تقريرعن الطائفة العلوية في لبنان
بشير خضر
من موقع التيار الوطني الحر/لبنان
من هم العلويون؟
يجمع المؤرخون على اختلاف نزعاتهم وتباين أهوائهم على أن العلويين فرقة من الشيعة لم تختلف مع الشيعة في شيء إلا في بعض المسائل السياسية التاريخية ولاسيّما حول السيد شعيب محمد بن نصير النميري في العام 260 هـ الموافق 867 م. فالطائفتان تتبعان المذهب الجعفري، وتدينان بالولاء لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وتقران بإمامة الأئمة المعصومين من ولد أمير المؤمنين من الحسن الى الإمام القائم المهدي.
تأسس المذهب العلوي منذ عهد غدير خم عندما أعلن رسول الله (ص) بالبيعة لأمير المؤمنين، عندها استجاب العلويون لأوامر وأحكام نبيّهم وبايعوا الإمام علي بن أبي طالب (ع). فعرفوا بالعلويين نسبة لأمير المؤمنين، كما لقبوا أيضًا بالنصيرية، اللقب الذي أثار جدلاً حوله.
لمحة تاريخية عن العلويين في لبنان
العلويون كانوا حتى سنة 1304 م هم العدد الغالب بين سكان جبال كسرواaن وكانوا هم أمراء الجرد. وكانوا موجودين أيضًا في وادي التيم وفي جنوب وشمال لبنان ولاسيّما مدينة طرابلس (حسب بعض المؤرخين مثل المطران الدبس وفيليب حتّي) الى أن تعرضوا لحملات وهجمات من قبل المماليك والصليبيين حيث أصدر شيخ الاسلام ابن تيمية آنذاك فتواه الشهيرة التي حللت دم العلويين ودعت الى قتلهم وملاحقتهم معتبرًا إياهم أشد خطر على الإسلام من الفرنجة. وهذا ما حمل العلويين على الهرب والتنقل من مكان الى آخر أو تغيير دينهم هربًا من الإضطهاد الذي لاحقهم أينما حلوا وتواجدوا.
أمّا في طرابلس، فعندما أتى الصليبيون وحاربوا دولة بني عمار، عندها انهزم العلويون وحلّ مكانهم الحكم الأخشيدي. فذهب الحكم من بين أيديهم ولكنهم بقوا في المدينة كسكان. أما القسم الأكبر فلجأ الى الجبال ولاسيّما جبال الساحل السوري التي عرفت لاحقًا بجبال العلويين.
لم يكن حكم العثمانيين أرحم من حكم المماليك، فضيقوا عليهم ولاحقوهم طوال عقود من الزمن. وصدرت بحقهم فتوى حامد بن نوح التي كانت كفتوى ابن تيمية فقامت مجازر وحملات بحق أبناء هذه الطائفة ولاسيّما العلماء منهم.
ثم أتت الحرب العالمية الأولى التي انتهت بتغيير الخريطة الجغرافية والديموغرافيّة بسيطرت جيوش الحلفاء وفرض الانتداب الفرنسي على لبنان وسوريا.
أما اليوم، فيقدّر عدد العلويين في لبنان بمئة ألف نسمة، حوالي 50 ألف في طرابلس و 40 ألف في عكار وعشرة آلاف موزعين في بيروت والكورة والمتن الشمالي وقرية الغجر في مزارع شبعا.
العلويون قبل الحرب الأهلية
منذ انشاء دولة لبنان واحصاء العام 1932 حتى الستينات فإنّ معظم العلويين كانوا يعتبرون فقيري الحال واقتصرت موارد رزقهم على الزراعة والقيام ببعض الأعمال الشاقة والصعبة و الأعمال التجارية الصغيرة.
في مطلع الستينيات، بدأت تتهيأ لهم فرص التعليم بشكل أوسع وعلى مختلف المستويات، وفي السبعينات كان هناك العشرات من حملة الشهادات الجامعية من طب وهندسة وحقوق ودكتوراه.
لقد مرّ على الطائفة العلوية في لبنان ظروف قاسية فقد كانوا كمواطنين لبنانيين لا ينالون من حقوق المواطنية سوى أنهم يحملون الهوية اللبنانية. وكان ممنوعا عليهم دخول أي وظيفة من وظائف الدولة ، وكانت الكلية الحربية ممنوعة على شبابهم، مما دفع عددا كبيرا من ابناء هذه الطائفة الى تغيير مذهبهم لكي يتمكنوا من دخول بعض الوظائف.
شعر العلويون بالتهميش الكلي من قبل الدولة وادارتها، مما أفسح المجال أمام أبناء هذه الطائفة بالانضمام واللحاق بأي فكر أو تنظيم تغييري أو ثوري. فتأثر العديد منهم بالحزب الشيوعي اللبناني والحزب التقدمي الاشتراكي واعتنق بعضهم مبادئ حزب البعث والتيار الناصري خصوصًا في فترة الخمسينات والستينات. وهكذا توزع الشباب العلوي على تيارات وتنظيمات عدة أملاً في تغيير واقعهم والتأسيس لمستقبل أفضل.
ان العلويين قبل الأحداث كانوا يلجأون الى السياسيين في المحيط الذي ينتمون إليه كي يتمكنوا من الوصول الى حقوقهم . ونتيجة لهذا الواقع بدأ بعض الشباب التطلع نحو تنظيم واقعهم، ففي عام 1950 أنشأت الرابطة الخيرية الإسلامية العلوية . وتم ذلك بجهد بعض الشباب الواعي. وفي مطلع الستينات بدأت تبرز تحركات المتعلمين العلويين من حملة الإجازات الجامعية وكانوا قلّة في ذلك الحين. وطوال فترة الستينات جرت عدة محاولات من قبل هؤلاء المثقفين وبعض الوجهاء آنذاك لتشكيل هيئة سياسية للمطالبة بحقوق الطائفة، نتيجة لذلك برزت الى الوجود في بداية السبعينات "حركة الشباب العلوي".
ولكن ما لبثت الحرب الأهلية أن اندلعت وعمّت لبنان، وعانى الشعب اللبناني ويلاتها وكذلك الطائفة العلوية نالت نصيبها من هذه الأحداث المأساوية والحرب الطائفية.
عرض الإمام المغيب موسى
الصدر الذي كان له نشاط كثيف ضمن المجتمع العلوي، عرض ضم الطائفة العلوية الى
الطائفة الشيعيّة وإعطاء العلويين من حصّة الشيعة في التمثيل والمطالبة معًا بحقوق
العلويين عبر الطائفة الشيعية. فانقسم العلويون بين مؤيّد لهذا الطرح وآخر رافض
مفضلاً الوصول لهذه الحقوق ضمن استقلالية معينة.
العلويون خلال الحرب الأهلية
في العام 1975، أي مع بداية الحرب اللبنانية، تحولت حركة الشباب العلوي الى تنظيم أوسع وأشمل بقيام جبهة المقاومة الوطنية التي قادها علي عيد. وكانت لهذه الجبهة مشاركات وأدوار خلال فترات الأحداث التي عصفت بلبنان.
وفي العام 1980 أسس السيد علي عيد مع آخرين حزبًا أسماه الحزب العربي الديمقراطي الذي ضمّ مؤيدين ومناصرين من أبناء الشمال والبقاع، كما ضمّ العديد من العلويين. وشارك هذا الحزب الذي أصبح له موقع ومراكز عدة في أكثر من منطقة لبنانية في المعارك التي شهدها الشمال وطرابلس تحديدًا خلال عامي 1983 و1984.
كما شارك العديد من العلويين في أعمال المقاومة ضدّ الإسرائيلين بعد اجتياحهم للبنان عام 1982 مع أحزاب لبنانية عدة مثل الحزب الشيوعي اللبناني وحركة أمل والحزب القومي السوري الاجتماعي وسقط منهم شهداء وأسرى كثر.
العلويون والطائف
حتى اتفاق الطائف، كانت المشاركة العلوية في الحياة السياسية معدومة كليًا. فبموجب هذا الاتفاق تمت مشاركة العلويين بشكل رسمي في الحياة السياسية. وقد حصلت هذه المشاركة اثر التعيينات النيابية التي أقرّها ميثاق الطائف على الشواغر النيابية لآخر مجلس نيابي منتخب منذ 1972 واستحداث مقاعد جديدة والذي زاد عدد النواب من 99 الى 128. وأعطي للعلويين مقعدان عن كل من دائرتي طرابلس وعكار حيث شغلهما بالتعيين النائبان علي عيد عن قضاء طرابلس وعبد الرحمن عبد الرحمان عن قضاء عكار.
كما لاحظت الحكومة اللبنانية بعد الطائف مراكز إدارية عالية للطائفة العلوية أسوة بباقي الطوائف الأخرى. إلا أن العلويين وجدوا هذا الإعتراف خجولاً، فهم حصلوا من خلاله على 3 مقاعد إدارية (مديران عامان وسفير). ولا تمثيل لهم في كافة وظائف الفئة الثانية ولا تمثيل لهم في القضاء، ولا تمثيل لديهم كعلويين في المؤسسات العسكرية والأمنية.
العلويون بعد الطائف
اعترف بالطائفة العلوية في لبنان عام 1936 أسوة بباقي الطوائف، إلاّ أن هذا الاعتراف كان اعترافًا اداريًا وليس اعترافًا سياسيًا الى أن حصل العلويون على بعض الحقوق في إدارة وتنظيم شؤونهم الدينية. ففي 17 آب 1995 صدر عن مجلس النواب قانون حمل رقم 449 الذي منح الطائفة حق تنظيم وإدارة شؤونها الدينية وأوقافها ومؤسساتها الخيرية والإجتماعية التابعة لها، على أن تتولى تنظيمها وإدارتها بنفسها طبقًا لأحكان الشريعة والفقه الجعفري.
كما شاركت الطائفة العلوية في انتخابات 1992 و1996 و2000 و2005، فكانت المشاركة في العام 1992 خجولة لسببين: الأول الشعور العام في لبنان بعدم نزاهة هذه الانتخابات والسبب الثاني والأهم هو فوز كل من علي عيد وعبد الرحمن عبد الرحمن بالتزكية مما أفقد العلويين حرية الاختيار.
في العام 1996، كانت المشاركة أوسع مع وجود مرشحين اثنين عن كل من المقعد العلوي في طرابلس والمقعد العلوي في عكار. ففاز عن طرابلس النائب أحمد حبوس بنسبة عالية لتتمثل الطائفة من خلال وجه جديد بعيدًا عن صورة الحرب الأهلية، واحتفظ النائب عبد الرحمن عبد الرحمن بمقعد عكار لأربعة سنوات جديدة.
أمّا في العام 2000 فكانت المشاركة أشمل بوجود 9 مرشحين عن طرابلس و4 عن عكار. فاحتفظ النواب أحمد حبوس وعبد الرحمن عبد الرحمن بمقاعدهم لولاية جديدة.
لم يتمكن العلويون أن يوصلوا أي عضو إلى المجلس البلدي في طرابلس في انتخابات عام 1998 ففقدوا المقاعد الثلاثة التي كانوا يشغرونها من خلال التعيينات. وتمكنوا من إيصال عضو واحد في انتخابات عام 2004.
كان اللافت في الانتخابات التي شارك فيها العلويون منذ 1992 الى 2005 أن تصويتهم لم يكن على أساس مذهبي. ففي جميع المعارك احتل المراكز الأولى في أقلام الاقتراع العلوية مرشحون مسيحيون أو سنّة. وحتى في الانتخابات البلدية، احتل المراكز الأولى مرشحون من خارج الطائفة. كما كانوا يصبون لصالح تيارات سياسية مختلفة.
كانت انتخابات العام 2005 مخيبة بالنسبة للعلويين، وكانت المرّة الأولى التي تصب أصوات العلويين بأغلبيتها الساحقة لصالح لائحة واحدة وهي اللائحة المدعومة من التيار الوطني الحر وتيار المردة فحصل كل من سليمان فرنجية وجبران باسيل على نسبة تجاوزت الـ91%. وقد فاز عن المقعد العلوي في طرابلس مرشح تيار المستقبل بدر ونوس الذي حصل على نسبة لم تتجاوز 2% من أصوات العلويين. أما في عكار، ففاز أيضًا مرشح تيار المستقبل مصطفى حسين الذي حصل على نسبة مماثلة من أصوات العلويين.
ماذا يقول العلويون اليوم
الطائفة العلوية، هي طائفة لبنانية بامتياز، لم تبخل يومًا بتقديم أبناءها شهداء على مذبح الوطن وكان آخرهم في أحداث نهر البارد، ولم تتأخر يومًا عن واجباتها تجاه لبنان، فلماذا يحاول البعض وضعها حيث لا تنتمي؟ ولماذا يشكك البعض بلبنانيتها ولماذا اختار لها البعض نوابها في انتخابات 2005 متجاهلين رغبة أبناء الطائفة؟ المناطق العلوية ولاسيما جبل محسن الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 70 ألف نسمة تفتقد لجميع المؤسسات الاجتماعية الرسمية من مستوصفات ودفاع مدني وتربية. فهل المطلوب أن يكفر أبناء هذه الطائفة بهويتهم اللبنانية؟