من شيعة ابي جعفر (عليه السلام) فاخذ كل ما كان معنا فلما وردنا المدينة دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فابتدأني


 

[ 303 ]

قبل ما اساله بشئ فقال يا علي بن حديد قطع عليكم الطريق في العرج وأخذ ما كان معكم وعددكم ثلاثة وعشرون نفرا وسمانا باسمائنا وأسماء آبائنا فقلت: أي والله يا سيدي كنا كما قلت وامر لنا بكسوة ودنانير كثيرة وقال: فرقها على اصحابك فانها بعدد ما ذهب منكم قال علي بن حديد: فصرت بها الى اخواني واصحابي ففرقتها عليهم فطلعت والله بازاء ما اخذ منا سواء. وعن محمد بن ابان عن خالد العطار الكوفي عن ابي هاشم داود بن القاسم الجعفري عن ابي جعفر (عليه السلام) قال: كنت في داره ببغداد وانا جالس بين يديه إذ دخل عليه ياسر الخادم فرحب به وقربه ثم قال: يا سيدي ستنا أم جعفر تستأذنك بالمسير إلى أم الفضل للسلام عليك وعليها وقد استاذنت فقال له: قل لها اقبلي إليه بالرحب والسعة فمضى الخادم وقمت وانا اقول في نفسي انه ليس هذا وقت جلوس ام جعفر تصير إليه ام الفضل فقال لي: اجلس يا ابا هاشم فان ام جعفر تحضر وترى ما يجب فجلست وانصرفت ام جعفر فاذنت عليه قبل أذانها على أم الفضل فقال للخادم قل لها يحضرني الا من يحتشم بنا وهو أبو هاشم الجعفري ابن عمك فاستحيت واعتزلت بجانب حيث لا اراهم واسمع كلامهم فدخلت وسلمت عليه واستاذنته بالدخول على ام الفضل بنت المأمون زوجته فاذن لها فما لبث ان عادت اله فقالت له يا سيدي اني لاحب ان اراك وام الخير بموضع واحد لتقر عيني وافرح واعرف امير المؤمنين اجتماعكما فيفرح فقال ادخلي إليها فاني تابعك في الاثر فدخلت ام الخير فقدمت نعليه ودخل والستور تشتال بين يديه فما لبث ان اسرع راجعا وهو يقول فلما رأينه اكبرنه وجلس وخرجت ام جعفر فقالت يا سيدي ما حدث الا خيرا ما رأيت وما حضرت الا خيرا ولم لا تجلس فما الذي حدث فقال يا ام جعفر حدث ما لا يصح ان اعيده عليك فارجعي الى ام الفضل فاساليها بينك وبينها فانها تخبرك ما حدث منها ساعة دخولي إليها فانه من


 

[ 304 ]

سر النساء فاعادت ام جعفر على ام الخير ما قاله (عليه السلام) فقالت: لها يا عمة ما الذي حدث مني قلت: يا بنية ما اعلم ما هو فحلفت اني ما احضرت الا خيرا، وظننت انه رأى في وجهك كرها، فقالت: لا والله يا عمة ما تبين بوجهي كرها ولا علمت ما حدث فارجعي إليه اساليه ان يخبرك فقلت: يا ابنة انه قال: انه من سر النساء فقالت ام الخير: كيف لا ادعو على أبي وقد زوجني ساحرا فقالت لها: يا بنية لا تقولي هذا فلئن في ابيك ولا فيه اريني فما الذي حدث قالت: يا عمة والله ما هو طلع حقا الا انعزلت الى الصلاة وحدث مني ما يحدث من النساء فضربت يدي الى اثوابي وضممتها فخرجت ام جعفر إليه، وقالت: يا سيدي انت تعلم الغيب قال: لا قالت من لك بان تعلم ما حدث من ام الخير مما لا يعلمه الا الله وهي في الوقت فقال لها: نحن من علم الله علمنا وعن الله نخبر، قالت له: ينزل عليك الوحي قال لا قالت: من اين لك علم ذلك، قال: من حيث لا تعلمين وسترجعين الى من تخبرينه بما كان فيقول لك: لا تعجبي فان فضله وعلمه فوق ما تظنين فخرجت ام جعفر ودنوت منه وقلت له: قد سمعتك وانت تقول فلما رأينه اكبرنه فهذا خبر النسوة الذي خرج عليهن يوسف لما رأينه والاكبار مما حدث من ام الفضل فعلمت انه الحيض. وعنه عن محمد بن اسماعيل الحسني عن محمد بن علي عن ايوب السراج عن محمد بن موسى النوفلي قال: دخلت على سيدي ابي جعفر (عليه السلام) يوم الجمعة عشيا فوجدت بين يديه فوجدت ابا هاشم داود ابن القاسم الجعفري وعينا ابي هاشم بهمدان ورأيت سيدي ابا جعفر مطرقا فقلت لابي هاشم ما يبكيك يا ابن العم قال: من جرأة هذا الطاغي المأمون على الله وعلى دمائنا بالامس قتل الرضا والآن يريد قتلي فبكيت وقلت: يا سيدي هذا مع اظهاره فيك ما يظهره قال: ويحك يا ابن العم الذي اظهره في ابي اكثر فقلت والله يا سيدي انك لتعلم ما علمه


 

[ 305 ]

جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد علم ما علمه المسيح وسائر النبيين وليس لنا حكم والحكم والامر لك فان تستكفي شره فانه يكفيك فقال ويحك يا ابن العم فمن يركب الي الليلة في خدمة بالساعة الثامنة من الليل وقد وصل الشرب والطرب الى ذلك الوقت واظهره بشوقه الى ام الفضل فيركب ويدخل الي ويقصد الى ابنته ام الفضل وقد وعدها انها تبات في الحجرة الفلانية في بعد مرقدي بحجرة نومي فإذا دخل داري عدل إليها وعهد الخدم ليدخلون الى مرقدي فيقولون ان مولانا المأمون منا ويشهروا سيوفهم ويحلفوا انه لا بد نقتله فاين يهرب منا ويظرون الي ويكون هذا الكلام اشعارهم فيضعون سيوفهم على مرقدي ويفعلون كفعل غيلانه في ابي فلا يضرني ذلك ولا تصل ايديهم إلي ويخيل لهم انه فعل حق وهو باطل ويخرجون مخضبين الثياب قاطرة سيوفهم دما كذبا ويدخلون على المأمون وهو عند ابنته في داري فيقول ما وراءكم فيروه اسيافهم تقطر دما وثيابهم وايديهم مضرجة بالدم فتقول ام الفضل اين قتلتموه فيقولون لها في مرقده فتقول لهم ما علامة مرقده فيصفون لها فتقول اي والله هو فتقدم الى رأس ابيها فتقبله وتقول: الحمد لله الذي اراحك من هذا الساحر الكذاب فيقول لها: يا ابنة لا تعجلي فقد كان لابيه علي بن موسى هذا الفعل فأمرت تفتح الابواب وقعدت للتعزية ولقد قتله قتله خدمي اشد من هذه القتلة ثم ثاب الى عقلي فبعثت ثقة خدمي صبيح الديلمي السبب في قتله فعاد الي وقال: انه في محرابه يسبح الله فتغلق الابواب ثم تظهر انها كانت غشية وفاقت الساعة فاصبري يا بنية لا تكون هذه القتلة مثل تلك القتلة فقالت يا ابي هذا يكون قال: نعم، فإذا رجعت الى داري وراق الصبح فابعثي استاذني عليه فان وجدتيه حيا فادخلي عليه وقولي له: ان امير المؤمنين شغب عليه خدمه وارادوا قتله فهرب منهم الى ان سكنوا فرجع وان وجدتيه مقتولا فلا تحدثي احدا حتى أجيئك وينصرف الى داره ترتقب ابنته الصبح فإذا اعترض تبعث الي خادما فيجدني في الصلاة قائما فيرجع إليها بالخبر فتجئ وتدخل علي وتفعل ما قال ابوها وتقول ما منعني ان اجيئك


 

[ 306 ]

بليلتي الا امير المؤمنين الى ان اقول والله الموفق ها هنا من هذا الموضع يقول انصرف وتبعث له وهذا خبر المأمون بالتمام. وعنه بهذا الحديث مرفوعا الى أبي جعفر (عليه السلام) وكان في عهده رجل يقال له شاذويه وكان له اهل حامل وانها اموية وهي قبيلة وما بالقبيلة من سلم امره الى ابي جعفر محمد (عليه السلام) الا هي وبعلها وليس تسليم امرهم الا ببينة من أبي جعفر (عليه السلام) فقدم إليه شاذويه وهو بين من حضر معه ومحمد بن سنان في مجلسه فلما قرب شاذويه من أبي جعفر فرمى (عليهم السلام) فقال أبو جعفر: يا شاذويه ببالك حديث وقد اتيت منا البينة وما ابديته الى سواي فلما سمع ذلك ايقن انه من اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة وقال: تريد يا شاذويه بيان ما اتيت الينا به من حاجة لك فقال: نعم، يا مولانا ما اتيت الا باظهار ما كان في ضميري تبديه لي فما سوالي لك وما الحاجة فقال: نعم ان لك اهلا حاملا وعن قريب تلد غلاما وانها لم تمت في ذلك الغلام فما تفاوض أبو جعفر بالكلام الا لاتخاذ الامامة واهلك من امية وانها جميلة المراجعة لك، فقال: نعم، يا ابا جعفر، وانها تسلمن امرها، الينا ببينة منا، لها وانها من قوم كافرين فانها راجعة الى الاسلام وكان الشاذويه رفيقا له لم يؤمن بما ياتي به أبو جعفر (عليه السلام) فقال له: بئس ما قلت وما قال أبو جعفر افما تفاوض أبو جعفر بالكلام الا لاتخاذ الامامة فقال: شاذويه قد علمنا ما علمت ولم تؤت من الفضل والايثار من أبي جعفر (عليه السلام) مثلما علمت فلما اسرعت إليه بهذه البشرى قال محمد بن سنان ليعلم فضل شعب ابي جعفر (عليه السلام) وعلمهم في سائر الناس قال شاذويه: فدخلت منزلي فإذا انا بزوجتي على شرف لم اجزع لذلك لان ابا جعفر (عليه السلام) اخبرني انها لم تمت في هذه الولادة فافاقت عن قريب وولدت غلاما ميتا فرجعت الى أبي جعفر (عليه السلام) فلما دنوت من المجلس فقال يا شاذويه وجدت ما اخبرتك وولدك حقا قلت نعم، يا


 

[ 307 ]

سيدي فلم لا تدعو لي حتى يرزقني الله ولدا باقيا قال لا تسألني قلت يا سيدي: سألتك قال ويحك الآن فقد نفذ فيه الحكم قلت اين فضلك قال محمد بن سنان قلت: يا سيدي تسال الله ان يجيئه فقال اللهم انك عال بسرائر عبادك فان شاذويه قد احب ان يرى فضلك عليه فاحيي له انت الغلام فانثنى أبو جعفر الي وقال الحق بابنك فقد احياه الله لك قال: فاسرعت الى منزلي فتلقتني البشارة ان ابني قد عاش فخبرت امه وكانت اموية فقالت والله الآن لاتبرأن من أمية جميعا قلت لها ومن تيم وعدي فقالت: تبرأت من فلان وفلان وتواليت بني هاشم وهذا الامام محمد بن علي (عليه السلام) وتشيعت وتشيع كل من في داري وما كان فيها غيري من يتولاه. وعن محمد بن ابراهيم، عن محمد بن علي، عن موسى بن القاسم، قال: شاجرني رجل ونحن في مكة من اصحابنا يقال له اسماعيل في ابي الحسن الرضا (عليه السلام) قال كان يجب ان يدعو المأمون الى الله والى طاعته فلم ادر ما اجيبه فانصرفت الى فراشي فرأيت ابا جعفر (عليه السلام) في نومي فقلت له جعلت فداك ان اسماعيل سألني هل كان يجب على ابيك ان يدعو المأمون الى الله وطاعته فلم ادر ما اجيبه فقال لي انما يدعو الامام الى الله مثلك ومثل اصحابك ومن تبعهم فانتبهت وحفظت الجواب من أبي جعفر محمد وخرجت الى الطواف فلقيني اسماعيل فقلت له ما قاله لي أبو جعفر فكاني القمته حجرا فلما كان من قابل اتيت المدينة ودخلت على أبي جعفر (عليه السلام) وهو يصلي فاجلسني موفق الخادم فلما فرغ من صلاته قال لي: يا موسى ما الذي قال اسماعيل بمكة عام اول حيث شاجرك في ابي قلت جعلت فداك انت تعلم قال ما كانت رؤياك قلت رأيتك يا سيدي في نومي وشكوت اليك اسماعيل قال: فقلت انما يجب طاعته على مثلك ومثل اصحابك ممن لا يبغيه وخصمته، قال هو ذلك قال: انا قلت لك في منامك والساعة اعيده عليك فقلت والله هذا


 

[ 308 ]

هو الحق المبين. وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي، عن علي بن حديد عن علي بن مسافر عن محمد بن الوليد بن يزيد، قال: اتيت ابا جعفر (عليه السلام) فوجدت في داره قوما كثيرين ورأيت ابن مسافر جالسا في معزل منهم فعدلت إليه فجلست معه حتى زالت الشمس فقمت الى الصلاة فصليت الزوال فرض الظهر والنوافل بعدها وزدت اربع ركع فرض العصر فاحتسيت بحركة ورائي بالتفت وإذا أبو جعفر (عليه السلام) فقمت إليه وسلمت عليه وقبلت يديه ورجليه فجلس وقال ما الذي اقدمك وكان في نفسي مرض من امامته فقال لي: سلم فقلت يا سيدي قد سلمت فقال ويحك وتبسم بوجهي فاناب الي فقلت سلمت اليك يا ابن رسول الله وقد رضيت بك اماما فكان الله جلا عني غمي وزال ما في قلبي من المرض من امامته حتى اجتهدت ورميت الشك فيه الى ما وصلت إليه ثم عدت من امامته حتى اجتهدت ورميت الشك فيه الى ما وصلت إليه ثم عدت من الغد بكرة وما معي خلق ولا أرى خلقا وانا اتوقع السبيل الى من اجد وينتهي خبري إليه وطال ذلك علي حتى اشتد الجوع فبينما انا كذلك إذ اقبل نحوي غلام قد حمل الي خوانا فيه طعام الوانا وغلام آخر معه طست وابريق فوضعه بين يدي وقال لي مولاي يامرك ان تغسل يديك وتاكل فغسلت يدي واكلت فإذا بابي جعفر (عليه السلام) قد اقبل فقمت إليه فأمرني بالجلوس فجلست واكلت فنظر الي الغلام ارفع ما سقط من الخوان على الارض فقال له ما كان معك في الخوان فدعه ولو كان فخذ شاة وما كان معك في البيت فالقطه وكله فان فيه رضى الرب ومجلبة الرزق وشفاء من الداء ثم قال لي: اسال فقلت جعلت فداك ما تقول في المسك فقال ابي الرضا: لم يتخذ مسكا فيه بان كتب إليه الفضل بن سهل يقول يا سيدي ان الناس يعيبون ذلك عليك فكتب يا فضل ما علمت ان يوسف الصديق (عليه السلام) كان يلبس الديباج مزررا بالذهب والجوهر ويجلس على كراسي الذهب واللجين فلم يضره ذلك ولا نقص من نبوته شيئا وان


 

[ 309 ]

سليمان بن داود (عليه السلام) وضع له كرسي من الفضة والذهب مرصع بالجوهر وعليه علم وله درج من ذهب إذا صعد على الدرج اندرج فترا فإذا نزل انتثرت بين يديه والغمام يظلله والانس والجن تخدمه وتقف الرياح لامره وتنسم وتجري كما يامرها والسباع الوحوش والطير عاكفة من حوله والملائكة تختلف إليه فما يضره ذلك ولا نقص من نبوته شيئا ولا من منزلته عند الله وقد قال الله عز وجل (قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطبيات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) ثم امر ان يتخذ له غالية فاتخذت باربعة الآف دينار وعرضت عليه فنظر إليها والى سدوها وحبها وطيبها وامر ان يكتب لها رقعة من العين وقال العين حق فقلت جعلت فداك فما لمواليكم في آاتكم فقال ان جدي جعفر الصادق (عليه السلام) كان له غلام يمسك عليه بغلته إذا دخل المسجد فبينما هو في بعض الايام جالس في المسجد إذ اقبلت من خراسان قافلة فاقبل رجل منهم الى الغلام وفي يده البغلة فقال له من داخل المسجد فبينما هو في بعض الايام جالس في المسجد إذ اقبلت من خراسان قافلة فاقبل رجل منهم الى الغلام وفي يده البغلة فقال له من داخل المسجد فقال مولاي جعفر الصادق بن رسول الله فقال له الرجل: هل لك يا غلام تسأله يجعلني مكانك واكون له مملوكا واجعل لك مالي كله فاني كثير الخير والضياع اشهد لك بجميعه واكتب لك وتمضي الى خراسان فتقبضه وانا موضعك اقيم فقال له الغلام: اسال مولاي ذلك فلما خرج قدم بغلته فركب وتبعه كما كان يفعل فلما نزل في داره استاذن الغلام ودخل عليه فقال له مولاي: يعرف خدمتي وطول صحبتي قال: فان ساق الله لنا خيرا تمنعني منه، فقال له جدي: اعطيك من عندي وامنعك من غيري حاش لله فحكى له حديث الخراسني فقال له (عليه السلام) ان زهدت بخدمتنا وارغبت الرجل فينا قبلنا وارسلناك فولى الغلام فقال له: انضجع بطول الصحبة ولك الخير قال: نعم، فقال له: إذا كان يوم القيامة كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنور الله اخذنا لحجرته وكذلك أمير المؤمنين وكذلك فاطمة والحسن والحسين (عليهما السلام) وكذلك شيعتنا يدخلون مدخلنا ويردون موردنا ويسكنون مسكننا فقال الغلام: يا مولاي


 

[ 310 ]

بل اقيم بخدمتك قال اختر ما ذكرت فخرج الغلام الى الخراساني فقال له يا غلام قد خرجت الي بغير الوجه الذي خلت به فاعاد الغلام عليه قول الصادق (عليه السلام) فقال له: ما تستأذن لي عليه بالدخول فاستاذن ه ودخل عليه وعرفه رشيد ولايته فقبل ولايته وشكر له وامر للغلام بوقته بالف درهم وقال هذا خيرا لك من مال الخراساني فودعه وساله ان يدعو له ففعل بلطف ورفق وبشاشة بالخراساني ثم امر له برزمة عمائم فحضرت وقال للخراساني خذها فان كل ما معك يوخذ بالطريق وتبقى معك هذه العمائم وتحتاج إليها فقبلها وسار فقطع عليه الطريق واخذ كما كان معه غير العمائم واحتاج إليها فباع منها وتجمل الى ان وصل الى خراسان قال الكرماني حسب مواليهم بهذا الشرف فضلا.


 

[ 311 ]

الباب الثاني عشر باب الامام علي الهادي (عليه السلام)


 

[ 313 ]

مضي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) يوم الاثنين لخمس ليال بقيت من جمادى الآخرة سنة اربعة وخمسين ومائتين من الهجرة وكان مولده في رجب سنة اربعة عشر ومائتين. وكان عمره اربعين سنة، اقام منها مع ابيه ست سنين وسبعة اشهر وبعد ابيه ثلاثا وثلاثين سنة وخمسة اشهر. وكان اسمه عليا. وكنيته: ابا الحسن لا غير. ولقبه: الهادي، والعسكري، والعالم، والدليل، والموضح، والراشد، والسديد. وامه سمانة ام ولد وقيل مهرسنة المغربية وليس مهرسنة صحيحا. وله من الولد: الحسن الامام، ومحمد، والحسين، وجعفر المدعي الامامة المعروف بالكذاب المذكور بحديث جعفر الصادق (عليه السلام)


 

[ 314 ]

ومشهد ابي الحسن بسر من رأى. قال الحسين بن حمدان، حدثني الحسن بن محمد بن جمهور عن محمد بن علي، عن الحسن بن علي الوشا عن خزمان الاسباطي قال: قدمت على أبي الحسن، علي بن محمد (عليه السلام) وهو بالمدينة فلما لقيته قال يا خزمان ما خبر الواثق عندك فقلت خلفته في عافية فقال لي: ان الناس يقولون انه مات فقلت له جعلت فداك عهدي به منذ بضعة ايام سالم قال: ها هنا من يقول انه مات فلما ذكر ذلك علمت ان الذي يقول له عنده فقال لي: ما فعل ابنه جعفر قلت خلفته محبوسا قال لي: ما فعل ابن الزيات قلت: الناس معه والامر امره قال: يا ويله مشؤوم على نفسه ثم سكت وقال قتل ابن الزيات فقلت متى فقال بعد خروجك بستة أيام فكان كما قال (عليه السلام). وعنه عن أبي الحسين بن علي البكا، عن زيد بن علي بن زيد، قال مرضت مرضا شديدا فدخل علي الطبيب وقد اشتدت بي العلة فاصلح لي دواء بالليل لم يعلم به احد وقال خذ تداو فيه مدة عشرة ايام فانك تتعافى ان شاء الله تعالى وخرج من عندي نصف الليل وترك الدواء فما بعد عني الا اتاني نصر غلام ابي الحسن علي (عليه السلام) فاستاذن علي ودخل معه هاون فيه مثل ذلك الدواء الذي اصلحه الطبيب بتلك الساعة وقال لي مولاي يقول لك الطبيب استعمل لك دواء مدة عشرة ايام نحن انما بعثنا لك هذا الدواء فخذ منه مرة واحدة تبرأ باذن الله تعالى من ساعتك قال زيد والله علمت ان قوله حق فاخذت ذلك الدواء من الهاون مرة واحدة فتعافيت من ساعتي ورددت دواء الطبيب عليه وكان نصرانيا فرآني في صبحة يومي وسالني مذ رآني معافى من علتي ما كان السبب في عافيتي ولم رددت عليه الدواء فحدثته عن دواء ابي الحسن ولم اكتم عنه شيئا فمضى الى ابي الحسن وأسلم على يده وقال: يا سيدي هذا علم المسيح وليس يعلمه احد الا من يكون مثله.


 

[ 315 ]

وعنه عن ابي بكر الصفار عن أبي الحسن الوشا، عن محمد بن الله القمي، قال: حملت الطافا من قم الى سيدي ابي الحسن (عليه السلام) في وقت وروده من سر من رأى فوردتها واستاجرت لها منزلا ودخلت اروم الوصول إليه أو بوصول تلك الالطاف التي حملتها واعتذر بذلك وكلف عجوزا كانت معي في الدار تلتمس لي امرأة اتمتع بها فخرجت في طلب حاجتي فإذا انا بطارق يطرق الباب فخرجت إليه فإذا انا بغلام فقلت له: ما حاجتك فقال سيدي أبو الحسن قد شكر لك بالطافك التي حملتها تريدنا بها فاخرج الى بلدك واردد الطافك معك واحذر كل الحذر ان تقيم بسامرا اكثر من ساعة فان خالفت عوقبت فانظر لنفسك قلت: اي اخرج ولا أقيم فجاءت العجوز ومعها المتعة فاعجبتني فتمتعت وبت ليلتي وقلت في غد اخرج فلما تولى الليل طرق بابي طارق وقرعه قرعا شديدا فخرجت العجوز إليهم فإذا بالطائف والحارث وشرطة ومعهم شمع فقالوا لها: اخرجي إلينا الرجل والامرأة من دارك فجحدتنا فهجموا على الدار واخذوني والامرأة ونهبوا كلما كان معي من الالطاف وغيرها ورفعت فقمت بالحبس ستة اشهر فجاء بعض مواليه وقال: حلت بك العقوبة التي حذرتك منها واليوم تخرج من حبسك وتصير الى بلدك فاخرجت ذلك اليوم من الحبس هائما حتى وردت قم فعلمت ان بخلافي لسيدي الهادي التقيت تلك العقوبة. وعنه عن محمد بن موسى القمي عن الحسن بن علي الوشا، قال: دخلت يوما على علي الرضا بن موسى (عليه السلام) فرأيت عنده فوما لم ارهم ولم أعرفهم وهو يخاطبهم بالسندية مثل زقزقة الزرازير ثم لقيت بعده صاحبنا ابا الحسن محمدا (عليه السلام) بسامراء وعنده نجار يصلح عتبة بابه وهو يخاطبه بالسندية كخطاب الزرازير فقلت في نفسي لا اله الا الله هكذا كان جده الرضا يخاطب بهذا اللسان فقال أبو الحسن من فرق بيني وبين جدي انا هو وهو انا والينا فصل الخطاب فقلت جعلت فداءك وما


 

[ 316 ]

معنى فصل الخطاب قال اجابة كل عن لغته لغة مثلها وجميع ما خلق الله تعالى. وعنه عن أبي العباس بن عتاب بن يونس الديلمي، عن علي بن يونس وكان رجل من عباد الشيعة وصلحائهم زهدا وورعا قال علي بن يونس حملت الطافا وبزا من قوم من الشيعة وجعلوني رسولهم إلى أبي الحسن (عليه السلام) بعد وروده من سامراء فلما دخلت سالت عنه فقيل لي هو مع المتوكل في الحلة فاودعت ما كان معي وصرت الى الحلة طمعا اني اراهم فلم اصل إليه ورأيت الناس جلوسا يترقبونه فوقفت على الطريق مع ذلك الخلق فما لبث ان انصرف المتوكل ومن كان معه واقبل أبو الحسن (عليه السلام) ومعه غلامه نصر ومن اصحابه جماعة وبني عمه وانا في جملة الناس فلما صار بازائي نظر الي واشار بيده نحوي وقال كيف كنت في سفرك احمل الينا الالطاف البز الذي جئت به فقلت لا اله الا الله عرفني من كل هذا الخلق العظيم وعلم ما حملته إليه ففكرت فيمن يحمل الالطاف والبز إليه من حيث لا يعلم بي احد فاودعتها فصرت الى الموضع ودخلت البيت فلم اصادف البز ولا الالطاف فقلت وا أسفاه اي شئ اقول له وقد سرقت مني فلم اشعر الا وغلامه نصر يدعوني باسمي واسم ابي وهو يقول يا علي بن يونس علم سيدي ان البز والالطاف له فحملها ورفهك من حملها فسألته من كان اياها من داخل البيت فقال: سبحان الله تسألنا عما لم نره ما دخل علينا احد ولا دخل بيتك احد. وعنه عن محمد بن اسماعيل الحسني، عن يزيد بن الحسين بن موسى قال انفذني سيدي أبو الحسن ورجلين حسنين من بني عمه الى صاحب الدار قال: لست ابيعها فرجعنا إليه (عليه السلام) فاخبرناه فلما كان في غد أمرنا ان نعاوده فقال لنا: لست ابيعها فلما كان اليوم الثالث امرنا بمعاودته فعاودناه فقال كم تترددون وما اريد ابيع داري فقال احد اولاد عمه الحسني الى كم يرددنا الى صاحب الدار ويؤذينا ويتعبنا والرجل ليس


 

[ 317 ]

يبيع داره فقال يا هذا جرى مجرى آل فرعون فان يك كاذبا فعليه كذبه وان يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم فتبين صدقه فجئناه واخبرناه ان صاحب الدار قد تبرم وقال كم ترددون وما اريد البيع فقال لنا ارجعوا إليه فقال بعت الدار واسترحت منكم فعدنا إليه (عليه السلام) فقال قد كذب ما باعها ولا بد من بيعها وابنيها واسكنها ويولد لي غلاما اسميه حسنا وارى منه ما احب قال زيد، فلم نزل نتردد حتى باعنا الدار واشتراها أبو الحسن وسكنها وكان فيها مولد ابي محمد الحسن الامام (عليه السلام) والتحية. وعنه عن محمد بن ابراهيم الكوفي، قال حدثني احمد بن الخصيب بسامرا وقد سألته عن لعن ابي الحسن (عليه السلام) لفارس بن حاتم ابن ماهويه وكان السبب فيه ان المتوكل بعث في يوم دجن والسحاب يلقي رذاذا وكان في وقت الربيع من الزمان وقد امر المتوكل فزخرفت داره واظهر فيها من الجوهر والوان الطيب وافضل مما كان يظهر واظهر القينات والمغنين في الوان التزيين ووقفوا صفوفا والملاهي على صدورهم وجلس على السرير ولبس البردة وجعل التاج على رأسه وانفذ رسلا الى ابي الحسن (عليه السلام) ودخل معه فارس بن ماهويه وفي يد المتوكل كاس مملوء خمرا فلما انتهى أبو الحسن الى داره في المدينة فعلى له رتبة وتطاول إليه ودعا بسفرة فجعلت مع جانبه واقبل عليه وقال يا ابن العم ما ترى الى هذه الدنيا وحسن هذا اليوم واستشعارنا فيه والسرور بك فقال لله وهو غير باش به وقال ان سروري اتاني بما اطعتني فيه رفعت منزلتك واطعتك فيما تحب وافضلت على اهل بيتك ومواليك وكنت لك كنفسك وان خالفتني فيه حملتني على قطع الرحم بيني وبينك ومعصية الله فيك وقصد اهلك ومواليك بما لا تحبه فاختر أي الحالتين شئت وارجو ان لا تخالفني ثم خلف له بغليظ الايمان المؤكدة لينفي له ما سمعه منه فقال أبو الحسن (عليه السلام) هذه تباشر خير سنة شر لا خير فيه فقال الله الكافي فقال المتوكل: للمغنين غنوا


 

[ 318 ]

واضربوا بالملاهي وغنوا واشربوا وشرب المتوكل فقال للخادم هاته في كاس خمر وادفعه إليه واقبل المتوكل على ابي الحسن وقال قد سمعت مامون الايمان وأنابها اسالك ان تشرب هذا الكاس فقال له أبو الحسن استغفر الله من الشيطان الرجيم فاخاف الله واخشاه فاني لا ابدل طاعتك في معصية الله فغضب المتوكل غضبا شديدا ثم قال يا ابا الحسن اطلقت لك سفك دمك ودم اهلك ومواليك بالرامي حتى اجعلكم نسيا منسيا فقال له أبو الحسن لا غير ولم يجب بغيظ وأتى بالسيف فقال أبو الحسن: هات الكاس والسيف بيده ليعلوه به فطرح السيف من يده وناوله الكاس بيده الاخرى فاخذه أبو الحسن وهو يقول الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان ثم شرب الكاس ونهض فضحك المتوكل وقال للخادم هلمه واسق فارس بن ماهويه فاخذ فارس الكاس فشربه وخرج مع ابي الحسن فقال المتوكل لا يسير ابن عمي في هذا المطر إلا راكبا فقدموا إليه الطيارة ليفعلوا ذلك فجلس (عليه السلام) ومعه فارس فلما سار الطيار كشف أبو الحسن استاره وأمر فارس فعل مثل ذلك فقال له يا فارس ورأسه مدلى على الماء فانظر الى الكاس الذي شربته انا ثم مجه من فيه في الماء فإذا هو يجري مع الطيار لا يختلط بالماء ولا ينقطع فقال له خذه يا فارس بيدك واشتمه وذقه فمد فارس يده واخذه من الماء واشتمه وذاقه فوجده عسلا ومسكا فقال له: خله من يدك فخلاه فقال له: مج مع الماء ما شربت انت فمج فارس في الماء فسار مع الطيار ولم ينقطع ولم يختلط بالماء فقال خذ بيدك وأشتمه فاخذه بيده واشتمه فقال له ما هو قال يا مولاي خمرا قال له ويحك يا فارس حين لم تستأذننا بسانك ولا بطرفك ما تناجينا بقلبك فيعصمه منه كما عصمت انا فكان هذا اول ما انكره على فارس. وعنه عن احمد بن مالك القمي، عن فارس بن ماهويه، قال: بعث المتوكل الى سيدنا ابي السحن (عليه السلام) ان اركب واخرج معنا الى الصيد لنشاركك فقال للرسول قل له اني راكب فلما خرج الرسول قال


 

[ 319 ]

كذب ما يدري غير ما قال قلنا يا مولانا فما الذي يريد قال فما يظهر ما يريده بما يعيده من الله وهو يركب في هذا اليوم ويخرج الى الصيد فيه همه جيشه على القنطرة في النهر فيعبر سائر العسكر ولا تعبر دابتي وارجع فيسقط المتوكل عن فرسه وتزيل رجله فتوهن يده ويمرض شهرا قال فارس فركب سيدنا على ركوبه مع المتوكل قال له يا ابن عمي فقال نعم وهو سائر معه في ورود النهر والقنطرة فعبر سائر الجيش وتشعثت القنطرة وانهدمت ونحن في اواخر القوم مع سيدنا وارسل الملك تحته فلما وردنا النهر والقنطرة فامتنعت دابته ان تعبر وعبر سائر الجيش ودوابنا واجتهدت رسل المتوكل في دابته ولم تعبر وبعد المتوكل فلحقوا به ورجع سيدنا فلم يمض من النهار ساعة حتى جاء الخبر ان المتوكل سقط عن دابته وزالت رجله وتوهنت يده وبقي عليلا شهرا وعتب على ابي الحسن فقال أبو الحسن: ما رجع الا فزع لا تصيبه هذه السقطة عليه وانما رجعنا غصب عنا لا تصيبنا هذه السقطة فقال أبو الحسن: صدق الملعون وابدى ما كان في نفسه. وعنه عن ابي الجواري، عن عبد الله بن محمد، قال: حدثني محمد بن احمد الخصيبي وهو غير احمد بن الخصيب قال ورد على المتوكل رجل من الهند شعبذي يلعب الحفة فلعب بين يدي المتوكل باشياء ظريفة فكثر تعجبه منها فقال للهندي يحضر عندنا الساعة رجل والعب بين يديه فكلما تحسن اقصده وخجله فحضر سيدنا أبو الحسن (عليه السلام) فلعب الهندي وهو ينظر إليه والمتوكل يعجب من لعبة حتى تعرض الهندي لسيدنا وقال مالك ايها الشريف لا تهش للعبي اظنك جائعا وصاح وضرب على صدره بالسبابة وقال ارتفع واراهم انها رغيف خبز وقال: امض الى هذا الجائع ياكك ويشبع ويفرح بلعبي فوضع سيدنا أبو الحسن اصبعه على صورة سبع في البساط وقال: خذه فوثب من الصورة سبع عظيم وابتلع الهندي ورجع الى صورته في البساط فسقط المتوكل لوجه وهرب كل من كان قائما وقد اثاب عقله وقال: يا ابا الحسن رد الرجل فقال له أبو الحسن


 

[ 320 ]

(عليه السلام) ان ردت عصا موسى ارده ونهض. وعنه عن احمد بن سعد الكوفي واحمد بن محمد الحجلي قال دخلنا على سيدنا ابي الحسن (عليه السلام) في جماعة من اوليائه وقد اظهرنا مسالة عن الحق من بعده فان بعضهم ذكروا ابنه جعفر مع سيدنا ابي محمد الحسن (عليه السلام) قال: فاذن لنا فدخلنا وجلسنا فامهلنا قليلا ثم رمى الينا تفاحة وقال خذوها بايديكم فاخذناها فقال قولي لهم يا تفاحة بما دخلوا يسالونني عنه فنطقت التفاحة وقالت: اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله وان عليا امير المؤمنين وصيه وان الائمة منه الى سيدنا ابي الحسن علي تسعة وان الامام بعده سيدنا أبو محمد الحسن وان المهدي سمي جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكناه وصاح بنا فاكثروا من ذكر الله وحمده على ما هداكم إليه واياكم جعفر فانه عدو لي ولو كان ابني وهو عدو لاخيه الحسن وهو امامه وان جعفر يدل من بعده على امهات الاولاد فسلمهم الى الطاغية ويدعي انه الحق وهو المعتدي جهلا ويله من جرأته على الله فلا ينفعه نسبه مني قال فخرجنا جميعا وما عندنا شك بعد الذي سمعناه وسالتهم عن التفاحة ما فعلت بعد ذلك القول وقد اخذها سيدنا منا وخرجنا وهي في يده. وعنه عن عبد الله بن جعفر، عن المعلى بن محمد قال: قال الحسن علي بن محمد (عليه السلام) ان هذا الطاغية يبني مدينة يقال لها: سامرا يكون خلفه فيها ما يدانيه المسمى بالمنتصر واعوانه عليه الترك قال: وسمعت اسم الله على ثلاثة وسبعين حرفا وانما كان عند آصف بن برخيا حرف واحد فتكلم به فخرقت له الارض ما بينه وبين سبا فتناول عرش بلقيس فاحضره الى سليمان بن داود قبل ان يرتد إليه طرفه ثم سقط على الارض في اقل من طرفة عين وعندنا منه اثنان وسبعون حرفا والحرف الذي كان عند آصف ابن برخيا اتى إليه رجل من شيعته من المدائن عن ثني المتوكل وكتب إليه: (بسم الله الرحمن الرحيم تزرعون سبع سنين دأبا فما


 

[ 321 ]

حصدتم فذروه في سنبله الا قليلا مما تأكلون ثم ياتي من بعد ذلك سبع شداد ياكلن ما قدمتم لهن الا قليلا مما تحصنون ثم ياتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) فقتل في خمسة عشر سنة ثم أمر المتوكا، الجعفري وما امر به بني هاشم وغيرهم الانباء ما تحدث به وجه الى ابي الحسن بثلاثين الف درهم وامره يستعين بها على بناء داره فركب المتوكل يطوف على الابنيه فنظر الى دار ابي الحسن لم ترتفع الا قليلا فقال لعبد الله ابن خاقان علي يمينا ان ركبت ولم ترتفع دار ابي الحسن لاضربن عنقه فقال له عبد الله يا امير المؤمنين اسعى له في اضافة وامر له بعشرين الف درهم فوجهها إليه مع ابنه احمد الى ابيه عبد الله فعرفه ذلك فقال عبد الله فليس والله يركب فلما كان يوم الفطر من السنة التي امر بني هاشم بالترجل والمشي بين يديه وانما اراد بذلك ابا الحسن فرجل بني هاشم وترجل أبو الحسن (عليه السلام) فاتى على رجل من مواليه فاقبل عليه الهاشميون فقالوا: يا سيدنا ما في العالم يدعوا الله فيكفينا مؤونته فقال أبو الحسن: ما في هذا العالم قلامة ظفر اكرم على الله من خناقة ثمود لما عقرت وضج الفصيل الى الله فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب فقتل المتوكل في الثلاثة ايام وروي انه اجهدهم في المشي ثم انه قد قطع الرحم فقطع الله اجله ومضى المتوكل في ربع يوم من شوال سنة سبع واربعين ومائتين في سبعة وعشرين من امامة ابي الحسن وتولى الله محمد بن جعفر المنتصر فكان من حديثه مع ابي الحسن ومع جعفر بن محمد ما رواه الناس وكان ملكه ستة اشهر وتوفي في شهر ربيع الآخر سنة ثمان واربعين ومائتين وتولى احمد ابن المستعين امامته فكانت ايامه اربع سنين وشهر ثم خلع وقبض المعتز وهو الزبير في سنة اثنين وخمسين ومائتين وذلك في سنة من امامة ابي الحسن (عليه السلام) واعتل أبو الحسن في سنة اربع وخمسين واحضر ابنه ابا محمد الحسن (عليه السلام) وسلم إليه النور والحكمة ومواريث الانبياء والاوصياء ومضى في تلك العلة ونبوته اربعون سنة وكان مولده في شهر رجب سنة اربع عشرة ومائتين من الهجرة واقام مع ابيه ست سنين ومنفردا


 

[ 322 ]

بالامامة ثلاثا وثلاثين سنة وستة أشهر. وعنه عن الحسن بن مسعود وعلي وعبيد لله الحسني قال دخلنا على سيدنا ابي الحسن (عليه السلام) بسامرا وبين يديه احمد بن الخصيب ومحمد وابراهيم الخياط وعيونهم تفيض من الدمع فاشار الينا (عليه السلام) بالجلوس فجلسنا وقال هل علمتم ما علمه اخوانكم فقلنا حدثنا منه يا سيدنا ذكرا قال: نعم، هذا الطاغي قال مسمعا لحفدته واهل مملكته تقول شيعتك الرافضة ان لك قدرة والقدرة لا تكون الا لله فهل تستطيع ان اردت سوءا تدفعه فقلت له (وان يمسك الله بسوء فلا كاشف له الا هو) فاطرق ثم قال انك لتروي لكم قدرة دوننا ونحن احق به منكم لاننا خلفاء وانتم رعيتنا فامسكت عن جوابه لانه اراد يبين جبره بي فنهضت فقال لتقعدن وهو مغضب فخالفت أمره وخرجت فاشار الى من حوله الآن خذوه فلم تصل ايديهم الي وامسكها الله عني فصاح الآن قد أريتنا قدرتك والان نريك قدرتنا فلم يستتم كلامه حتى زلزلت الارض ورجفت فسقط لوجهه وخرجت فقلت في غد الذي يكون له هنا قدرة يكون عليه الحكم لا له فبكينا على امهال الله عليه وتجبره علينا وطغيانه فلما كان من غد ذلك اليوم فاذن لنا فدخلنا فقال هذا ولينا زرافة يقول انه قد اخرج سيفا مسموما من الشفرتين وامره ان يرسل الي فإذا حضرت مجلسه اخلي زرافة لامته مني ودخل الي بالسيف ليقتلني به ولن يقدر على ذلك فقلنا يا مولانا اجعل لنا من الغم فرجا فقال انا راكب إليه فإذا رجعت فاسألوا زرافة عما يرى قال: وجاءته الرسل من دار المتوكل فركب وهو يقول ان كيد الشيطان كان ضعيفا ولم نزل نرقب رجوعه الى ان رجع ومضينا الى زرافة فدخلنا عليه في حجرة خلوته فوجدناه منفردا بها واضعا خده على الارض يبكي ويشكر الله مولاه ويستقيله فما جلس حتى اتينا إليه فقال لنا: اجلسوا يا اخواني حتى احدثكم بما كان من هذا الطاغي ومن مولاي ابي الحسن فقلنا: له: سرنا سرك الله فقال انه اخرج الي سيفا


 

[ 323 ]

مسموم الشفرتين وامرني ليرسلني الى مولاي ابي الحسن إذا خلا مجلسه فلا يكون فيه ثالث غيري واعلو مولاي بالسيف فاقتله فانتهيت الى ما خرج به امره الي فلما ورد مولاي للدار وقفت مشارفا فاعم ما يامر به وقد اخليت المجلس وابطات فبعث الي هذا الطاغي خادما يقول امض ويلك ما امرك به فاخذت السيف بيدي ودخلت فلما صرت في صحن الدار ورآني مولاي فركل برجله وسط المجلس فانفجرت الارض وظهر منها ثعبان عظيم فاتح فاه لو ابتلع سامرا ومن فيها لكان في فيه سعة لا ترى مثله فسقط المتوكل لوجهه وسقط السيف من يده وانا اسمعه يقول يا مولاي ويا ابن عمي اقلني اقالك الله وانا اشهد انك على كل شئ قدير فاشار مولاي بيده الى الثعبان فغاب ونهض وقال ويلك ذلك الله رب العالمين فحمدنا الله وشكرناه. وعنه قال: حدثني أبو جعفر محمد بن الحسن، قال: اجتمعت عند ابي شعيب محمد بن نصير البكري النميري وكان بابا لمولانا الحسن وبعده رأى مولانا محمدا (عليهما السلام) من بعد عمر بن الفرات وكان معنا محمد بن جندب وعلي بن ام الرقاد وفازويه الكردي ومحمد بن عمر الكاتب، وعلي بن عبد الله الحسني واحمد بن محمد الزيادي ووهب ابنا قارن فشكونا الى أبي شعيب وقلنا ما ترى الى ما قد نزل بنا من عدونا هذا الطاغي المتوكل على سيدنا ابي الحسن (عليه السلام) وعلينا وما نخافه من شره وانفاذه الى ابراهيم الديدج بحفر قبر ابي عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام) بكربلاء فقال أبو شعيب الساعة تجيئكم رسالة من مولاي ابي الحسن وترون فيها عجبا يفرح قلوبكم وتقر عيونكم وتعلمون انكم الفائزون فما لبثنا ان دخل علينا كافور الخادم من دار مولانا ابي الحسن (عليه السلام) وقال يا ابا شعيب مولاي يقول لك قد علمت اجتماع اخوانك عندك الساعة وعرفت شكواهم اليك فيكونوا عندك الى ان يقدم رسولي بما تعمل فقال أبو شعيب سمعا وطاعة لمولاي فاقمنا عنده نهارنا وصلينا العشائين وهدت الطرق فقال أبو شعيب: خذوا هبتكم فان


 

[ 324 ]

الرسول يجيئكم الساعة فما لبثنا ان وافى الخادم فقال: يا ابا شعيب خذ اخوانك وصربهم الى مولاك فصرنا إليه فإذا نحن بمولانا ابي الحسن (عليه السلام) قد اقبل ونور وجهه اضواء من نور الشمس فقال لنا نعمتم بياتا فقلنا يا مولانا لله الشكر ولك فقال: كم تشكون الي ما كان من تمرد هذا الطاغي علينا لولا لزوم الحجة وبلوغ الكتاب اجله ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة ويحق كلمة العذاب على الكافرين لعجل الله ما بعد عنه ولو شئت لسالت الله الكنال الساعة ففعل وساريكم ذلك ودعا بدعوات فإذا بالمتوكل بينهم مسحوبا يستقيل الله ويستغفره مما بدا منه من الجرأة.


 

[ 325 ]

الباب الثالث عشر باب الامام الحسن العسكري (عليه السلام)


 

[ 327 ]

مضى أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) وله سبع وعشرون سنة يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الاول سنة ستين ومائتين من الهجرة. وكان مولده في مدينة الرسول في سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وكان مقامه مع جده وابيه احدى وعشرين سنة وثمانية اشهر وثلاثة عشر يوما، وبعد ابيه خمس سنين وثلاثة اشهر وسبعة عشر يوما. وولد له الخلف الامام الثاني عشر صاحب الزمان (عليه السلام) يوم الجمعة طلوع الفجر لثمان ليال خلت من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين من الهجرة قبل مضي ابيه بسنتين وسبعة اشهر. وكان اسمه الحسن، وكنيته أبو محمد لا غير. ولقبه: الصامت، والشفيع، والموفي، والزكي، والتقي، والنقي، والسخي، والمستودع. واسم امه حديث، وقيل: غزالة المغربية، وليس غزالة اسما مثبوتا.


 

[ 328 ]

ومشهده بداره الى جانب مشهد ابيه (عليهما السلام)، وله من البنات: فاطمة ودلالة، واسم الخلف المهدي الثاني عشر محمد بن الحسن، والحمد، والحامد، والحميد، والمحمود. وكناه أبو القاسم وابو جعفر. وروي ان له كني الاحد عشر اماما من آبائه الى عمه الحسن ابن علي (عليه السلام). ومن لقبه: المنتقم، وصاحب الرجعة البيضاء، والكرة الزهراء، والقابض، والباسط، والساعة، والقيامة، والوارث، والكاسر، والجابر، وسدرة المنتهى، والغاية القصوى، وغاية الطالبين، وفرج المؤمنين، ومنية الصابرين، والمحيط بما لم يعلن، وكاشف الغطاء والمجازي بالاعمال ومن لم يجعل الله له من قبل سميا (اي شبيها)، ودابة الارض، واللواء الاعظم، واليوم الموعود، والداعي الى شئ نكر، ومظهر الفضائح، ومبلي السرائر، ومبدي الآيات، وطالب الثارات، والفرج الاعظم، والصبح المسفر، وعاقبة الدار، والعدل، والقسط، والامل، والمحسن، والمنعم، والمفضل، والسناء، والضياء، والهناء، والحجاب، والحق، والصدق، والصراط، والسبيل، والعين الناظرة، والاذن السامعة، واليد الباطشة، والجنب، والجانب، والوجه، والعين، والنفس، واليمين، والايد، والتاييد، والنصر، والفتح، والقوة، والعزة، والقدرة، والكمال، والتمام. وامه: صقيل، وقيل: نرجس. ويقال: سوسن، ويقال: مريم ابنة زيد اخت حسن، ومحمد بن زيد الحسيني الداعي بطبرستان وان التشبيه وقع على الجواري أمهات الاولاد، والمشهور والصحيح: نرجس فهذا من دلائله (عليه السلام). قال الحسين بن حمدان الخصيبي: حدثني الحسن بن محمد بن يحيى


 

[ 329 ]

الخرقي ببغداد في الجانب الشرقي في الخطابين في قطيعة مالك قال: كان ابي بزازا من اهل الكرخ، وكان يحمل المتاع الى سامرا، ويبيع بها ويعود الى بغداد فلما نشات وصرت رجلا جهز لي ابي متاعا وامرني بحمله إلى سامرا وضم الي غلاما كان لنا وكتب الى صديق له كان بزازا من اهل سامرا وقال انظر الى من هو منهم صاحب طاعة كطاعتك لي وقف عند امره ولا تخالفه واعمل بما يرسمه لك واكد علي بذلك وخرجت الى سامرا فلما وصلت إليها صرت الى البزاز واوصلت كتاب ابي إليه فدعا لي حانوتا وامرني الرجل الذي امرني ابي بطاعته أن أحمل المتاع من السقيفة الى الحانوت ففعلت ذلك ولم اكن دخلت سامراء قبل ذلك اليوم انا وغلماني امير المتاع واعاينه حتى جاءني خادم فقال يا ابا الحسن محمد بن يحيى الخرقي اجب مولاي ورأيته خادما جليلا فرهبته وقلت: ما أعلمك بكنيتي واسمي ونسبي وما دخلت هذه المدينة الا في يومي هذا وما يريد مولاي مني فقال: قم عافاك لا تخف ما ها هنا شئ تخافه ولا تحذره فذكرت قول ابي وما امرني به من مشاورة ذلك الرجل والعمل بما جاءني رسمه وكان جاري وبجانب حانوتي فقمت إليه وقلت يا سيدي جاءني خادم جليل فسماني وكناني وقال لي اجب مولاي فوجب الرجل من حانوته وقال لي: يا بني اطرح عليك ثوبك واسرع معه ولا تخالف ما تؤمر به ولا تراجع فيه واقبل كلما يقال لك فقلت في نفسي: هذا من خدم السلطان أو امير أو وزير قلت للرجل انا ابتعت السعر ومتاعي مختلط ولا ادري ما يراد مني فقال: الست يا بني وامض مع الخادم وكلما يقال لك، قل نعم، فمضيت مع الخادم وانا خائف حتى انتهى بي الى باب عظيم ودخل من دهليز الى دهليز ومن دار الى دار حتى تخيل لي انها الجنة ثم انتهيت الى شخص جالس على بساط اخضر فلما رأيته انتفضت وداخلني منه هيبة ورهبة والخادم يقول ادن مني حتى قربت منه فاشار الي بالجلوس فجلست وما املك عقلي فامهلني حتى سكنت وقال: احمل الينا الحبرتين اللتين في متاعك رحمك الله ولم اكن والله اعلم ان معي حبرا ولافقت عليهما فكرهت


 

[ 330 ]

ان اقول ليس معي حبرا فاخالف ما وصاني به الرجل وخفت ان اقول نعم فاكذب فتحيرت وانا ساكت فقال قم يا محمد الى حاديك وعد ستة اسفاط من متاعك وافتح السفط السابع واعزل الثوب الاول الذي تلقاه باوله وخذ الثوب الثاني فافتح وخذ الحبرة التي في طيه وفيها رقعة في ثمن الحبرة وما رسم لك فيها من الربح وهو في العشرة اثنان والثمن اثنان وعشرون دينارا واحد عشر قيراطا وحبة وانشر الرزمة العظمى في متاعك فعد منها ثلاثة أثواب وافتح الثوب الرابع فانك تجد في طيه حبرة في طيها رقعة الثمن تسعة عشر دينارا، وتسع قراريط وحبتان الربح العشرة اثنان فقلت: نعم، ولا علم لي بذلك فوقفت عند قيامي بين يديه فمشيت القهقري ولم اول ظهري اجلالا واعظاما وانا لا اعرفه فقال لي الخادم، ونحن في الطريق طوبى لك لقد اسعدك الله بقدومك فلم اغير قولي نعم وصرت الى حانوتي ودعوت الرجل وقصصت عليه قصتي وما قال لي فوضع خده للارض وبكى وقال قولك يا مولاي حق فعلمه من علم الله وقام الى الاسفاط والرزم واستخرج الحبرتين واخرج الرقعتين فوجدنا رأس المال والربح موضوحا في طي الحبرتين كما قال (عليه السلام) فقلت يا عم اي شئ هذا الانسان كاهن أو حاسب أو مخدوم فبكا وقال يا بني لم تخاطب بما خوطبت به الا لان لك عند الله منزلة وسيعلم من لا يعلم فقلت يا عم ما لي قلب ارجع إليه قال ارجع فرجعت فسكن ما في قلبي وقوي مشيي وانا معجب من نفسي الى ان قربت من الدار فقال: انا منتظرك الى ان تخرج فقلت يا عم اعتذر إليه، واقول: اني لم اعلم بالحبرتين قال: لا بل تقعد كما قيل لك فدخلت ووضعت الحبرتين بين يديه فقال لي: اجلس فجلست وانا لا اطيق انظر إليه اجلالا واعظاما له، فقال للخادم، خذ الحبرتين منه فاخذهما ودخل فضرب بيده الى البساط وقبض قبضة وقال هذا ثمن حبرتيك وربحهما امض راشدا وانا لم ار شيئا على البساط وإذا اتاك رسولنا فلا تتأخر عنا فاخذته في طرف ملاءتي وإذا هي دنانير وخرجت فإذا بالرجل فقال هات حدثني فاخذت بيده وقلت يا عم الله الله فما اطيق احدثك بما


 

[ 331 ]

رأيت فقبض قبضة دنانير واعطاني اياها وقال هذا ثمن حبرتيك وربحهما فوزناه وحسبناه فكان كما قال لا زاد حبة ولا نقص حبة قال يا بني تعرفه قلت لا يا عم فقال: هذا مولانا أبو محمد الحسن بن علي حجة الله على خلقه فهذه اول دلالة رأيتها منه (عليه السلام). وعنه عن ابي الفضل محمد بن علي بن عبد الله الحسيني المعروف بباعر قال خرجت من الكوفة الى زيارة ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) ليلة النصف من شعبان سنة ثمان وخمسين ومائتين وقد عرفت ولادة المهدي (عليه السلام) وان الشيعة تتضرع الى الله في المشاهدة وبحمده وشكره على ولادته فقالت لي امي: وكانت مؤمنة يا بني اسال الله عند قبر سيدنا ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) ان يرزقك خدمة مولانا ابي محمد الحسن بن علي العسكري (عليهم السلام) كما رزق اباك علي بن عبد الله قال أبو الفضل: فلم ازل اسال الله واتوسل بابي عبد الله الحسين الى أن رزقني منزلة ابي من سيدنا ابي محمد الحسن (عليه السلام) قال فلما كان في وقت السحر بليلة النصف من شعبان جاءني خادم وقد طرحت نفسي على شاطئ الحير من شدة التعب والقيام فجلس الخادم عند رأسي وقال لي يا ابا الفضل محمد بن علي مولاي أبو محمد الحسن قد سمع دعاءك فصر الينا مخلصا بما تنطقه وبما سالت فقلت له ما اسمك قال سرور فقلت يا سرور وما انا على هيئة وما معي ما ينهض الى العسكر حتى ارجع الى الكوفة واصلح شاني واحصل فقال قد بلغتك الرسالة فافعل ما ترى فرجعت على الزيارة الى الكوفة وعرفت امي بما من الله علي بما قاله الخادم وشكرت الله وحمدته فقالت: يا بني قد اجاب الله دعاءك ودعائي لك فقم ولا تقعد فاصلحت شاني وخرجت ومعي علي الذهبي من سوق الصاغة بالكوفة ووصته بي خيرا وامرته قبل يدي لاني كنت حدثا فخرجنا من الكوفة الى بغداد ووقف اني نزلت على عم لي حبيس وكانت ليلة الشعانين فدعوني الى ان خرجت معهم الى الشعانين وصاروا بي الى دار الروميين


 

[ 332 ]

ودخلوا الى دار الخمار وهو من بعض النصارى واحضروا طعاما فاكلت معهم وابتاعوا خمرا وسالوني ان اشرب معهم فلم افعل وغلبوا على رأيي وسقوني فشربت وجاؤوا بغلمان حسان فحملوني ان افعل كما فعلوا فزين لي الشيطان سوء عملي ففعلت واقمت اياما ببغداد وخرجت الى العسكر فوردتها وافضت علي الماء من الدجلة ولبست ثيابا طاهرة وصرت الى المسجد الذي على باب سيدي ابي محمد الحسن (عليه السلام) وفيه قوم يصلون فصليت معهم ودخلت فإذا انا بسرور الخادم قد دخل المسجد فقمت مسرورا إليه فوضع يده بصدري ودفعني عنه ثم قال لي هاك وطرح بيدي دنانيرا وقال لي: مولاي يقول لك ويامرك ان لا تصير إليه فتقدم من وصولك ببغداد وأرجع من حيث جئت وهذه نفقتك من دارك بالكوفة وإليها راجعا إلى ما نفقته في دار الروميين فرجعت باكيا إلى بغداد ومنها الى الكوفة واخبرت والدتي بما كان مني وكلما نالني ولم أخف منه شيئا والذهبي حسبما اتفقنا فوجدنا الذي اعطانا اياه الخادم لا يزيد حبة ولا ينقصن حبة الا دينارين وزنتها في دار الروميين فلبست الشعر وقيدت رجلي وغللت يدي وحبست نفسي الى ان توفي أبو محمد الحسن (عليه السلام) بيوم الجمعة لثمان ليال خلت من ربيع الاول سنة ستين ومائتين ثم اطلقت نفسي بعد ذلك فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن أحمد بن سند ولا والعباس التبان الشيبين قال: تشاجرنا ونحن سائرون الى سيدنا ابي محمد الحسن (عليه السلام) بسامرا في الصلاة وفي الخبر المروي عن السجود على سبع اعضاء اليدين والركبتين والقدمين والوجه دون الانف فصرنا نلتمس الاذن فصادفنا ركوبه الى دار ابي بحير، وقفنا في الشارع فلما طلع علينا بوجهه الكريم نظر إلينا فعلمنا ما يريدنا به ثم وضع سبابته اليمنى على جبهته دون انفه وقال هو على هذه دون هذا وانفذ اصبعه من جبهته الى انفه قال وتشاجرنا في اكل اللحم فلم نستنم كلامنا حتى دخل علينا لؤلؤ الخادم فاخذ لحم غنم واكتنفنا وقال


 

[ 333 ]

مولاي يقول لكم لحم المقرن اقرب مرعى وابعد من الداء ولحم الفخذ منعا نصحا منه فعلمنا ان سيدنا (عليه السلام) علم بتشاجرنا فاطلق لنا أكله وهذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن جعفر بن محمد بن اسماعيل الحسيني، قال: دخلت على سيدنا ابي محمد الحسن (عليه السلام) انا وعلي بن عبيد الله، وبين يديه محمد بن ميمون الخراساني، ومحمد بن يحى الخرقي وعبد الحميد بن محمد، وعقيل بن يحيى، وبين يديه نخلة فيها ثمر بغير اوانه فقال: اغسلوا ايديكم وسموا على طعامكم ومن يسمى رسول الله (صلى الله عليه وآله) والائمة (عليهم السلام) إذا حضروا الطعام فلا يمد الناس ايديهم إليه حتى يمد صاحب الوقت يده ويضعها في الطعام، فإذا فعل ذلك مد الناس أيديهم فترفعنا وقلت: في نفسي فما بال سيدي لم يمد يده حتى نمد ايدينا بعده وناكل من هذا الثمر فانا نشك انه من تمر الجنة، فعلم ما في نفسي فقال لي: يا ابا جعفر كل طعام المؤمنين حلال ولم امسك يدي لا لحضور قوم من اخوانكم من الجن باعدادكم قد جلسوا معكم وقد امرتكم به وها انا امد يدي فمدوا ايديكم فمددنا ايدينا واكلنا ونحن ننظر الى مواضع ايدي اخواننا من الجن فنرى يؤخذ من الثمر مثلما ناخذ بالسوية ولا نرى ايديهم فقلت في نفسي لو شاء مولاي لكشف لنا عنهم حتى نراهم كما يروننا، فقال: حيوا بغمي وقرة عيني ابي جعفر ثم مد يده ومر على اعيننا فكان بيننا وبينهم سدا ثم كشف عن اعيننا وتجلت فاردنا ان نعتنقهم فقال لنا حرمة الطعام اوجب فقد بدأتم به فإذا قضيتم أريك منه فافعلوا باخوانكم ما تشاؤون فلبثنا ننظر إليهم شحب الالوان نحل الابدان غاضين اعينهم يتكلمون خفاتا واعينهم ترغرغ بالدمع فقلنا يا سيدنا الجن بهذه الصورة كلهم فقال: لا فيهم ما فيكم واما هؤلاء فاسألوهم فانهم لا يطعمون طعاما ولا يشربون شرابا الا في وقت قيام نبي أو وصي فيأمرهم فيأكلون طاعة له لا رغبة في الطعام والشراب وقد صرفوا انفسهم لله


 

[ 334 ]

واشغلتهم الرهبة والخوف من الله عن الطعام والشراب فصارت صورهم كما ترون فقلنا يا سيدنا لقد اقررت اعيننا بالنظر الى اخواننا هؤلاء من الجن فقال الآن قد قبلت اعمالكم عندنا وعلمنا ان لله عبادا مكرمون فوقنا في درجات الله في طاعته، قال: لمواليكم من اخوان الجن كالخرس لا ينطقون نطقة ولا برمقة عيوننا حتى اذن لهم فكان الستر بيننا وبينهم قد اسبل على اعيننا فقمنا ونحن نشكر الله ونحمده على ما فضلنا به فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن موسى بن مهدي الجوهري، قال: دخلت على مولاي ابي محمد الحسن (عليه السلام) بالعسكر فقلت له يا مولاي هذه سنة خمس وخمسين وقد اخبرتنا بولادة مهدينا فهل يوقت لها، وقت نعلمه قال: السنا قد قلنا لكم لا تسألونا عن علم الغيب فنخرج ما علمنا منه إليكم فيسمعه من لا يطيق استماعه فيكفر فقلت: يا مولاي ارجو ان اكون ممن لا يكفر قال: يولد قبل طلوع الفجر بيوم الجمعة لثمان ليال خلت من شهر شعبان سنة سبعة وخسين ومائتين وامه نرجس وانا اقبله وحكيمة عمتي تحضنه فقلت لك: الحمد، والشكر، يا مولاي إذ جعلتني اهلا لعلم ذلك فلم ازل وجماعة علمت منه نرقب الوقت ونعد الايام حتى ولد كما قال لا زود ولا نقص وامه نرجس وقبله في ولادته وعمته حكيمة ابنة محمد بن علي (عليهما السلام) حضنته فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن جعفر بن محمد القصير البصري، قال: حضرنا عند سدنا أبي محمد (عليه السلام) المكنى بالعسكري فدخل عليه خادم من دار السلطان جليل القدر، فقال له امير المؤمنين: يقرئك السلام ويقول لك: كاتبنا انوش النصراني وقيل: اليهودي يطهر ابنين له وقد سالنا ان نركب الى داره وندعو لابنيه بالسلامة والبقاء فوجب ان نركب ونفعل ذلك فانا لم نحمل هذا الفئ الا ان قال: لنتبارك ببقايا النبوة والرسالة، فقال مولانا: الحمد لله الذي جعل اليهود والنصارى اعرف بحقنا من المسلمين


 

[ 335 ]

ثم اسرجوا الناقة فركب وورد الى دار انوش فخرج مكشوف الرأس حافي القدم وحوله القسيسون والشمامسة والرهبان وعلى صدره الانجيل وتلقاه على باب داره وقال: يا سيدنا اتوسل إليك بهذا الكتاب الذي انت أعلم به مني ام عرفت ديني فهو غناك والمسيح عيسى بن مريم وما جاء به هذا الانجيل من عند الله الا ما سالت أمير المؤمنين مسالتك هذه فما وجدناكم في هذا الانجيل الا مثل عيسى المسيح عند الله فقال مولانا (عليه السلام): الحمد لله ودخل على فراشه والغلمان على منصبه وقد قام الناس على اقدامهم فقال اما ابنك هذا فباق عليك والآخر ماخوذ منك بعد ثلاثة ايام وهذا الباقي عليك يسلم ويحسن اسلامه ويتولانا أهل البيت فقال انوش: والله يا سيدي قولك حق ولقد سهل علي موت ابني هذا لما عرفتني ان ابني هذا يسلم ويتوالى أهل البيت، فقال له القسيس: وانت مالك لا تسلم فقال له انوش: انا مسلم ومولاي يعلم هذا فقال مولانا صدق انوش ولولا يقول الناس، انا ما اخبر لما اخبرتك بموت ابنك ولو لم يمت كما اخبرتك لسالت الله يبقيه عليك فقال انوش لا اريد يا مولاي الا كما تريد، قال جعفر بن احمد القصير مات والله ذلك الابن لثلاثة ايام واسلم الاخر بعد ستة أيام ولزم الباب ولزم الباب معنا الى وفاة سيدنا الحسن (عليه السلام). وعنه عن أبي الحسن عاصم الكوفي وكان محجوبا قال: دخلت على أبي محمد الحسن (عليه السلام) بالعسكر فطرقت شيئا ناعما فقلت مولاي: ما هذا فقال يا عاصم انت على بساط قد جلس عليه ووطئه كثير من المرسلين والنبيين والائمة الراشدين فقلت: يا مولاي لا تخففت بخف ولا تنعلت بنعل ما دمت في الدنيا اعظاما لهذا البساط فقال: يا علي ان هذا الذي منه الخف جلد ملعون نجس رجس لم يقر بامامتنا ولا اجاب دعوتنا ولا قبل ولايتنا فقلت وحقك يا مولاي لا لبست خفا ولا نعلا ابدا وقلت في نفسي كنت اشتهي ان ارى هذا البساط فوجدته ملء الدار ولم يبق لون


 

[ 336 ]

حسن الا وجدته فيه واطلت النظر إليه، قال: يا علي تحب ان ترى آثار ارجل النبيين والمرسلين والائمة الراشدين الذين وطئوا هذا البساط ومجالسهم عليه قلت: نعم، يا مولاي فرأيت مواضع اقدامهم وجلوسهم على البساط مصورة فقال: هذا أثر قدم آدم وموضع جلوسه، وهذا موضع قدم قابيل إلا أنه لعن حيث قتل أخاه هابيل، وهذا أثر شيث، وهذا أثر انوش، وهذا اثر قينان، وهذا أثر مهلائيل، وهذا اثر يازد، وهذا اثر اخنوخ وهو ادريس، وهذا اثر المتوشلخ، وهذا اثر لمك، وهذا اثر نوح، وهذا اثر سام، وهذا اثر ارفخشد، وهذا أثر يعرب، وهذا اثر هود، وهذا اثر صالح، وهذا اثر لقمان، وهذا اثر لوط، وهذا اثر ابراهيم، وهذا اثر اسماعيل، وهذا أثر الياس، وهذا اثر قصي، وهذا اثر اسحاق، وهذا اثر يعقوب وهو اسرائيل، وهذا أثر يوسف، وهذا اثر شعيب، وهذا اثر موسى، وهذا أثر هارون، وهذا أثر يوشع، وهذا أثر كولب، وهذا أثر حزقيل، وهذا أثر شمويلا، وهذا أثر طالوت، وهذا أثر داود، وهذا أثر سليمان، وهذا أثر آصف، وهذا أثر ايوب، وهذا أثر يونس، وهذا أثر اشعياء، وهذا أثر السيع، وهذا أثر الخضر، وهذا أثر زكريا، وهذا أثر يحيى، وهذا أثر اليسع، وهذا أثر الخضر، وهذا أثر زكريا، وهذا أثر يحيى، وهذا أثر عيسى، وهذا أثر شمعون، وهذا أثر دانيال، وهذا أثر الاسكندر، وهذا أثر اردشير، وهذا أثر سابور، وهذا أثر لؤي، وهذا أثر مرة، وهذا أثر كلاب، وهذا أثر قصي، وهذا أثر عبد مناف، وهذا أثر هاشم، وهذا أثر عبد المطلب، وهذا أثر عبد الله، وهذا أثر السيد محمد، وهذا أثر أمير المؤمنين، وهذا أثر الحسن، وهذا أثر الحسين، وهذا أثر علي، وهذا أثر محمد، وهذا أثر جعفر، وهذا أثر موسى، وهذا أثر علي، وهذا أثر محمد، وهذا أثر علي، وهذا أثري، وهذا أثر المهدي، لانه وطئه وجلس عليه فقال لي علي بن عاصم يخيل لي والله من رد بصري ونظري الى البساط وهذه الآثار كلها وانا نائم وإني أحلم ما رأيت فقال أبو محمد الحسن (عليه السلام): يا علي بن عاصم فما أنت نائم ولم تحلم وترى الى تلك الآثار واعلم انهم


 

[ 337 ]

اذنين، فمن زاد فيهم كفر ومن نقص كفر والشاك في واحد منهم كالشاك الجاحد لله وبهم يعذبه الله يوم القيامة، عذابا شديدا لا يعذب به احدا من العالمين غض طرفك يا علي فغضضت طرفي فرجعت محجوبا فقلت يا سيدي من يقول انهم مائة الف نبي واربعة وعشرون الف نبي هو آثم وان علم ما قال لم ياثم، فقلت يا سيدي اعلمني علمهم حتى لا ازيد فيهم ولا انقص منهم قال الانبياء والرسل والاوصياء والائمة هم الذين رايتهم وآثارهم في البساط والمائة الف نبي واربعة وعشرون ألف الذين حسبوا من الانبياء لله ورسله وحجبه فامنوا بالله وبما جاءتهم رسلهم به من الكتب والشرائع فمنهم الصديقون والشهداء والصالحون وهم المؤمنون وهذا عددهم منذ اهبط آدم من الجنة الى ان بعث الله جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت لله الحمد والشكر ولك يا مولاي الذي هديتني لهداكم وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن احمد بن ميمون الخراساني، قال: قدمت من خراسان اريد سامرا القى مولاي الحسن (عليه السلام) فصادفت بغلته وكانت عندنا الاخبار الصحيحة ان الحجة والامام من بعد ابيه علي بن محمد سيدنا أبو محمد الحسن (عليه السلام) فصرت الى اخواننا المجاورين له فقلت اريد سيدنا ابا محمد الحسن، فقالوا هذا يوم ركوبه الى دار المعتز فقلت أقف له في الطريق فلست اخلو من آية في مشيئة الله وعونه فاتى وهو ماض فوقفت على ظهر دابتي وكان يوما شديد الحر يوم لقيته فاشار إلي بطرفه فتأخرت وسرت من ورائه وقلت في نفسي: اللهم انك تعلم اني اشهد واقر بانك الحجة على خلقك وان مهدينا الثاني عشر، فسهل لي دلائله آية منه تقر عيني وينشرح صدري بها فاشار إلي وقال يا محمد بن ميمون، قد اجيبت دعوتك والله فقلت لا اله الا الله والله قد علم سيدي ما ناجيت ربي في نفسي ثم قلت طمعا في الزيادة ان كان يعلم ما في نفسي فيأخذ العمة عن


 

[ 338 ]

رأسه، قال: فمد يده فاخذها فوسوست في نفسي، وقلت: لعله ان حميت عليه فيأخذها ثانية فيضعها على قربوس السوج فاخذها ووضعها على سرجه، فقلت: يردها على رأسه، فردها على رأسه فقلت: لا اله الا الله يكون هذا فاق مرتين اللهم ان كان هذا هو الحق فليأخذها ثالثا من رأسه، فيضعها على قربوس سرج فرسه، ويردها مسرعا فاخذها من رأسه ووضعها على قربوس فرسه وردها مسرعا إلى رأسه وصاح يا محمد بن ميمون الى كم هذا فقلت حسبي يا مولاي فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن أبي الحسن محمد بن يحيى وابي داود الطوسي قالا: دخلنا على أبي شعيب، محمد بن نصير بن بكر النميري البصري، وبين يديه أبو عباد بن عبادة البصري، واسحاق بن محمد بن ابان النخعي البصري، المعروف بالاحمر والحسن بن منذر القيسي وقوف في المجلس وعلي بن ام الرقاد وفاذويه الكردي، ومحمد بن جندب، ومحمد بن عمر الكناسي واحمد بن محمد بن فرات الكاتب، فأمرنا بالجلوس فجلسنا دون القوم وكان الوقت في غير اوان حمل النخل والشجر فانثنى أبو شعيب الى علي بن ام الرقاد وقال: قم يا علي الى هذه النخلة واجتني منها رطبا وأئتنا فقام علي الى النخلة، نخلة في جانب الدار لا حمل فيها فلم يصل إليها حتى رأيناها قد تهدلت اثمارها فلم يزل يلقط منها ونحن ننظر إليه حتى لقط ملء طبق معه ثم أتى به ووضعه بين ايدينا، وقال لنا كلوا واعلموا يسيرا في فضل الله على سيدكم ابي محمد الحسن (عليه السلام) على من كان متصلا به، قال: فاكلنا منه واقبل يظهر لنا فيه الوانا من الرطب من كل نوع غريب وإذا نحن بخادم قد أتى من دار سيدنا الحسن (عليه السلام) وفي يده اناء مملوء لبنا وزبدا، وقال: يا ابا شعيب ما قنع النخعي بما طلبه في نفسه من الرطب بغير اوانه فاطعمته اياه الى ان تحير في نفسه، ان كان هذا من عند ابي محمد الحسن، فليبعث الينا لبنا وزبدا فوضع الخادم الاناء وانصرف


 

[ 339 ]

فامسنا عن الاكل، فقال أبو شعيب: يا اسحاق ويحك تجد هذا وتتحير بغيره، فقال: لا يا سيدي، فقالت الجماعة الحمد لله الذي عرفنا من طلب الرطب واللبن والزبد، فقال: لنا كلوا لا تثريب عليكم، فاكلنا والله فما رأينا رطبا ولا زبدا أطيب من ذلك فرجع الخادم وقال: مولاك يقول لك يا ابا شعيب اغرس هذا النوى في بستانك بالبصرة يخرج منه نخلة واحدة آية لك وعبرة في حياتك وبعد وفاتك فامر بجمع النوى وغرسه في البستان بحفرة واحدة، قال أبو الحسين محمد بن يحيى الفارسي: فعدت من قابل فجاء في نفسي من امر النخلة فلما وصلت الى ابي شعيب قال: يا أبا الحسين جئت ترى النخلة قلت نعم يا سيدي وكان عنده جماعة من اولياء سيدنا ابي محمد الحسن (عليه السلام) فقال: قوموا فقمنا فدخل البستان ودخلنا معه فرأينا نخلة ظننا انها من نبات سنين كثيرة فلم نعرفها فقال: هذه هي فدنونا منها واسعافها تحركها الرياح فسمعنا في تخشخشها السنا تنطق وتقول لا اله الا الله محمد رسول الله وعلي امير المؤمنين والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن بن علي حجج الله على خلقه والحجة المهدي سمي جده رسول الله وكنيته ابن الحسن حقا حقا علم من علم وشهد من شهد والله على ما نقول من الشاهدين فقلنا يا سيدنا ابا شعيب ان هذا شئ عجيب هذه السن الملائكة تنطق بهذه النخلة ام السن المؤمنين من الجن فقال: هذه السن من النخلة فقلنا جعلنا فداك وهذا مثله ما كان في الزمان، فقال: نعم، واعجب من ذلك قلنا: له خبرنا به فقال سال جابر بن يزيد الجعفي، لمولانا ابي جعفر الباقر (عليه السلام) بستين الف خبر وقال له: ذلك استودعه علما وفضلا في هذه الدلالة فحدثه الباقر (عليه السلام) الستين الف خبر، فقال له: يا مولاي كيف أكون فيها، فقال: تحدث منها بعشرين الف خبر، وعشرين ألف خبر، اخفيها ولا تظهرها، فقال: يا مولاي ضعف صبري عن اخفائها فقال: احفر لها حفيرة في الجبانة وتحدث بها فإذا اخرجت رأسك منها ادفنها ففعل جابر ذلك كله فلما ان حدث


 

[ 340 ]

الحفيرة ودفنها انبتت الحفيرة قصبا فكانوا ياخذون القصبة من قصبها ويلعبون فيها تنطق بما حدث به جابر للحفيرة فقصد إليها الكهول والشيوخ فاخذوا من ذلك القصب ونفخوا فيه فنطق بالعشرين الف خبر عن جابر عن محمد الباقر (عليه السلام) فسمعوه وكتبوه فخاف جابر على نفسه من بني أمية فقشر القصب وركبه وركض في طرقات المدينة فنظر إليه الناس، وقالوا له: ما شأنك أيها الحكيم، فقال لهم: جن جابر، فصاح الناس جن جابر، بما قال عن أبي جعفر، فرفع بعض الاخبار الى بني امية فانفذوا ليريدوا قتله فصادفوه في طرقات المدينة راكب القصب يطوف ويصيح جن جابر فكتبوا يخبرون السلطان من بني امية بجنونه فبعث إليهم اردنا قتله لما فعل فإذا كان قد جن اتركوه فقال: اهل المدينة الجنون لجابر خير من القتل فقلنا: سبحان الله سمعنا بهذا الخبر لكن نسيناه واما هذا بفضل موالينا اهل البيت (عليهم السلام) وهذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن الحسن بن ابراهيم والحسن بن مسعود قالا دخلنا على سيدنا ابي محمد الحسن (عليه السلام) في سنة ست وخمسين ومائتين وقد ورد عليه كتاب من السواد من اخواننا يسالون مسالة لسيدنا أبي محمد (عليه السلام) ان يسال الله ان يكفيهم مؤونة رجل كان يتقلد الحرب يسمى السرجي وهو سفاك للدماء ومسالة يصرفه عنهم فدخلنا والكتاب معنا ومجلسه حافل بالناس قال السلطان مبتدئا قد قرأت الكتاب الذي معكم وبما بعث يريد اخوانكم من اهل السواد وما التمسوا فحمدنا الله وشكرناه وقمنا والكتاب معنا ففككنا ختمه في غرفة كنا نسكنها الا انا قرأناه وختمناه لنوصله فوصلنا الى غرفتنا فاخرجنا الكتاب الذي كان معنا فوجدناه في خاتمه ففضضناه وقرأناه فوجدناه بخطه (عليه السلام) هذا سؤالنا والله الذي إليه الامر كله ولم نساله من ليس له من الامر شئ كفيتهم شره وهو سيموت بالطاعون قبل وصول هذا الكتاب بثلاثة ايام فطبق السرجي بالطاعون ومات وحمل في اثاثه الى سامرا فكان هذا من دلائله (عليه السلام).


 

[ 341 ]

وعنه عبد الحميد بن محمد، ومحمد بن يحيى الخرقي، قالا دخلنا على أبي الحسن، علي بن بشر، وهو عليل قلق، فلما رآنا استغاث بنا وقال: ادعوا الله لي بالاقالة وانفذوا كتابا خطيته بيدي الى مولاي ابي محمد الحسن (عليه السلام) مع من تتقون به فقلنا يا علي اين الكتاب فقال جنبي فادخلنا ايدينا تحت مصلاه فاخذناه وفضضناه لنقرأه فإذا نحن في رأس الكتاب توقيعا ونحبا وإذا فيه قد قرأنا كتابك وسالنا الله عافيتك واقالتك، فان الله مد بعمرك تسعا واربعين سنة من بعد ما مضى عمرك فاحمد الله واشكره واعمل بما فيه وبما تبقيه ولا تأمن ان اسات ان يبتر عمرك فان الله يفعل ما يريد، فقلنا: يا علي قد قرأ سيدنا كتابك وهذا خطه بكلما اصابك فقام في الوقت ارضى جايته وتصدق بها فلما كان بعد ثلاثة أيام، وردت سفتجة من أبي عمر عثمان بن سعد العمري السمان من سامرا على بعض تجار الكرخ يحمل مالا الى علي بن بشر فحمله الى فحسب ما تصدق به من ماله فوجد المال المحمول إليه ثلاثة اضعاف فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن احمد بن صالح، قال: خرجت من الكوفة الى سامرا فدخلت على مولاي ابي محمد الحسن (عليه السلام) في سنة تسع وخمسين ومائتين وكان لي اربع بنات، فقال لي: يا احمد أي شئ كان من بناتك فقلت: بخير يا مولاي، فقال: اما الواحدة آمنة فقد ماتت بهذا اليوم، واما سكينة تموت في غد، وخديجة وفاطمة، فتموتان باول يوم من الهلال المستهل فبكيت فقال: رقة عليهن ام اهتماما بتجهيزهن فقلت يا مولاي ما خلفت ما يستر الواحدة منهن فقال: قم ولا تهتم فقد امرنا عثمان بن سعيد العمري بانفاذ ورق بتجهيزهن ويفضل لك بعد تجهيزهن بالاكياس ثلاثة آلاف درهم وهي ما ان سالت قال: قد كان قصدي يا مولاي ان اسالك ثلاثة آلاف درهم وهي ما ان سالت قال: قد كان قصدي يا مولاي ان اسالك ثلاثة آلاف درهم حتى ازوجهن واخرجهن الى ازواجهن فجهزتهن الى الآخرة وذخرت الثلاثة الاف درهم علي واقمت الى اول يوم


 

[ 342 ]

من الهلال ودخلت عليه فقال اخرج يا احمد بن صالح الى الكوفة فقد عظم الله اجرك في بناتك فخرجت حتى وردت الكوفة الثلاثة آلاف درهم فلم يزل اخواني من اهل الكوفة وسائر السواد يستمدون من تلك الدراهم وفرقتها عليهم وما أنفقت منها علي نفسي ثلاثين درهما، ورجعت من قابل ودخلت على مولاي الحسن (عليه السلام) يوم الجمعة لثمان ليال خلت من شهر ربيع الاول سنة ستين ومائتين، وكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن احمد بن داود القمي، ومحمد بن عبد الله الطلحي، قالا: حملنا ما جمعنا من خمس ونذور وبر من غير ورق وحلي وجوهر وثياب من بلاد قم وما يليها وخرجنا نريد سيدنا ابا محمد الحسن (عليه السلام) فلما وصلنا الى دسكرة الملك تلقانا رجل راكب على جمل، ونحن في قافلة عظيمة فقصد إلينا وقال: يا أحمد الطلحي معي رسالة اليكم، فقلنا من أين يرحمك الله، فقال: من سيدكم ابي محمد الحسن (عليه السلام) يقول لكم انا راحل الى الله مولاي في هذه الليلة فاقيموا مكانكم حتى ياتيكم امر ابني محمد فخشعت قلوبنا وبكت عيوننا وقرحت اجفاننا لذلك ولم نظهره وتركنا المسير واستاجرنا بدسكرة الملك منزلا وأخذنا ما حملنا إليه، واصبحنا والخبر شائع بالدسكرة بوفاة مولانا ابي محمد الحسن (عليه السلام) فقلنا لا اله الا الله ترى الرسول الذي اتانا بالرسالة اشاع الخبر في الناس فلما تعالى النهار رأينا قوما من الشيعة على اشد قلق لما نحن فيه، فاخفينا امر الرسالة، ولم نظهره فلما جن علينا الليل جلسنا بلا ضوء حزنا على سيدنا الحسن (عليه السلام) نبكي ونشكي الى فقده، فإذا نحن بيده قد دخلت علينا من الباب فضاءت كما يضئ المصباح وهي تقول: يا احمد هذا التوقيع اعمل به وبما فيه، فقمنا على اقدامنا واخذنا التوقيع فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: من الحسن المسكين (لله رب العالمين) الى شيعته المساكين: اما بعد فالحمد لله على ما نزل منه ونشكره إليكم جميل


 

[ 343 ]

الصبر عليه وهو حسبنا في انفسنا وفيكم، ونعم الوكيل، ردوا ما معكم ليس هذا أوان وصوله إلينا، فان هذا الطاغي قد دنت غشيته إلينا، ولو شئنا ما ضركم، وأمرنا يرد عليكم ومعكم صرة فيها سبعة عشر دينارا في خرقة حمراء الى ايوب بن سليمان، الآن فردوها فانه حملها ممتحنا لنا بها وبمن بعله وهو ممن وقف عند جدي موسى بن جعفر (عليه السلام) فردوا صرته عليه، ولا تخبروه فرجعنا الى قم، فاقمنا بها سبع ليال ثم جاءنا امر ابنه قد بعثنا إليكم ابلا غير ابلكم احملا ما قبلكما عليها واخليا لها السبيل، فانها واصلة الي وكانت الابل بغير قائد ولا سائق على وجه الاول منها، بهذا الشرح وهو مثل الخط الذي بالتوقيع التي اوصلته الى الدسكرة فحملنا ما عندنا واستودعناه واطلقناهم فلما كان من قابل خرجنا نريده (عليه السلام) فلما وصلنا الى سامرا دخلنا عليه فقال لنا: يا احمد ومحمد ادخلا من الباب الذي بجانب الدار وانظرا ما حملتماه على الابل فلا نفقد منه شيئا فدخلنا من الباب فإذا نحن بالمتاع كما وعيناه وشددناه لم يتغير فحللناه كما امرنا وعرضنا جمعه فما فقدنا منه شيئا، فوجدنا الصرة الحمراء والدنانير فيها بختمها، وكنا قد رددناها على أيوب، فقلنا: إنا لله وإنا إليه راجعون فقلنا: انها من سيدنا، فصاح بنا من مجلسه: فما لكما بدت لكما سؤاتكما فسمعنا الصوت فاتينا إليه فقال: من ايوب وقت وردت الصرة عليه فقبل الله ايمانه وقبل هديته فحمدنا الله وشكرناه على ذلك فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن احمد بن منذر قال تقلدت ديار ربيعة وغيرها، وكان مقامي بنصيبين وتقلدت اعمال النواحي وقدمت الى كل واحد منهم ان يحمل الى كل من علمه ممن له مذهب فكان يرد على الحما مما دخل الي كتاب من عاملي بكفرتوثي يذكر انه انفذ الي رجلا كفرتوثيا، يقال له ادريس بن زياد فدعوت به فرأيته رجلا وسيما فقبلته نفسي فناجيته فوجدته منتظرا ممن يقف على امامة أبي الحسن موسى بن جعفر ولا يقر بالرضا علي بن موسى


 

[ 344 ]

(عليه السلام) ومن بعده من الائمة ورأيت به من الفقه والمعرفة ما اعجبني فدعوته الى مذهبنا الامامة فانكر ذلك وخاصمني فسالت أن يهب لي زادا الى سامرا وينصرف الى ابي محمد الحسن بن علي (عليه السلام)، فقال لي: اقضي حقك وامضي بمسالتك وشخص بعدما حملته وانهضته وزودته فابطا وتاخر الكتاب ثم آليت ان قدم فدخل علي فاول ما رآني أسبل عينيه بالبكاء، فلما رأيته باكيا، لم اتمالك ان بكيت فدنا مني وقبل يدي ورجلي ثم قال: يا عظيم الناس على أبي محمد الحسن (عليه السلام) نجيتني من النار وادخلتني الجنة، ثم قال: خرجت من عندك وعزمت على لقاء ابي محمد الحسن (عليه السلام) لابتليه من مسائل فكان فيما اضمرت من مسالته عن من عرف الجنابة هل تجوز صلاته في ثوب ياخذ ذلك العرق ام لا فصرت الى سامرا فسمعت يتحدثون ببابه انه يركب فبادرت وركبت اريد السلطان فجلست في الشارع لا ابرح أو ينصرف فاشتد الحر علي فعدلت الى باب دار فيه واسع الظن فجلست فيه فحملني النوم فلم انتبه الا بقرعة قد وضعت في كتفي ففتحت عيني فإذا انا بابي محمد (عليه السلام) واقف فوثب على قدميه وقال: يا ادريس بن زياد امان لك فقلت بلى، يا سيدي فقال: إن كان من حلال فحلال وان كان من حرام فحرام، من غير ان أساله فلما علم ما اضمرته من مسالتي في عرق الجنابة ولم يعلم به فقلت لا اله الا الله سبحانه وتعالى فوالله لقد علمت انه الامام والحجة فلما جرى ذلك آمنت به واسلمت فكان هذا من دلائله (عليه السلام). وعنه عن عيسى بن مهدي الجوهري قال: خرجت انا والحسن بن مسعود والحسين بن ابراهيم وعتاب وطالب ابنا حاتم ومحمد بن سعيد، واحمد بن الخصيب، واحمد بن جنان من جنبلا إلى سامرا في سنة سبع وخمسين ومائتين فعدلنا من المدائن إلى كربلاء فرأينا اثر سيدنا ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) ليلة النصف من شعبان فلقينا اخواننا المجاورين


 

[ 345 ]

بسامرا لمولانا محمد ابي الحسن (عليه السلام) لنهنئه بمولد مولانا المهدي (عليه السلام) فبشرنا اخواننا ان المولود كان طلوع الفجر من يوم الجمعة لثمان ليلا خلت من شعبان وهو ذلك الشهر فقضينا زيارتنا ببغداد فزرنا ابا الحسن موسى بن جعفر وابا محمد جعفر، ومحمد بن علي (عليهم السلام) وصعدنا الى سامرا فلما دخلنا على سيدنا ابي محمد الحسن (عليه السلام) بدأنا بالبكاء بل التهنئة فجهرنا بالبكاء بين يديه ونحن ما ينيف عن سبعين رجلا من اهل السواد فقال: ان البكاء من السرور بنعم الله مثل الشكر لها فطيبوا نفسا وقروا عينا فوالله انكم على دين الله الذي جاءت به ملائكته وكتبه ورسله وانكم كما قال جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال اياكم ان تزهدوا في الشيعة فان فقيرهم الممتحن المتقي عند الله يوم القيامة له شفاعة عند الله يدخل فيها مثل ربيعة ومضر فإذا كان هذا لكم من فضل الله عليكم وعلينا فيكم، فاي شئ بقي لكم، فقلنا باجمعنا، الحمد لله، والشكر له، ولكم يا ساداتنا، فبكم بلغنا هذه المنزلة، فقال: بلغتموها بالله وبطاعتكم اياه، واجتهادكم بطاعته وعبادته وموالاتكم لاوليائه ومعاداتكم لاعدائه، قال عيسى بن مهدي الجوهري: فاردنا الكلام والمسألة فاجابنا قبل السؤال اما فيكم من أظهر مسالتي عن ولدي المهدي فقلنا وأين هو فقال: قد استودعته لله كما استودعت ام موسى ابنها حيث ألقته في اليم الى أن رده الله إليها، فقالت طائفة منا: اي والله لقد كانت هذه المسالة في انفسنا قال: ومنكم من سال عن اختلاف بينكم وبين اعداء الله واعدائنا من أهل القبلة والاسلام، وانا انبئكم بذلك، فافهموا، فقالت طائفة اخرى: اي والله يا سيدنا لقد اضمرنا، فقال أن الله عز وجل، اوحى الى جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) اني قد خصصتك وعليا وحججي منه ليوم القيامة وشيعتكم بعشر خصال: صلاة الخميس، والتختم باليمين، وتعفير الجبين، والاذان والاقامة مثنى، وحي على خير العمل. والجهر في بسم الله الرحمن الرحيم، والآيتين، والقنوت، وصلاة العصر والشمس بيضاء نقية، وصلاة الفجر مغلسة


 

[ 346 ]

واختضاب الرأس واللحية، والوشمة، فخالفنا من اخذ حقنا وحزبه في الصلاة فجعل اصل التراويح في ليالي شهر رمضان عوضا من صلاة الخميس، كل يوم وليلة وكتف ايديهم على صدورهم عوضا عن تعفير الجبين، والتختم باليسرى عوضا عن التختم باليمين، والفاتحة فرادى خلاف مثنى، والصلاة خير من النوم خلاف حي عى خير العمل، والاخفاء عن القنوت، وصلاة العصر إذا اصفرت الشمس خلافا على بيضاء نقية، وصلاة الفجر عند تلاحف بزوغ الشمس خلافا على صلاتها مغلسة، وهجر الخضاب والنهي خلاف على الامر به واستعماله، فقال اكثرنا: فرحت عنا يا سيدنا قال: نعم، في انفسكم ما تسألون عنه وانا انبئكم به. والتكبير على الميت خمسا وكبر غيرنا اربعا، فقلنا: يا سيدنا هو مما ردنا ان نساله عنه، فقال (عليه السلام): اول من صلى عليه من المسلمين خمسا عمنا حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، فانه لما قتل قلق رسول الله (صلى الله عليه وآله) قلقا شديدا وحزن عليه حتى عدم صبره وعزاؤه فقال رسول الله والله لاقتلن عوضا كل شعرة سبعين رجلا من مشركي قريش فأوحى الله سبحانه وتعالى: (وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين. اصبر وما صبرك الا بالله، ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) وانما احب الله جلثناؤه يجعل ذلك في المسلمين لانه لو قتل بكل شعرة من حمزة (عليه السلام) ألف رجل من المشركين ما كان يكون عليهم في قتالهم حرج وارادوا دفنه بلا غسل، فاحب ان يدفن مضرجا بدمائه، وكان قد ار بتغسيل الموتى فدفن بثيابه فصارت سنة في المسلمين لا يغسل شهداؤهم وأمره الله ان يكبر عليه خمسا وسبعين تكبيرة ويستغفر له بين كل تكبيرتين منها فأوحى الله سبحانه إليه اني قد فضلت حمزة بسبعين تكبيرة لعظم منزلته عندي وكرامته علي ولك يا محمد فضل على


 

[ 347 ]

المسلمين وكبر على كل مؤمن ومؤمنة فاني افرض عليك وعلى امتك خمس صلوات في كل يوم وليلة والخمس تكبيرات عن خمس صلوات في كل يوم وليلة وثوابها واكتب له اجرها. فقام رجل منا فقال: يا سيدنا من صلى الاربعة فقال ما كبرها تيميا ولا عدويا ولا ثالثهما من بني امية، ولا من بني هند، فمن كبرها طريد جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وان طريده مروان بن الحكم لان معاوية وصى يزيد باشياء منها وقال: خائف عليك يا يزيد من أربعة: من عبد الله بن عمر، ومن مروان بن الحكم، وعبيد الله بن زياد، والحسين بن علي، ويلك يا يزيد منه. فاما مروان بن الحكم، فإذا انا مت وجهزتموني ووضعتموني على نعشي للصلاة فسيقولون تقدم صل على أبيك قل قد كنت اعصي امره فقد امرني ان لا يصلي عليه الا شيخ بني امية مروان فقدمه وتقدم على ثقات موالينا فكبر اربع تكبيرات، واستدعى بالخامسة فقال الا يسلم فاقتلوه فانك تراح منه وهو اعظمهم عليك فسمي الخبر الى مروان فاسرها في نفسه وتوفي معاوية وحمل على نعشه وجعل الصلاة عليه، فقالوا الى يزيد يقدم فقال: ما وصاه ابوه فقدموا مروان وخرج يزيد عن الصلاة فكبر اربعا وتاخر عن الخامسة قبل الدعاء فاشتغل الناس وقالوا الآن ما كبر الخامسة وقلق مروان بن الحكم، وقام مروان وآل مروان الاخبار الكاذبة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ان التكبير على الميت أربع لئلا يكون مروان مبدعا، فقال قائل منا: يا سيدنا يجوز ان يكون اربعة تقية فقال: هي خمسة لا تقية فيها التكبيرات على الميت خمس والتعفير في ادبار كل صلاة وترفع القيود وترك المسح على الخفين وشرب المسكر السني، فقال سيدنا ان الصلوات الخمس واوقاتها سنة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا الخمس منزلة في كتاب الله فقال قائل منا: رحمك الله ما استسن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الا ما امره الله به فقال: اما صلوات الخمس فهي


 

[ 348 ]

عند اهل البيت كما فرض الله سبحانه وتعالى على رسوله وهي احدى وخمسين ركعة في ستة اوقات ابينها لكم من كتاب الله تقدست أسماؤه وهو قوله في وقت الظهر: (يا ايها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسمعوا الى ذكر الله وذروا البيع) فاجمع المسلمون ان السعي صلاة الظهر وابان واوضح في حقها في كتاب الله كثيرا وصلاة العصر بينها في قوله: (اقم الصلاة طر في النهار وزلقا من الليل ان الحسنات يذهبن السيئات) الطرف صلاة العصر ومختلفون باتيان هذه الآية وتبيانها في حق صلاة العصر وصلاة الصبح وصلاة المغرب فاساخ تبيانها في كتابه العزيز قوله: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) وفي المغرب في ايقاع كتابه المنزل واما صلاة العشاء فقد بينها الله في كتابه العزيز: (اقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل) وان هذه في حق صلاة العشاء لانه قال الى غسق الليل ما بين الليل ودلوك الشمس حكم وقضى ما بين العشاء وبين صلاة الليل وقد جاء بيان ذلك في قوله ومن بعد صلاة العشاء فذكرها الله في كتابه وسماها ومن بعدها صلاة الليل حكى في قوله: (يا ايها المزمل قم الليل الا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا) وبين النصف والزيادة وقوله عز وجل: (انك تقوم ادنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار) الى آخر السورة، وصلاة الفجر فقد حكى في كتابه العزيز: (والذين هم على صلاتهم يحافظون) وحكى في حقها: (والذين هم على صلاتهم دائمون) من صباحهم لمساهم وهاتين الآيتين وما دونهما في حق صلاة الفجر لانها جامعة للصلاة فمنها الى وقت ثان الى الانتهاء في كمية عدد الصلاة وانها الصلاة تشعبت منها مبدأ الضياء وهي السبب والواسطة ما بين العبد ومولاه والشاهد من كتاب الله على انها جامعة قوله: (الى غسق الليل وقرآن الفجر ان قرآن الفجر كان مشهودا) لان القرآن من بعد فراغ العبد من الصلاة فان القرآن كان مشهودا اي في معنى الاجابة واستماع الدعاء من الله عز وجل فهذه الخمس اوقات التي ذكرها الله عز


 

[ 349 ]

وجل وامر بها. الوقت السادس صلاة الليل وهي فرض مثل الاوقات الخمس ولولا صلاة ثمان ركعات لما تمت واحد وخمسون ركعة فضججنا بين يديه (عليه السلام) بالحمد والشكر على ما هدانا إليه. قال الحسين بن حمدان، لقيت هؤلاء المذكورين وهم سبعون رجلا وسالتهم عما حدثني عيسى بن مهدي الجوهري فحدثوني به جميعا وشتى وكان لينيف عن السبعين الذين لقيتهم ممن اجتمع بذلك المجلس فلقي ابا الحسن (عليه السلام) ولقيت عسكر مولى ابي جعفر التاسع (عليه السلام) ولقيت الريان مولى الرضا (عليه السلام) ولقيت ابن عجائز الدارين داري سيدنا ابي الحسن وابي محمد (عليهما السلام) فمن يجوز تسميتهن ومن حفظهن وروين عن ابي الحسن وابي محمد (عليهما السلام)، مثل ما يروون الرجال فكان من دلائله (عليه السلام). تم الباب بحمد الله وعونه وحسن توفيقه وبه الهداية والتوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل، ونعم المولى، ونعم النصير، اللهم ثبتنا على ما إليه هديتنا من علم هذا الكتاب، وهب لنا منه توفيقا قائدا الى الرشد، وقلبا منقلبا مع الحق، ولسانا متجليا بالصدق، وعزيمة الى مناهج الرشد، قاهرة الى النفس، وبصيرة ندرك بها عرفان القدر، وان تسعدنا بالهداية الى الدارية، وان تعضدنا بالاعانة على الابانة، وان تعصمنا من الغواية في الرواية، وان تصرف عنا السفاهة بالكفاية، وان تتقبل منا قبولا حسنا، يا ارحم الراحمين، (وصلى الله على سيدنا محمد وآله).


 

[ 351 ]

الباب الرابع عشر باب الامام المهدي المنتظر (عليه السلام)


 

[ 353 ]

قال الحسين بن حمدان الخصيبي: حدثني هارون بن مسلم بن سعدان البصري، ومحمد بن احمد بن مطهر البغدادي، واحمد بن اسحاق وسهل بن زياد الآدمي، وعبد الله بن جعفر الحميري، واحمد بن ابي عبد الله البرقي، وصالح بن محمد الهمداني، وجعفر بن ابراهيم بن نوح، وداود بن عامر الاشعري القمي، واحمد بن محمد الخصيبي، وابراهيم بن الخصيب، ومحمد بن علي البشري، ومحمد بن عبد الله اليقطيني البغدادي، واحمد بن محمد النيسابوري، واحمد بن عبد الله بن مهران الانباري، واحمد بن محمد الصيرفي، وعلي بن بلال، ومحمد بن ابي الصهباني، واسحاق بن اسماعيل النيسابوري، وعلي بن عبيد الله الحسني، ومحمد بن اسماعيل الحسيني، وابو الحسين محمد بن يحيى الفارسي، واحمد بن سندولا، والعباس اللبان، وعلي بن صالح، وعبد الحميد بن محمد، ومحمد بن يحيى الخرقي، ومحمد بن علي بن عبيد الله الحسني، وابن عاصم الكوفي، واحمد بن محمد الحجال، وعسكر مولى ابي جعفر التاسع، والزيان مولى الرضى، وحمزة مولى ابي جعفر التاسع،


 

[ 354 ]

وعيسى بن مهدي الجوهري، والحسن بن ابراهيم، واحمد بن اسماعيل، ومحد بن ميمون الخراساني، ومحمد بن خلف، واحمد بن حسان، وعلي بن احمد الصائغ، والحسن بن مسعود الفراتي، واحمد بن حيان العجلي، والحسن بن مالك، واحمد بن محمد بن ابي قرنة، وجعفر بن احمد القصير البصري، وعلي بن الصابوني، وأبو الحسن علي بن بشر، والحسن البلخي، واحمد بن صالح، والحسين بن عتاب، وعبد الله بن عبد الباري، واحمد بن داود القمي، ومحمد بن عبد الله، وطالب بن حاتم بن طالب، والحسن بن محمد بن مسعود بن سعد، واحمد بن ماران، وابو بكر الصفار، ومحمد بن موسى القمي، وعتاب بن محمد الديلمي، واحمد بن مالك القمي، وابو بكر الجواري، وعبد الله جميعا وشتى كانوا باجمعهم مجاورين الامامين (عليهما السلام) عن سيدنا ابي الحسن وابي محمد (عليهما السلام) قالا: ان الله جل جلاله إذا اراد ان يخلق الامام أنزل قطرة من ماء الجنة في الزمان، فتسقط على الارض فتأكلها الحجة في الزمان فإذا استقرت في الموضع الذي تستقر فيه ومضى له اربعون يوما سمع الصوت فإذا اتت اربعة اشهر وهو حمل كتب على عضده الايمن (تمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العلم) فإذا ولد قام بامر الله عز وجل رفع له عمود من نور في كل مكان ينظر فيه الخلائق واعمالهم وينزل أمر الله في ذلك العمود ونصب عينه حيث تولى. قال أبو محمد (عليه السلام) اني ادخلت عماتي في داري فرأيت جارية من جواريهن قد زينت تسمى نرجس فنظرت إليها نظرا اطلته فقالت عمتي حكيمة: اراك يا سيدي تنظر الى هذه الجارية نظرا شديدا فقلت: يا عمة ما نظري إليها الا اتعجب مما لله فيها من ارادته وخيرته، فقالت: يا سيدي أحسبك تريدها قلت: بلى فأمرتها تستأذن لي ابي علي بن محمد (عليهم السلام) في تسليمها الي ففعلت فأمرها (عليه السلام) بذلك


 

[ 355 ]

فجاءتني بها. قال الحسين بن حمدان حدثني من زاد في اسماء من حدثني من هؤلاء الرجال الذين اسميهم وهم غيلان الكلابي، وموسى بن محمد الرازي، واحمد بن جعفر الطوسي عن حكيمة ابنة محمد بن علي الرضا (عليه السلام)، قال: كانت تدخل على ابي محمد (عليه السلام) فتدعو له ان يرزقه الله ولدا وانها قالت دخلت عليه فقلت له كما كنت اقول، ودعوت له كما كنت ادعو فقال يا عمة، اما الذي تدعين الى الله ان يرزقنيه يولد في هذه الليلة وكانت ليلة الجمعة لثمان ليال خلت من شهر شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين من الهجرة فاجعلي افطارك عندنا فقالت يا سيدي ما يكون هذا الولد العظيم قال الي نرجس يا عمة قالت يا سيدي ما في جواريك أحب الي منها فقمت ودخلت عليها ففعلت كما كانت تفعله فخاطبتني بالسندية فخاطبتها بمثلها وانكببت على يديها فقبلتها فقالت فديتك فقلت لها: بل انا فداءك وجميع العالمين فانكرت ذلك مني فقلت: تنكرين ما فعلت فان الله سيهب لك بهذه الليلة سيدا في الدنيا والآخرة وهو فرج المؤمنين فاستحيت مني فتأملتها فلم ار فيها اثر حمل فقلت لسيدي ابي محمد (عليه السلام) ما ارى لها اث حمل فتبسم وقال: انا معاشر الاوصياء لا نحمل في البطون وانما نحمل في الجيوب ولا نخرج من الارحام وانما نخرج من الفخذ الايمن من امهاتنا لاننا نور الله الذي لا تناله الدناسات فقلت له: يا سيدي قد اخبرتني في هذه الليلة يلد ففي اي وقت منها قال طلوع الفجر يولد المولود الكريم على الله ان شاء الله تعالى قالت حكيمة: فقمت وافطرت ونمت بالقرب من نرجس وبات أبو محمد (عليه السلام) في صفة بتلك الدار التي نحن فيها فلما اتى وقت صلاة الليل قمت ونرجس نائمة ما بها أثر حمل فاخذت في صلاتي ثم اوترت فانا في الوتر فوقع في نفسي ان الفجر قد طلع ودخل بقلبي شئ فصاح أبو محمد (عليه السلام) من


 

[ 356 ]

الصفة لم يطلع الفجر يا عمة فاسرعت في الصلاة وتحركت نرجس فدنوت منها ضممتها الي وسميت عليها، ثم قلت لها: هل تحسين بشئ، قالت نعم، فوقع علي سبات لم اتمالك معه ان نمت ووقع علي حكيمة، مثل ذلك فلم انتبه الا بحس سيدي المهدي وضجة ابي محمد يقول يا عمة هاتي ابني الي فقد قبلته فكشفت عن سيدي إليه التسليم فإذا هو ساجد ملتقي الارض بمساجده وعلى ذراعه الايمن مكتوب (جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا) فضممته الي فوجدته متضرعا فلففته بثوب وحملته الى ابي محمد (عليه السلام) فاخذه واقعده على راحته اليسرى وجعله راحته اليمنى على ظهره وادخل لسانه في فيه ومريده على ظهره ومفاصله وسمعه ثم قال، تكلم يا بني فقال: اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله وأن عليا أمير المؤمنين ولم يزل يعد الائمة (عليهم السلام) حتى بلغ الى نفسه ودعا لاولياءه على يده بالفرج ثم احجم فقال أبو محمد (عليه السلام): يا عمة اذهبي به الى امه لتسلم عليه واتيني به فمضت به إليها فسلمت عليه وردته إليه، ثم وقع بيني وبين ابي محمد كالحجاب فلم ار سيدي فقلت لابي محمد: يا سيدي اين مولاي فقال: اخذه من هو احق به منك فإذا كان في اليوم السابع فاننا فلما جاء اليوم السابع اتيت وسلمت وجلست فقال لي (عليه السلام) هلمي ابني فجئت سيدي وهو في ثياب صفر ففعل به كفعله الاول وجعل لسانه في فيه ثم قال: تكلم يا بني فقال: اشهد ان لا إله إلا الله واثنى بالصلاة على محمد وأمير المؤمنين والائمة حتى وقف على أبيه، ثم قرأ (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) ثم قال اقرأ يا بني ما انزل الله على انبيائه ورسله فابتدأ بصحف شيث، وابراهيم، قرأها بالسريانية، وصحف ادريس، ونوح، وهود، وصالح، وتوراة موسى، وانجيل عيسى، وقرآن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وعليهم اجمعين)، ثم قص قصص النبيين والمرسلين الى عهده فلما كان بعد اربعين


 

[ 357 ]

يوما دخلت الى ابي محمد إليه التسليم فإذا بمولانا صاحب الزمان القائم إليه التسليم يمشي في الدار فلم أر أحسن وجها من وجهه ولا لغة افصح من لغته فقال لي أبو محمد (عليه السلام): هذا المولود الكريم على الله عز وجل قلت له يا سيدي له اربعون يوما وانا ارى من امره ما ارى فقال (عليه السلام): وتبسم يا عمة اما علمت انا معاشر الاوصياء ننشو في اليوم ما ينشو غيرنا بالجمعة وننشو في الجمعة ما ينشو غيرنا في السنة فقمت إليه وقبلت رأسه وانصرفت فعدت تفقدته فلم اره فقلت لسيدي ابي محمد (عليه السلام) ما فعل مولانا فقال: يا عمة استودعناه للذي استودع موسى (عليه السلام). وعن موسى ابن محمد، انه قال: قرأ المولود على ابي محمد فصحح قراءته فما زاد فيه ولا نقص فيه حرفا. وعنه عن ابي محمد جعفر بن محمد بن اسماعيل الحسني عن ابي محمد (عليه السلام) قال لما وهب لي ربي مهدي هذه الامة ارسل ملكين فحملاه الى سرادق العرش حتى وقف بين يدي الله فقال له مرحبا بعبدي المختار لنصرة ديني واظهار امري ومهدي خلقي آليت اني بك آخ ذ وبك اعطي وبك اغفر وبك اغذب اردداه ايها الملكان على ابيه ردا رفيقا وبلغاه انه في ضماني وكنفي وبعيني الى ان احق به الحق وازهق الباطل ويكون الدين لي واصبا. وعنه عن غيلان الكلابي، عن محمد بن يحيى، عن الحسين بن علي النيسابوري الدقاق، عن ابراهيم بن محمد بن عبد الله بن موسى بن جعفر (عليه السلام): قال: حدثني نسيم ومارية قالا: لما خرج صاحب الزمان (عليه السلام) من بطن امه سقط جاثيا على ركبتيه قائما لسبابتيه ثم عطس وقال: الحمد لله رب العالمين وصل اللهم على سيدنا محمد وآله عبدا ذاكرا لله غير مستنكف ولا مستكبر، ثم قال: زعمت الظلم ان


 

[ 358 ]

حجة الله داحضة لو اذن لنا بالكلام لزال الشك. وعنه عن حمزة بن نصر غلام ابي الحسن منه السلام قال: لما ولد السيد المهدي (عليه السلام) تباشر اهل الدار لذلك فلما نشا خرج الامران ابتاع في كل يوم مع اللحم مخ قصب وقيل لي ان هذا لمولاي الصغير (عليه السلام). وعنه عن الحسن بن محمد بن جمهور، عن البشار ابن ابراهيم بن ادريس صاحب ثقة ابي محمد (عليه السلام) قال: وجه الي مولاي أبو محمد كبشين وقال اعقرهما عن ابي الحسن (عليه السلام) وكل واطعم اخوانك ففعلت ثم لقيته بعد ذلك فقال: المولود الذي ولد لي مات ثم وجه لي باربع اكبشة وكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم اعقر هذه الاربعة اكبشة عن مولاك وكل هناك الله ففعلت ولقيته بعد ذلك فقال لي: انما استر الله يا بني الحسن وموسى لولده محمد مهدي هذه الامة والفرج الاعظم. وعنه عن غيلان الكلابي قال حدثني نسيم خادم ابي محمد (عليه السلام)، قال: قال صاحب الزمان المهدي (عليه السلام) وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة فعطست عنده فقال يرحمك الله ففرحت بكلامه لي بالطفولية ودعائه لي بالرحمة فقال لي: ابشرك ان العطاس، قلت بلى يا مولاي فقال: هو امان من الموت لثلاثة ايام. وعنه عن غيلان الكلابي قال: حدثني أبو نصر طريف خادم سيدي ابي محمد (عليه السلام) قال: دخلت على صاحب الزمان إليه التسليم، فقال يا طريف علي بالصندل الاحمر فاتيته به، فقال: اتعرفني قلت: نعم، قال: من انا قلت: مولاي وابن مولاي قال: ليس عن هذا اسالك قلت: جعلني الله فداك عما سألتني، قال: انا خاتم الاوصياء وبي يرفع الله البلاء عن اهلي وشيعتي القوام بدين الله.


 

[ 359 ]

وعنه عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري الكوفي عن محمد بن جعفر بن عبد الله بن ابي نعيم عن ابي احمد الانصاري قال: وجه قوم من المؤمنين والمقصرة كامل بن ابراهيم المدني المعروف بصناعة ابي محمد بسامرا الى الناجية في امرهم قال: كامل بن ابراهيم فقلت في نفسي لا يدخل الجنة الا من عرف معرفتي، وقال مقالتي قال فلما دخلت على سيدي ابي محمد (عليه السلام) نظرت عليه ثيابا بيضاء ناعمة فقلت في نفسي ولي الله وحجة الله يلبس الناعم من الثياب ويامر بمواساة إخواننا وينهى عن لبس مثله فقال: مبتسما يا كامل وحسر عن ذراعيه فإذا هو مسح خشن فقال هذا والله اهدى لكم فخجلت وجلست الى باب ستر مرخي فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا بفتى كانه فلقة قمر من ابناء اربعة عشر فقال: كامل ابن ابراهيم، فاقشعريت من ذلك والهمت وقلت: لبيك لبيك يا سيدي فقال: جئت الى ولي الله وحجته تريد تسأله هل يدخل الجنة الا من عرف معرفتي وقال مقالتي: فقلت اي والله فقال: إذا والله يقول داخلها ليدخلها خلق كثير قوم يقال لهم الحافية قلت سيدي: ومن هم قال قوم من حبهم الى امير المؤمنين يحلفون بحقه ولا يدرون ما فضله ثم سكت (عليه السلام) وقال: وجئت تسأله عن المفوضة كذبوا بل قلوبنا اوعية لمشيئة الله فإذا شاء الله شيئا شئنا والله يقول ما تشاؤون الا ان يشاء الله ثم رجع الستر الى حاله فلم اكشفه فنظر الي أبو محمد (عليه السلام) وتبسم وقال: يا كامل بن ابراهيم، ما جلوسك وقد أنباك المهدي والحجة بعدي بما كان في نفسك وجئت تسألني عنه قال فنهضت واخذت الجواب الذي اسررته في نفسي من الامام المهدي ولم القه بعد ذلك، قال أبو نعيم: فلقيت كاملا فسألته عن هذا الحديث فحدثني به عن آخ ره بلا زيادة ولا نقصان. وعنه عن احمد بن محمد بن عيسى بن بصير قال: دخلت على الرضا (عليه السلام) ومعي صفوان بن يحيى وابو جعفر (عليه السلام)، عنده


 

[ 360 ]

وله ثلاث سنين فقلت له جعلنا فداك ان حدث لك حادث فمن بعدك فقال ابني هذا واومى إليه. وعنه عن الحسن بن محمد بن جمهور بن ابراهيم بن مهديار عن أخيه علي بن مهديار عن فضالة، عن عمر بن ابان عن حمران بن اعين، قال: سالت أبا جعفر (عليه السلام)، عن قول الله: (مثل نوره كمشكاة فيها مصباح)، الآية فقال المصباح هو الامام يتكلم بصغر سنه بالوحي. وعنه عن محمد بن جمهور عن اسماعيل بن علي عن زيد بن خالد عن زرارة بن اعين قال: قلت لابي عبد الله الصادق (عليه السلام)، جعلت فداك ما تقول في قول الله (لانذركم به) ومن بلغ تأويل أي شئ يعني عن بلوغ الامام قال: قلت فما بلوغه قال: أربع سنين. وعنه بهذا الاسناد عن حمران بن اعين، عن ابي حمزة الثمالي، قال: قلت لابي جعفر الباقر (عليه السلام) المهدي، بكم يبلغ قال: ان الله بعث عيسى بن مريم بنبوة ورسالة وكتاب وشريعة وله سنتان وما يضر الامام صغر سنة وقد قام عيسى بن مريم (عليه السلام) بالرسالة وله ثلاث سنين وتكلم بالمهد واوتي الكتاب والنبوة بثلاثة ايام. وعنه عن سعد بن محمد بن احمد، عن ابي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: سمعت ابا الحسن العسكري (عليه السلام) يقول الخليفة من بعدي الحسن ابني فكيف لكم بالخلف من الخلف، قلت: ولم جعلت فداك قال انكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم قلت فكيف نذكره، قال قولوا الحجة من آل محمد (عليه السلام). وعنه عن محمد بن علي، عن محمد بن احمد بن عيسى بن عبد الله بن ابي خدان، عن المفضل بن عمر، قال: سمعت ابا عبد الله (عليه السلام)، يقول: اياكم التبويه والله ليغيبن مهديكم سنين من دهركم يطول عليكم وتقولون اي وليت ولعل وكيف وتمحصه الشكوك في


 

[ 361 ]

انفسكم حتى يقال مات وهلك وياتي واين سلك ولتدمعن عليه اعين المؤمنين ولتتكفؤون كما تتكفا السفن في امواج البحر ولا ينجو الا من اخذ الله ميثاقه بيوم الذرو وكتب بقلبه الايمان وايده بروج منه وليرفعن له اثنتا عشرة راية مشبهة لا يدرون امرها ما تصنع، قال المفضل: فبكيت وقلت كيف يصنع اولياؤكم فنظر الى الشمس دخلت في الصفة قال: يا مفضل ترى هذه الشمس قلت: نعم، قال والله أمرنا أنور وابين منها وليقال المهدي في غيبته مات ويقولون بالولد منه واكثرهم يجحد ولادته وكونه وظهوره اولئك عليهم لعنة الله والملائكة والرسل والناس اجمعين. وعنه عن الحسن بن عيسى عن محمد بن علي، عن جعفر، عن ابي الحسن بن موسى بن جعفر (عليهم السلام) قال: إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في اديانكم لا يزيلكم احد عنها فتهلكوا لا بد لصاحب الزمان من هذا الامر من غيبة حتى يرجع عنه من كان يقول فيه فرضا وانما هو محنة من الله يمتحن بها خلقه قلت: يا سيدي من الخامس من ولد السابع، قال عقولكم تصغر عن هذا ولكن ان تعيشوا فسوف تذكرون قلت: يا سيدي فنموت بشك منه، قال انا السابع، وابني علي الرضا الثامن، وابنه محمد التاسع، وابنه علي العاشر، وابنه الحسن حادي عشر، وابنه محمد سمي جده رسول الله وكنيته المهدي الخامس بعد السابع، قلت: فرج الله عنك يا سيدي، كما فرجت عني. وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي، عن محمد بن علي الصيرفي، عن ابراهيم بن هاشم، عن فرات بن احنف، عن سعيد ابن المسيب، عن زادان، عن سلمان الفارسي، قال: قال امير المؤمنين (عليه السلام): فذكر المهدي القائم (عليه السلام)، والله ليغيبن حتى يقول الجهال: ما بقي لله في آل محمد من حاجة، ثم يطلع طلوع البدر في وقت تمامه والشمس في وقت اشراقها فتقر عيون وتعمى عيون.


 

[ 362 ]

وعنه عن الحسن، عن محمد بن الحسن، عن عمر بن يزيد، عن الحسن بن ابي الربيع الهمداني، عن اسحاق عن اسد بن ثعلبة، قال لقيت ابا جعفر الباقر (عليه السلام)، فسألته عن هذه الآية (فلا اقسم بالخنس الجوار الكنس) قال: امام يغيب سنة ستين ومائتين ثم يبدو كالشهاب الثاقب فان ادركت زمانه قرت عيناك. وعنه عن الحسن بن محمد بن جمهور، عن علي بن اسماعيل، عن هارون بن مسلم بن سعدان بن مسعدة بن صدقة، عن ابي عبد الله الصادق (عليه السلام)، في خطبة له مع كميل بن زياد " اللهم بلى لا تخلو الارض من قائم لله بحجة على خلقه يهديهم الى دينك ويعلمهم علمك لئلا تبطل حجتك وليقل اتباع اوليائك وشيعتهم بعد إذ هديتهم الى امام ظاهر مشهود ليس بمطاع ومكتمن خائف مغمور يترقب أو غائب عن الناس في حال غيبته لم يغب عنهم امره ونهيه ومثوبة علمه فآياته في قلوب المؤمنين مثبتة فهم بها عاملون ". وعنه عن الحسن بن جمهور عن ابيه، عن محمد بن عبد الله بن مهران الكرخي عن ماهان الابلي، عن جعفر بن يحيى الرهاوي، عن سعيد بن المسيب، عن الاصبغ بن نباتة، قال دخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) فوجدته مفكرا ينكت في الارض قلت: يا مولاي مالي اراك مفكرا قال: في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي وهو المهدي الذي يملاها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما يكون له غيبة يضل بها اقواما، ويهدي بها آخرين اولئك خيار هذه الامة مع ابرار هذه العترة فقلت: ثم ماذا: قال: يفعل الله ما يشاء، من الرجعة البيضاء والكرة الزهراء، واحضار الانفس الشح والقصاص والاخذ بالحق والمجازاة بكل ما سلف ثم يغفر الله لمن يشاء. وعنه عن النصر ابن محمد بن سنان الزاهري، عن يونس بن ظبيان،


 

[ 363 ]

عن المفضل بن عمر، عن الصادق (عليه السلام) وهم عنده جمع كثير قد امتلا بهم مجلسه ظاهره وباطنه وقد قام الناس إليه، فقالوا: يا ابن رسول الله ان الله جل وعلا يقول: (ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم) ولسنا نامن غيبتك عنا الى رضوان الله ورحمته فبين لنا اختيار الله اختيار من هذه الامة لنلزمه ولا نفارقه فقال " ان الله عز وجل اختار من الايام الجمعة ومن الليالي ليلة القدر ومن الشهور شهر رمضان واختار جدي رسول الله من الرسل واختار منه عليا واختار من علي الحسن والحسين واختار من الحسين تسعة اثمة وتاسعهم قائمهم ظاهرهم وباطنهم وهو سمي جده وكنيته ". وعنه عن السن بن مسعود، ومحمد بن الجليل، قال: دخلنا على سيدنا علي العسكري (عليه السلام) بسامرا وعنده جماعة من شيعته فسألناه عن اسعد الايام وانحسها فقال: لا تعادوا الايام فتعاديكم وسالناه عن معنى هذا الحديث فقال: معناه بين ظاهر وباطن ان السبت لنا والاحد لشيعتنا والاثنين لبني امية والثلاثاء لشيعتهم والاربعاء لبني العباس والخميس لشيعتهم والجمعة للمؤمنين، والباطن ان السبت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) والاحد امير المؤمنين والاثنين الحسن والحسين والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد، والاربعاء موسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي وانا، والخميس ابني الحسن والجمعة ابنه الذي تجتمع فيه الكلمة وتتم به النعمة ويحق الله الحق ويزهق الباطل، فهو مهديكم المنتظر ثم قرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم بقية الله خير لكم ان كنتم مؤمنين) ثم قال: لنا والله هو بقية الله ". وعنه عن محمد بن زيد عن عباد الاسدي عن الحسن بن حماد عن عباد بن نهيعة عن حذفة بن اليماني قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول اختبرني العباس ابني نفيله من ولدي مهديكم وقيل: ويل لبني العباس من ولدي مهديكم وهو الذي لا يسميه باسمه ظاهرا قبل


 

[ 364 ]

قيامه الا كافر به. وعنه عن علي بن الحسن بن فضالة، عن الريان بن الصلت، قال: سمعت الرضا (عليه السلام)، يقول القائم المهدي بن الحسن لا يرى جسمه ولا يسمى باسمه احد بعد غيبته حتى يراه ويعلن باسمه ويسمعه كل الخلق فقلنا له: يا سيدنا وان قلنا صاحب الغيبة وصاحب الزمان والمهدي، قال هو كله جايز مطلق وانما نهيتكم عن التصريح باسمه ليخفى اسمه عن اعدائنا فلا يعرفوه. وعنه بهذا الاسناد عن الرضا (عليه السلام) انه قال: إذا رفع عالمكم وغاب من بين اظهركم فتوقعوا الفرج الاعظم من تحت اقدامكم. وعنه عن الحسن بن محمد بن جمهور عن عبد الله بن جعفر عن محمد بن عيسى، عن سليمان بن داود عن ابي بصير قال سمعت الباقر، يقول: في مهدينا المنتظر بسبع سنين من آدم انه كان في الجنة لا يراه احد الا حواء حتى ظهر منها وبه نجا نوح في السفينة وفيه ابراهيم نجا من النار وفيه يوسف نجا من السجن الى أن ملكه الله خزائن الارض وفيه موسى خرج خائفا يترقب وقوله ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين ومن عيسى اتهم لعيسى قالوا: قتلناه وصلبناه فكذبهم الله بقوله (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) ومن محمد وظهوره بالسيف. وعنه عن جعفر بن احمد القصير، عن صالح بن ابي حماد، والحسين بن طريف جميعا، عن بكر بن صالح، عن عبد الرحمن بن سالم، عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: قال ابي لجابر بن عبد الله الانصاري ان لي اليك حاجة فمتى يخف عليك ان اخلو بك واسالك عما شئت قال جابر: في اي الاوقات احببت يا سيدي فخلا به ابي في بعض الايام فقال له: يا جابر اخبرني عن اللوح الذي رأيته في يد امي فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وما


 

[ 365 ]

اخبرتك امي اي شئ مكتوب في اللوح قال جابر: اشهد بالله اني دخلت على امك فاطمة (عليها السلام) في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهناتها في ولادة الحسين (عليه السلام) ورأيت بيدها لوحا اخضر ظننت انه زمرد ورأيت كتابا ابيض شبه نور الشمس قلت لها بابي وامي يا بنت رسول الله ما هذا اللوح قالت: هذا اللوح هداه الله الى رسوله (صلى الله عليه وآله) فيه اسم ابي واسم بعلي واسماء ابنائي واسماء الاوصياء من ولدي واعطانيه ابي ليسرني بذلك، قال جابر: ثم اعطتني اياه امك فاطمة فقرأته ونسخته فقال ابي فهل لك يا جابر: تعرضه علي، قال: نعم، فمشى ابي معه حتى انتهى الى منزل جابر فاخرج ابي صحيفة من ورق وقال: يا جابر انظر بكتابك لا قرأ عليك فنظر جابر بنسخته وقرأ ابي عليه فما خالف حرف لحرف فقال: جابر اشهد بالله هكذا مكتوب، وهو: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد نبيه ونوره وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الامين من عند رب العالمين عظم يا محمد اسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي انا الله لا إله إلا أنا من رجا غير فضلي وخاف غيري عذبته عذابا لا اعذبه احدا من العالمين فاياي فاعبد وعلي فتوكل اني لم ابعث نبيا فاكملت ايامه وانقضت مدته الا جعلت له وصيا واني فضلتك على الانبياء وفضلت وصيك على الاوصياء واكرمت شبليه وسبطيه حسنا وحسينا معدني علمي بعد انقضاء مدة ابيهما وجعلت الحسين بعد اخيه الحسن روحي واكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة وهو افضل كل من استشهد واعلام درجة عندي وجعلت كلمته التامة معي وحجتي عنده بعترته اثبت وعاقبت اولهم سيد العابدين وزين اوليائي العارفين الماضين وابنه شبيه جده المحمود محمد الباقر لعلمي المعلن بحكمي سيهلك المرتابون في جعفر الصادق والراد عليه كالراد علي حقا مني لاكرمن مثوى جعفر ولاسر به اشياعه وانصاره واولياؤه تبيح به بعده فتنة عما احدس الا ان حبل فرضي لا ينقطع وحجتي لا تخفى واوليائي لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الا من جحد واحد الجاحدين عند انقضاء مدة عبدي موسى


 

[ 366 ]

وحبلي وخيرتي ان المكذب بكل اوليائي وعلي ابنه ناصري ومن اضع اعناق النبوة عليه وامنحه الاصطلاح الى جانب مخالفي حق القول مني لا أقرن عينه سري وحجتي على خلقي جعلت الجنة مثواه وشفعته سبعين من اهل بيته كل منهم استوجب النار واختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري والشاهد في خلقي واميني على وحيي واخرج منه الداعي الى سبيلي والخازن لعلمي ابنه الحسن ثم اكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين عليه اكمال صفوة آدم ورفعة ادريس وسكينة نوح وكلم ابراهيم وشدة موسى وبهاء عيسى وصبر ايوب ستذل اوليائي في غيبته وتتهادى رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم ويقتلون ويحرقون ويكونون خائفين وجلين تضيق بهم الارض ويفتنون الويل والرناه في لسانهم، اولئك اوليائي حقا بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس وبهم اكشف الزلازل وارفع الآصار والاغلال، اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون. قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير جدي لابي: لو لم تسمع يا بني في دهرك الا هذا الحديث لكفاك، فصنه الا عن اهله. وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي عن ابي الحسين عن ابي محمد بن جعفر الاسدي قال: حدثني احمد بن ابراهيم، قال دخلت على ابراهيم بن خديجة بنت محمد بن علي الرضا (عليه السلام) في سنة اثنتين وستين ومائتين بالمدينة فكلمتها من وراء حجاب وسالتها عن ايمتها فسمت من انتم بهم ثم قالت فلان ابن الحسن بن علي فقلت لها جعلت فداك تقولين معاينة أو خبرا قالت: عن ابي محمد (عليه السلام) كتب به الى امه، فقلت لها: وأين الولد، قالت: مستور قلت الى من تفزع الشيعة قالت: الى الجدة ام الحسن (عليها السلام) قلت فمن اقتدى في وصيته الى امرأة فقالت: اقتدى بجده الحسين بن علي، اوصى لاخته زينب ابنة علي في الظاهر فكل ما يخرج من علي بن الحسين (عليه السلام) من علم ينسب الى عمته زينب سترا على علي بن الحسين (عليه السلام) ثم قالت: انكم


 

[ 367 ]

قوم اصحاب اخبار ما رويتم عن سابع سبعة ولد من الحسين بعد الخمسة من ولد امير المؤمنين يقسم ميراثه وهو حي فلما نشا صاحب الزمان (عليه السلام) نشا منشا آبائه (عليهم السلام) وقام بامر الله عز وجل سرا الا عن ثقاته وثقات آبائه. وعنه عن محمد بن اسماعيل الحسني عن ابي الحسن صاحب العسكر احتجب عن كثير من الشيعة الا عن خواصه فلما افضى الامر الى ابي الحسن (عليه السلام) كان يكلم الخواص وغيرهم من وراء الستر الا في الاوقاب التي يركب فيها الى دار السلطان وانما ذلك مقدمة الا لغيبة صاحب الزمان (عليه السلام) في تاسع عشر من الوقت توفي المعتمد وبويع لاحمد بن موفق، وهو المعتضد في رجب في سنة تسعة وسبعين ومائتين في سنة تسعة وعشرين من الوقت توفي المعتضد وبويع لابنه علي المكتفي في شهر ربيع الآخر سنة تسعة وعشرين وهي سنة تسعة وثمانين من التاريخ وفي سنة خمسة وثلاثين من الوقت، وتوفي المكتفي وبويع لجعفر المقتدر بالله بذي القعدة سنة خمسة وتسعين ومائتين وكانت كتبه ودلائله وتوقيعاته (عليه السلام) تخرج عل يد ابي شعيب محمد بن نصير بن بكر النميري البصري فلما توفي خرجت على يد جدته ام ابي محمد (عليه السلام) وعلى ابنه محمد بن عثمان. وعنه قال: حدثني محمد بن جمهور عن محمد بن ابراهيم بن مهديار قال: شككت بعد مضي ابي محمد (عليه السلام) اجتمع عند ابي مال كثير فحمله وركب السفينة وخرجت معه مشيعا فوعك وعكا شديدا فقال يا بني ردني فهذا الموت، وقال اتق الله في هذا المال، واوصاني ومات فقلت في نفسي لم يكن ابي اوصاني في شئ غير صحيح احمل هذا المال الى العراق واستكري دارا على الشط ولا اخبر احدا بشئ فان وضح لي شئ كوضوح ايام ابي محمد (عليه السلام) انفذته أو رجعت به وقدمت بغدد واستكريت دارا على الشط وبقيت اياما فإذا انا برسول معه رقعة فيها


 

[ 368 ]

يا ابا محمد معك كذاغ في جوف كذا حتى قص علي جميع ما علمته وما لم اعلمه فسلمته للرسول وبقيت اياما لا يراجع بي رسول فاغتممت فخرج الامر قد اقمناك في مال لنا مقام ابيك فاحمد الله واشكره. وعنه عن ابي القاسم سعد بن ابي خلف قال: كان الحسن بن النصر وابو صدام وجماعة تكلموا معي بعد مضي ابي الحسن (عليه السالم) في ما كان في يد الوكلاء وازدادوا القبط فجاء الحسن ابن النصر الى ابي صدام فقال اريد الحج، فقال: أبو صدام في آخر هذه السنة فقال له الحسن: اني افزع في المنام ولا بد من أن اخرج فأوصى الى احمد ابن حماد واوصى الى الناحية بمال وآمره ان لا يخرج شيئا الا من يده الى يده بعد ظهوره يعني صاحب الزمان (عليه السلام) قال الحسن بن النصر: وافيت الى بغداد فاكتريت دارا ونزلتها فجاءني بعض الوكلاء بكتاب ودنانير وخلفها عندي فقلت له ما هذا فقال: هو ما ترى ثم جاءني آخر بمثلها واخر حتى كبسوا الدار ثم جاءني احمد بن اسحاق، بجميع ما كان معي فتعجبت وبقيت متفكرا فوردت علي رقعة ارحل إذا مضى من النهار سبع ساعات فرحلت وحملت ما كان معي وفي الطريق صعاليك ويقطعون الطريق بين بغداد وسامراء في ستين رجلا ولهم رئيس صعلوك فاجتزت به وهو يراني منه فوافيت العسكر ونزلت فوردت علي رقعة احمل ما معك فسلمني الله وعبيته في صار الحمالين فلما بلغت به الدهليز إذا فيه خادم اسود نائم فقال لي: انت الحسن بن النصر فقلت: نعم، فقال: ادخل الدار فدخلت ونزلت في بيت وفرغت صار الحمالين فإذا في زوايا البيت خبز كثير فاعطى كل واحد من الحمالين رغيفين فخرجوا فنظرت الى باب عليه ستر فنوديت منه يا حسن ابن النصر احمد الله على ما من عليك ولا تسكن الى قول الشيطان انك شككت واخرج الي ثوبين فقال: خذهما فانك تحتاج اليهما فاخذتهما وخرجت فقال أبو القاسم: انصرف الحسن بن النصر بشهر رمضان ومات وكفنته في الثوبين.


 

[ 369 ]

وعنه عن محمد بن جعفر الكوفي، عن ابي خالد البصري وكان يسمى عبد ربه قال: خرجت في طرييق مكة بعد مضي ابي محمد (عليه السلام) بثلاث سنين فوردت المدينة واتيت صاريا فجلست في ظلة كانت لابي محمد (عليه السلام) وكان سيدي أبو محمد رام ان اتعشى عنده وانا افكر في نفسي فلو كان شئ لظهر بعد ثلاث سنين فإذا بهاتف يقول لي اسمع صوته ولا ارى شخصه يا عبد ربه قل لاهل مصر هل رأيتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث آمنتم به قال: ولم اكن اعرف اسم ابي وذلك أني خرجت من مصر وانا طفل صغير فقلت ان صاحب الزمان بعد ابيه حق وان غيبته حق وانه الهاتف بي فزال عني الشك وثبت اليقين. وعنه عن محمد بن الحسن بن عبد الحميد القطاني قال: شك الحسن بن عبد الحميد في امر حجر الوشا فجمع مالا وخرج إليه الامر في سنة ستين ليس فينا شك ولا في من يقوم بامرنا فاردد ما معك الى حجر ابن يزيد. وعنه عن ابي علي وابي عبد الله المهدي عن محمد بن عبد الله وابي عبد الله بن علي المهدي (عليه السلام) عن محمد السوري عن أبي الحسن، احمد بن الحسن، وعلي بن رزق الله، عن بدر غلام احمد بن الحسن، قال: وردت الجبل وأنا أقول: بالامامة واحبهم جملة الى أن مات زيد بن عبيد الله وكان من موالي أبي محمد (عليه السلام) ومن جند ذكوتكين فاوصا في علته ان يدفع شهري كان معه وسيف ومنطقة الى مولاه صاحب الزمان (عليه السلام) قال بدر فخفت ان اقعد فيلحقني ذلك سرا من ذكوتكين فقومت الشهري والسيف والمنطقة بتسع مائة دينار وما كنت والله أعلمت به احدا فحملت من مالي مثله. وعنه عن أبي حامد المراغي ان القاسم بن المعلى الهمداني كتب يشكو قلة الولد وكان من وقت كتب الى ان رزق ولدا ذكرا تسعة اشهر ثم كتب يسال بالدعاء باطلة الحياة لولده فورد الدعاء له في نفسه ولم يجب في ولده


 

[ 370 ]

شيئا فمات الولد فمن الله فرزق ابنين. وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي، قال: حدثني الفضل الخزاز المدني، مولى خديجة ابنة ابي جعفر (عليه السلام)، ان قوما من أهل المدينة الطاغين كانوا يقولون الحق فكانت الوظائف ترد عليهم في وقت معلوم فلما مضى أبو محمد (عليه السلام) رجع قوم منهم عن القول بالخلف (عليه السلام) فوردت الوظائف على من ثبت على الاقرار به بعد ابيه (عليهما السلام) وقطع عن الباقين فلم يعد إليهم. وعنه عن ابي الحسن احمد بن عثمان العمري، عن اخيه ابي جعفر بن عثمان، قال حمل رجل من اهل السواد مالا كثيرا الى صاحب الزمان (عليه السلام) فرد عليه وقيل له اخرج حق اولاد عمك منه اربعمائة درهم وكان في يده قرية لولد عمه دفع إليهم بعضا وزوى عنهم بعضا فبقي باهتا متعجبا ونظر في حساب المال فإذا الذي لولد عمه ابعمائة درهم كما قال (عليه السلام). وعنه عن أبي الحسن العمري قال: كتب محمد داود الى الناحية يسال الدعاء لوالديه واخوته وخرج التوقيع غفر الله لك ولوالديك ولاخوانك المتوفاة بكل كل ولم يذكر الباقين. وعنه عن أبي الحسن العمري قال حمل رجل من القائلين مالا الى صاحب الزمان (عليه السلام) مفصلا باسماء قوم مؤمنين وجعل بين كل اسمين فصلا وحمل عشر دنانير باسم امرأة لم تكن مؤمنة فقبل مال الجميع ووقع في فصوله وردت على العشر دنانير على الامرأة ووقع تحت اسمها انما يتقبل الله من المتقين. وعنه: قال حدثني عبد الله الشيباني قال: اوصلت مالا وحليا للمرزباني كان فيه سوار ذهب فقبل الجميع ورد السوار وامرني بكسره


 

[ 371 ]

فجئت الى المرزباني فعرفته ما رد به صاحب الامر فكسرناه فوجدنا فيه مثقال حديد ونحاس وغيره فاخرجناه ورددناه إليه فقبله. وعنه قال حدثني أبو الحسن الجلتيتي، كان لي اخ على الفرح مالا فاعطاني بعضه في حياته ومات فطعمت في تمامه بعد موته في سنة احدى و سبعين واستاذنت في الخروج الى ورثته الى واسط فلم يؤذن لي فاغتممت فلما مضت لذلك مدة كتب الي مبتديا بالاذان والخروج وأنا آيس فقلت لم يؤذن لي في قرب موته واذن لي بهذا الوقت فلما وصلت الى القوم اعطيت حقي عن آخره قال: وسرت الى العسكر فمرضت مرضا شديدا حتى آيست من نفسي فظننت ان الموت بعث الي فإذا اتاني من الناحية قارورة فيها بنفسج مر بي من غير السؤال فكنت اكل منها على غير مقدار فكان يروي عند فراغي منها وفيما كان فيها. وعنه قال: حدثني عبد الله بن المرزبان، عن احمد بن الخصيب عن محمد بن ابراهيم بن مهديار، قال: انفذت مالا الى الناحية فقيل: انك غلظت على نفسك في الصروف بثمانية وعشرين دينارا فرجعت الى الحساب فوجدت الامر كما وقع به. وعنه قال: حدثني محمد بن عباس القصيري قال: كتبت في سنة ثلاثة وسبعين الى الناحية اسال الدعاء بالحج ولم يكن عندي ما يحملني وان أرزق السلامة وان اكفي امر بناتي فوقع تحت المسالة سالت بالدعاء عليها فرزقت الحج والسلامة ومات لي ثلاث بنات من السنة. وعنه قال: حدثني أبو العباس الخالدي: قال كتب رجلان من اخواننا بمصر الى الناحية يسالان صاحب الزمان (عليه السلام) في جملين فخرج الدعاء لاحدهما بالبقاء وخرج الآخر واما انت يا حمدان فاجرك الله بجملك فمات الجمل الذي له.


 

[ 372 ]

وعنه قال حدثني أبو الحسن علي بن الحسن اليماني: قال كنت بالكوفة فتهيات قافلة لليمانين فاردت الخروج معهم وكنت التمس الامر من صاحب الزمان فخرج الي الامر لا تخرج مع هذه القافلة فليس لك بالخروج معهم خير واقم بالكوفة قال فقمت كما امرني وخرجت القافلة فخرجت عليهم حنظلة فاباحتهم قال: وكتبت استاذن في ركوب الماء من البصرة فلم يؤذن لي وسارت المراكب فسالت عنها فخبر ان خيلا من الهند يقال لهم البوازج خرجوا فقطعوا عليهم فما سلم احد منهم فخرجت الى سامراء فدخلتها غروب الشمس ولم اكلم احدا ولم اتعرف الى احد حتى وصلت الى المسجد الذي بازاء الدار قلت اصلي فيه بعد فراغي من الزيارة فإذا انا بالخادم الذي كان يقف على رأس السيدة نرجس (عليها السلام) فجاءني وقال: قم فقلت: الى أين ومن انا، قال: انت أبو الحسن علي بن الحسن اليماني رسول جعفر بن ابراهيم حاطه الله فمر بي حتى انزلني في بيت الحسين بن حمدان ساره فلم ادر ما اقول حتى اتاني بجميع ما احتاج إليه فجلست ثلاثة أيام ثم استاذنت في الزيارة من داخل لي فزرت ليلا وورد كتاب احمد بن اسحاق، في السنة بحلوان في حاجتين فقضيت له واحدة وقيل له في الثانية إذا وافيت قم كتبنا اليك فيما سالت وكانت الحاجة انه كتب يستعفي من العمل فانه قد شاخ ولا يتهيا له القيام به فمات بحلوان. وعنه قال: حدثني أبو جعفر محمد بن موسى القمي، قال: خرجت الى سامرا مع ابن احمد الشعيباني وكتبت رقعة الى السيدة نرجس (عليها السلام) اعرفها بقدومي لزيارة مولاي (عليه السلام) وانفذتها مع بدر الخادم المعروف بابي الحر فانصرفت فإذا بالرسول يطلبني فجئت وعلي بن احمد وقد دفع الى ابي دينارين واربع رقع فقال لي: علي بن احمد لولا انه ذهب لاخذ بعضه من الخادم فقال: خذ الدينارين فقلت لا هذه قد امرت ان ينكسني بها فقال ابن احمد اكتب رقعة واسالهم الدعاء فقلت


 

[ 373 ]

حتى استاذن الخادم فان اذن لي كتبت فجئت الى بدر فعرفته علي بن احمد ومذهبه واعملته انه يريد يكتب رقعة واني أردت ان استاذن له فقال لي: تعود الي بعد هذا الوقت فانصرفت فجاءني رسول الخادم فسرت إليه وعلي بن احمد قال: اكتب بما تريد فكتبت رقعة اسال فيها الدعاء وانصرفنا فلما كان بالعشي جاءني رسول الخادم فسرنا إليه جميعا فدفعت إليه رقعة فدعا له فيها ودفع إليه ستة دراهم وقيل له رصع منها الخواتم. وعنه عن ابي محمد عيسى بن مهدي الجوهري قال خرجت في سنة ثمانيد وستين ومائتين الى الج وكان قصدي المدينة وصاريا حتى صح عندنا ان صاحب الزمان (عليه السلام) رحل من العراق الى المدينة فجلست بالقصر بصاريا في ظلة ابي محمد (عليه السلام) ودخل عليه قوم من خاصة شيعته فخرجت بعد ان حجيت ثلاثين حجة في تلك السنة حاجا مشتاقا الى لقائه (عليه السلام) بصاريا فاعتللت وقد خرجنا من فيد فتعلقت نفسي بشهوة السمك واللبن والتمر فلما وردت المدينة الملاية وافيت فيها اخواننا فبشروني بظهوره (عليه السلام) بصاريا فلما اشرفت على الوادي رأيت عنوزا عجافا تدخل القصر فوقفت ارتقب الامر الى ان صليت العشاءين وأنا ادعو واتضرع واسال وإذا ببدر الخادم يصيح بي يا عيسى بن مهدي الجوهري الجنبلاني ادخل فكبرت وهللت واكثرت من حمد الله عز وجل والثناء عليه فلما صرت في صحن دار القصر فرأيت مائدة منصوبة فمر بي الخادم واجلسني عليها وقال لي: مولاك يامرك ان تأكل ما اشتهيت بعلتك وانت خارج من فيد فقلت في نفسي حسبي بهذا برهانا فكيف آكل ولم ار سيدي ومولاي فصاح يا عيسى كل من طعامي فانك تراني فجلست على المائدة ونظرت فإذا عليها سمك حار يفور وتمر إلى جانبه اشبه التمر بتمرنا بجنبلا وجانب التمر لبن ولي فقلت في نفسي عليك ونفه وسمك ولبن ولي وتمر فصاح يا عيسى لا تشك في امرنا انت اعلم بما ينفعك ويضرك فبكيت واستغفرت الله واكلت من الجميع وكلما رفعت يدي لم يبن فيه


 

[ 374 ]

موضع فوجدته اطيب ما ذقته في الدنيا فاكلت منه كثيرا حتى استحييت فصاح يا عيسى لا تستحي فانه من طعام الجنة لم تصنعه يد مخلوق فاكلت فرأيت نفسي لا تشتهي من اكله فقلت يا مولاي حسبي فصاح بي اقبل الي فقلت في نفسي القى مولاي ولم اغسل يدي فصاح بي يا عيسى وهل لما اكلت غمر فشممت يدي فإذا هي اعطر من المسك والكافور فدنوت منه (عليه السلام) فبدا لي شخص اغشى بصري ورهبت حتى ظننت ان عقلي قد اختلط فقال لي يا عيسى ما كان لكم ان تروني ولولا الملا تقول اين هو كان متى يكون واين ولد ومن رآه وما الذي خرج اليكم منه وباي شئ انباكم واي معجزة اراكم أما والله لقد دفعوا امير المؤمنين عما اراده وقدموا عليه وكادوه وقتلوه وكذلك فعلوا بآبائي (عليهم السلام) ولم يصدقوهم ونسبوهم الى السحر والكهانة وخدمة الجن لما رأيتني يا عيسى اخبر اولياءنا بما رأيت وإياك ان تخبر عدوا لنا فتسلبه فقلت يا مولاي ادع لنا بالثبات فقال لي: لو لم يثبتك الله لما رأيتني فامض لحجك راشدا فخرجت من اكثر الناس حمدا وشكرا. وعنه قال: حدثني محمد بن سنان الزاهري عن الصادق (عليه السلام) عن أيبه عن جده الحسين، عن عمه الحسن، عن أمير المؤمنين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إذا تواتت اربعة اسماء من الائمة من ولدي فرابعهم القائم المؤمل المنتظر. وعنه قال حدثني علي ابن الطيب الصابوني عن علي بن مهديار عن محمد بن خلف الطاطري عن الحسن بن سماعة عن جابر المعبراني عن أبي حمزة الثمالي عن محمد الباقر عن أبيه عن جده الحسين (عليهم السلام) قال دخلت انا واخي الحسن على جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاجلسني على فخذه واجلس اخي على فخذه الآخر وقبلنا وقال: بابي وأمي انتما من امامين زكيين صالحين اختاركما الله عز وجل مني ومن ابيكما وامكما


 

[ 375 ]

واختار من صلبك يا حسين تسعة ائمة تاسعهم قائمهم وكلاكم في المنزلة سواء. وعنه قال حدثني الحسن بن محمد بن جمهور عن ابيه محمد عن كثير بن عبد الله، عن المفضل بن عمر قال: دخلت على جعفر الصادق (عليه السلام) فقلت يا سيدي لم لا عهدت الينا بالخلف من بعدك فقال: يا مفضل الامام بعدي ابني موسى والخلف المؤمل المنتظر محمد بن الحسن بن علي. وعنه قال حدثني علي بن الحسن المقري الكوفي، عن احمد بن زيد الدهان عن المخول بن ابراهيم عن رشده ابن عبد الله بن خالد المخزومي عن سلمان قال دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنظر الي وقال يا سلمان الله تبارك وتعالى لم يبعث نبيا ولا رسولا الا جعل له اثني عشر نقيبا قال قلت له يا رسول الله قد عرفت هذا من اهل الكتابين التوراة والانجيل قال يا سلمان فهل علمت من نقبائي ومن الاثني عشر الذين اختارهم الله للامة من بعدي فقلت الله ورسوله اعلم فقال يا سلمان خلقني الله من صفوة نوره ودعاني فاطعة وخلق من نوري عليا ودعاه فاطاعه وخلق من نوري ومن نور عليا فاطمة ودعاها فاطاعته وخلق مني ومن علي وفاطمة الحسن ودعاه فاطاعه وخلق مني ومن علي وفاطمة والحسن والحسين ودعاه فاطاعه فسمانا الخمسة الاسماء من أسمائه الله محمود وانا محمد والله العلي وهذا علي والله فاطر وهذه فاطمة والله الاحسان وهذا الحسن والله المحسن وهذا الحسين ثم خلق منا ومن صلب الحسين تسعة ائة ودعاهم فاطاعوه قبل ان يخلق الله سماءا مبنية وارضا مدحية وهواءا وماءا وملكا واشركنا بعلمه نورا نسبحه ونسمع له ونطيع قال سلمان قلت: يا سيدي يا رسول الله فديتك بابي انت وامي لمن عرف عني هذا فقال يا سلمان من عرفهم حق معرفتهم واقتدى بهم ووالى وليهم وتبرأ


 

[ 376 ]

من عدوهم فهو والله منا يرد حيث نرد ويسكن حيث نسكن فقلت يا رسول الله فهل تكون الجنات بهم بغير معرفة باسمائهم وانسابهم فقال لا يا سلمان فقلت يا رسول الله قد عرفتهم الحسين ثم سيد العابدين علي بن الحسين وابنه محمد بن علي باقر علم الاولين والآخرين من النبيين والمرسلين ثم جعفر بن محمد لسان الله الصادق ثم موسى بن جعفر الكاظم الغيظ صبرا في الله عز وجل ثم علي بن موسى الرضا لامر الله ثم محمد بن علي المختار من خلق الله ثم علي ابن محمد الهادي الى الله ثم الحسن بن علي الامين على سر الله ثم محمد بن الحسن الهادي المهدي الناطق القائم بحق الله قال سلمان فبكيت ثم قلت يا رسول الله فاني لسلمان بادراكهم قال يا سلمان انك مداركهم ومثلك من توالاهم لحفظ المعرفة فقال سلمان فشكرت الله كثيرا ثم قلت يا رسول الله اني مؤجل الى عهده قال يا سلمان اقرأ (فإذا جاء وعد اوليهما بعثنا عليكم عبادا لنا اولي قوة واولي باس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وامددناكم باموال وبنين وجعلناكم اكثر نفيرا) قال سلمان واشتد بكائي وشوقي ثم قلت بعهد منك قال: والذي بعث محمدا انه لعهدي ومن علي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة الائمة وكل من هو منا مظلوما فينا اي والله يا سلمان ثم ليحضرن ابليس وجنوده وكل من محض الايمان محضا ومحض الكفر محضا ثم يؤخذ بالقصاص والاوتار ولا يظلم ربك احدا ونحن تأويل هذ الآية: (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) قال سلمان فقمت من بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا ابالي متى لقيني الموت أو لقيته. وعنه عن محمد بن يحيى الفارسي، عن زيد الرهاوي عن الحسن بن مسكان عن عتبة بن سنان عن جابر الجعفي قال: دخلت على سيدي الباقر (عليه السلام) فقلت مولاي حدثني مولاك خالد بسوق العقيق،


 

[ 377 ]

قال: سمعت مولاي الحسين بن علي يقول دخلت على جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما رآني ضمني إليه وقبل ما بين عيني وتنفس صعدا وانهملت عيناه بالدموع ثم قال لي فديتك يا قتيل الفجرة وابناء الفجرة إلى الله اشكو عظم مصيبتي فيك يا حسين وانهملت عيناه قال: وكان لي في ذلك الوقت ثلاث سنين فلما سمعت كلام جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عرض لي البكاء فبكيت ولما سمعت منه ولبكائه فقال لا تبك يا حسين بل اضحك سنا يا حسين لا يحزنك ما سمعت من قتلك فان الله خلقك من نور لا يطفا ولن تطفا ابدا ووجه لم يهلك ولن يهلك ابدا وخلق من صلبك انوارا ائمة ابرارا وجعل فيك وفيهم حكم البدء والفناء والآخرة والاولى وزمام كل زمام قال الحسين (عليه السلام) فكان الله عز وجل جلا عني حزني وملا قلبي سرورا فما حزنت منذ سمعت كلام جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وعنه قال حدثني علي بن الحسين الكوفي قال حدثني وهب بن عبد الله عن محمد بن جبلة عن الحسين بن معمر عن خالد بن محمد عن جابر الجعفي قال سمعت الباقر (عليه السلام) يقول: عن تأويل قول الله عز وجل: (ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والارض منها اربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) فتنفس صعدا ثم قال: يا جابر اما السنة جدي رسول الله وشهورها الاثنا عشر من جدي امير المؤمنين الى الخلف المهدي من ولد الحسين اثنا عشر امام واما الاربعة الحرم منا فهم اربعة ائمة باسم واحد علي امير المؤمنين وعلي بن الحسين وعلي بن موسى وعلي بن محمد والاقرار بهؤلاء الدين القيم فلا تظلموا فيهن انفسكم وتجعلوهم بالسواء جميعا. وعنه بهذا الاسناد عن جابر الجعفي قال: قال سيدي الباقر (عليه السلام) في قول الله: (واذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب


 

[ 378 ]

بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل اناس مشربهم كلو واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الارض مفسدين) قال لما شكى قوم موسى إليه الجدب والعطش فاستسوا موسى فسقاهم فسمعت ما قال الله له ومثل ذلك جاء المؤمنون الى جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا له يا رسول الله تعرفنا من الائمة من بعدك فما مضى من نبي الا وله وصي وائمة من بعده وقد علمنا ان عليا وصيك فمن الائمة بعدك فأوحى الله قد زوجت عليا بفاطمة في سمائي تحت ظل عرشي وجعلت جبرائيل خطيبها وميكائيل وليها واسرافيل القابل عن علي وامرت شجرة طوبى فنثرت اللؤلؤ الرطب واليواقيت والزبرجد الاخضر والاحمر والاصفر ومناشير مخطوطة بالنور فيها امان الملائكة من سخطي وعذابي ونشر على فاطمة تلك المناشير في ايدي الملائكة يفتخرون بها في يوم القيامة وفصل الخطاب وجعلت نحلتها من علي ونحلتها اعني خمس الدنيا وثلثي الجنة وجعلت لها في الارض اربعة انهار الفرات ونيل مصر وسيحان وجيحان فزوجها انت يا محمد بخمسمائة درهما تكون اسوة بها لامتك ولابنتك فإذا زوجت فاطمة من علي فعلي العصاة وفاطمة الحجر يخرج منها احدى عشر اماما من علي وتتم اثني عشر امام بعلي حياة لامتك تهدي كل امة بامامها في زمانه ويعلمون كلما علم موسى فهذا تأويل هذه الآية وكان بين تزويج فاطمة (عليها السلام) في السماء وتزويجها في الارض اربعون يوما. وعنه عن ابي الحسين محمد بن يحيى الفارسي عن هارون بن زيد الطبرستاني عن المخول بن ابراهيم عن محمد بن خالد الكناسي الكوفي عن يونس بن ظبيان عن المفضل بن عمر عن جابر الانصاري قال جابر: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى سلمان الفارسي والمقداد ابن الاسود الكندي وابي ذر جندب بن جنادة الغفاري وعمار بن ياسر وحذيفة بن اليماني وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين وابو الهيثم مالك بن التيهان


 

[ 379 ]

الاشهلي وابي الطفيل عامر بن واثله وسويد بن غفله وسهل وعثمان وعثمان ابني حنيف ويزيد السلمي فحضرنا يوم جمعة ضحى فلما اجتمعنا بين يديه وامير المؤمنين (عليه السلام) عن يمينه وامر (صلوات الله عليه) بان لا يدخل احد وكان انس في ذلك الوقت خادمه فأمره بالانصراف الى منزله ثم اقبل علينا بوجهه الكريم على الله وقال لنا ابشروا فان الله من علينا بفضله وعلم ما في انفسنا من الخلاص له والايمان به والاقرار بوحدانيته وبملائكته وكتبه ورسله وعلم وفاكم الجنة بغير حساب انتم ومن كان كما انتم عليه من مضى ومن ياتي الى يوم القيامة. قال جابر فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يبشرنا ويحدثنا ودموعه تجري ودموعنا تهطل لبكائه ولفضل الله علينا ورحمته لنا ورأفته بنا فسجدنا شكرا لله واردنا الكلام فقطعتنا عنه الرقة والبكاء فقال لنا فان بكيتم قليلا لنضحككم كثيرا واني ابشركم بما اعلمه منكم انكم تحبون مسالتي عنه ولو فقدتموني وسالتم اخي عليا لاخبركم به فجهرنا بالبكاء والشكر والدعاء فقال لنا (عليه السلام) تحاولون مسالتي عن بد وكوني واعلموا رحمكم الله ان الله تقدست اسماؤه وجل ثناؤه كان ولا مكان ولا كون معه ولا سواه احد في فردانيته صمد في ازليته مشئ لا شئ معه فلما شاء ان يخلق خلقني بمشيئته واردته لي نوزا وقال لي كن فكنت نورا شعشعانيا اسمع وابصر وانطق بلا جسم ولا كيفية ثم خلق مني اخي عليا ثم خلق منا فاطمة ثم خلق مني ومن علي وفاطمة الحسن وخلق منا الحسين ومنه ابنه علي وخلق منه ابنه محمدا وخلق منه ابنه جعفرا وخلق منه ابنه موسى وخلق منه ابنه عليا وخلق منه ابنه محمدا وخلق منه ابنه عليا وخلق منه ابنه الحسن وخلق منه ابنه سميي وكنيي ومهدي امتي ومحي سنني ومعدن ملتي ومن وعدني ان يظهرني به على الدين كله ويحق به الحق ويزهق به الباطل ان الباطل كان زهوقا ويكون الدين كله واصبا فكنا انوارا بارواح واسماع وابصار ونطق وحس وعقل وكان الله الخالق ونحن امخلوقون والله المكون


 

[ 380 ]

ونحن المكونون والله البارئ ونحن البرية.. موصولون لا مفصولون فهلل نفسه فهللناه وكبر نفسه فكبرناه وسبح نفسه فسبحناه وقدس نفسه فقدسناه، وحمد نفسه فحمدناه، ولم يغيبنا وانوارنا تتناجى وتتعارف مسمين متناسبين أزليين لا موجودين، منه بدأنا وإليه نعود، نور من نور بمشيئته وقدرته لا ننسى تسبيح ولا نستكبر عن عبادته ثم شاء فمد الاظله وخلق خلقا اطوارا ملائكة وخلق الماء والجان وعرش عرشه على الاظلة وأخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى: كان يعلم ما في أنفسهم والخلق ارواح وأشباح في الاظلة يبصرون ويسمعون ويعقلون فاخذ عليهم العهد والميثاق ليؤمنن به وبملائكته وكتبه ورسله ثم تجلى لهم وجلى عليا وفاطمة والحسن والحسين والتسعة الائمة من الحسين الذين سميتهم لكم فاخذ لي العهد والميثاق على جميع النبيين وهو قوله الذي اكرمني به جل من قائل (وإذا اخذ الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال: أقررتم وأخذتم على ذلكم اصري قالوا: اقررنا قال: فاشهدوا وانا معكم من الشاهدي) وقد علمتم ان الميثاق أخذ لي على جميع النبيين واني انا الرسول الذي ختم الله بي الرسل وهو قوله تعالى: (رسول الله وخاتم النبيين) فكنت والله قبلهم وبعثت بعدهم واعطيت ما اعطوا وزادني ربي من فضله ما لم يعطه لاحد من خلقه غيري فمن ذلك انه اخذ لي الميثاق على سائر النبيين ولم ياخذ ميثاقي لاحد ومن ذلك ما نبا نبيا ولا ارسل رسولا الا أمره بالاقرار بي وان يبشر امته بمبعثي ورسالتي والشاهد لي بهذا قوله جل ذكره في التوراة لموسى: (الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر وحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا لانور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون) ولا يعلمون نبيا ولا


 

[ 381 ]

رسولا غيري وفي الانجيل قوله عز اسمه الذي حكاه فيما انزله علي من خطابه لاخي عيسى بن مريم (عليه السلام) (ومبشرا برسول ياتي من بعدي اسمه احمد) ويعلم انه ما يرسل رسولا اسمه احمد غيري وان الله منحني اللوح يوم القيامة الذي يحمله اخي علي وآدم فمن دونه تحته يوم القيامة واعطاني الشفاعة والحوض تفضلا منه علي واعطاني مفاتيح الدنيا وكنوزها ونعيمها فلم اقبله زهدا فيه فعوضني بمفاتيح الجنة والنار فجعلت كل ما اعطانيه ربي لاخي علي والائمة منهم فطوبى لكم وطوبى لمن والاكم حسن مآب فقمنا على اقدامنا وقلنا يا رسول الله انا قد انعم الله بك علينا وباخيك علي وذريتك فنسال الله يقبضنا إليه الساعة لئلا ياتي احد منا ببائقة تخرجه عن هذا الخطر العظيم فقال لنا (عليه السلام): كلا لا تخافون فانكم من الذين قال الله فيهم: (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اولئك الذين هداهم الله واولئك هم اولوا الالباب). قال جابر الجعفي: فقلت لجابر الانصاري لقد أسعدني الله بلقائك في هذا اليوم هذا ببركة الله وبركة سيدي الباقر (عليه السلام) ولقائك اياه بامر رسول الله (صلى الله عليه وآله). قال جابر بن عبد الله الانصاري يا جابر خبر من لقيك من شيعة آل محمد بما سمعته مني فبهذا عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وعنه عن محمد بن عبد الحميد البزاز وابي الحسين بن مسعود الفراتي قالا جميعا وقد سألتهم في مشهد سيدنا ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) بكربلاء عن جعفر وما جرى في امره بعد غيبة سيدنا ابي الحسن علي وابي محمد الحسن الرضا (عليهم السلام) وما ادعاه له جعفر وما فعل فحدثوني بجملة اخباره ان سيدنا ابا الحسن (عليه السلام) كان يقول لهم تجنبوا ابني جعفر اما انه بني مثل حام من نوح الذي قال الله جل من قائل فيه:


 

[ 382 ]

(قال نوح رب ان ابني من اهلي) الآية فقال له الله يا نوح: (انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح) وان ابا محمد (عليه السلام) كان يقول لنا بعد ابي الحسن (عليه السلام) الله الله ان يظهر لكم اخي جعفر على سر فوالله ما مثلي ومثله الا مثل هابيل وقابيل ابني ادم حيث حسد قابيل لهابيل على ما اعطاه الله لهابيل من فضله فقتله ولو تهيا لجعفر قتلي لفعل ولكن الله غالب على امره فلقد عهدنا بجعفر وكل من في البلد وكل من في العسكر من الحاشية الرجال والنساء والخدم يشكون إذ اوردنا الدار امر جعفر يقولون انه يلبس المصنعات من ثياب النساء ويضرب له بالعيدان فيأخذون مننه ولا يكتمون عليه وان الشيعة بعد أبي محمد (عليه السلام) زادوا في هجره وتركوا رمي السلام عليه وقالوا: لا تقية بيننا وبينه نتجمل به وان نحن لقيناه وسلمنا عليه ودخلنا داره وذكرناه نحن فنضل الناس فيه وعملوا على ما يرونا نفعله فنكون بذلك من اهل النار وان جعفر لا كان في ليلة ابي محمد (عليه السلام) ختم الخزائن وكلما في الدار ومضى الى منزله فلما اصبح اتى الدار ودخلها ليحمل ما ختم عليه فلما فتح الخواتم ودخل نظرنا فلم يبق في الدار ولا في الخزائن الا قدرا يسيرا فضرب جماعة من الخدم ومن الاماء فقالوا له: لا تضربنا فوالله لقد رأينا الامتعة والرجال توقر الجمال في الشارع ونحن لا نستطيع الكلام ولا الحركة الى ان سارت الجمال وغلقت الابواب كما كانت فولول جعفر وضرب على رأسه اسفا على ما خرج من الدار وانه بقي ياكل ما كانه له ويبيع حتى ما بقي له قوت يوم وكان له في الدار اربعة وعشرون ولدا بنون وبنات ولهم امهات واولاد وحشم وخدم وغلمان فبلغ به الفقر الى ان امرت الجدة وهي جدة الى محمد (عليه السلام) ان يجري عليه من مالها الدقيق واللحم والشعير والتبن لداوبه وكسوة لاولاده وامهاتهم وحشمه وغلمانه ونفقاتهم ولقد ظهرت اشياء منه اكثر مما وصفنا نسال الله العافية من البلاء والعصمة في الدنيا والآخرة. وعنه قال حدثني علي بن الحسين بن فضال وكان ممن يقول بامامة


 

[ 383 ]

جعفر بعد ابي محمد (عليه السلام) وكان قبل ذلك مخطئا انه كتب ابن جعفر يساله عن حقيقة امره وكتب ان اخي ابا محمد (عليه السلام) كان اماما مفروض الطاعة واني وصيه من بعده وامام لا غير. وعنه قال: حدثني أبو العباس بن حيوان عن احمد بن محمد المدايني قال: لما توفي أبو محمد (عليه السلام) خرجت الى الحج واتيت المدينة فسالت بها كل من ظننت انه يعرف خبر المهدي فلم يعرفه احد الا قوم من خواص الاهل والموالي وانهم يقولون لي كم تسال عن من أنت منكر له فارجع الى ربك في جعفر فبقيت ثلاث سنين على هذا اسال بالمدينة وبالعسكر ولا يقال لي الا ما ذكرته وكان هواي في جعفر وكنت اسمع بالامام المهدي مقيم بالعسكر وان قوما شاهدوه ويخرج إليهم امره ونهيه وكتبت الى جعفر اساله عن الامام والوصي من بعده قال العباس بن حيوان وابو علي الصايغ ان جعفرا كتب الى احمد بن اسحاق القمي يطلب منه ما كان يحمله من قم الى ابي محمد (عليه السلام) واكثر من ذلك واجتمع اهل قم واحمد بن اسحاق وكتبوا له كتابا لكتابه وضمنوه مسائل يسالونه عنها وقالوا تجيبنا عن هذه المسائل كما سالوا عنها سلفنا الى آبائك (عليهم السلام) فأجابوا عنها باجوبة وهي عندنا نقتدي بها ونعمل عليها فاجبنا عنها مثل ما اجاب آباؤك المتقادمون (عليه السلام) حتى نحمل اليك حقوق التي كنا نحملها إليهم فخرج الرجل حتى قدم العسكر فاوصل إليه كتاب واقام عليه مدة يسال عن جواب المسائل فلم يجب عنها ولا عن الكتاب بشئ منه ابدا. وعنه قال حدثني علي بن احمد الواسطي انه سار الى العسكر واتى الدار ووقف ببابه مستاذنا عليه يساله عن مسائل كان يسال عنها سيدنا ابا الحسن وابا محمد (عليهما السلام) فخرج إليه الخادم فقال له: ما اسمك قال اسمي علي بن احمد الواسطي فقال انصرف انت لا اذن لك.


 

[ 384 ]

وعنه قال حدثني احمد بن مطهر صاحب عبد الصمد بن موسى انه كان بائتا عند عبد الصمد في الليلة التي توفي بها أبو محمد (عليه السلام) فانه دخل احمد بن مطهر على عبد الصمد بن موسى فاخبره بوفاة ابي محمد فركب عبد الصمد الى الوزير واخبره بذلك فركب الوزير وعبد الصمد بن موسى بن بقاء الى المعتمد واخبراه بوفاة ابي محمد (عليه السلام) فامر المعتمد اخاه بالركوب والوزير وعبد الصمد الى دار ابي محمد حتى ينظروا إليه ويكشفوا عن وجه ويغسلوه ويكفنوه ويصلوا عليه ويدفنوه مع ابيه (عليه السلام) وينظروا من خلف ويرجعوا إليه بالخبر وتقدم الى سائر الخاصة والعامة والدون ان يحضروا الصلاة عليه ففعل أبو عيسى والوزير وعبد الصمد جميع ما امروا به ونظروا الى من في الدار وانصرفوا الى المعتمد فقال المعتمد لاخيه ابي عيسى ابشر انك ستلي الخلافة لان اخانا المعتز لما توفي أبو الحسن علي ابن محمد فخرجت وصليت وصلى بصلاتنا في الدار لانه كان التكبير يصل فلما دفنا ابا الحسن (عليه السلام) ورجعت قال ابشر يا احمد فانك صليت على ابي الحسن وانت تجازى بالخلافة بصلاتك عليه وانت يا ابا عيسى قد صليت على أبي الحسن وارجو ان تجازى بالخلافة مثلي. وعنه قال حدثني أبو الحسن علي بن بلال وجماعة من اخواننا انه لما كان في اليوم الرابع من زيارة سيدنا ابي الحسن (عليه السلام) امر المعتز بان ينفذ الى ابي محمد (عليه السلام) من بشركم الى المعتز ليعزيه ويسليه فركب أبو محمد الى المعتز فلما دخل عليه رحب به وعزاه وأمر فرتب بمرتبة أبيه (عليه السلام) واثبت له رزقه وزاد فيه فكان الذي يراه لا يشك الا انه في صورة ابيه (عليه السلام) واجتمعت الشيعة كلها من المهتدين على ابي محمد بعد ابيه الا أصحاب فارس بن ماهويه فانهم قالوا بامامة جعفر بن علي العسكري (عليه السلام) قال الحسين بن حمدان لقيت ابا الحسين بن ثوابة وابا عبد الله احمد بن عبد الله الجمال شيخا


 

[ 385 ]

كان مع ابي الحسين بن ثوابة في داره ببغداد في الجانب الشرقي بعسكر المهدي، فسألتهما عن ما علماه من امر الامام بعد ابي محمد فقالا لي: ان ابا الحسن (عليه السلام) كان في حياته الى أبي جعفر محمد ابنه ومضى أبو جعفر في حياة ابي الحسن (عليه السلام) وعاش أبو الحسن بعده اربع سنين وعشرة اشهر وكان فارس بن ماهويه يدعي انه باب ابي جعفر فامر سيدنا أبو الحسن (عليه السلام) ثم وقعت الشبهة عند المقصرة والمرتابين من الشيعة وكان الامر والحق لابي محمد (عليه السلام) وادعى جعفر انه باب ابي جعفر بعد فارس بن حاتم بن ماهويه وذلك من سيدنا ابي محمد (عليه السلام) والقاه الرجلين قبلا ذلك عنه ودعيا الناس إليه فامر سيدنا بطلبهما فهربا الى الكوفة واقاما بها الى ان مضى أبو محمد (عليه السلام). قال الحسين بن حمدان: فقلت الى الحسين بن ثوابة ولابي عبد الله الشيخ النازل عليه: قد قصصتما علي هذه القصص فان قص غيركما علي قصصا فاترك قصصكم واقبل قصة ذلك ولكن عندي حجة اقولها، قالا: هات ما عندك فقلت لهم هكذا قالت الميمونة ان ابا عبد الله الصادق اوصى الى اسماعيل ابنه وقص عليه وخبر انه الامام بعده وقد علمتم وعلمنا وسائر الشيعة ان اسماعيل مضى في حياة ابيه جعفر الصادق (عليه السلام) وعاش الصادق بعده أربع سنين ومضى أبو عبد الله قالت: الشيعة ان عبد الله بن جعفر الصادق جلس بمجلس ابيه وادعا الامامة وهو مبطل وكانت الامامة في ابنه موسى (عليه السلام) وانما ادعى سمي عبد الله الافطح لانح كان افطح الرأس فهل عند كما قول وحجة تأتيان بها غير هذا الذي سمعته منكما قالا هذا عندنا في الظاهر قلت ما عندكما في الباطن فقالا جعفر هو الامام المفترض الطاعة الذي لا يسع الخلق الا معرفته فقلت لهما اليس قد رويتما ان ابا الحسن (عليه السلام) اشار الى ابي جعفر انه الامام من بعده قالا بلى فقلت لهما قد كفرتما بروايتكما على ابي الحسن انه اشار الى ابي جعفر انه الامام من بعده وقد مات أبو جعفر قبله في حياته


 

[ 386 ]

ونسيتما ابا الحسن (عليه السلام) الا انه لم يعلم ان ابا جعفر لم يمت قبله وان ابا الحسن غش الامامة وتركها في الشكوك والحيرة واعلمهم انه لا علم له بما كان وما يكون كما قالت الميمونة في الصادق (عليه السلام) واسماعيل حذو النعل بالنعل فكان أبو عبد الله الصادق وابو الحسن صاحب العسكر (عليهما السلام) اعرف بالله واعلم بعلم الله بكل ما كان وما هو كائن من اين تقولان قولا يكون غيره فهل عندكم من حجة أو دليل غير ما ذكرتماه وسمعتما الجواب عنه فلم يكن عندهما جواب الا انهما قالا لي سئل ابا الحسن (عليه السلام) من القائم بعده بالامامة فقال اكبر ولدي وكان أبو جعفر اكبر ولده فقلت لهما سبحان الله ما اضل رأيكما وأضل روايتكما أليس ابنه أبو جعفر مات قبله وإنما سئل عن الامام بعده فقال اكبر ولدي الذي بعدي وكان اكبر ولده بعده أبو محمد (عليه السلام). وقد روينا عن ابي محمد عبد الله بن سنان بن احمد وعلي بن احمد النوفلي قال كنا مع سيدنا ابي الحسن (عليه السلام) بالعسكر في داره فمر به ابنه أبو جعفر فقلنا له يا سيدنا هذا صاحبنا بعدك فقالا لا فقلنا له ومن هو فقال ابني أبو محمد الحسن لا محمد ولا جعفر فسكتا فقلت لهما ان كان عندكما شئ في صاحبكما مثلما رويتم في ابي محمد (عليه السلام) فهاتوه فما كان عندهما شئ فرددتهما. وقلت حدثني أبو علي الملكي وابو عبد الله جعفر بن محمد الرامهرمزي انهم نظروا الى سيدنا ابي محمد وهو يسير في الموكب قال: جعفر ابن محمد فكنت احب ان ارزق ولدا فقلت في نفسي يا سيدي يا ابا محمد أرزق ولدا فنظر الي وقال برأيه نعم فقلت في نفسي يكون ذكرا فقال برأسه لا فكانت انثى. وقال حدثني جعفر بن محمد الرامهرمزي قال نظرت الى سيدي ابي محمد (عليه السلام) وجماعة من اخواننا فقلت في نفسي اني ارى من فضل


 

[ 387 ]

سيدي ابي محمد برهانا تقر به عيني فرأيته قد ارتفع نحو السماء حتى سد الافق فقلت لاصحابي ترون كما ارى فقالوا وما هو فاشرت فإذا هو قد رجع كهيئته الاولى ودخل المسجد فقال أبو الحسين بن ثوابة وابو عبد الله الجمال قد سمعنا ما سمعت من هذه الروايات والدلائل والبراهين فإذا صدقنا الله فما رأينا لابي جعفر ولا سمعنا لجعفر دليل ولا برهان ولا حقيقة الا الى ابي محمد بعد ابيه (عليهم السلام) وانا لنعلم ان المهدي سمي جده وكنيه وهو ابن الحسن من نرجس ولقد عرفنا يوم مولده فقلت لهما في اي يوم وباي شهر وباي سنة فقالا ولد طلوع الفجر بيوم الجمعة لثمان ليال خلت من شهر شعبان من سنة سبع وخمسين ومائتين فقلت لهما قد قلتما الحق وعلمتما صحة المولود فمن قبله قالا لي أبو محمد أبوه وكفيله حكيمة اخت ابي الحسن وهي العمة فقلت حقا فلم حاججتماني وانتما تعلمان انه باطل فقالا والله ما هذا الا خسران مبين في الدنيا والآخرة وعرض الدنيا يفنى وعذاب الآخرة يبقى الا ان يعفو الله فقلت حسبكم الله شاهد عليكم فقالا والله لا يسمع هذا الذي سمعته منا احد بعدك. قال الحسين بن حمدان: ثم ظهرت عليهم انهم كانوا ياخذون اموال جعفر والقرويين وجعفر يخافهم ويقول فيهم الا يلعنهم عند من يثق به ويقول لهم انهم ياكلون مالي قال الحسين بن حمدان حدثني أبو القاسم ابن الصائغ البلخي قال خرجت من بغداد الى العسكر في شهر المحرم لسبع ليال خلت منه فلما كان بكرة يوم السبت فسلمت على الموالي (عليهم السلام) وصرت على باب جعفر فإذا في الدهليز دابة مسرجة فجاوزت بابه وجلست عند حائط دار موسى بن بقاء فخرج جعفر على دابة كميت وعليه ثياب بيض ورداء وعليه عدنية سوداء طويلة وبين يديه خادم وفي يده غاشية وعلى يمينه خادم آخر ثيابه سود وعلى رأسه خادم آخر وخادم على بغلته خلفه فلما رآني نظر الي نظرا شديدا فمشيت خلفه حتى بلغت


 

[ 388 ]

باب النقيب الذي على الطالبيين فنزل عنده ودخل إليه ثم خرج منصرفا الى منزله فلما بلغ قبر ابي الحسن وقبر ابي محمد (عليهما السلام) اشار بيده وسلم عليهما ودخل داره فانصرفت الى حانوت بقال واخذت منه اوقيتين فكتبت إليه كتابا وكتابا الى امرأة تكنى ام ابي سلمان امرأة محمد بن زكريا الرازي وكانت باب جعفر وكان صديقا لي كتب كتابا الى بعض اخوانه ليوصله الى جعفر وفعلت انا كتابا على لسان ابي محمد بن يعقوب بن ابي نافع المدائني وكتابا الى الامرأة ام ابي سليمان وتسميت في الذي ترون فيه احمد بن محمد المروزي وكتبت فيه جعلت فداك ان حامل كتابي رجل من خراسان وهو يقول بالسيد محمد متعلقا إليه وذهبت الى امرأة ابي سليمان فدفعت الكتاب إليها فادخلتني الى دهليز فيه درجة فقالت لي: اصعد فصعدت الى حجره فقالت: اجلس فجلست وجلست معي تحدثني وتسائلني وقامت فذهبت الى جعفر فاحتسبت به ثم جاءت ومعها رقعة بخطه مكتوب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم يا احمد رحمك الله اوصلت الي الامرأة الكتاب بما احببت ارشدك الله وثبتك الي بدواة وكاغد أبيض وطين الختم فكتبت بسم الله الرحمن الرحيم اطال الله بقاءك واعزك وايدك واتم نعمته على وزاد في فضله واحسانه اليك وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم كثيرا يا سيدي جعلت فداك انا رجل من مواليك وموالي آبائك (عليهم السلام) من خراسان منذ كنا متعلقين بحبل الله المتين، كما قال الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تتفرقوا) فلما حدث بالماضي ابي الحسن (عليه السلام) ما حدث خرجت الى العراق لقيت اخواننا فسألتهم فوجدتهم كلهم مجمعين على أبي محمد (عليه السلام) غير اصحاب ابن ماهويه انهم كانوا مخالفين وقالوا بامامة جعفر أخو الحسن العسكري (عليه السلام) فانصرفت الى خراسان فوجدت اصحابي الذين خلفتهم ورائي فاخبرتهم فقلنا بابي محمد (عليه السلام) ولم نشك فيه طرفة عين فلما توفي أبو محمد (عليه السلام) ولم نشك فيه طرفة عين فلما توفي أبو محمد (عليه السلام) وجه رسولا الى اخواننا بالعراق ليسالهم فكتبوا بما كان عندهم من الاختلاف بنفسي مرة فقطع علي الطريق


 

[ 389 ]

فانصرفت الى منزلي واضطربت خراسان من الخوارج ولم يمكني ان اخرج وسيدي عالم بما اقول فخرجت العام مع الحاج فلم اترك احدا من اصحابنا بنيسابور والري وهمدان وغيرهم الا سألتهم فوجدتهم مختلفين حتى وجدت احمد بن يعقوب المدائني صاحب الكتاب فكتب لي كتابا الى السيد فدخلت بغداد منذ ثلاثة اشهر فما تركت احدا يقول بهذا القول الا لقيتهم وناظرتهم فوجدتهم مختلفين حتى لقيت ابا الحسن بن ثوابة واصحابه وابا عبد الله الجمال وابا علي الصائغ وغيرهم فقالوا: ان جعفر ابيه وصي اخيه ابي محمد ولم يكن اماما غيره ورأيت علي ابن الحسين بن فضال فقال كتبت الى جعفر فسألته عن أبي محمد من وصيه فقال: أبو محمد كان إماما مفترض الطاعة على الخلق وانا وصيه ورأيت غيرهم فقالوا ان جعفرا وصي ابيه ابي الحسن فتحيرت وقلت ليس ها هنا حيلة الا ان اخرج الى السيد واساله مشافهة فخرجت الى سيدي فهذه قصتي وحالي فان رأى سيدي ان يمن على عبده بالنظر الى وجهه وسؤاله مشافها فعل فاني خلفت ورائي قوما حيارى فلعل الله ان يهديهم سيدي سبيلا فعلا مفعولا ماجورا ان شاء تعالى وراجعت الكتاب إليه على يد ام ابي سليمان فلما كان بعد ساعة جاءت هذه الامرأة التي تكنى ام سليمان فقالت لي: يقول لك السيد اني كنت راكبا وانصرفت وانا كسلان فكن عند هذه الامرأة حتى اوجه اليك وادعوك فقالت اراك يا سيدي رجلا عاقلا وقد حملت كتاب اخينا الي وسالني هل تعرفين هذا الرجل فقلت لا اعرفه وكان عند السيد عام الاول وانا ادخلك عليه واسالك يا اخي لا تتحدث قلت نعم لك هذا فاني رجل مرتاد اليك أريد فكاك رقبتي من النار فقلت اني ادخل عليه ان شاء الله بعد الظهر ثم نزلت من عندي وصعدت بطبق فيه اربع ارغفة وقثا مفرم وبطيخ وصينية وكوز ماء فقالت كل فقلت اني اكلت وجئت فقالت: اسالك ان تأكل فان هذا من الخبز الذي يجري على السيد فاكلت منه رغيفا من القثا والبطيخ فلما صدرت جاءت وقالت: قم فقمت فادخلتني في دهليز جعفر وردت الباب فجلست مع خادمه الابيض ودخلت الامرأة إليه ثم خرجت وقالت


 

[ 390 ]

لي ادخل فدخلت بدهليز طوله عشرون ذراعا ضيق فإذا بوسطه بير ماء وإذا على يساره حجرة وقدام الدهليز باب فدخلت فإذا بدهليز آخر فدخلت فرأيت دارا كبيرة واسعة فإذا فيها اسرة عدة وفيها قبة مكتسية من خشب من يسار الدار وقدام الدار بيت وعن يمينه بيوت غيره عده فرفع الستر من البيت الاول فدخلت فإذا جعفر جالس على سرير قصير في البيت فسلمت فناولني يده فقبلتها وجثوت بين يديه فقال لي: كيف طريقك وكيف انت وكيف اصحابك فقلت في عافية وسلامة ثم قلت له جعلت فداك اني رجل من مواليك وموالي آبائك (عليهم السلام) وقد حدث هذا الحديث فاختلف اصحابنا فخرجت قاصدا مع الحاج وانا مقيم ببغداد منذ ثلاثة اشهر فلقيت خلقا تدعي هذا الامر فوجدتهم مختلفين حتى لقيت ابا الحسن ابن ثوابة وابا عبد الله الجمال وابا علي الصايغ فقالوا انك وصي ابي جعفر اعني اباك الذي مضى في ايام الحسن اخيك (عليه السلام) وقال غيرهم بل هو وصي الحسن اخيه جئت اليك لاسمع منك مشافها وآخذ بقولك وما تأمرني به فقال لعن الله ابا الحسين بن ثوابة واصحابه فانهم يكذبون علي ويقولون ما لم اقل ويخدعون الناس وياكلون اموالهم وقد قطعوا مالا كان لي من ناحية فصار بايديهم وهاهنا من هو اشد من ابن ثوابة فقلت من جعلت فداك قال القزويني علي بن احمد فقلت سمعت باسمه واردت ان اذهب إليه فقال اياك فانه كافر واخاف ان يفتنك ويفسد عليك ما انت عليه من دينك علي بن احمد القزويني واصحابه لعنهم الله والملائكة والناس اجمعون فقلت: نعم، لعنهم الله بلغتك المنتظرة ثم قال لي هل تشك في ابي الحسن قلت اعوذ بالله قال مضى أبو محمد اخي ولم يخلف احدا لا ذكرا ولا انثى وانا وصيه فقلت وصي ابي محمد اخي قلت: أبو محمد كان اماما مفروض الطاعة عليك وعلى الخلق اجمعين قال نعم قلت وانت وصيه وانت الامام المفروض الطاعة على الخلق اجمعين قال نعم فارتميت الى يده اقبلها فناولني اياها فقبلتها فقلت يا سيدي روينا عن آبائك (عليهم السلام) ان الامامة


 

[ 391 ]

لا تكون في اخوين بعد الحسن والحسين قال صدقت بهذا ولكن اتقر بالبداء قلت: نعم قال: فان الله بدا له في ذلك فقلت له يا سيدي فوقك امام قال لا ثم قال يا احمد لولا اني عرفت من نيتك الصدق لما اذنت لك فقلت جعلت فداك معي شئ حملت من خراسان ولم احمله معي وهو في بغداد معد فان كان لك ثم وليا تثق به حتى ادفعه إليه بامرك فقال ليس لي احد ببغداد ولكن احمله بنفسك انت حتى يكون لك الاجر والثواب قلت نعم جعلت فداك فاسالك ان تدعو لي بالعافية والسلامة وأن يردني الله الى اهلي وبيتي في عافية ويخرجني من الدنيا على ولايتك وولاية آبائك (عليهم السلام) فقال ثبتك الله على ولايتي وولاية آبائي وردك الى اهلك وولدك في عافية وسلامة فقمت وخرجت من عنده ورجعت الى منزلي والى ابي سليمان فسالت ابا سليمان عن عياله وخدمه وجواره وحاله وكيف عيشه فقال له: عشرون ولدا واربع عشرة بنتا وعليه من العيال ستين نفسا من الجوار والخدم والبنين والبنات وغيرهم، وهو اليوم ياكل بالربا وقد رهن ثيابه وقدم ابن بشار وحمل عطايا الهاشميين والطالبين وقال: اعرضوا علي بنيكم وبناتكم فقال جعفر: والله فلو صرت للصدق بابا ما كشف وجه بناتي بين يديه وركب جعفر ومعه ثمانية من شيعته إلى ابن بشار فعرضهم عليه واخذ عطاه وعطاء بنيه وبناته وانصرف فلم ار فيه شيئا من دلائل آبائه (عليهم السلام) ومن آثار الامامة فقلت لابي الحسين بن ثوابة وابي عبد الله الجمال وابي علي الصائغ والقزويني كلما قال لي وقصصت عليهم قصتي معه فضحكوا وقالوا والله هو احق باللعنة منا التي لعننا بها لانه يقول اننا اخذنا ماله بل اخذنا مال الله وليس ماله وقد ادعى الوصية والامامة والله برأه منها فقلت لهم تأخذون مال الله بغير حق فقالوا اننا محتاجون إليه وليس له طالب في هذا الوقت فقلت لهم ويحكم اليس أبو عمر عثمان بن سعد العمري السمان ياخذ بامر ابي محمد (عليه السلام) اموال الله هو وابنه أبو جعفر محمد وينفذها حيث شاء بامر الخلف من أبي محمد


 

[ 392 ]

(عليه السلام) وهو المهدي سمي جدي رسول الله وكنيه فضحكوا وقالوا ان المهدي إليه التسليم بدا بكل دين على المؤمنين فقضاه عنهم فكيف لا يهب لنا ماله فقلت اف عليكم ان تكونوا مؤمنين فقالوا والله ما عندنا شك في الامام بعد ابي الحسن (عليه السلام) الا ابي محمد (عليه السلام) وما لابي جعفر محمد بن علي ولا لجعفر هذا الكذاب في الوصية حظ ولا نصيب وان المهدي أبو القاسم محمد بن الحسن لا شك فيه وانما ناخذ هذه الاموال ليرى الناس انا مخالفون فيها على جعفر فانقلبت الى اهلي بخراسان وسائر الجبل فقصصت عليهم قصتي من جعفر وسائر ما لقيت فقمنا على الخلف من ابي محمد (عليه السلام) ومن قال في ابي جعفر ومن قال بجعفر وكان هذا فضل من الله. وعنه قال الحسين بن حمدان الخصيبي حدثني محمد بن اسماعيل وعلي بن عبد الله الحسنيان عن ابي شعيب محمد بن نصير عن ابن الفرات عن محمد بن المفضل قال سالت سيدي ابا عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: حاش لله ان يوقت له وقت أو توقت شيعتنا، قال: قلت يا مولاي ولم ذلك قال لانه هو الساعة التي قال الله تعالى فيها: (يسالونك عن الساعة أيان مرسيها) وقوله: (قل انما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها الا هو ثقلت في السماوات والارض لا تأتيكم الا بغتة يسالونك كانك حفي عنها قل انما علمها عند الله ولكن اكثر الناس لا يعلمون) وقوله: (عنده علم الساعة) ولم يقل احد دونه وقوله: (هل ينظرون الا الساعة ان تأتيهم بغتة فقد جاء اشراطها فاني لهم إذا جاءتهم ذكراهم) وقوله: (اقتربت الساعة وانشق القمر) وقوله: (وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون انها الحق الا ان الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد) قلت: يا مولاي ما معنى: (يمارون) قال: يقولون: متى ولد ؟ ومن رآه ؟ وأين هو ؟ وأين يكون ؟ ومتى يظهر ؟ كل


 

[ 393 ]

ذلك استعجالا لامر الله وشكا في قضائه وقدرته: (اولئك الذين خسروا انفسهم في الدنيا والآخرة وان للكافر لشر مآب). قال المفضل: يا مولاي فلا يوقت له وقت ؟ قال: يا مفضل لا توقت فمن وقت لمهدينا وقتا فقد شارك الله في علمه وادعى انه يظهره على امره وما لله سر الا وقد وقع الى هذا الخلق المنكوس الضال عن الله الراغب عن اولياء الله وما لله خزانة هي احصن سرا عندهم اكبر من جهلهم به وانما القى قوله إليهم لتكون لله الحجة عليهم. قال المفضل: يا سيدي فكيف بد وظهور المهدي إليه التسليم ؟ قال: يا مفضل يظهر في سنة يكشف لستر امره ويعلو ذكره وينادى باسمه وكنيته ونسبه ويكثر ذلك في افواه المحققين والمبطلين والموافقين والمخالفين لتلزمهم الحجة لمعرفتهم به على اننا نصصنا ودللنا عليه ونسبناه وسميناه وكنيناه سمي جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنيته، لئلا يقول الناس ما عرفنا اسمه ولا كناه ولا نسبه والله ليحقن الافصاح به وباسمه وكنيته على السنتهم حتى يكون كتسمية بعضهم لبعض كل ذلك للزوم الحجة عليهم ثم يظهر الله كما وعد جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله عز من قائل: (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون). قال المفضل: قلت: وما تأويل قوله: (ليظهره على الدين كله) قال: هو قول الله تعالى: (قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) كما قال الله عز وجل: (ان الدين عند الله الاسلام ومن يبتغ


 

[ 394 ]

غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين). قال المفضل: فقلت يا سيدي والدين الذي اتى به آدم ونوح، وابراهيم، وموسى، وعيسى ومحمد هو الاسلام، قال: ونعم، يا مفضل هو الاسلام لا غير قلت فنجده في كتاب الله قال: نعم من اوله الى آخره وهذه الآية منه: (ان الدين عند الله الاسلام) وقوله عز وجل: (ملة ابيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين من قبل) وفي قصة ابراهيم واسماعيل: (واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك) وقوله في قصة فرعون: (حتى إذا ادركه الغرق قال آمنت انه لا اله الا الذي آمنت به بنو اسرائيل وانا من المسلمين) وفي قصة سليمان وبلقيس قالت: (واسلمت مع سليمان لله رب العالمين) وقول عيسى للحواريين: (من انصاري الى الله قال الحواريون نحن انصار الله آمنا بالله واشهد بانا مسلمون) وقوله تعالى: (وله اسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها وإليه ترجعون) وقوله في قصة لوط: (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) ولوط قبل ابراهيم، وقوله: (قولوا آمنا بالله وما انزل الينا والى قوله لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون) وقوله: (ام كنتم شهداء إذ حضر يقوب الموت الى قوله الها واحدا ونحن له مسلمون). قال المفضل: يا مولاي كم الملل ؟ قال: يا مفضل الملل اربعة، وهي الشرائع. قال المفضل: يا سيدي المجوس لم سموا مجوسا ؟ قال لانهم تمجسوا في السريانية، وادعوا على آدم وابنه شيث هبة الله انه اطلق لهم نكاح الامهات والاخوات والعمات والخالات والبنات والمحرمات من النساء وانه امرهم ان يصلوا للشمس حيث وقفت من السماء ولم يجعلوا لصلاتهم وقتا


 

[ 395 ]

وانما هو افتراء على الله الكذب وعلي آدم وشيث. قال المفضل: يا سيدي فلم سموا قوم موسى اليهود، قال: لقول الله عنهم هدنا اليك أي اهديتنا اليك، قال والنصارى لم سموا نصارى، قال: لقول عيسى يا بني اسرائيل من انصاري الى الله قال الحواريون نحن انصار الله فتسموا نصارى لنصرة دين الله. قال المفضل: ولم سموا الصابئون قال لانهم صبوا الى تعطيل الانبياء والرسل والملل والشرائع وقالوا كل ما جاء به هؤلاء باطل وجحدوا توحيد الله ونبوة الانبياء والرسل والاوصياء فهم بلا شريعة ولا كتاب ولا رسول وهم معطلة العالم. قال المفضل: يا سيدي ففي اي بقعة يظهر المهدي، قال الصادق (عليه السلام) لا تراه عين بوقت ظهوره ولا رأته كل عين فمن قال لكم غير هذا فكذبوه. قال المفضل: يا سيدي وفي اي وقت ولادته قال بلى وبل والله لا يرى من ساعة ولادته الى ساعة وفاته ابيه سنتين وسبعة اشهر اولها وقت الفجر من ليلة يوم الجمعة لثمان ليال خلت من شهر شعبان الثمان ليال خلت من شهر ربيع الاول من سنة ستين ومائتين ثم يرى بالمدينة التي تبنى بشاطئ الدجلة بناها المتكبر الجبار المسمى باسم جعفر العيار المتلقب المتوكل وهو المتاكل لعنه الله يدعو مدينة سامرا ستة سنين يرى شخصه المؤمن المحق ولا يرى شخصه المشك المرتاب وينفذ فيها امره ونهيه ويغيب عنها ويظهر بالقصر بصاريا بجانب حرم مدينة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيلقاه هناك المؤمن بالقصر وبعده لا تراه كل عين. قال المفضل: يا سيدي فمن يخاطبه ولمن يخاطب قال الصادق محمد بن


 

[ 396 ]

نصير في يوم غيبته بصاريا ثم يظهر بمكة والله يا مفضل كاني انظر إليه وهو داخل مكة وعليه بردة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى رأسه عمامة صفراء وفي رجله نعل رسول الله المخصوفة وفي يده هراوة يسوق بين يديه عنوز عجاف حتى يقبل بها نحو البيت وليس احد يوقته ويظهر وهو شاب غرنوق فقال له المفضل: يا سيدي يعود شابا ويظهر في شيعته قال سبحان الله وهل يغرب عليك يظهر كيف شاء وباي صورة إذا جاءه الامر من الله جل ذكره قال المفضل: يا سيدي فيمن يظهر وكيف يظهر قال يا مفضل: يظهر وحده وياتي البيت وحده فإذا نامت العيون ووسق الليل نزل جبرائيل وميكائيل والملائكة صفوفا فيقول له جبريل يا سيدي قولك مقبول وامرك جائز ويمسح يده على وجهه ويقول الحمد لله الذي صدقنا وعده، واورثنا الارض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم اجر العاملين ثم يقف بين الركن والمقام ويصرخ صرخة ويقول معاشر نقبائي واهل خاصتي ومن ذخرهم الله لظهوري على وجه الارض أتوني طائعين فتورد صيحته عليهم وهم في محاريبهم وعلى فرشهم وهم في شرق الارض وغربها فيسمعوا صيحة واحدة في اذن رجل واحد فيجيئوا نحوه ولا يمضي لهم الا كلمح البصر حتى يكونوا بين يديه بين الركن والمقام فيأمر الله النور ان يصير عمودا من الارض الى السماء فيستضئ به كل مؤمن على وجه الارض ويدخل عليه نوره في بيته فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور وهم لا يعلمون بظهور قائمنا القائم (عليه السلام) ثم تصبح نقباؤه بين يديه وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر نفرا بعدد اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيوم بدر. قال المفضل: قلت يا سيدي والاثنان وسبعون رجلا اصحاب ابي عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام) يظهرون معهم قال يظهر معهم الحسين ابن علي باثني عشر الف صديق من شيعته وعليه عمامة سوداء.


 

[ 397 ]

فقال المفضل: يا سيدي فنقباء القائم إليه التسليم بايعوه قبل قيامه قال: يا مفضل كل بيعة قبل ظهور القائم فهي كفر ونفاق وخديعة لعن الله المبايع لها بل يا مفضل يسند القائم ظهره الى كعبة البيت الحرام ويمد يده المباركة فترى بيضاء من غير سوء فيقول هذه يد الله وعن الله وبامر الله ثم يتلو هذه الآية: (ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم فمن ينكث على نفسه ومن اوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه اجرا عظيما) واول من يقبل يده جبريل (عليه السلام) ثم يبايعه وتبايعه الملائكة ونقباء الحق ثم النجباء ويصبح الناس بمكة فيقولون من هذا الذي بجانب الكعبة وما هذا الخلق الذي معه وما هذه الآية التي رأيناها بهذه الليلة ولم نر مثلها فيقول بعضهم لبعض انظروا هل تعرفون احدا ممن معه فيقولون لا نعرف منهم الا اربعة من اهل مكة واربعة من اهل المدينة وهم فلان وفلان يعدونهم باسمائهم ويكون ذلك اليوم اول طلوع الشمس بيضاء نقية فإذا طلعت وابيضت صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان عربي مبين يسمعه من في السماوات والارض يا معاشر الخلائق هذا مهدي آل محمد ويسميه باسم جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويكنيه بكنيته وينسبه الى أبيه الحسن الحادي عشر فاتبعوه تهتدوا ولا تخالفوه فتضلوا فاول من يلبي نداءه الملائكة ثم الجن ثم النقباء ويقولون سمعنا واطعنا ولم يبق ذو اذن الا سمع ذلك النداء وتقبل الخلق من البدو والحضر والبر والبحر يحدث بعضهم بعضا ويفهم بعضهم بعضا ما سمعوه في نهارهم بذلك اليوم فإذا زالت الشمس للغروب صرخ صارخ من مغاربها يا معاشر الخلائق لقد ظهر ربكم من الوادي اليابس من ارض فلسطين وهو عثمان ابن عنبسة الاموي من ولد يزيد بن معاوية لعنهم الله فاتبعوه تهتدوا ولا تخالفوه فتضلوا فترد عليه الجن والنقباء قوله ويكذبونه ويقولون سمعنا وعصينا ولا يبقى ذو شك ولا مرتاب ولا منافق ولا كافر الاصل في النداء الثاني ويسند القائم ظهره الى الكعبة ويقول معاشر الخلائق الا من اراد ان ينظر الى ابراهيم واسماعيل فها انا ابراهيم ومن اراد ان ينظر الى موسى


 

[ 398 ]

ويوشع فها انا موسى ومن اراد ان ينظر الى عيسى وشمعون فها انا عيسى ومن اراد أن ينظر الى محمد (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين اليا فها انا محمد ومن اراد ان ينظر الى الائمة من ولد الحسين فها انا هم واحدا بعد واحد فها انا هم فلينظر إلي ويسالني فاني نبي بما نبؤوا به وما لم ينبؤوا الا من كان يقرأ الصحف والكتب فليسمع الي ثم يبتدئ بالصحف التي انزلها الله على آدم وشيث فيقرأها فتقول امة آدم هذه والله الصحف حقا ولقد قرأ ما لم نكن نعلمه منها وما اخفي عنا وما كان اسقط وبدل وحرف ويقرأ صحف نوح وصحف ابراهيم والتوراة والانجيل والزبور فتقول امتهم هذه والله كما نزلت والتوراة الجامعة والزبور التام والانجيل الكامل وانها اضعاف ما قرأناه ثم يتلو القرآن فيقول المسلمون هذا والله القرآن حقا الذي انزله الله على محمد فما اسقط ولا بدل ولا حرف ولعن الله من اسقطه وبدله وحرفه ثم تظهر الدابة بين الركن والمقام فتكتب في وجه المؤمن مؤمن وفي وجه الكافر كافر ثم يقبل على القائم رجل وجهه الى قفاه وقفاه الى صدره ويقف بين يديه فيقول انا واخي بشير امرني ملك من الملائكة ان الحق بك وابشرك بهلاك السفياني بالبيداء فيقول له القائم بين قصتك وقصة اخيك نذير فيقول الرجل كنت واخي نذيرا في جيش السفياني فخربنا الدنيا من دمشق الى الزوراء وتركناهم حمما وخربنا الكوفة وخربنا المدينة وروثت ابغالنا في مسجد رسول الله وخرجنا منها نريد مكة وعددنا ثلاثمائة الف رجل نريد مكة والمدينة وخراب البيت العتيق وقتل اهله فلما صرنا بالبيداء عرسنا بها فصاح صائح يا بيداء بيدي بالقوم الكافرين فانفجرت الارض وابتلعت ذلك الجيش فوالله ما بقي على الارض عقال ناقة ولا سواه غيري واخي نذير فإذا بملك قد ضرب وجوهنا الى وراء كما ترانا وقال لاخي ويلك يا نذير النذر الملعون بدمشق بظهور مهدي آل محمد وان الله قد اهلك جيشه بالبيداء وقال لي يا بشير الحق بالمهدي بمكة فبشره بهلاك السفياني وتب على يده فانه يقبل توبتك فيمر القائم يده على وجهه فيرده سويا كما كان ويبايعه


 

[ 399 ]

ويسير معه. قال المفضل: يا سيدي وتظهر الملائكة والجن للناس قال اي والله يا مفضل ويخالطونهم كما يكون الرجل مع جماعته واهله قلت يا سيدي ويسيرون معه قال اي والله ولنزلن ارض الهجرة ما بين الكوفة والنجف وعدد اصحابه ستة واربعون الفا من الملائكة وستة الآف من الجن بهم ينصره الله ويفتح على يده. قال المفضل: يا سيدي فما يصنع باهل مكة قال: يدعوهم بالحكم والموعظة الحسنة فيطيعونه ويستخلف فيهم من اهل بيته ويخرج يريد المدينة قال المفضل: يا سيدي فما يصنع بالبيت قال ينقضه ولا يدع منه الا القواعد التي هي اول بيت وضع للناس ببكة في عهد آدم والذي رفعه ابراهيم واسماعيل وان الذي بني بعدهم لا بناه نبي ولا وصي ثم يبنيه كما يشاء ويغير اثار الظلمة بمكة والمدينة والعراق وسائر الاقاليم وليهدمن مسجد الكوفة ويبنيه على بنائه الاول وليهدمن القصر العتيق ملعون من بناه. قال المفضل: يا سيدي يقيم بمكة قال لا بل يستخلف فيها رجلا من اهله فإذا سار منها وثبوا عليه وقتلوه فيرجع إليهم فيأتوا مهطعين مقنعي رؤوسهم يبكون و ؟ ؟ ؟ ؟ ويقولون يا مهدي آل محمد التوبة فيعظهم وينذرهم ويحذرهم ثم يستخلف فيهم خليفة ويسير عنهم فيثبون عليه بعده ويقتلونه فيرجع إليهم فيخرجون إليه مجززين النواصي ويضجون يبكون ويقولون يا مهدي آل محمد غلبت علينا شقوتنا فاقبل منا توبتنا يا اهل بيت الرحمة فيعظهم ويحذرهم ويستخلف فيهم خليفة ويسير فيثبون عليه بعده ويقتلونه فيرد إليهم انصاره من الجن والنقباء فيقول ارجعوا إليهم لا تبقوا


 

[ 400 ]

منهم احدا الا من وسم وجهه بالايمان فلولا رحمة الله وسعت كل شئ وانا تلك الرحمة، لرجعت إليهم معكم فقد قطعوا الاعذار والانذار بين الله وبيني وبينهم فيرجعون إليهم فوالله لا يسلم من المائة منهم واحد والله ولا من الالف واحد. قال المفضل: قلت يا سيدي فاين يكون دار المهدي ومجمع المؤمنين قال يكون ملكه بالكوفة ومجلس حكمه جامعها وبيت ماله مقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة وموضع خلوته الذكوات البيض من الغريين. قال المفضل: وتكون المؤمنون بالكوفة قال اي والله يا مفضل لا يبقى مؤمن الا كان فيها وجرى إليها وليبلغن مربط مجال فرس الف درهم والله ومربط شاة الف درهم والله وليودن كثيرا من الناس انهم يشترون شبرا من ارض السبيع بواحد ذهب والسبيع خطة من خطط همدان ولتصيرن الكوفة اربعة وخمسين ميلا ولتخافن قصورها كربلا ولتصيرن كربلا معقلا ومقاما تعكف فيه الملائكة والمنون وليكونن شان عظيم ويكون فيها البركات ما لو وق فيها مؤمن ودعا ربه بدعوة واحدة لا عطاه مثل ملك الدنيا الف مرة ثم تنفس أبو عبد الله وقال: يا مفضل ان بقاع الارض تفاخرت ففخرت كعبة البيت الحرام على البقعة بكربلاء فأوحى الله اسكتي يا كعبة البيت الحرام فلا تفخري عليها فانها البقعة المباركة التي نودي موسى منها من الشجرة وانها الربوة التي اوت إليها مريم والمسيح وانها الدالية التي غسل فيها رأس الحسين وفيها غسلت مريم لعيسى واغتسلت من ولادتها وانها آخر بقعة يخرج الرسول منها في وقت غيبته وليكونن لشيعتنا فيها حياة لظهور قائمنا. قال المفضل: يا سيدي الى اين يسير المهدي قال الي مدينة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب يظهر سرور المؤمنين وحزن الكافرين.


 

[ 401 ]

قال المفضل: يا سيدي ما هو ذلك قال يرد قبر جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويقول يا معاشر الخلائق هذا قبر جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقولون نعم يا مهدي آل محمد فيقول من معه في القبر فيقولون ضجيعاه وصاحباه أبو بكر وعمر فيقول وهو اعلم بهم من الخلق جميعا ومن أبو بكر وعمر وكيف دفنا من دون كل الخلق مع جدي رسول الله فعسى المدفون غيرهما فيقولون يا مهدي آل محمد ما ها هنا غيرهما وانما دفنا لانهما خليفتاه وابوا زوجتيه فيقول للخلق بعد ثلاثة ايام اخرجواهما فيخرجا غضين طريين لم تتغير خلقتهما ولم تشحب الوانهما فيقول هل فيكم رجل يعرفهما فيقولون نعرفهما بالصفة ونشبههم لان ليس هنا غيرهم فيقول هل فيكم احد يقول غير هذا ويشك فيهما فيقولون لا فيؤخر اخراجها ثلاثة ايام ثم ينشر الخبر في الناس فيفتتن من والاهما بذلك الحديث ويجتمع الناس ويحضر المهدي ويكشف الجدار عن القبرين ويقول للنقباء ابحثوا عنهما وانبشوهما فيبحثون بايديهم الى ان يصلوا اليهما فيخرجاهما قال كهيئتهما في الدنيا فتكشف عنهما اكفانهما ويامر برفعهما على دوحة يابسة ناخرة ويصلبان عليها فتحيى الشجرة وتنبع وتورق ويطول فرعها فيقول المرتابون من اهل شيعتهما هذا والله الشرف العظيم الباذخ حقا ولقد فزنا بمحبتهما ويخسر من اخفى في نفسه مقياس حبة من محبتهما فيضرونهما ويرونهما ويفتتنون بهما وينادي منادي المهدي كل من احب صاحبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وضجيعيه فلينفرد فيجتاز الخلق حزبين موال لهما ومتبرئ منهما فيعرض المهدي عليهم البراءة منهما فيقولون يا مهدي آل محمد نحن لا نتبرأ منهما ولم نعلم ان لهما عند الله وعندك هذه المنزلة وهذا الذي قد بدا لنا من فضلهما نتبرأ الساعة منهما وقد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت من طراوتها وغضاضتهما وحياة هذه الشجرة بهما بلى والله نتبرأ منك لنبشك لهما وصلبك اياهما فيأمر ريحا سوداء فتهب عليهم فتجعلهم كاعجاز نخل خاوية ثم يامر بانزالهما فينزلان إليه فيحييان ويامر الخلائق بالاجتماء ثم يقص عليهم قصص افعالهما في كل كور ودور حتى يقص


 

[ 402 ]

عليهم قتل هابيل بن آدم وجمع النار لابراهيم وطرح يوسف في الجب وحبس يونس ببطن الحوت وقتل يحيى وصلب عيسى وحرق جرجيس ودانيال وضرب سلمان الفارسي واشعال النار على باب امير المؤمنين وسم الحسن وضرب الصديقة فاطمة بسوط قنفذ ورفسه في بطنها واسقاطها محسنا وقتل الحسين وذبح اطفاله وبني عمه وانصاره وسبي ذراري رسول الله (صلى الله عليه وآله) واهراق دماء آل الرسول ودم كل مؤمن ومؤمنة ونكاح كل فرج حرام واكل كل سحت وفاحشة واثم وظلم وجور من عهد آدم الى وقت قائمنا كله يعده عليهم ويلزمهم اياه فيعترفان به ثم يامر بهما فيقتص منهما في ذلك الوقت بمظالم من حضر ثم يصلبهما على الشجرة ويامر نارا تخرج من الارض تحرقهما ثم يامر ريحا تنسفهما في اليم نسفا. قال المفضل: يا سيدي وذلك هو آخر عذابهم قال هيهات يا مفضل والله ليردان ويحضر السيد محمد الاكبر رسول الله والصديق الاعظم امير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والائمة امام بعد امام وكل من محض الايمان محضا ومحض الكفر محضا وليقتصن منهم بجميع المظالم حتى انهما ليقتلان كل يوم الف قتلة ويردان الى ما شاء الله من عذابهما ثم يسير المهدي الى الكوفة وينزل ما بينها وبين النجف وعدد اصحابه في ذلك اليوم ستة واربعون الفا من الملائكة وستة آلاف من الجن والنقباء ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا. قال المفضل: يا سيدي كيف تكون دار الفاسقين الزوراء في ذلك اليوم والوقت قال: في لعنة الله وسخطه وبطشه تحرقهم الفتن وتتركهم حمما الويل لها ولمن بها كل الويل من الرايات الصفر ومن رايات الغرب ومن كلب الجزيرة ومن الراية التي تسير إليها من كل قريب وبعيد والله لينزلن فيها من صنوف العذاب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت بمثله ولا يكون طوفان اهلها الا السيف الويل عند ذك كل الويل لمن اتخذها مسكنا فان المقيم بها لشقائه والخارج منها يرحمه الله والله يا مفضل ليتنافس امرها في الدنيا


 

[ 403 ]

يعني الكوفة حتى يقال انها هي الدنيا وان دورها وقصورها هي الجنة وان نساءها هي الحور العين وان ولدانها الولدان وليظن الناس ان الله لم يقسم رزق للعباد الا بها ولتظهر بغداد الزور والافتراء على الله ورسوله والحكم بغير كتاب وشهادة الزور وشرب الخمر وركو الفسق والفجور واكل السحت وسفك الدماء ما لم يكن في الدنيا الا دونه ثم يخربها الله بتلك الفتن والرايات حتى ليمر عليها المار فيقول ها هنا كانت الزوراء. قال المفضل: ثم ماذا يا سيدي قال: ثم يخرج الحسني الفتى الصبيح من نحو الديلم يصيح بصوت فصيح يا آل احمد اجيبوا الملهوف والمنادي من حول الضريح فتجيبه كنوز الله بالطاقات كنوزا واي كنوز ليست من فضة ولا من ذهب بل هي رجال كزبر الحديد كاني انظر إليهم على البراذين الشهب في ايديهم الحراب يتعاوون شوقا للحرب كما تتعاوى الذئاب اميرهم رجل من تميم يقال له شعيب به صالح فيقبل الحسني إليهم وجهه كدارة البدر يريع الناس جمالا انيقا فيعفي على اثر الظلمة فيأخذ بسيفه الكبير والصغير والعظيم والرضيع ثم يسير بتلك الرايات كلها حتى يرد الكوفة وقد صفا اكثر الارض فيجعلها معقلا ويتصل به وباصحابه خبر المهدي (عليه السلام) فيقولون يا ابن رسول الله من هذا الذي نزل بساحتنا فيقول اخرجوا بنا إليه حتى ننظره من هو وما يريد والله ويعلم انه المهدي وانه يعرفه وانه لم يرد بذلك الامر الا له فيخرج الحسني في امر عظيم بين يديه اربعة آلاف رجل وفي اعناقهم المصاحف وعلى ظهورهم المسوح الشعر يقال لهم الزيدية فيقبل الحسني حتى ينزل بالقرب من المهدي ثم يقول الرجل لاصحابه اسالوا عن هذا الرجل من هو وما يريد فيخرج بعض اصحاب الحسني الى عسكر المهدي ويقول يا ايها العسكر الجميل من انتم حياكم الله ومن صاحبكم هذا وما تريدون فيقول له اصحاب المهدي هذا ولي الله مهدي آل محمد ونحن انصاره من الملائكة والانس والجن فيقول اصحاب الحسني يا سيدنا ما تسمع ما يقول هؤلاء في صاحبهم


 

[ 404 ]

فيقول الحسني خلوا بيني وبين القوم فانا هل اتيت على هذا حتى انظر وينظروا فيخرج الحسني من عسكره ويخرج المهدي (عليه السلام) ويقفان بين العسكرين فيقول له الحسني ان كنت مهدي آل محمد فاين هراوة جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخاتمه وبردته ودرعيه الفاضل وعمامته السحاب وفرسه البرقوع وناقته العضباء وبغلته الدلدل وحماره اليعفور ونجيبه البراق وتاجه السني والمصحف الذي جمعه امير المؤمنين (عليه السلام) بغير تبديل ولا تغيير. قال المفضل: يا سيدي فهذا كله في السفط قال: يا مفضل وتركات جميع النبيين حتى عصاة آدم وآلة نوح وتركة هود وصالح ومجمع ابراهيم وصاع يوسف وميكائيل وشعيب وميراثه وعصاته موسى وتابوت الذي فيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ودرع داود وعصاته وخاتم سليمان وتاجه وانجيل عيسى وميراث النبيين والمرسلين في ذلك السفط فيقول الحسني هذا بعض ما قد رأيت وانا أسالك ان تغرس هراوة جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذا الحجر الصفا وتسال الله ان ينبتها فيها وهو لا يريد بذلك الا ان يرى اصحابه فضل المهدي إليه التسليم حتى يطيعوه ويبايعوه فيأخذ المهدي الهراوة بيده ويغرسها في الحجر فتنبت فيه وتعلو وتفرغ وتورق حتى تظل عسكر المهدي والحسني فيقول الحسني الله اكبر مد يدك يا ابن رسول الله حتى ابايعك فيمد يده فيبايعه ويبايعه سائر عسكر الحسني الا الاربعة آلاف اصحاب المصاحف والمسوح الشعر المعروفين بالزيدية فيقولون ما هذا الا سحر عظيم فتختلط العسكران ويقبل المهدي على الطائفة المنحرفة فيعظهم ويدعيهم ثلاثة ايام فلم يزدادوا الا طغيانا وكفرا فيأمر بقتلهم كاني انظر إليهم وقد ذبحوا على مصاحفهم وتمرغوا بدمائهم فيقبل بعض اصحاب المهدي لاخذ تلك المصاحف فيقول لهم المهدي دعوها تكون عليهم حسرة كما بدلوها وغيروها ولم يعملوا بما فيها.


 

[ 405 ]

قال المفضل ثم ماذا يا سيدي قال: ثم تثور رجاله الى سرايا السفياني بدمشق فيأخذوه ويذبحونه على الصخرة ثم يظهر الحسين (عليه السلام) في اثني عشر الف صديق واثنين وسبعين رجاله بكربلاء فيا لك عندها من كرة زهراء ورجعة بيضاء ثم يخرج الصديق الاكبر امير المؤمنين إليه التسليم وتنصب له القبة على النجف وتقام اركانها ركن بهجر وركن بصنعاء اليمن وركن بطيبة وهي مدينة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكاني انظر إليها ومصابيحها تشرق بالسماء والارض اضوى من الشمس والقمر فعندها تبلى السرائر وتذهل كل مرضعة عما ارضعت الى آخر الآية ثم يظهر الصديق الاكبر الاجل السيد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في انصاره إليه ومن آمن به وصدق واستشهد معه ويحضر مكذبوه والشاكون فيه انه ساحر وكاهن ومجنون ومعلم وشاعر وناعق عن هذا ومن حاربه وقاتله حتى يقتص منهم بالحق ويجاوزوا بافعالهم من وقت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الى ظهور المهدي مع امام امام ووقت وقت ويحق تأويل هذه الآية: (ونمكن لهم في الارض ونري فرعون وهامان) قال ضلال ووبال لعنهما الله فينشبا ويحيا. قال المفضل قلت يا سيدي فرسول الله اين يكون ؟ وامير المؤمنين ؟ قال: ان رسول الله وامير المؤمنين لا بد ان يطئا الارض والله حتى يورثاها اي والله ما في الظلمات ولا في قعر البحار حتى لا يبقى موضع قدم الا وطئاه واقاما فيه الدين الواصب والله فكاني انظر الينا يا مفضل معاشر الائمة ونحن بين يدي جدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نشكوا إليه ما نزل بنا من الامة بعده وما نالنا من التكذيب والرد علينا وسبنا ولعننا وتخويفنا بالقتل وقصد طواغيتهم الولاة لامورهم أيانا من دون الامة وترحيلنا عن حرمه الى ديار ملكهم وقتلهم ايانا بالحبس وبالسم وبالكيد العظيم فيبكي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويقول يا بني ما نزل بكم الا ما نزل بجدكم قبلكم ولو علمت طواغيتهم وولاتهم ان الحق والهدى والايمان


 

[ 406 ]

والوصية والامامة في غيركم لطلبوه. ثم تبتدئ فاطمة (عليها السلام) بشكوى ما نالها من ابي بكر وعمر من اخذ فدك منها ومشيها إليهم في مجمع الانصار والمهاجرين وخطابها الى ابي بكر في امر فدك وما رد عليها من قوله ان الانبياء لا وارث لهم واحتجاجها عليه بقول الله عز وجل بقصة زكريا ويحيى: (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا) وقوله بقصة داود وسليمان: (وورث سليمان داود) وقول عمر لها هاتي صحيفتك التي ذكرت ان اباك كتبها لك على فدك واخراجها الصحيفة واخذ عمر اياها منها ونشره لها على رؤوس الاشهاد من قريش والمهاجرين والانصار وسائر العرب وتفله فيها وعركه لها وتمزيقه اياها وبكاءها ورجوعها الى قبر ابيها (صلى الله عليه وآله) باكية تمشي على رمضاء وقد اقلقتها واستغاثتها بابيها وتمثلها بقول رقية بنت صفية: قد كان بعدك انباء وهينمة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب انا فقدناك فقد الارض وابلها * واختل اهلك واختلت بها الريب ابدى رجال لنا ما في صدورهم * لما نايت وحالت دونك الحجب لكل قوم لهم قوبى ومنزلة * عند الاله عن الادنين مقترب يا ليت بعدك كان الموت حل بنا * املوا اناس ففازوا بالذي طلبوا وتقص عليه قصة ابي بكر وانفاذ خالد بن الوليد وقنفذ وعمر جميعا لاخراج امير المؤمنين (عليه السلام) من بيته الى البيعة في سقيفة بني ساعدة واشتغال امير المؤمنين وضم ازواج رسول الله وتعزيتهن وجمع القرآن وتاليفه وانجاز عداته وهي ثمانون الف درهم باع فيها تالده وطارفه وقضاها عنه وقول عمر له اخرج يا علي الى ما اجمع عليه المسلمون من البيعة لامر ابي بكر فما لك ان تخرج عما اجتمعنا عليه فان لم تفعل قتلناك وقول فضة جارية فاطمة (عليها السلام) ان امير المؤمنين عنكم مشغول والحق له لو


 

[ 407 ]

انصفتموه واتقيتم الله ورسوله وسب عمر لها وجمع الحطب الجزل على النار لاحراق امير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزنب ورقية وام كلثوم وفضة واضرامهم النار على الباب وخروج فاطمة (عليها السلام) وخطابها لهم من وراء الباب وقولها ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله ورسوله تريد ان تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفئ نور الله والله متم متم نوره وانتهاره لها وقوله كفي يا فاطمة فلو ان محمدا حاضر والملائكة تأتيه بالامر والنهي والوحي من الله وما علي الا كاحد المسلمين فاختاري ان شئت خروجه الى بيعة ابي بكر والا احرقكم بالنار جميعا وقولها له يا شقي عدي هذا رسول الله لم يبل له جبين في قبره ولامس الثرى اكفانه ثم قالت وهي باكية اللهم اليك نشكو فقد نبيك ورسولك وصفيك وارتداد امته ومنعهم ايانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك بلسانه وانتهار عمر لها وخالد بن الوليد وقولهم دعي فنك يا فاطمة حماقة النساء فكم يجمع الله لكم النبوة والرسالة واخذ النار في خشب الباب وادخل قنفذ لعنه الله يده يروم فتح الباب وضرب عمر لها بسوط ابي بكر على عضدها حتى صار كالدملج الاسود المحترق وانينها من ذلك وبكاها وركل عمر الباب برجله حتى اصاب بطنها وهي حاملة بمحسن لستة اشهر واسقاطها وصرختها عند رجوع الباب وهجوم عمر وقنفذ وخالد وصفقة عمر على خدها حتى ابرى قرطها تحت خمارها فانتثر وهي تجهر بالبكاء تقول يا ابتاه يا رسول الله ابنتك فاطمة تضرب ويقتل جنين في بطنها وتصفق يا ابتاه ويسقف خد لما لها كنت تصونه من ضيم الهوان يصل إليه من فوق الخمار وضربها بيدها على الخمار لتكشفه ورفعها ناصيتها الى السماء تدعو الى الله وخروج امير المؤمنين من داخل البيت محمر العينين داير الحدقتين حاسر حتى القى ملاءته عليها وضمها لصدره وقال يا ابنة رسول الله قد علمتي ان الله بعث اباكي رحمة للعالمين فالله الله ان تكشفي أو ترفعي ناصيتك فوالله يا فاطمة لئن فعلتي ذلك لا يبقي الله على الارض من يشهد ان محمد رسول الله ولا موسى ولا عيسى ولا ابراهيم ولا نوح ولا آدم ولا دابة تمشي على وجه الارض ولا


 

[ 408 ]

طائر يطير في السماء الا هلك ثم قال الى ابن الخطاب لك الويل كل الويل بالكيل من يومك هذا وما بعده وما يليه اخرج قبل ان اخرج سيفي ذا الفقار فافني غابر الامة فخرج عمر وخالد بن الوليد وقنفذ وعبد الرحمن بن ابي بكر وصاروا من خارج الدار فصاح امير المؤمنين بفضة اليكي مولاتك فاقبلي منها ما يقبل النساء وقد جاءها المخاض من الرفسة ورده الباب فسقطت محسنا عليه قتيلا وعرفت امير المؤمنين إليه التسليم فقال لها: يا فضة لقد عرفه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعرفني وعرف فاطمة وعرف الحسن وعرف الحسين اليوم بهذا الفعل ونحن في نور الاظلة انوار عن يمين العرش فاوايه بقعر البيت فانه لاحق بجده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتشكو حمل امير المؤمنين لها في سواد الليل والحسن والحسين رزينب وام كلثوم الى دور المهاجرين والانصار يذكره بالله ورسوله وعهده الذي بايعوا الله ورسوله عليه في اربع مواطن في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتسليمهم عليه بامرة المؤمنين جميعهم فكل يعده النصرة ليومه المقبل فلما اصبح قعد جمعهم عنده ثم يشكو إليه امير المؤمنين المحن السبعة التي امتحن بها بعده ونقض المهاجرين والانصار قولهم لما تنازعت قريش في الامامة والخلافة قد منع لصاحب هذا الامر حقه فإذا منع فنحن اولى به من قريش الذين قتلوا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وكبسوه في فراشه حتى خرج منهم هاربا الى الغار الى المدينة فاويناه ونصرناه وهاجرنا إليه فقالت الانصار حتى قال من الحزبين منا امير ومنكم امير فقام عمر اربعين شاهدا قسامة شهدوا على رسول الله زورا وبهتانا ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال الائمة من قريش فاطيعوهم ما اطاعوا الله فان عصوا فالحوهم لحي هذا القضيب ورمي القضيب من يده فكانت اول قسامة زور شهدت في الاسلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وان رقبوا الامر الى ابي بكر وجاءوا يدعوني الى بيعته فامتنعت إذ لا ناصر لي وقد علم الله ورسوله ان لو نصرني سبعة من سائر المسلمين لما وسعني القعود فوثبوا علي وفعلوا


 

[ 409 ]

بابنتك يا رسول الله ما شكيته اليك وانت اعلم به ثم جاؤوا بي فاخرجوني من داري مكرها وثلبوني وكان من قصتي فيهم مثل قصة هارون مع بني اسرائيل وقولي كقوله لموسى (يا ابن ام ان الوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الاعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين) وقوله (يا ابن ام لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي اني خشيت ان تقول فرقت بين بني اسرائيل ولم ترقب قولي) فصبرت محتسبا راضيا وكانت الحجة عليهم في خلافي ونقض عهدي الذي عاهدتهم عليه يا رسول الله واحتملت ما لم يحتمل وصي من نبي من سائر الانبياء والاوصياء في الامم حتى قتلوني بضربة عبد الرحمن بن ملجم وكان الله الرقيب عليهم في نقضهم بيعتي وخروج طلحة والزبير بعائشة الى مكة يظهران الحج والعمرة وسيرهم بها ناقضين لبيعتي الى البصرة وخروجي إليهم وتخويفي اياهم بما جئت به يا رسول الله من كتاب الله ومقامهم على حربي وقتالي وصبري عليهم واعذاري وانذاري وهم يابون الا السيف فحاكمتهم الى الله بعد ان الزمتهم الحجة فنصرني الله عليهم بعد ان قتل اكابر المهاجرين والانصار والتابعين بالاحسان وهرقت دماء عشرين الف من المسلمين وقطعت سبعون كفا على زمام الجمل من سبعين رئيسا كلما قطعت كف قبض عليه آخر ثم لقيت من ابن هند معاوية بن صخر أدهى وأمر مما لقيت في غزواتك يا رسول الله بعدك من اصحاب الجمل على ان حرب الجمل كان اشنع الحرب التي لقيتها واهولها واعظمها فسرت من دار هجرتي الكوفة الى حرب معاوية ومعي سبعمائة من انصارك يا رسول الله واربعة من دونه في ديوانك ولها ستين الف رجل من اهل العراقين الكوفة والبصرة والخلاط الناس فكان بعون الله وعلمك يا رسول الله جهادي بهم وصبري عليهم حتى إذا وهنوا وتنازعوا وتفاشلوا مكر باصحابي ابن هند وشانئك الابتر عمرو ورفع المصاحب على الاسنة ونادى يا اخواننا من الاسلام ندعوكم إلى كتاب الله وإلى الحكومة ونصون دماءنا ودماءكم واصغى اهل الشبهات والشكوك والظنون ومن في قلبه مرض من أصحابي إلى ذلك وقالوا باجمعهم لا يحل لنا قتال من دعانا


 

[ 410 ]

الى كتاب الله وقلت لهم ما قد علمته وانت يا رسول الله علمتني اياه من علم الله ان القوم لم يرفعوا المصاحف الا عند رهبهم وظهورنا عليهم فابى المنافقون من أصحابي الا الكف عنهم وترك قتالهم فوعظتهم وحرضتهم وحفظتهم وبينت لهم أمرهم وإنها حيلة عليهم فرموا اسلحتهم واجتمعوا اصحاب معاوية في زهاء عشرين ألفا وقالوا لي كلمة رجل واحد: دعنا نحاكم القوم الى كتاب الله فقلت لهم على انني احكم به منكم ومن معاوية فقال معاوية: لا يحكم علي ولا احكم به فانه لا يرضى ولا ارضى ولا يسلم الي ولا اسلم إليه فقلت الى ابني الحسن الصر لا شككت في نفسي وفضلت ابني علي فقالوا لي: ابنك انت وانت ابنك فقلت عبد الله بن العباس فقالوا: لا يحكم بيننا مضري واختاروا علي ولي الاختيار عليهم وتحكموا وانا الحاكم وقالوا ان لم ترض نحكم من نشاء اخذنا الذي فيه عيناك ثم اختاروا ان يحكموا يكتبوا الى عبد الله بن قيس الاشعري وهو منعزل عنا فسيروه وقدموه وتركوا معاوية قد حكم عمرا ورضوا هم بعبد الله بن قيس الاشعري وحكموا بما ارادوا ووصفوا عبد الله بن قيس بالفضل والجبلة عباء عن مكر عمر وما كانت الا مواطاة وخدعة اظهرها عمر وعبد الله فزعموا ان عبد الله عزلني وان عمرا اثبت معاوية والزموني عند قعود جمعهم عني واجتماعهم واهل الشام وان كتبت بيني وبين معاوية الى اجل معلوم وانكفات معصيا غير مطاع الى الكوفة اظهر لعني معاوية على منابر الشام وسائر اعماله ولعنت انا وابناك يا رسول الله الحسن والحسين وعبد الله بن العباس وعمار بن ياسر ومالك الاشتر شهد ايام بني امية كلهم على المنابر وفي جوامع الصلاة ومساجدها وفي الاسواق وعلى الطرق والمسالك جهرا لا سرا وخرج علي المارقون من أصحابي المطالبون لي بالتحكيم يوم المصاحف فقالوا: قد غيرت وكفرت وبدلت وخالفت الله في تركنا ورأينا واجابتك لنا الى ان حكمنا عليك الرجال فكان لي ولهم بحروراء موقف دفعت لهم فيه عن قتالهم وانظرتهم حولا كاملا ثم خرجت بعد انقضاء الهدنة اريد معاوية بمن اطاعني من المسلمين فخرج اصحابي


 

[ 411 ]

المارقون علي بالنهروان فلقوا رجلا من صلحاء المسلمين وعبادهم ومن قاتل معي يوم الجمل وصفين يقال له عبد الله بن خباب وذبحوه وزوجته وطفلا له على دم خنزير وقالوا ما ذبحنا هؤلاء وهذا الخنزير الا واحد وهذا فعلنا بعلي وسائر اصحابه حتى يقر انه قد كفر وغير وبدل ثم يتوب ونقبل توبته فعدلت إليهم وخاطبتهم بالنهروان فاحتجوا علي واحتججت عليهم فكان احتجاجهم باطلا وكان احتجاجي حقا. قال الحسين بن حمدان ويعيد امير المؤمنين احتجاجهم عليه واحتجاجه عليهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم اعده لان شرحه قد تقدم. ورجع الحديث الى قول الصادق (عليه السلام) للمفضل، قال: يقول امير المؤمنين (عليه السلام) والله يا رسول الله ما رضوا بتكذيبي ونقض بيعتي والخلاف علي وقتالي واستحلال دمي ولعني قروا فاني امرت الامة بما أمرتني به من تربيع الاظافير ونهيتهم عن تدويرها فذكروا اني انما ربعتها لاني اتسلق على مشارب ازواجك يا رسول الله فاتي منهن الفاحشة وكنت ابيع الخمر بعهدك وبعدك وكنت اغل الفئ في جيمع غزواتك واستبد به دونك ودون المسلمين ولم يبقوا عضيهة ولا شبهة ولا فاحشة الا نسبوها الي وزعموا اني لو استحقيت الخلافة لما قدمت علي في حياتك ابا بكر في الصلاة ولقد علمت يا رسول الله ان عائشة أمرت بلالا وانت في وعلك مرضك وقد نادى بلال في الصلاة فاسرعت كاذبة عليك يا رسول الله فقالت ان رسول الله يامرك ان تقدم ابا بكر فراجع بذلك بلال وكل يقول له مثل قولها فرجع بلال الى المسجد فقال ان مخبرا اخبرني عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه امر بتقديمك يا ابا بكر في الصلاة ورجعت عائشة من اباب نكرت وقلت لها يا رسول الله ويلك يا حميراء ما الذي جنيت امرت عني بتقديم ابيك في الصلاة فقالت قد كان بعض ذلك يا


 

[ 412 ]

رسول الله فقمت ويدك اليمنى علي واليسرى على الفضل بن العباس معجلا لا تستقر قدماك على الارض حتى دخلت المسجد ولحقت ابا بكر قد قام مقامك في الصلاة فاخرجته وصليت بالناس فوالله لقد تكلم المنافقون بفضل ابي بكر حتى تقدم للصلاة بعهدك يا رسول الله فاحتججت عليهم لما اظهروا ذلك بعد وفاتك فلم ادع لهم فيها اعتلالا ولا مذهبا ولا حجة ينقلون بها وثنيت وقلت: ان زعمتم ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) من تقديم ابي بكر في الصلاة لانه افضل الامة عنده فلما خرجه عن فضل ندبه إليه وان زعمتم ان رسول الله امر بذلك وهو مثقل عن النهضة فلما وجد الحق فسارع فلم يسعه القعود فالحجة عليك في اسقاط ابي بكر وان زعمتم ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) اوقفه عن يمينه دون الصفوف فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابو بكر امام المسلمين في تلك الصلاة فهذا لا يكون وان زعمتم انه اوقفه عن شماله فقد كان أبو بكر امام رسول الله لان الامام إذا صلى برجل واحد فمقامه عن يمينه لا عن شماله وان زعمتم انه اوقفه بينه وبين الصف الاول فقد كان رسول الله امام ابي بكر وابو بكر امام المسلمين وهذا الامر لا يكون ولا يقوم رجل واحد في الصلاة الا امام الصلاة وان زعمتم انه اقامه في الصف الاول فما فضله على جميع الصف الاول وان زعمتم ان رسول الله اقامه في الصف الاول مسمع فيه التكبير في الصلاة لانه كان في حال ضيقه من العلة لا يسمع ساير من في المسجد فقد كفرتم ابا بكر وحبطتم عمله لان الله عز وجل يقول يا ايها الذين آمنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط اعمالكم وانتم لا تشعرون والله ما ذاك يا رسول الله الا انني لم اجد ناصرا من المسلمين على نصرة دين الله ولقد دعوتهم كما اخبرتكم الموفقة فاطمة انني حملتها وذريتها الى دور المهاجرين والانصار اذكرهم بايام الله وما اخذته عليهم يا رسول الله بامر الله من العهد والميثاق لي في اربعة مواطن وتسليمهم علي بامرة المؤمنين بعهدك فيعدوني النصرة ليلا ويقعدون عني نهارا حتى إذا جاءني ثقات


 

[ 413 ]

اصحابك باكين استنهضوني ويقولون على انهم انصاري على اظهار دين الله امتحنتهم بحلق رؤوسهم واشهار سيوفهم على عواتقهم ومسيرهم إلى باب داري فتأخر جمعهم عني فما صح لي منهم إلا ثلاث نفر وآخر لم يتم حلق رأسه ولا اشهر سيفه وهم والله أحبابك وانجابك واصحابك وهم سلمان والمقداد وابو ذر وعمار الذي لم يتم حلق رأسه ولا أشهر سيفه ولا خرجت مكرها إلى سقيفة بني ساعدة أقاد إليها كما تقاد صعبة الابل فلم أر لي ولا ناصرا إلا الزبير بن العوام فانه شهر سيفه في أوساطهم وعض على نواجذه وقال والله لاغمدته أو تقطع يدي اما ترضون ان غصبتم عليا حقه ونقضتم عهده وعهد الله ومبايعتكم له حتى جئتم به يبايعكم فوثب عمر وخالد وتمام اربعين رجلا كلا يجتهد في اخذ السيف من يده وطرحوه الى الارض صريعا واخذوا السيف من يده فلما انتهوا بي الى عتيق وردت على مورد لم يسعني معه السكوت بعد ان كظمت غيظي وحفظت نفسي وربطت جاشئ وقلت للناس جميعا انما نا فريضة فرضها الله طاعتي ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الامة فإذا نقضوا عهد الله ورسوله وخالفتني الامة لم يكن علي ان ادعوهم الى طاعتي ثانية ومالي فيهم ناصر ولا معين وصبرت كما ادبني الله بما ادبك يا رسول الله في قوله جل من قائل (فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل) الآية وقوله: (واصبر وما صبرك الا بالله) وحق يا رسول الله تأويل هذه الآية التي انزلها في الامة من بعدك في قوله عز من قائل: (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين). قال المفضل: يا سيدي فما تأويل هذه الآية: (أفان مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم) فان كثيرا من الناس يقولون ان الله لا يعلم بموت عبد ولا بقتل وبعضهم يقول: (افان مات محمدا أو قتل) بما يموت به العالم على ثبت.


 

[ 414 ]

قال الصادق (عليه السلام): لو ردوا ما لا يعلمونه الينا ولم يفتروا فيه الكذب ولم يتاولوه من عند انفسهم لبينا لهم الحق فيه يا مفضل ان الله عالم لا بعلم وانما تأويل الآية ان مات أو قتل بما يموت به العالم فانهما ميتتان لا ثالثة لهما الموت بلا قتل والقتل بالسيف وبما يقتل به من سائر الاشياء اما ترى ان الامة ارتدت ونقضت وغيرت وبدلت بين موت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقتل امير المؤمنين (عليه السلام) ثم جرى الآخرون كما جرى الاولون. قال الحسين بن حمدان: وقص امير المؤمنين على رسول الله قصصا طويلة لم اعدها لئلا يطول شرح الكتاب. وعاد الحديث الى الحسن (عليه السلام). روى المفضل عن الصادق: قال ويقوم الحسن الى جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويقول يا جداه كنت مع امير المؤمنين بالكوفة في دار هجرته حتى استشهد بضربة عبد الرحمن بن ملجم فوصاني بما وصيته به يا جداه وبلغ معاوية قتل ابي فانفذ الدعي عبيد الله بن زياد الى الكوفة في مائة وخمسين الف مقاتل وامره بالقبض علي وعلى اخي الحسين وسائر اخوتي واهل بيتي وشيعتي وموالينا وان ياخذ علينا جميعا البيعة لمعاوية فمن تابى منا ضرب عنقه ويسير الى معاوية رأسه فلما علمت ذلك من فعل معاوية خرجت من داري ودخلت جامع الصلاة ورقيت المنبر واجتمع الناس حتى لم يبق موضع قدم في المسجد وتكاتفوا حتى ركب بعضهم بعضا فحمدت الله واثنيت عليه، وقلت معاشر الناس عفت الديار ومحيت الآثار وقل الاصطبار فلا اقرار على همزات الشياطين والخائنين الساعة وضحت البراهين وتفصلت الآيات وبانت المشكلات ولقد كنا نتوقع اتمام هذه الآية بتأويلها (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات أو قتل انقلبتم) الى


 

[ 415 ]

آخر الآية فقد مات والله جدي رسول الله وابي (عليهما السلام) وصاح الوسواس الخناس ودخل الشك في قلوب الناس ونعق ناعق الفتنة وخالفتهم السنة فيها لها من فتنة صماء بكماء عمياء لا يسمع لداعيها ولا يجاب مناديها ولا يخالف واليها ظهرت ظلمة النفاق وسيرت آيات اهل الشقاق وتكاملت جيوش اهل العراق المراق بين الشام والعراق هلموا رحمكم الله الى الاصباح والنور الوضاح والعالم الجحجاح الى النور الذي لا يطفى والحق الذي لا يخفى يا ايها الناس تيقظوا من رقدة الغفلة ومن برهة الوسنة وتكاثف الظلمة ومن نقصان الهمة فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة وتردى بالعظمة لئن قام لي منكم عصبة بقلوب صافية ونيات مخلصة لا يكون فيها شوب ولا نفاق ولا نية فراق لجاهدنا بالسيف قدما قدما ولاصفن من السيف جوانبها ومن الرماح اطرافها ومن الخيل سنابكها فتكلموا رحمكم الله فكانما الجموا بلجام الضمت ابن الصرد وبنو الجارود ثلاثة وعمرو بن الحمق الخزاعي وحجر بن عدي الكندي والطرماح ابن عطارد السعدي وهاني بن عروة السدوسي والمختار بن ابي عبيد الثقفي وشداد بن عباد الكاهلي، ومحمد بن عطارد الباهلي، وتمام العشرين من همدان، فقالوا لي: يا ابن رسول الله ما نملك غير انفسنا وسيوفنا وها نحن بين يديك لامرك طائعين وعن رأيك صادرين مرنا بما شئت فنطرت يمنة ويسرة فلم ار احدا غيرهم فقلت لهم لي اسوة بجدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين عبد الله سرا وهو يومئذ في تسعة وثلاثين رجلا فلما اكمل الله له اربعين صاروا في عدة فاظهر امر الله فلو كان معي عدتهم جاهدت في الله حق جهاده ثم رفعت رأسي نحو السماء وقلت: اللهم اني قد دعوت وانذرت وصوبت ونبهت فكانوا عن اجابة الداعي غافلين وعن نصرته قاعدين وعن طاعته مقصرين ولاعدائه ناصرين اللهم فانزل عليهم رجزك وباسك الذي لا يرد عن القوم الظالمين ونزلت عن المنبر وأمرت أوليائي واهل بيتي فشدوا رواحلكم وخرجت من الكوفة راحلا الى المدينة


 

[ 416 ]

هذا يا جداه بعد ان دعوت سائر الامة وخاطبتهم بعد قتل أمير المؤمنين الى ما دعاهم إليه هو وخاطبهم بعدك يا رسول الله جاريا على سنتك ومنهاجك وسنن امير المؤمنين ومنهاجه في الموعظة الحسنة والترفق والخطاب الجميل والتخويف بالله والتحذير من سخطه وعذابه والترغيب في رحمته ورضوانه وصفحه وغفرانه لمن وفى بما عاهد عليه الله ورغبتهم في نصرة الدين وموافقد الحق والوقوف بين امر الله ونهيه فرأيت انفسهم مريضة وقلوبهم نائبة فاسدة قد غلب الران عليها فجاؤوني يقولون ان معاية قد سير سراياه الى نحو الانبار والكوفة وشنت غاراته على المسلمين وقتل منهم من لم يقاتله وقتل النساء والاطفال فاعلمتهم انه لا وفاء لهم ولا نصر فيهم وانهم قد اسروا الدعوة واخلدوا الرفاهة واحبوا الدنيا وتناسوا الآخرة فقالوا معاذ الله يا ابن رسول الله ان نكون كما ذكرت فادع لنا الله بالسداد والرشاد فانفذت معهم رجالا وجيوشا وعرفتهم انهم يجيبون الى معاوية وينقضون عهدي وبيعتي ويبيعوني بالخطر اليسير ويقبلون منهم الرشى والتقليدات فزعموا انهم لا يفعلون فما مضى منهم احد الا فعل ما اخبرتهم به من اخذ رشى معاوية وتقليده ونفذ إليه عاديا فاقضى مخالفا فلما كثرت غارات معاوية في أطراف العراق جاؤوني فعاهدوني عهدا مجددا وبيعة مجددة وسرت معهم من الكوفة الى المدائن بشاطئ الدجلة فدس معاوية الى زيد بن سنان اخي جرير بن عبد الله مالا ورشاه اياه على قتلي فخرج الي ليلا وانا في فسطاط لي اصلي والناس نيام فرماني بحربة فاثبتها بجسدي فنبهت العسكر ورأوا الحربة تهتز في اعضائي وامرت بطلب زيد لعنه الله فخرج الى الشام هاربا الى معاوية فرجعت جريحا وخرجت عند قعود الامة عني الى المدينة الى حرمك يا جداه فلقيت من معاوية وسائر بني امية وعراتهم فاسال الله ان لا يضيع لي اجره ولا يحرمني ثوابه ثم دس معاوية الى جعدة ابنة محمد بن الاشعث بن قيس الكندي لعنهم الله فبذل لها مائة الف درهم وضمن لها اقطاع عشر قرى وانفذ إليها سما سمتني


 

[ 417 ]

به فمن. ثم يقول الحسين (عليه السلام) مخضبا بدمائه فيقبل في اثني عشر الف صديق كلهم شهداء وقتلوا في سيل الله من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن شيعتهم ومواليهم وانصارهم وكلهم مضرجون بدمائهم فإذا رآه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فبكت اهل السماوات والارض ومن عليها ويقف امير المؤمنين والحسن عن يمينه وفاطمة عن شماله ويقبل الحسين ويضمه رسول الله الى صدره ويقول يا حسين فديتك قرت عيناك وعيناي فيك وعن يمين الحسين حمزة بن عبد المطلب وعن شماله جعفر بن ابي طالب وامامه أبو عبيدة بن الحارث ابن عبد المطلب وياتي محسن مخضبا بدمه تحمله خديجة ابنة خويلد وفاطمة ابنة اسد وهما جدتاه وجمانة عمته ابنة ابي طالب واسماء ابنة عميس صارخات وايديهن على خدودهن ونواصيهن منشرة والملائكة تسترهن باجنحتها وامه فاطمة تصيح وتقول (هذا يومكم الذي كنتم به توعدون) وجبرائيل يصيح ويقول: (مظلوم فانتصر) فيأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) محسن على يده ويرفعه الى السماء وهو يقول الهي صبرنا في الدنيا احتسابا وهذا اليوم: (تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه امدا بعيدا). قال: ثم بكى الصادق وقال: يا مفضل لو قلت عينا بكت ما في الدموع من ثواب وانما نرجو ان بكينا الدماء ان ثاب به فبكى المفضل طويلا، ثم قال يا ابن رسول الله ان يومكم في القصاص لاعظم من يوم محتنكم فقال له الصادق: ولا كيوم محنتنا بكربلا وان كان كيوم السقيفة واحراق الباب على امير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب وام كلثوم وفضة وقتل محسن بالرفسة لاعظم وامر لانه اصل يوم الفراش. قال المفضل: يا مولاي اسال قال: إسال قال: يا مولاي (وإذا المؤودة سئلت باي ذنب قتلت) قال: يا مفضل تقول العامة انها في كل


 

[ 418 ]

جنين من اولاد الناس يقتل مظلوما قال المفضل: نعم، يا مولاي هكذا يقول اكثرهم قال: ويلهم من أين لهم هذه الآية هي لنا خاصة في الكتاب وهي محسن (عليه السلام) لانه منا وقال الله تعالى: (قل لا أسالكم عليه اجرا الا المودة في القربى) وانما هي من اسماء المودة فمن أين الى كل جنين من اولاد الناس وهل في المودة والقربى غيرنا يا مفضل قال صدقت يا مولاي ثم ماذا قال فتضرب سيدة نساء العالمين فاطمة يدها الى ناصيتها وتقول اللهم انجز وعدك وموعدك فيمن ظلمني وضربني وجرعني ثكل اولادي ثم تلبيها ملائكة السماء السبع وحملة العرش وسكان الهواء ومن في الدنيا وبين اطباق الثرى صائحين صارخين بيصيحتها وصراخها الى الله فلا يبقى احد ممن قاتلنا ولا احب قتالنا وظلمنا ورضي بغضبنا وبهضمنا ومنعنا حقنا الذي جعله الله لنا الا قتل في ذلك اليوم كل واحد الف قتلة ويذوق في كل قتلة من العذاب ما ذاقه من ألم القتل سائر من قتل من اهل الدنيا من دون من قتل في سبيل الله فانه لا يذوق الموت وهو كما قال الله عز وجل: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتيهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون). قال المفضل يا سيدي فان من يستبشرون شيعتكم من لا يقر بالرجعة وانكم لا تكرون بعد الموت ولا يكر اعداؤكم حتى تقتصوا منهم بالحق فقال ويلهم ما سمعوا قول جدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجميع الائمة (عليهم السلام) ونحن نقول من لم يثبت امامتنا ويحل متعتنا ويقول برجعتنا فليس منا وما سمعوا قول الله تعالى (ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر لعلهم يرجعون)، قال المفضل: يا مولاي ما العذاب الادنى وما العذاب الاكبر قال (عليه السلام) العذاب الادنى عذاب الرجعة والعذاب الاكبر عذاب يوم القيامة الذي يبدل فيه الارض غير الارض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار قال المفضل يا مولاي


 

[ 419 ]

فامامتكم ثابتة عند شيعتكم ونحن نعلم انكم اختيار الله في قوله (نرفع درجات من نشاء) وقوله (الله اعلم حيث يجعل رسالته) ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) قال: يا مفضل فاين نحن من هذه الآية قال يا مفضل قول الله تعالى: (ان اولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) وقوله: (ملة ابيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين من قبل) وقول ابراهيم: (رب اجنبني وبني ان نعبد الاصنام) وقد علمنا ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وامير المؤمنين (عليه السلام) ما عبدا صنما ولا وثنا ولا اشركا بالله طرفة عين وقوله: (إذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) والعهد هو الامامة. قال المفضل: يا مولاي لا تمتحني ولا تختبرني ولا تبتليني فمن علمكم علمت ومن فضل الله عليكم اخذت قال صدقت يا مفضل لولا اعترافك بنعمة الله عليك في ذلك لما كنت باب الهدى فاين يا مفضل الآيات من القرآن فيه ان الكافر ظالم قال: نعم، يا مولاي قوله: (الكافرون هم الظالمون) وقوله: (الكافرون هم الفاسقون) ومن كفر وفسق وظلم لا يجعله الله للناس اماما. قال: احسنت يا مفضل فمن اين قلت برجعتنا ومقصرة شيعتنا ان معنى الرجعة ان يرد الله الينا ملك الدنيا فيجعله للمهدي ويحهم متى سلبنا الملك حتى يرد الينا. قال المفضل لا والله يا مولاي ما سلبتموه ولا سلبونه لانه ملك النبوة والرسالة والوصية والامامة. قال الصادق (عليه السلام): يا مفضل لو تدبر القرآن شيعتنا لما شكوا في فضلنا اما سمعوا قول الله جل من قائل: (واذ قال ابراهيم رب ارني


 

[ 420 ]

كيف تحيي الموتى، قال اولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ اربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن ياتينك سيعا واعلم ان الله عزيز حكيم) فاخذ ابراهيم اربعة اطيار فذبحها وقطعها واخلط لحومها وريشها حتى صارت قبضة واحدة ثم قسمها اربعة اجزاء وجعلها على أربعة اجبال ودعاها فأجابته واقرت وايقنت بوحدانية وبرسالة ابراهيم بصورها الاولية ومثل قوله في كتابه العزيز (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال اني يحيي هذه الله بعد موتها فاماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر الى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر الى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر الى العظام كيف ننشرها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال اعلم ان الله على كل شئ قدير) وقوله في طوائف من بني اسرائيل: (الذين خرجوا من ديارهم) هاربين (حذر الموت) الى البراري والمغاور فحظروا على انفسهم حظائر وقالوا قد حرزنا انفسنا من الموت وهم زهاء ثلاثين الف رجل وامرأة وطفل: (فقال لهم الله موتوا) فماتوا كهيئة نفس واحدة وصاروا رفاتا فمر عليهم حزقيل ابن العجوز قتامل امرهم وناجى ربه في امرهم وقص عليه قصتهم وقال الهي وسيدي قد أريتهم قدرتك انك امتهم وجعلتهم رفاتا فارهم قدرتك وان تحييهم حتى ادعوهم اليك ووفقهم للايمان بك وتصديقي فأوحى الله إليه يا حزقيل هذا يوم شريف عظيم القدر وقد آليت به ان لا يسالني مؤمن حاجة الا قضيتها له وهو يو نوروز فخذ الماء ورشه عليهم فانهم يحيون باذني فرش عليهم الماء فاحياهم الله باسرهم فاقبلوا الى حزقيل مؤمنين بالله مصدقين وهم الذين قال الله فيهم: (الم تر الى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت قال لهم الله موتوا ثم احياهم) وقوله في قصة عيسى: (اني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيرا باذن الله وابرئ الاكمه والابرص وأحيي الموتى باذن الله وانبئكم بما


 

[ 421 ]

تأكلون وما تدخرون في بيوتكم). هذا يا مفضل ما اقمنا به الشاهد من كتاب الله لشيعتنا مما يعرفونه في الكتاب ولا يجهلونه ولئلا يقولوا الا ان الله لا يحيي الموتى في الدنيا ويردهم الينا ولزمهم الحجة من الله إذا اعطى انبياءه ورسله الصالحين من عباده فنحن بفضله علينا اولى فاعطانا ما اعطوا وبزاد عليه وما سمعوا ويحهم قول الله تعالى: (فإذا جاء وعد اوليهما بعثنا عليكم عبادا لنا اولي باس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وامددناكم باموال وبنين وجعلناكم اكثر نفيرا). قال المفضل: يا مولاي فما تأويل: (فإذا جاء وعد اوليهما) قال والله الرجعة الاولى ويوم القيامة العظمى يا مفضل وما سمعوا قوله تعالى: (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين) الآية والله يا مفضل ان تأويل هذه الآية فينا: (وان فرعون وهامان وجنودهما) هم أبو بكر وعمر وشيعتهم. قال المفضل: يا مولاي فالمتعة حلال مطلق والشاهد بها قوله تعالى في النساء المزوجات بالولادة والشهود: (فلا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو اكنتتم في انفسكم علم الله انكم ستذكرو نهن ولكن لا تواعدوهن سرا الا ان تقولوا قولا معروفا) اي مشهودا والمعروف هو المستشهد بالولاء والشهود وانما احتاج الى الولي والشهود في النكاح ليثبت النسل ويصح النسب ويستحق الميراث، وقوله: (واتوا النساء صدقاتهن نحلة فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) وجعل الطلاق لا للرجال في المتعة للنساء المزوجات لعلة النساء على غير جائز الا بشاهدين عادلين ذوي عدل من المسلمين وقال في سائر الشهادات على الدماء والفروج والاموال والاملاك: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامر أتان ممن ترضون من الشهداء) وبين الطلاق عز ذكره


 

[ 422 ]

فقال تعالى: (يا ايها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة واتقوا الله ربكم (ولو كانت المطلقة تبين بثلاث تطليقات يجمعها كلمة واحدة واكثر منها واقل كما قال الله تعالى: (واحصوا العدة واتقوا الله ربكم) إلى قوله (وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فإذا بلغن اجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف واشهدوا ذوي عدل منكم واقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) وقوله عز وجل: (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك امرا) هو نكر يقع بين الزوج والزوجة فتطلق التطليقة الاولى بشهادة ذوي عدل وحرر وقت التطليق وهو آخر القروء والقروء هو الحيض والطلاق يجب عند آخر النطفة تنزل بيضاء بعد الحمرة والصفرة اول التطليقة الثانية والثالثة وما يحدث الله بينهما عطفا وذلك ما كرهاه وقوله: (والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في ارحامهن ان كن يؤمن بالله وباليوم الآخر وبعولتهن احق بردهن في ذلك ان ارادوا اصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم) هذا يقوله تعالى ان المبعولة مراجعة النساء من تطليقة الى تطليقة ان ارادوا إصلاحا والنساء مراجعة للرجال في مثل ذلك ثم بين تبارك وتعالى فقال: (الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان) في الثالثة فان طلق الثالثة وبانت فهو قوله (فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) ثم يكون كسائر الخطاب والمتعة التي حللها الله في كتابه واطلقها الرسول عن الله لسائر المسلمين فهي قوله: (والمحصنات من النساء الا ما ملكت ايمانكم كتاب الله عليكم واحل لكم ما وراء ذلكم ان تبتغوا باموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فاتوهن اجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ان الله كان عليما حكيما) والفرق بين المزوجة الممتعة ان


 

[ 423 ]

للمزوجة صداقا وللممتعة اجرة فتمتع سائر المسلمين في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحج وغيره وايام ابي بكر واربع سنين من ايام عمر حتى دخل على اخته عفراء فوجد في حجرها طفلا ترضعه من ثديها فقال يا اختي ما هذا فقالت له ابني من احشائي ولم تكن متبعلة فقال لها من أين ذلك فقالت: تمتعت فكشفت عن ثديها فنظر الى درة اللبن في في الطفل فاغتضب فكشف عن ثديها وارعد واربد لونه واخذ الطفل على يده مغضبا وخرج ومشى حتى اتى المسجد فرقي المنبر وقال نادوا في الناس في غير وقت الصلاة فعلم المسلمون ان ذلك لامر يريده عمر فحضروا فقال معاشر الناس من المهاجرين والانصار واولاد قحطان من منكم يحب ان يرى المحرمات من النساء كهذا الطفل قد خرج من بطن امه وسقته لبنها وهي غير متبعلة فقال بعض القوم ما يحب هذا يا امير المؤمنين، فقال: ألستم تعلمون ان اختي عفراء من حنتمة امي وابي الخطاب انها غير متبعلة قالوا: بلى يا أمير المؤمنين قال: فاني دخلت الساعة فوجدت هذا الطفل في حجرها فناشدتها من اين لك هذا قالت ابني من احشائي ورأيت در اللبن من ثديها فقتل: من أين لك هذا فقالت تمتعت فاعلموا معاشر الناس ان هذه المتعة كانت حلالا في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعده وقد رأيت تحريمها فمن اتاها ضربت جنبيه بالسوط ولم يكن في القوم منكر لقوله ولا راد عليه ولا قائل أي رسول بعد رسول الله وأي كتاب بعد كتاب الله عز وجل ولا يقبل خلافك على الله ورسوله وكتابه بل سلموا ورضوا. قال المفضل: يا مولاي فما شرائطها ؟ قال: يا مفضل سبعون سرطا من خالف منها شرطا واحدا اظلم نفسه قال: فقلت يا سيدي فاعرض عليك ما علمته منكم فيها. قال الصادق (عليه السلام) قل يا مفضل على انك قد علمت الفرق


 

[ 424 ]

بين المزوجة والمتعة بها مما تلوته عليك قال المزوجة لها صداق ونحلة والمتمتعة اجرة فهذا فرق بينهما. قال المفضل نعم يا مولاي قد علمت ذلك فقال: قل يا مفضل قال يا مولاي قد امرتمونا لا نتمتع بباغية ولا مشهورة بالفساد ولا مجنونة ان تدعو المتعة الى الفاحشة فان اجابت قد حرم الاستمتاع بها تسال افارغة هي ام مشغولة ببعل ام بحمل ام بعدة، فان شغلت بواحدة من هذه الثلاثة فلا تحل وان حلت فتقول لها متعيني نفسك على كتاب الله وسنة نبيه نكاحا غير مسافح اجلا معلوم باجرة معلومة وهي ساعة أو يوم أو يومان أو شهر أو سنة أو ما دون ذلك أو ما اكثر والاجرة ما تراضيا عليه من حلقة خاتم أو شسع نعال أو شق ثمرة أو الى ما فوق ذلك من الدراهم والدنانير أو غرض ترضى به فان وهبت حلت له كالصداق الموهوب من النساء المزوجات التي قال الله فيهن: (فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا). رجع الحديث الى تمام الخطبة بالقول على ان لا ترثني ولا ارثك وعلى ان الماء مائي اضعه حيث شئت وعليك الاستبراء اربعون يوما أو محيض أو اجد ما كان من عدد الايام فإذا قالت: نعم، أعدت القول ثانية وعقد النكاح به فانما احببت وهي أحبت الاستزادة في الاجل وفيه ما رويناه عنكم قولكم لاخراجنا فرج من حرام الى حرام حلال احب الينا من تركه على الحرام ومن قولكم إذا كانت تعقل قولها فعليها ما تولت من الاخيار عن نفسها ولا جناح عليك وقول امير المؤمنين لعن الله ابن الخطاب فولاه ما زنى الا شقي أو شقية لانه كان يكون للمسلمين غنى في عمل المتعة عن الزنى وروينا عنكم انكم قلتم ان الفرق بين الزوجة والممتع بها ان للمتمتع ان يعتزل عن المتعة وليس للمزوج ان يعزل عن الزوجة ان الله قال (ومن الناس من يعجبك قوله في الحاية الدنيا ويشهد الله ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله


 

[ 425 ]

لا يجب الفساد) ان في كتاب الله لكفارة عنكم ان من عزل نطفة من رحم مزوجه فدية النطفة عشر دنانير كفارة، وان في شرط المتعة، ان المال يضعه حيث يشاء من المتمتع بها فان وضعت في الرحم فخلق منه ولد كان لاحقا بابيه. قال الصادق (عليه السلام) يا مفضل حدثني ابي عن ابيه عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ان الله اخذ الميثاق على ماء اوليائه المؤمنون لا يعلق منه فرج من متعة وانه احد محن المؤمن الذي تبين ايمانه من كفره إذا علق منه فرج من متعة. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولد المتعة حرام وان الاحرى للمؤمن لا يضيع النطفة في فرج المتعة. قال المفضل يا مولاي فان عبد الله بن الزبير سب عبد الله بن العباس سبا كان فيه قوله اما ترون رجلا قد اعمى الله قلبه كما اعمى عينه ويفتي في المتعة ويقول انها حلال فسمعه عبد الله بن العباس قال لقائده قف بي على الجماعة التي فيها عبد الله بن الزبير فاوقفه وقال له: يا ابن الزبير سل اسماء بنت ابي بكر فانها تنبئك ان أباك عوسجة الاسدي استمتع بها ببردتين يمانيتين فحملت بك فانت اول مولود في الاسلام من المتعة وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله) لا ولد المتعة حرام. فقال صادق (عليه السلام): والله يا مفضل لقد صدق عبد الله بن العباس في قوله لعبد الله بن الزبير. قال المفضل قد روى بعض شيعتكم انكم قلتم ان حدود المتعة اشهر من راية البيطار وانكم قلتم لاهل المدينة هبوا لنا التمتع بالمدينة. قال الصادق: يا مفضل انما قلنا هبوا لنا التمتع بالمدينة وتمتعوا حيث شئتم من الارض لا خوفا عليكم من شيعة ابن الخطاب ان يضربوا جنوبهم بالسياط فحرزناها باستيائها بها منهم بالمدينة.


 

[ 426 ]

قال المفضل: وروت شيعتكم عنكم ان محمد بن سنان الاسدي تمتع بامرأة فلما تمطاها وجد في احشائها تركلا فرفع نفسه عنها وقام قلقا ودخل على جدك علي بن الحسين (عليه السلام) وقال له: يا مولاي تمتعت بامرأة وكان من قصتي وقصتها كيت وكيت قلت ما هذا التركل فجعلت رجلها بصدري وقالت لي قم، فما انت باديب ولا بعالم اما سمعت قول الله تعالى: (لا تسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم). قال الصادق (عليه السلام): هذا سرف من شيعتنا علينا ومن يكذب علينا فليس منا والله ما ارسل رسوله الا بالحق ولا جاء الا بالصدق ولا يحكي الا عن الله ومن عند الله وبكتاب الله فلا تتبعوا اهواءكم ولا ترخصوا لانفسكم فيحرم عليكم ما احل لكم والله يا مفضل ما هو الا دين الحق وما شرائط المتعة الا ما قدمت ذكره لك فذر الغاوين وازجر نفسك عن هواها. قال المفضل: ثم ماذا يا مولاي قال ثم يقوم زين العابدين علي بن الحسين ومحمد الباقر (عليهما السلام) فيشكوان الى جدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما نالهما من بني امية وما روعا به من القتل ثم اقوم انا فاشكو الى جدي رسول الله ما جرى علي من طاغية الامة الملقب بالمنصور حيث افضت الخلافة إليه فانه عرضني على الموت والقتل ولقد دخلت عليه وقد رحلني عن المدينة الى دار ملكه بالكوفة مغسلا مكفنا مرارا فاراه من قدرته ما ردعه عني ومنعه من قتلي. قال الحسين بن حمدان (رضي الله عنه) وقد تقدم في هذا الكتاب شرح ما فعل المنصور لعنه الله بالصادق (عليه السلام)، ورجع الحديث الى الصادق. قال ثم يقوم ابني موسى يشكو الى جده رسول الله ما لقيه من الضليل هارون الرشيد وتسييره من المدينة الى طريق البصرة متجنبا طريق الكوفة


 

[ 427 ]

لانه قال اهل الكوفة شيعة آل محمد واهل البصرة اعداهم وقد صدق لعنه الله. وحدثني الباقر عن ابيه علي بن الحسين، يرفعه الى جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال طينة امتي من مدينتي وطينة شيعتنا من الكوفة وطينة اعدائنا من البصرة ويقص فعله وحبسه اياه في دار السندي بن شاهك صاحب شرطته بالزوراء وما يعرض عليه من القتل، وقد تقدم ذكره، وما فعل الرشيد به الى ان مات. ورجع الحديث الى الصادق (عليه السلام) قال: ويقوم علي بن موسى (عليه السلام) فيشكو الى جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما نزل به وتسيير المأمون اياه من المدينة الى طوس بخراسان من طريق البصرة من الاهواز ويقص عليه قصته الى ان قتله بالسم وقد تقدم ذكره وما فعل به. وعاد الحديث الى الصادق (عليه السلام) قال: ويقوم محمد بن علي بن موسى (عليه السلام) ويشكو الى جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما نزل به من المأمون الى ان قتله بالغلمان، كما جاء ذكره وعاد الحديث الى الصادق (عليه السلام) قال: ويقوم علي بن محمد فيشكو الى جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) تسيير جعفر المتوكل اياه وابنه الحسن من المدينة الى مدينة بناها على الدجلة تدعى بسامرا وما جرى عليه منه الى ان قتل المتوكل ومات علي بن محمد.، قال: ويقوم الحسن بن علي الحادي عشر من الائمة (عليهم السلام) ويشكو الى جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما لقيه من المعتز وهو الزبير بن جعفر المتوكل ومن احمد بن فتيان وهو المعتمد الى ان مات الحسن. ويقوم الخامس بعد السابع وهو المهدي يشكو الى جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنيته محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن


 

[ 428 ]

موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام) وعليه قميص رسول الله بدم رسول الله يوم كسر رباعيته والملائكة تحفه حتى يقف بين يدي جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقول له: يا جداه نصصت علي ودللت ونسبتني وسميتني فجحدتني الامة امة الكفر وتمارت في وقالوا ما ولد ولا كان واين هو ومتى كان واين يكون وقد مات وهلك ولم يعقب ابوه واستعجلوا ما اخره الله الى هذا الوقت المعلوم فصبرت محتسبا وقد اذن الله لي يا جداه فيما امر فيقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحمد لله الذي صدقنا وعده واورثنا الارض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم اجر العاملين ويقول قد جاء نصر الله والفتح وحق قوله تعالى: (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) ويقرأ: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) فقال الصادق (عليه السلام): ان الله تعالى علم آدم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم قال يا آدم انبئهم باسمائهم فلما انباهم باسمائهم قال الم اقل لكم اني اعلم غيب السماوات ولارض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) وكذلك يا مفضل لما اخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على انفسهم الست بربكم عرضوا تلك الذرية على جدنا رسول الله وعلينا امام بعد امام الى مهدينا الثاني عشر من أمير المؤمنين سمي سمي جده وكنية محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى ابني وعرض علينا اعمالهم فرأينا لهم ذنوبا وخطايا فبكى جدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبكينا رحمة لشيعتنا ان يدعوا لنا بنا ولهم ذنوب مشهورة بين الخلائق الى يوم القيامة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم اغفر ذنوب شيعة اخي واولاده الاوصياء منه وما تقدم منها وما تأخر ليوم القيامة ولا تفضحني بين النبيين والمرسلين في شيعتنا فحمله الله اياها وغفرها جميعا وهذا تأويل: (انا فتحنا لك) الآية.


 

[ 429 ]

قال المفضل: فبكيت بكاءا طويلا وقلت يا سيدي هذا بفضل الله وفضلكم قال الصادق (عليه السلام) هذا بفضل الله علينا فيكم يا مفضل وهل علمت من شيعتنا قال المفضل من تقول فقال والله ما هم الا انت وامثالك ولا تحدث بهذا الحديث اصحاب الرخص من شيعتنا فيتكلموا على هذا الفضل ويتركوا العمل به فلا يغني عنهم من الله شيئا لاننا كما قال الله تعالى: (لا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون). قال المفضل: يا مولاي بقي لي (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) ما كان رسول الله يظهر على الدين كله قال: يا مفضل ظهر عليه علما ولم يظهر علمه عليه ولو كان ظهر عليه ما كانت مجوسية ولا يهودية ولا جاهلية ولا عبدت الاصنام والاوثان ولا صابئة ولا نصرانية ولا فرقة ولا خلافة ولا شك ولا شرك ولا اولوا العزة ولا عبد الشمس والقمر والنجوم ولا النار ولا الحجارة وانما قوله: (ليظهره على الدين كله) في هذا اليوم وهذا المهدي وهذه الرجعة وقوله: (قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله). قال المفضل: ثم ماذا ؟ قال الصادق (عليه السلام) يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لامير المؤمنين فديتك يا ابا الحسن انت ضربتهم بسيف الله عن هذا الدين فاضربهم الآن عليه عودا ويسير في هذه الدنيا يسير جبالها واقدار ارضها ويطاها قدما قدما حتى يصفي الارض من القوم الطالمين ويقول للمهدي سر بالملائكة وخلصاء الجن والانس ونقبائك المختارين ومن سمع واطاع الله لنا فاحمل خيلك في الهواء فانها تركض كما تركض على الارض واحملها على وجه الماء في البحار والامصار فانها تركض بحوافرها عليه فلا يبل لها حافر وانها تسير مع الطير وتسبق كل شئ فخذ بثارك وثارنا واقتص بمظالمنا منهم واظهر حقنا وازهق الباطل فانها دولة لا ليل فيه ولا ظلمة ولا قتام ومن


 

[ 430 ]

تضعه اهل الجنة في الجنة يقول لفاطمة والحسن والحسين وسائر الائمة فينا انظروا الى ما فضلكم الله به وجعل لكم عقبى الدار فاكثروا من شكره واشفعوا لشيعتكم فانكم لا تزالون ترون هذه الارض في هذه الرجعة منكرة مقشعرة الى ان لا يبقى عليها شاك ولا مرتاب ولا مشرك ولا راد ولا مخالف ولا متكبر ولا جاحد الا طاهر مطهر ويقعد الملك والشرائع ويصير الدين لله واصبا فإذا صفت جرت انهارها بالماء واللبن والعسل والخمر بغير بلاء ولا غائلة وتفتح ابواب السماء بالبر وتمطر السماء خيرها وتخرج الارض كنوزها وتعظم البرة حتى تصير حمل بعير ويجتمع الانسان والسبع والطير والحية وسائر من يدب في بقعة واحدة فلا يوحش بعضهم بعضا بل يؤنسه ونحادثه ويشرب الذئب والشاة من مورد واحد ويصدران كما يصدر الرجلان المتواخيان في الله من وردهم وتخرج الفتاة العاتق والعجوز العاقر وعلى رأسها مكيال من دقيق أو بر أو سويق وتبلغ حيث شاءت من الارض ولا يمسها نصب ولا لغوب وترتفع الامراض والاسقام ويستغني المؤمن عن قص شعره وتقليم اظافره وغسل اثوابه وعن حمام وحجام وعن طب وطبيب ويفصح عن كل ذي نطق من البشر والدواب والطير والهوام والدبيب وتفقد جميع اللغات ولم يبق الا اللغة العربية بافصاح لسان واحد ولا يخرج المؤمن من الدنيا حتى يرى من صلبه الف ولد ذكر مؤمن موحد تقي. قال المفضل: يا مولاي فماذا يصنع امير المؤمنين بدوا قال يصنع والله ما قاله بخطبته وايام لا تكون الدنيا الى شاب غرنوق ولا قفن في كل موقف كان لي وعلي ولا تركن ظالمي وناصبني شقي تيم وعدي للمهدي من ولدي حتى يتولى نبشهما وعذابهما واحراقهما ونسفهما في اليم نسفا ولا ركضن برجلي في رحبة جامع الكوفة فاخرج منها اثني عشر الف صديق من شيعتي مكتوب على تلك البيض اسماؤهم وانسابهم وقبائلهم وعشائرهم ولاسيرن من دار هجرتي الكوفة حتى افني العالم قدما


 

[ 431 ]

قدما بسيفي ذي الفقار حتى آتي جبل الديلم فاصعده واستهل طريقه واقطع خبره ولاتين بلقاء الهند وبيضاء الصين التي كلتا جواريها حور العين ولآتين مصر واعقد على نيلها جسرا ولانصبن على مجراها منبرا ولاخطبن عليه خطبة طوبى لمن عرفني فيها ولم يشك في والويل والعويل والنار والثبور لمن جهل أو تجاهل أو نسي أو تناسى أو انكر أو تناكر ولآتين جابلقا وجابر صا ولا نصبن رحى الحرب واطحن بها العالم طحن الرحى لباب البر ولآتين كورا ولا سبكن الخلق فيها سبك خالص التبر، وحرق اللجين ولاقطنهم على وجه الارض وشواهق الجبال وبطون الاودية والمغارات واطباق الثرى التقاط الديك سمين الحب من يابسه وعجفه ولا قتلن الروم والصقالب والقبط والحبش والعران والكرد والارمن والقلف والهمج والغلف والاعابد والبزغز والزغزغ والقردة والخنازير وعبدة الطاغوت فهم الشراة والناصبة والمرجية والبترية والجهمية والمقصرة والمرتفعة. قال المفضل قلت للصادق (عليه السلام) يا مولاي من المقصرة والمرتفعة قال: يا مفضل المقصرة هم الذين هداهم الله الى فضل علمنا وافضى إليهم سرنا فشكوا فينا وانكروا فضلنا وقالوا: لم يكن الله ليعطيهم سلطانه ومعرفته. واما المرتفعة: هم الذين يرتفعون بمحبتنا وولايتنا اهل البيت واظهروه يغير حقيقة وليس هم منا ولا نحن منهم ولا أئمتهم اولئك يعذبون بعذاب الامم الطاغية حتى لا يبقى نوع من العذاب الا وعذبوا به. قال المفضل: يا مولاي أليس قد روينا عنكم انكم قلتم الغالي نرده الينا والتالي نلحقه بنا قال: يا مفضل ظننت ان التالي هم المقصرة، قال: كذا ظننت يا سيدي، قال: كلا، التالي هم من خيار شيعتنا القائلين بفضلنا المستمسكين بحبل الله وحبلنا الذين يزدادون بفضلنا علما وإذا ورد على احدهم خبر قبله وعمل به ولم يشك فيه فان لم يطقه رده الينا ولم يرد علينا فذلك هو التالي واما الغالي فليس فقد اتخذنا اربابا من دون الله وانما


 

[ 432 ]

اقتدى بقولنا إذ جعلونا عبيدا مربوبين مرزوقين فقولوا بفضلنا ما شئتم فلن ندركوه. قال المفضل يا مولاي ان الغالي من ذكرانكم اربابا عند الشيعة من دون الله قال ويحك يا مفضل: ما قال: احد فينا الا عبد الله بن سبا واصحابه العشرة الذين حرقهم امير المؤمنين في النار بالكوفة وموضع احراقهم يعرف بصحراء الاخدود وكذا عذبهم امير المؤمنين بعذاب الله وهو النار عاجلا وهي لهم اجلا ويحك يا مفضل ان الغالي في محبتنا نرده الينا ويثبت ويستجيب ولا يرجع والمقصرة تدعه الى الالحاق بنا والاقرار بما فضلنا الله به فلا يثبت ولا يستجيب ولا يلحق بنا لانهم لما رأونا نفعل افعال النبيين قبلنا مما ذكرهم الله في كتابه وقص قصصهم وما فرض إليهم من قدرته وسلطانه حتى خلقوا واحيوا ورزقوا وابروا الاكمه والابرص ونبؤوا الناس بما ياكلون ويشربون ويدخرون في بيوتهم ويعلمون ما كان وما يكون الى يوم القيامة باذن الله وسلموا الى النبيين افعالهم وما وصفهم الله واقروا لهم بذلك وجحدوا بغيا علينا وحسدا لنا على ما جعله الله لنا وفينا وما اعطاه الله لسائر النبيين والمرسلين والصالحين وازدادنا من فضله ما لم يعطهم اياه وقالوا ما اعطى النبيون هذه القدرة التي اظهرها انما صدقناها وانزل بها لان الله انزلها بكتابه ولو علموا ويحهم ان الله ما اعطاه من فضله شيئا الا انزله بسائر كتبه وصفنا به ولكن اعداؤنا لا يعلموه وإذا سمعوا فضلنا انكروه وصدوا عنه واستكبروا وهم لا يشكون في آدم (عليه السلام) لما رأوا اسماءنا مكتوبة على سرداق العرش قال الهي وسيدي خلقت خلقا قبلي وهو احب اليك مني، قال الله يا آدم نعم، لولا هؤلاء الاسماء المكتوبة على سرداق العرش ما خلقت سماء مبنية ولا ارضا مدحية ولا ملكا مقرب ولا نبيا مرسل ولا خلقتك يا آدم قال الهي ما هؤلاء قال هؤلاء ذريتك يا آدم فاستبشر واكثر من حمد الله وشكره وقال بحقهم يا رب اغفر خطيئتي فكنا والله الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فاجتباه وتاب عليه وهداه وانهم


 

[ 433 ]

ليروون ان الله خلقنا نورا واحدا قبل ان يخلق خلقا ودنيا وآخرة وجنة ونارا باربعة الآف عام نسبح الله ونقدسه ونهلله ونكبره. قال المفضل: يا سيدي هل بذلك شاهد من كتاب الله قال: نعم، هو قوله تعالى: (له ما في السماوات وما في الارض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون له بالليل والنهار الى قوله وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم اني اله من دونه فذلك يجزيه جنهم كذلك نجزي الظالمين) ويحك يا مفضل، الستم تعلمون ان من في السماوات هم الملائكة ومن في الارض هم الجان والبشر وكل ذي حركة فمن الذين فيهم ومن عنده الذين قد خرجوا من جملة الملائكة. قال المفضل: من تقول: يا مولاي قال: يا مفضل ومن نحن الذين كنا عنده ولا كون قبلنا ولا حدوث سماء ولا ارض ولا ملك ولا نبي ولا رسول قال المفضل: فبكيت وقلت: يا ابن رسول الله هذا والله الحق المبين وهل نجد في كلامكم والاخبار المروية عنكم شاهدا بما وجدتني في كتاب الله قال: نعم في خطبة امير المؤمنين (عليه السلام) يوم ضرب سلمان بالمدينة وخروجه الى الجبانة وخروج امير المؤمنين إليه التسليم إليه وقوله اسال يا سلسل سبيلك لا تجهل اسالني يا سلمان انبئك البيان اوضحك البرهان، فقال سلمان، يا امير المؤمنين اودعني الحياة واهلي الخطوة ان للرشاد إذا بلغ نزح بغزيته وهذا اليوم مواضي ختم المقادير ثم تنفس امير المؤمنين صعا وقال: الحمد لله مدهر الدهور وقاضي الامور ومالك يوم النشور الذي كنا بكينونيته قبل الحلول في التمكين وقبل مواقع صفات التمكين في التكوين كائنين غير مكونين ناسبين غير متناسبين ازليين لا موجودين ولا محدودين منه بدونا واليه نعود لان الدهر فينا قسمت حدوده ولنا اخذت عهوده والينا ترد شهوده فإذا استدارت الوف الادوار وتطاول


 

[ 434 ]

الليل والنهار وقامت العلامة الوفرة والسامة والقامة الاسمر الاضخم والعالم غير معلم والخبير ايضا يعلم قد ساقتهم الفسقات واستوغلت بهم الحيرات ولبتهم الضلالات وتشتتت بهم الطرقات فلا يجير مناص الا الى حرم الله سيؤخذ لنا بالقصاص من عرف غيبتنا ثم شهدنا نحن القدرة ونحن الجانب ونحن العروة الوثقى محمد العرش عرش الله على الخلائق ونحن الكرسي واصول العلم الا لعن الله السالف والتالف وفسقة الجزيرة ومن اواها ينبوعا انا باب المقام وحجة الخصام ودابة الارض وفصل القضا وصاحب العصا وسدرة المنتهى وسفينة النجاة من ركبها نجا ومن تخلف عنها ضل وهوى الم يقيم الدعائهم في تخوم اقطار الاكناف ولا من اغمد فساطيط اصحاب الاعلى كواهل انوارنا نحن العمل ومحبتنا الثواب وولايتنا فصل الخطاب ونحن حجبة الحجاب فإذا استدار الفلك قلتم باي واد سلك قلتم مات أو هلك أو في اي واد سلك فنادى الى الله تتخذ الروم النجاة ومنجدة لان المطيع هو السامع والسامع العامل والعامل هو العالم والعالم هو الساتر والساتر هو الكاتم والمولى هو الحاسد فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون من طرفي الحبل المتين الى قرار ذات المعين الى سبطة التمكين الى وراء بيضاء الصين الى مصارع مطارح قبور الطالقانيين الى قرن ياسر واصحاب سنين الاعلين العالمين الاعظمين الى كتمة اسرار طواسين الى البيداء الغبرة التي حدها الثرى التي قواعدها جوانبها الى ثرى الارض السابعة السفلى كذا الخالق لما يشاء سبحانه وتعالى عما يشركون. قال المفضل: ان هذا الكلام عظيم يا سيدي تحار فيه العقول فثبتني ثبتك الله وعرفني ما معنى قول امير المؤمنين الذي كنا بكينونيته في التمكين قال الصادق: نعم، يا مفضل الذي كنا بكينونيته في القدم والازل هو المكون ونحن المكان وهو المنشئ ونحن الشئ وهو الخالق ونحن المخلوقون


 

[ 435 ]

وهو الرب ونحن المربوبون وهو المعنى ونحن اسماؤه المعاني وهو المحتجب ونحن حجبه قبل الحلول في التمكين ممكنين لا نحول ولا نزول وقبل مواضع صفات تمكين التكوين قبل ان نوصف بالبشرية والصور والاجسام والاشخاص ممكن مكون كائنين لا مكونين كائنين عنده انوارا لا مكونين اجسام وصور ناسلين لا متناسلين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الى آدم والحسن والحسين من امير المؤمنين وفاطمة من محمد، وعلي من الحسين ومحمد من علي وجعفر من محمد وموسى من جعفر وعلي من موسى ومحمد من علي وعلي من محمد والحسن من علي ومحمد من الحسن بهذا النسب لا متناسلين ذوات اجسام ولا صور ولامثال الا انوار نسمع الله ربنا ونطيع يسبح نفسه فنسبحه ويهللها فنهلله ويكبرها فنكبره ويقدسها فنقدسه ويمجدها فنمجده في ستة اكوان منها ما شاء من المدة وقوله ازليين لا موجودين وكنا ازليين قبل الخلق لا موجودين اجسام ولا صور. قال المفضل: يا سيدي ومتى هذه الاكوان قال: يا مفضل اما الكون الاول نوراني لا غير ونحن فيه والكون الثاني جوهري لا غير ونحن فيه، والكون الثالث هوائي لا غير ونحن فيه، والكون الرابع مائي لا غير ونحن فيه، والكون الخامس ناري لا غير ونحن فيه، والكون السادس ترابي لا غير فاظله ودور ثم سماء مبنية وارض مدحية فيها الجان الذي خلقه الله من مارج من نار الى ان خلق الله آدم من التراب. قال المفضل يا سيدي: فهل كان في هذه الاكوان خلقا منها في كل كون قال نعم، يا مفضل. قال المفضل: يا سيدي فهل نجد الخلق الذي كان فيها ونعرفهم قال نعم ما من كون الا وفيه نوري وجوهري وهوائي ومائي وناري وترابي يا مفضل، تحب ان اقرب عليك واريك ان فيك من هذه الستة اكوان اعلم


 

[ 436 ]

انه خلقك وخلق هذه البشر وكل ذي حركة من لحم ودم، قال: يا سيدي اين ذلك قال: يا مفضل الذي من الكون النوراني نورا في ناظريك وناظرك بمقدار حبة عدس ثم ترى بها ما دركاه من السماء والهوام والارض ومن عليها وفيك من الكون الجوهري يحسن ويعقل وينظر وهو ملك الجسد وفيك من الكون الهوائي الهواء الذي منه نفسك وحركاتك وانفاسك المترددة في جسدك وفيك من الكون المائي رطوبة ريقك ودموع عينيك وما يخرج من انفك والسبيلين اللذين هما منك وفيك من الكون الناري النار التي في تراكيب جسدك وهو المنضج المنفذ ماكلك ومشاربك وما يرد الى معدتك وهو الذي إذا حكت بعض ببعض كدت ان تقدح نارا وبتلك الحرارة تمت حركاتك ولولا الحرارة لكنت جمادا وفيك من الكون الترابي عظمك ولحمك ودمك وجلدك وعروقك ومفاصلك وعصبك وتمام كميته جسمك. قال المفضل: يا مولاي اني لا حسب ان شيعتك لو غلت كل الغلو فيكم تهتدي الى وصف يسير مما فضلكم الله به من هذا العلم الجليل. قال الصادق (عليه السلام): ما لك يا مفضل لا تسال عن تفصيل الاكوان الستة قلت يا مولاي بهرني والله عظيم ما سمعته من السؤال. قال الصادق: نحن كنا في الكون النوراني لا غير، وفي الجوهري لا غير، وفي الهوائي خلق وهم جيل من الملائكة اما سمعت قول جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لا يوقعن احدكم بوله من عالي جبل ولا من سطح بيت ولا من رأس رابية ولا في ماء فان للهواء سكانا واللماء سكانا. قال المفضل: نعم يا مولاي مما خلق اهل الماء قال: خلقهم بصور واجسام نطقوا بثلاث وعشرين لغة وقامت فيهم النذر والرسل والامر والنهي وصارت فيهم ولادات ونسل وكونهم الذي يقول وكان عرشه على الماء. قال المفضل نعم يا مولاي: فالجان قال الصادق (عليه السلام): لما


 

[ 437 ]

خلق الله السموات والارض سكن خلق الماء في البحار والانهار والينابيع ومناقع الماء حيث كانت من الارض واسكن الجان الذي خلقه من مارج من نار فقامت فيهم النذر والرسل ونطقوا باربعة وعشرين لغة وامر ابليس بالسجود لادم والسجود هو الطاعة لا الصلاة فابى واستكبر وقال لا اسجد قال المفضل نعم يا مولاي: فالجان قال الصادق (عليه السلام): لما


 

[ 437 ]

خلق الله السموات والارض سكن خلق الماء في البحار والانهار والينابيع ومناقع الماء حيث كانت من الارض واسكن الجان الذي خلقه من مارج من نار فقامت فيهم النذر والرسل ونطقوا باربعة وعشرين لغة وامر ابليس بالسجود لادم والسجود هو الطاعة لا الصلاة فابى واستكبر وقال لا اسجد لبشر خلقتني من نار وخلقته من طين فافتخر على آدم وعصى الله وقاس ويله النار بالنور وظن ان النار افضل ولو علم ان النور الذي في آدم وهو الروح التي نفخها الله فيه كان افضل من النار التي خلق منها ابليس لفسد قياسه. قال المفضل يا مولاي: اوليس يقال ان ابليس من الملائكة، قال بلى يا مفضل هو من الملائكة، لا الروحانية ولا النورانية، ولا سكان السماوات، ومعنى ملائكة هو اسم واحد فيصرف فهو ملك ومالك ومملوك هذا كله اسم واحد وكان املاك الارض اما سمعت قول الله تعالى: (واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس كان من الجن ففسق عن امر ربه) وقوله تعالى: (والجان خلقناه من قبل من نار السموم) وقال: (يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان) وقوله: (قل اوحي الي انه استمع نفرا من الجن فقالوا انا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا). الى هذا الموضع تمت النسخة الكاملة التي عثرنا عليها من كتاب (الهداية الكبرى) والحمد لله أولا وآخرا.