قالوا في الكتاب

كلمة فضيلة الشيخ(علي عباس سلمان) بحوزه:

            بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله الذي أتحفني الدهر بقراءة(النبأ اليقين) لمؤلفه الشيخ(محمود الصالح) الزللو فوجدته كاسمه سراجاً لمن نظر, و نوراً لمن تبصر, أشرق على أفق الوجود و سطع على عالم الكون, و الحق يحمل في نفسه دليل حقيقته, معان كثيرة في ألفاظ قليلة, و كلام صحيح من لسان فصيح,و كلما أعدت قراءته عاد علي الإيضاح و البيان, و ما انتهيت من مطالعته حتى تجلت لعيني الحكمة على فخامتها حاسرة لثامها, و تراءت لي السليقة العربية في جزالتها, فجعلتني أقدر تلك الإشعاعات المضيئة المسفرة عن فؤاد رفيع حساس و نفس كبيرة دراكة, شعرت بأقدس واجب نحوها فانبرت تناضل من ورائه و تعمل على حياطته, على حين فترة من الحق, و مرض من الأراجيف المدونة, و هو- حفظه الله – لموّفيها حقها بحز أصاب المفصل و رمية لم يخطئ بها الغرض, بكشف الحجاب لأولي الألباب لم يدع عذراً لمنكر و لا مرتاب, و عما قليل تمحَّي تلك المجادلات و يظهر الحق أبلج ناصعاً, و لا ريب عندي أن الله يثيبه عليها بكرامة الدنيا و سعادة الآخرة, بعد طول العمر, و لم أتعجب مما قرأته في كتابه و رأيته من الحقائق لصدوره ممن كشف الله عن بصيرته حجب الغفلة و ميزه بسعة الإطلاع على خفي المعقول و المنقول, و اختصه بفطرة شقيقة المروءة و الكرم أخت كل مأثرة و محمدة, فلقد أجاد – حفظه الله – بإفراغ البرهان في مسالك مألوفة بحيث  يسهل نفوذ اليقين و لا تحول الشبهة دون وصول النفس إلى المطلوب, و ذلك الفضل من الله يؤتيه من يشاء, و يمنحه من سبقت له العناية فيه.

فجدير بنا أن نرفع أيدي الابتهال لعزة الكبير المتعال بالدعاء له, بدوام التأييد و المجد و التوفيق لنصرة الحق, و دحض الباطل و إرشاد الضال و جمع الكلمة و إحكام الألفة بين المسلمين أيدهم الله, و جزاه جزاء الخير و خير الجزاء.

                            بحوزه          علي عباس سلمان

           * * * * * *

 

     كلمة صاحب الفضيلة الشيخ عبد الهادي حيدر

                  بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله الذي بهرت آياته و أعجزت كلماته و سطعت أنواره و دلت عليه آثاره و الصلاة و السلام على أشرف مكوناته و أجلّ مفعولا ته محمد الهادي الأمين و عترته الميامين و من لحق بهم من أهل اليمين و بعد:

ما كان الله ليطمس على معالم قوم أسسوا بنيانهم على تقوى من الله, و رفعوا قواعدهم على التمسك بثقلي رسول الله, و الاعتصام بولاية خير الأوصياء و سيد الشهداء أمير المؤمنين و إمام الدنيا و الدين مهما تعاقبت عليهم ادوار الظلم و الاضطهاد و عصفت بهم أعاصير الطغيان و الاستبداد, فهم و إن نأت بهم الدار و شط بهم المزار و ذاقوا من أصناف العذاب, و مرارة الاغتراب ما تنوء بحمله غلب الرجال و شم الجبال لم يزدادوا بدينهم إلا تمسكاً و بكريم أخلاقهم و أصيل عروبتهم إلا تشبثاً و لطالما حاول الجبابرة السفاحون و الغزاة المجتاحون من الحكام  الشعوبيين استئصال شأفتهم و اجتثاث أصولهم و اخفات أصواتهم(و يأبى الله إلا أن يتم نوره و لو كره الكافرون), فر القوم بولائهم من شاهق إلى شاهق و لاقوا في سبيله الألاقي و دهتتهم بسببه الدواهي فهم لا يأبهون لنعيم الدنيا و زخرفها إذا سلم لهم دينهم و خلصت لهم ولايتهم و سواء عليهم بعد ذلك رضي الله عليهم ولاة السوء أم سخطوا عدلوا بهم أم جاروا, فهم بما هم فيه فرحون و بنعمة الله و عفوه مستبشرون, حفظوا عليهم سجاياهم العربية و شدوا أيديهم على خلائقهم اليعربية من حفظ الذمار و حق الجوار و قرى الاضياف و علو الهمة و كرم النجدة إلى ما هنالك من كرائم أخلاق يتوارثونها كابراً عن كابر.

و قد طاب لفضيلة الأخ الكريم مؤلف هذه العجالة الغراء أن يتغنى ببطولات أمجاده و يترنم بمآثر أجداده, فطلع علينا بهذا المختصر الثمين, و جاءنا فيه بـ(النبأ اليقين) فكان من ناحيتيه الأدبية و التاريخية مثالاً رائعاً و حقيقة ناصعة يهتدي بها من أراد اللحاق بركبه و العمل على غراره فلقد أجاد و أفاد و وطأ أكتاف السبيل للمرتاد فجزاه الله خير الجزاء و وفقه إلى أداء مهمته حق الأداء و ختم لنا و له بالحسنى انه سميع مجيب الدعاء.

                   أبو قبيس                عبد الهادي حيدر  

 

    * * * * * *

          

                 كلمة فضيلة الشيخ(حسين سعود)

                      بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله على صنائعه في خلقه و بركاته في رزقه و الصلاة على نبيه الأمي و رسوله العربي محمد و آله الطاهرين و بعد:

فقد أطلعني فضيلة الشيخ(محمود الصالح) على ما كتبه عن الفئة العلوية في بعض مراحلها التاريخية و ما استعرضه من سيرتها العرقية و الاعتقادية و البطولية و الأدبية و ما رافق هذه المراحل من عواصف و تقاذفها من أمواج, و كيف خلصت من هذه التيارات و نجت من هذه الأمواج, محتفظة بسلامة مواريثها و حيوية مؤهلاتها, فخرجت من قراءتي لما كتبه هذا الفاضل و كأن عينيّ عدستا مصور صوبت حدقتاهما إلى ماض بغيض, مشحون بالأحداث و الفواجع فانطبع فيهما ذلك الماضي بزمانه و مكانه بمآسيه و عبره بدمائه و أشلائه بأبريائه و جلاديه, و لم تكن هذه الصورة المتمثلة لعينيّ لتختلف في جزئياتها و إن اختلفت في كلياتها عن بقية الصور التي ترسمها مخيلة كل متتبع لتاريخنا العربي المصطبغ بالألوان المتعددة و المتخم بالنزوات المريضة, تلك الألوان و النزوات التي كانت تهيؤها شعوبية حاقدة,و تنفذها أجهزة فاسدة و تذهب ضحيتها فئة مجاهدة, و لا غرابة في ذلك إذا علمنا ما كانت عليه حال العرب في ماضيهم القريب من تفكك و تخاذل و تحاسد و تنابذ و ما كان عليه أعداؤهم من تواطؤ و تكالب و دأَب مستمر للقضاء على قوميتهم و تجريدها من جميع مقدساتها و مقومات حياتها.

أما الغرابة كل الغرابة فهي أن يبقى في حاضرنا العربي الذي نعيش فيه أذن عربية تصيخ إلى ما يروجه مستعمر متربص أو انتهازي مستغل أو شعوبي ناقم أو زنديق متنسك.

و أغرب من هذا و ذاك أن لا تؤثر تلك النواحي التاريخية في نفوس العرب تأثيراً يحفزهم إلى النهوض المسرع و اللحاق الحثيث بركب الحضارة العالمية, نهوضاً يهيب بنا جميعاً إلى انتزاع حقوقنا السليبة و يؤمننا غائلة الغازين و بائقة المغيرين.

أليس الأولى بنا معشر العرب عامة و المسلمين خاصة بعد أن أخذنا عن الماضي نتائجه السلبية و عظاته المؤلمة أن نجعل شعار نهضتنا و عنوان وثبتنا(الكلاب تنبح و القافلة تسير) و أن يكون تفكيرنا في الماضي لمجرد أن نستمد منه مادة بنائنا الحاضر لا أن نفنى فيه فناء صوفياً لا تكون حصيلته سوى الخمول فالانحلال فالتلاشي.

لقد أحرج العلوي المسكين في ماضيه فأحوج إلى عزلته و إخفاء حقيقته و استعمال تقيته, و أفسح لدعاة التفرقة و عملاء السوء مجال الدس و الوقيعة فكانت مفتريات المجالس و مفتريات الأقلام, و أين هو ذلك  العلوي المتواري عن الأنظار المغيب في ظلمات الأقدار فيدرأ عن نفسه التهم و أنّى لقلمه المحطم الناضب أن يخط صحائف براءة عروبته و دينه و عرضه من هذه المفتريات, و هل لمن حرمه الجبروت العثماني من أبسط حقوق الإنسان إلا أن يصم أذنيه و يغمض عينيه مستجيراً برحمة ربه و متوسلاً إليه بدقات قلبه مترقباً سطوع شمس الحرية لفتح عينيه للنور و يتنسم عبير العدالة الحرة فيدلي بدلوه بين الدلاء و يكون من مجتمعه العربي لبنة في بناء. 

حاشى الله أن يكون ذلك العلوي(كما يعلمه الله و كما يعلمه أحفاده من طريق مخلفاته الفقهية و تقاليده الموروثة) ممن يدين بغير توحيد الله أو يستسن بغير سنة رسول الله أو يولي وجهه في صلاته لغير بيت الله أو يأخذ أحكامه و فرائضه و حلاله و حرامه عن غير القرآن كتاب الله, و لما كان الشيء بالشيء يذكر أود أن أورد قصة مُثّل دورها في عهد الانتداب الغاشم إذ حضر أحد الحكام الفرنسيين البارزين عند شيخ من شيوخنا و لغرض في نفسه وجه إليه السؤال التالي:(ما هي حقيقة أنسابكم و معتقداتكم و أعيادكم و عادتكم) فنهض الشيخ دون أن يجيبه و تناول القرآن من مكتبته المتواضعة و قال هذا هو القرآن الكريم كتاب الله يجيبك عن جميع ما سألتني عنه ففيه أنسابنا و معتقداتنا و أعيادنا و عاداتنا فسكت ذلك المستعمر و كأنما ألقمه الشيخ حجراً.

و الآن و قد أمّحى ظلام الأمس و انبلج فجر اليوم و اتضح لكل ذي لب أن ما كتب و ما أشيع بالأمس في تجريح عقيدة العلوي أو تسفيهها لم يكن إلا لغايات ملوثة تعافها طهارة الإسلام, دين الأخوة و المساواة, و لم يبق بين ظهراني الأمة الواحدة ممن أرجفوا بأباطيلهم و تهربوا من مواجهة الحقيقة زمناً طويلا من يحاول التدخل في خصوصيات المذاهب الأخرى, إذ لكل منها فروع و اجتهادات يجب احترامها.و هل من غضاضة على العلوي المسلم إذا قال في آذانه(حي على خير العمل) أو أسبل كفيه عند وقوفه لصلاته, أو اشترط العدالة في الإمام المنصوب للصلاة, أو رأى مذهب إمامه(جعفر) أصفى المذاهب مع احترامه للمذاهب الأخرى, أو قال بأن الإمامة شرط بعد النبوة, أو طبق على نفسه بعضاً من أحكام الزوجية و المواريث حال عدم تطبيقها على غيره, كلا و ألف كلا, إلا إذا كان هناك إكراه في الدين كالذي كان, و يأبى الله و الإسلام و المصلحون المتحررون أن يكون.

و لقد أثمرت بحمد الله جهود علماء الدين في الآونة الأخيرة و على رأسهم(جماعة التقريب) فأوجدوا جواً من الهدوء و الثقة المتبادلة و الترفع عن الضغائن, و الجدل العقيم و التفرغ إلى ما هو أجدى تمشياً مع إرادة الله تعالى بقوله(و لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) فتلاقوا بذلك على صعيد ذلك الصياد المصحر إذ رأى شبحاً فظنه وحشاً و قبل أن يرميه تبينه إنساناً فظنه عدواً مهاجماً و بعد التريث قليلاً اتضح له أنه شقيقه و معينه و شريكه في سرائه و ضرائه فتعانقا.

و من المسلم به أن من يضيء شمعة خير ممن يسبب الظلام, و ها هو هذا المؤلف الفاضل قد أنار(بنبأه اليقين) شمعة أزاحت ظلام القلوب و العيون والأسماع, و كشفت الغطاء عن كثير من خبايا زوايا التاريخ العلوي الماضي و المعاصر, فكان بذلك عضواً عاملاً في مجتمعنا العربي الإسلامي الحر, فله مني و من كل علوي خالص الشكر و من الله سبحانه وافر الأجر.

              جبلة         حلبكو           حسين سعود

 

    * * * * * *

 

 

   كلمة فضيلة الشيخ(محمود سليمان الخطيب) جيبول

و إني لأستميح فضيلته العذر عن عدم إثبات كلمته كلها لضيق المقام و لما في ملخصها من وفاء بالغرض.

                  بسم الله الرحمن الرحيم

و له الحمد

فترة قصيرة من الزمن(باركها الله) تجمعني بالأخ الكريم الشيخ(محمود الصالح) أمد الله ظله, فيقرأ لي من كتابه(النبأ اليقين) عن العلويين ما لم يمتع بمثله سمعي مما هو في بابه, أعجبني أسلوبه في التأليف و قوته على البيان و العبارات الغنية بالفن الأخاذ و السبك الجيد و التصوير البارع الذي يعطيك المعنى المقصود واضحاً كل الوضوح جلياً كل الجلاء مع سلامة اللغة و الدقة في استكمال شروط التأليف.

و لم أكن قرأت له قبل ذلك غير كتابه(المختصر الجامع) الذي وضعه خصيصاً للمبتدئين من طلبة الفقه مع رفيقه الأستاذ(الخير) و لقد أجاد في تبويبه و أحسن في ترتيبه, غير أن أحكام العبادات تكاد تنحصر من النقل في ألفاظ معينة, فلا تظهر فيها براعة الكاتب و لا عبقرية المؤلف, و أنه و الأمر لا يجد على جامد النص ذلك المضمار الذي فيه يبرز و لا ذلك الجو الذي فيه يحلق.

أما في كتابه(النبأ اليقين) و قد رأى ما نفثته أقلام المفترين و ألسنتهم من سموم التهم و الأكاذيب على المسلمين العلويين دافتْها لهم أيدي حفنة من الأثمة المؤرخين و المرتزقة المأجورين الذين حاولوا الحيلولة بين باهر الحق و ظهوره و عملوا لإخفاء إشراقه و نوره, رأى- و ما أكثر ما رأَى- من ذلك, فأبى عليه دينه و يقينه أبت عليه أصالة عروبته و رسوخ عقيدته أبى عليه وجدانه النقي و قلمه المبدع الفياض إلا كشفاً و بياناً و تمحيصاً و تحقيقاً, فسال كالتيار الجارف يأخذ الأفاكين على غرة و ينزل بساحتهم على حين غفلة, ثم يستوي على جودي التاريخ فيهيب بالمؤرخين السارين في مدلهم الفتنة أن يشعلوا في قلوبهم مصابيح الحق,و يسلكوا الجدد على ضوء أنوار الحقيقة فيأمنوا العثار.

ثم تراه, حرسه الله, و قد ملأ نفسه خوف الله و حسن الظن بإخوانه المسلمين ينتحل لهم الأعذار على إيقاعهم بالعلويين و اتهامهم إياهم بما تقشعر له جلود الذين يخشون ربهم, فيعزو ذلك كله إلى أيد أثيمة ليست من العروبة و الإسلام في شيء, إلا ما كان ادعاء, من اليهود و المغول و الأتراك و غيرهم من الشعوبيين الذين حسدوا العرب على نبوتهم و قرآنهم على عزتهم و سلطانهم فعملوا لتفكيك أجزاء وحدة الأمة و تحطيم قوى الإسلام على صخرة العروبة و العروبة على مصرع الإسلام.

من المستشرقين الذين عرفوا بعد دراسة طويلة تشدد العربي المسلم و حماسه لدينه و مبادئه, فأيقنوا أن أفتك سلاح تخرجه معاملهم لتدمير العرب المسلمين هو الإيقاع بينهم عن طريق الدين, فاعتمدوا الحصول على كتب خلفتها خلافات المذاهب الفلسفية في العصر العباسي على ما في تلك الكتب من نحل و ما في تلك النحل من غضاضة على ذويها, فينشرون لكل فرقة من المسلمين من تلك الكتب و النحل ما انطوى إثارة لما فيها من خلاف و تفريقاً بين المؤمنين, و هم على مثل اليقين أن تلك النحل بادت بذويها و منتحليها.

و أنكى من هذا أنهم يعزون ما يعرضونه من تلك النحل و الآراء معمولا به أو مهملا منذ قرون إلى فرقة حاضرة تعيش مع أختها في كنف واحد ليجعلوا من مواضيع الخلافات المذهبية في المسلمين مسارح للمبشرين و المستعمرين.

بمثل هذا يعتذر عن إخوانه المسلمين فلا يسع خلقه الشريف على مسلم مغمزاً بل يجتهد في استنتاج العذر شأن المتروي الحسن الظن فعلى رأيه, و لا غيره, أن كل تفرقة و شقاق في المسلمين مصدره الأجنبي عدو العروبة و الإسلام, و تغافل المسلمين عن رؤية الحقيقة مما أدى هضم بعضهم حقوق البعض الآخر, و يرى, و هو الصواب, أنهم لو عملوا بما تعمل عليه(دار التقريب الإسلامية) اليوم من تقارب و تسامح لما كان للدخلاء سبيل إلى النيل من وحدتنا و الإيقاع فيما بيننا.

و قصارى القول: أن الكتاب بما فيه من رقة التعبير و دقة التصوير و جزالة اللفظ و جلالة المعنى يغنينا عن الإشادة فيه, و يترك للقارئ المنصف أمرة الحكم عليه.

فلك الشكر يا أخي الكريم على ما بذلت من جهود لاستقصاء الحقائق عن العلويين و إبرازها صورة واضحة في كتابك(النبأ اليقين) و على مساعيك المشكورة(و أن ليس للإنسان إلا ما سعى) لإحكام وشائج الإخاء و الإتحاد في قلوب و عزائم العرب ة المسلمين, و لقد أجدت و أفدت, و جئت من الدين بلبابه, و وضعت الحق في نصابه, وفقنا الله و إياكم إلى طاعته و شرح صدورنا بحب محمد و آله الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين و جمع شمل المسلمين و ملأ قلوبهم حباً و تسامحاً و إنصافا إنه ولي الإجابة مجيب الدعاء.

            جبلة             جيبول        محمود سليمان الخطيب

 

   * * * * * *   

 

كلمة فضيلة الشيخ محمود صالح عمران(حمص)

             بسم الله الرحمن الرحيم

حمداً لمن جعل الحمد سبباً لزيادة فضله و ذريعة لعزيز أنعامه و وسيلة للكثير من مواهبه العلمية و العملية, و صلى الله و سلم و بارك على نبي الرحمة و القائد الأعظم إلى سبيل الخير و على آله أهل العصمة و مهبط الحكمة صلاة كثيرة طيبة,

و بعد:

أقول لقد أحسن سيادة الأخ الفاضل المجاهد(الشيخ محمود الصالح) في هذه التأليفة القيمة المسماة(النبأ اليقين) فجاء بها في هذا الظرف الدقيق الذي نحتاج فيه إلى أمثال هذا الأسلوب البديع من التأليف, و التطرق في هذه الناحية الجذابة, فأرانا من إنتاجه الخصب و قلمه الفياض ما أزاح عن البصائر ما أُسدل عليها من أغشية الأوهام, مع ما في سلوك هذه الناحية من صعوبة و مشاق و بحث مرير, فجاء الكتاب وفق المسمى, نبأ يقين, و تاريخاً ناصعاً مجيداً مثبتاً فيه ما للعلوي الحر من مآثر جلي و حياة ثقافية نبيلة تؤكد له صدق إسلامه,و تبرئه مما حاك له الساسة المغرضون و ما وصموه به من صفات لا ترتكز على أساس صحيح, جاء النبأ اليقين, مشيداً بطيب عنصر العلوي و صحة عروبته و أصالة إسلامه لا يخالف تاريخه الناصع الحافل بأمجاده و عظائمه و علمائه تاريخ غيره من فرق الإسلام, و لا يقصر عن ركبهم السائر في سبيل التقدم الحثيث, كل هذه صور رائعة تنطبق على الواقع النبيل و تتفق مع المبادئ الإسلامية الحرة, و ما إلى ذلك من مؤهلات و روابط قومية تجمعهم مع إخوانهم المسلمين في ظل المخيم الإسلامي الظليل, و أقول لا أحسبني مغالياً إن قلت أن المؤلف وفقه الله, لم يسبق في هذا المعترك و لم يشق له غبار في معالجة الناحية الشاقة, و حسبك(النبأ اليقين) دليلا على دقة نظره و جودة أفكاره و غزارة مادته و زيادة تقصيه عن أحوال هذه الفرقة الإسلامية المستضعفة(و نريد أن نمن على الذين استضعفوا الأرض) الآية, ناهيك ما أوضح عن الأسباب التي كادت أن تودي بالمسلم العلوي ة تقصره عن قافلة الموثبين إلى الحضارة المتطلعين إلى التقدم و ما مُني به الاضطهاد السياسي زماناً طويلا بغية إقصائه عن حظيرة الإسلام و إبعاده عن ركب التقدم الثقافي, و لما كانت هذه الناحية التاريخية كثيرة الملابسات شائكة المسالك كثيرة التعاريج و كان لابد لسالكها من أن يصطدم بعراقيل جمة و معارضات كثيرة, فكنت ترى هذا المؤلف سدد الله خطاه, أعد لكل أمر في هذه الناحية عدته و هيأ لكل مطلب أسبابه, فجاء الكتاب شافياً, لم يترك ناحية غامضة في تقصي الحقيقة و بيانها و لم يدع يكتنفها الوهم في معترك الملابسات, فرسم للقارئ صورة العلوي بمعناها الصحيح, مغنياً عن كثير من الجهد في طلب الحق المنشود, فجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء و أحيا الله العلم و العلماء.

                      حمص                 محمود صالح عمران

 

   * * * * * *      

 

 

 

 

 

كلمة فضيلة الشيخ(داوود الخطيب)

                    بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله على آلائه, و الصلاة و السلام على كافة رسله و أنبيائه, و بعد:

لقد اطلعت على السفر الجليل و الكتاب الجميل الذي كتبه حضرة الأخ الأديب الشيخ(محمود الصالح) المتضلع في أفانين العلوم و الأدب المطلع على متون كتب التاريخ و فروعها على اختلاف مشاربهما و تباين مذاهبها.

و قد سار على الجادة المثلى من طريقة المنصفين و أجهد نفسه و نصب أفكاره لاستقصاء البحث عن ماهية العلويين و عروبتهم و تاريخ ماضيهم و لمن ينتمون من الأسر العربية و قد تناول هذا البحث من سائر أطرافه و نواحيه بتؤدة و روية و إنصاف و أمانة حتى أعطاه بعض حقه و وفاه قسماً مما يستحقه و له بذلك العذر الكافي, لأن المؤرخين على اختلاف نزعاتهم و تباين مذاهبهم طمسوا الكثير من محاسن سلف العلويين و شوهوا وجه التاريخ بتقبيح ما نسبوه إليهم, و ما وصموهم به من التهم و الافتراء عليهم, و لم ينصفهم التاريخ بشيء من ميزاتهم التي كانوا يمتازون بها و يفخرون, ها هي الدولة الحمدانية التي طار ذكرها و ضاع نشرها و طبق الخافقين مجدها و سؤددها, و ما أبلاه رجالها من الجهاد دفعاً للروم عن بلادهم و دفاعاً عن كيان عروبتهم و دينهم, و ها هم الأمراء التنوخيون و الغسانيون و غيرهم من الأسر العربية التي ارتفع مجدها في سوريا و جزيرة العرب و المغرب و مصر و خلافها,و بالرغم من الظروف القاسية التي مُنوا بها من هضم حقوقهم و تشتيت شملهم و تفكيك عرى رابطتهم, ناهيك ما جرى عليهم أيام حكم الرجل الأثيم(السلطان سليم التركي) من السلب و النهب و القتل قصد استئصالهم و قطع دابرهم ليقضي على سيادتهم العربية و عروبتهم الأبية حتى قضي على الكثير من مؤلفاتهم في فنون العلم و الآداب و الفلسفة و رغماً عن كل ما جرى عليهم من الجرائم و الفظائع بقي هذا التراث الكريم, أعني تراث النسب و الأسر الكريمة محفوظاً لديهم و مرموقاً بأنظارهم و مردداً بأفكارهم نقلاً و استناداً و اجتهاداً كابراً عن كابر و حاضراً عن غابر.

و قد تعرض غير واحد ليكتبوا عن ماضي سلف العلويين و يستقصوا تاريخ آثارهم و سيرتهم فلم يفلحوا فيما وصفوه و لم يوقفوا فيما ألفوه, فخبطوا خبط عشواء و كل منهم أحسن أساء, و رموهم بالزندقة و الرفض و الإفراط في الحب و البغض.

و ظني بل يقيني أن التهم التي وُصم بها العلويون و الأراجيف التي ألحقها بهم الأغيار من المستشرقين و المغرضين لم تكن إلا من طريق بعض الغلاة من الفرق البائدة المنسوبة ظلماً للشيعة كالإسحاقية و السبأية و الذهيبية و غيرهم, و العلويون منهم براء براءة الذئب من دم يوسف بن يعقوب.

و الخلاصة أن حضرة الكاتب كتب ما كتب عن بصيرة و إخلاص و تبيين لا عن عصبية و ظن و تخمين, أسأل الله سبحانه أن يسدد خطاه و يوفقنا و إياه للصدق في القول و العمل و الله لا يضيع أجر المحسنين.

        جبلة            تل حويري          داوود سليمان الخطيب

 

   * * * * * *

كلمة فضيلة الشيخ(حيدر محمد)

                      بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله الذي علم الإنسان ما لم يعلم و صلى الله على رسله و أنبيائه و حججه و أصفيائه, و بعد:

لم يعرف تاريخ المجتمع الإنساني طائفة من الطوائف اكتنفها الغموض و إعتورها الإبهام و لا فرقة من الفرق حامت الشكوك و ساءت بها الظنون مثل الطائفة العلوية.

فرقة اتفق المغرضون من المؤرخين قديماً و حديثاً على اختلاف نحلهم و تباين أجناسهم و تباعد أمصارهم على الغض من كراماتها و تسفيه آرائها و تشويه معتقدها و تقبيح سيرتها و نكران إسلامها و عروبتها و نسبتها إلى عناصر بعيدة عنها لا تمت إليها بسبب و لا توصلها بها واشجة رحم أو حسب, حتى أخرجوها من حظيرة الإسلام و المسلمين و العرب و العروبة بلا برهان واضح و لا حجة قاطعة إلا بما يمليه عليهم المستعمر السفاح و الشعوبي الحقود, مما أدى بها إلى انعزالها عن المجتمع العربي و الإسلامي  و انكماشها على نفسها و هربها بدينها و ولائها لآل البيت الطاهرين, محتفظة بهما و بتراثها العربي الأصيل من رعي الذمار و حفظ الجار و كرم الطباع و إباء النفس, فاقدة نعمة الاجتماع و ما يسديه من علم و حضارة و رقي, حتى أصبحت لا تعي و لا تفهم ما يحاك من حولها من شكوك و ما يشن عليها من شبه هي منها أبرأ من ذئب يوسف.

و لو منيت غيرها من الفرق ببعض ما منيت به لانحلت و تبددت و لكنها بفضل تمسكها بحقائق الدين الإسلامي الحنيف و روابط الولاية المهرة و تأثرها بأمجادها و أجدادها قادة الفكر و القلم و أرباب السيف و اللهزم بقيت صابرة صامدة لأنياب المستعمر الغاشم و مخالب الطامع المستبد طيلة تلك الأجيال الطويلة الكثيرة و العهود البغيضة المتعددة صمود الصخرة الملساء لضراوة الزوابع النكب و الزعازع الهوج, و لم تزل تتلقى الضربات المريرة الأليمة فتنتقل من جور و ظلم إلى استبداد و فوضى حتى بزغ فجر الحرية السافر و أشرق بنوره السني الباهر فتقلص ظل المستعمر المخيف و شبحه المرعب بظلمه و ظلماته, فظهر ما اكتنزته هذه الفئة المضطهدة المكبوتة المعزولة, من الطاقات القوية و القدرة الجبارة في ميادين السيف و القلم و الدين و الأخلاق, حقائق ناصعة, اعترف بها كل من رأى و سمع بما بذلته من تضحيات عظيمة و جهود شاقة جبارة في الركب العربي الثائر لحريته و استقلاله, و ما برزت به من ثقافة و رقي في الركب الحضاري السائر نحو المجد و العلاء.

تلك الحقائق التي لم ينكرها إلا من أعماه التعصب و بلده الحقد فسلبه نعمة الاعتراف بالحق, شأن الأعمى الذي لا يعترف بمنفعة ضياء الشمس و لا نور القمر.

و من أراد أن يتعرف تاريخ هذه الطائفة تعرفاً بسائر عهودها و عصورها بآمالها و آلامها بقوتها و ضعفها بعزها و ذلها بنهضتها و كبوتها, فعليه بمطالعة كتاب(النبأ اليقين) لمؤلفه الأخ الكريم الشيخ(محمود الصالح) فإنه زاده الله علماً, أصدره كاسمه, نبأ يقيناً, و حقاً مبيناً, و صورة حقيقية لا إبهام بها و لا غموض, ببيان ساحر و لغة فصيحة و أسلوب بديع, يتجلى التجرد و النزاهة بكل سطر من سطوره, و يلوح للمسيء لهذه الفئة من المؤرخين أحسن الأعذار و أفضلها, شأن أساطين الفكر و جهابذة الرأي المحررين من رق الحفيظة و أسر الغريزة.

 

أيدك الله أيها الأخ الكريم و سدد خطاك, فلقد كتبت فأوجزت و أجدت فأفدت و ألفت فأحسنت و أخلصت بما كتبت فجزاك الله عن الدين و الأمة جزاء من أحسن عملا.

             بيت ياشوط       الحصنان          حيدر محمد أحمد

              * * * * * *

كلمة فضيلة الشيخ(سليمان عيسى مصطفى)

             إن من البيان لسحرا             و من العمل لفخرا

                        بسم الله الرحمن الرحيم

لشد ما دهشت و كثر إعجابي بفضيلة الشيخ(محمود الصالح) لدى إطلاعي على كتابه(النبأ اليقين) هذا الكتاب الذي ما أن قرأته بإمعان و تدبر حتى نبل في عيني و عظم في قلبي هذا العمل المثمر المنتج, و تسابقت إلى لساني عبارات الشكر منطلقة من أعماق قلبي مدوية في أذن  الأجيال ثناء على هذا المؤلف لما كرسه من وقت و بذله من جهد و قدمه لبني عصره من مخيض فكره, و حقيق ما يقال, تقدس الرجال بالأقوال لا الأقوال بالرجال.

و مما ظهر لي و تيقنته من هذا الكتاب أنه خارج عن فكرة صائبة و عقل منير, و ما أحوجنا إلى مثله من الكتب النافعة الخالية من الأغراض و المصالح الشخصية, الداعية إلى توثق عرى المحبة و الإخاء و إحكام وشائج الإلفة و التضامن بين هذه الأمة الواحدة, التي عمل في ما مضى الشعوبيون لتفكيك أجزاء وحدتها, فأولى بالنفوس الحرة أن تستجيب لهذه الدعوة الصادقة فتنطلق الروح العربية المتوثبة تشق طريقها إلى المجد مرتقية سلم الفضيلة إلى الفخار و المعالي.

و مما حملني على الإعجاب بهذا الكتاب ما أبانه فيه مؤلفه بأسلوب أخّاذ و جيز, موف بالغرض عن أدوار مرت بهذه الفئة العربية المسلمة, حالت دون ظهورها على مسرح الحياة الحرة النبيلة, و لا ذنب لها إلا افتئات بعض المؤرخين على تاريخها المجيد انتهاكاً لحرمات حقوقها, و إرضاء لأصحاب الطيالس و الصوالج من الحكام الشعوبيين, و لا ريب أن فضيلة المؤلف- مد ظله- قد أسدى خيراً إلى هذه الفئة المؤاخذة بغير عملها, بما أوضحه من معميات في تاريخها, و أظهر من مآثر لرجالها, و لعل الكثير من أبنائها ينشطون بعد إطلاعهم على ماضي سلفهم الناصع فيعملون بجد لإحياء ذكرى أمجادهم الخالدة. فإليك أيها الأخ الصالح أقدم تحياتي, و بكتابك أظهر إعجابي, (و لمثل هذا فليعمل العاملون) أكثر الله من العلم و العلماء و نفع بهما الأمة جمعاء, و جزاك الخير و خير الجزاء.

                             حريصون             سليمان عيسى

 

   * * * * * *

كلمة سماحة المفتي الجعفري في بانياس فضيلة الشيخ(رجب خليل آل السعيد)

                          بسم الله الرحمن الرحيم

حمداً لمن سطع نور وجوده على كل موجود, فأفاض على العالم العقلي إحسانه, و على العالم الكوني أنعامه, سَبَرَ كل شيء خبراً و أتقنه صنعاً, فسبحانه من قدير ما أقدره و بصير ما أبصره, و الصلاة و السلام على النبي العربي الكامل,(الذات الأحمدية) الحامل لواء الرسالة الربانية ليكون الهدى و مشاعله و مدار الحق و مناهله, أما بعد:

فقد أسعدني الحظ البهيج بالحظوة السنية التي هيأت لي الاطلاع الوافر, على هذا النموذج التاريخي الساحر, و الاستهلال الأثري المبين المفعم(بالنبأ اليقين) و البرهان القاطع عبر القرون و العصور التي أدركها العلويون الأوائل في أدوارهم الحازبة و عقودهم اللازبة حتى رضخت لنظمهم الجماعية و دساتيرهم القدسية التي تدارسونها عن أئمتهم المعصومين و فلاسفتهم القدامى الميامين كثير من الأمم المتخلفة عن بلوغ شأوهم و رفعة شأنهم و ساورتهم الكلمة المسموعة و العزة القعساء فينة من الزمن و ردهة من الدهر في جميع مقاصدهم السامية و أوضاعهم السياسية و تطوراتهم السانحة و ربطوها بعجلة العلم و الحكمة و العدالة و الحنكة برجاحة حلومهم الملهمة و حصافة أفكارهم السليمة تمشياً مع الركب الإنساني المتمدن و الحضارة العالمية المتحررة إلى أن جاوزت أهدافهم المثالية السافرة و ثقافتهم الروية الناضجة و ملكاتهم العقلية الصحيحة الفرط الأعلى و قدحي الرقيب و المعلى و استوت عوارفهم على الذروة السامقة و أمرعت بسلطانهم الأرياف المخضوضرة و منادح مشارفها الندية تزدان بكل ريع خصيب, و ما عتموا أن اندفعوا بهمة جبارة نحو الجهاد المقدس في سبيل الحرية و الوطن و الدين و سرعان ما ضربوا بسهم وافر لصد العاديات سواسية مع الغزاة الفاتحين يبتغون الضالة المنشودة و الغاية المتوخاة.

فيا لها نقطة انطلاق عطرية الدمى نقية الجيب مكللة بهالة المجد و الفخار و ذكرى ندوات مجلجلة بأهازيج السمار ملأت الكون صدحاً و تغريداً فجل الواهب و تبارك المانح على ما أسدى هذا العلق النفيس الطاهر و العبق الروحي الريان لهذا الخلف العلوي الأصيل القمين بالعروبة الشماء و المللة السمحاء من خدمات جلى تهيب به الإلزام الخُلقي و الخَلقي فتكسبه عزيمة ومضاء على الجادة الواضحة في رابعة النهار فلا تطلب أثراً بعد عين.

و حسبنا إيضاحاً ضافياً لتلك المعاهدة المشهودة البناءة و النضال الخضم العارم المباركة التي حققها و دبجها على هذا النهج القويم ابن بجدتها الشيخ محمود الصالح أصلح الله به هذا العصر و نفع بعلومه المخضلة النيرة و مواهبه الجياشة المتألقة أرباب الضمائر الحية و الوجدان الحر فانجلت بوميضها اللماح و عبيرها الفواح عن عبقرية فطرية و نبوغ عصامي و نفاح مسدد و صيال مجيد على الوتيرة الوضاءة و النسق المسلكي المرموق ففي الزوايا خبايا و في خبايا الرجال بقايا.

و لا غرو إذ باضعها راويها و محور قطبها بنكت خلابة و طرائف جذابة تبلورت بكل طارف و تليد فأنجبت مخلقة صالحة أضحت نواة صدق و عرفان لم تكذب رائدها و لن تشفع بمثلها جاءت سباقة بتعاليمها الفذة المهذبة و معانيها العويصة المستقصاة و أنها من الفائدة بمكان, ناهيك ما أحرزته من المضامين الجدية الناصعة و الأبحاث المرهفة الحساسة مستقاة من عيون نميرية عذبة و مصادر فياضة روية موثوق بربانيها الإعلام تنبثق عن أنساب الشعب العلوي النبيل و انسيابه من أصول عربية عريقة لكي تجدد ما أندرس من حوادث الأيام الخوالي و ما جرياتها الغابرة, غداة ما تخطى العلويون الأحرار غوارب يمها الزخار و تياره الجارف العظيم.

و قصارى القول أن زمر الكتاب في العهود السالفة أوصدوا باب التفهم الصحيح و أغفلوا شطراً جسيماً و طووا صفحة غراء من رطيب العبر التاريخية الوارفة الأفياء كانت تحتوي محاسن مزايا عليّة أعيان هذه الفصيلة الغربية الإسلامية ذات الحسب الشامخ و المجد الباذخ و لله في خلقه شؤون.

و ختاماً يا أبناء الضاد الظافرين و عرقهم النابض و أحفاد العرب المناضلين و غرسهم الناهض و يا أتباع الحنيفة البيضاء و ملأها الموقنين و يا رهط التراث المحمدي الأصيل أذكركم الله و الواجب على كل من اتخذ الحق يقينا و الإسلام دينا و الحرية عقيدة و سبيلا و الوطن خلا و حبيبا,

 و اليعربيين إخوانا أن يجهد بكل ما زاده الله من بسطة في العلم و الجسم و ما أوتي من شدة بأس و رباطة جأش لدعم صرح الأمة العربية المتحدة الصاعدة فلا أقفل نجمها و لا أفلح خصمها.

                                         مفتي منطقة بانياس

                                         رجب خليل آل السعيد

 

  * * * * * *

 

كلمة المحامي القدير و الكاتب الملهم

 الأستاذ عبد الرحمن اسماعيل   

                    النبأ اليقين صوت الحقيقة

عندما يستبد جور السياسة الحاكمة في أمة من الأمم أو شعب من الشعوب أو نفر من الناس ينأى بأي منهم عن حقيقته الخيرة الفاضلة إلى خيال  زائف فيه الشر و فيه كل ما يستلهمه خيال السياسة الجائرة من حقد السيطرة و حقد الاستبداد.

و هذا ما نزل فعلا بالعلويين أيام محنتهم في ظل الحكم التركي الظالم, فاتهموا في دينهم و اتهموا في أخلاقهم و اتهموا في شتى مناحي حياتهم, و كان من أثر ذلك أن جاعوا و جهلوا و انعزلوا و حيل بينهم و بين ما يشتهون فكانوا و بقوا- رغم اختلاف الزمان- فئة أغفلها التاريخ إلا زوّر المغرضون, و إلا ما خرجوا به على مستلزمات التاريخ و في مقدمتها استقصاء الحقائق و الغوص عليها و استخراجها من مطاوي الزمن و كثيراً ما يفتقر هذا الاستقصاء و هذا الغوص و هذا الاستخراج إلى سعي مجد نشيط و إلى جهد ذاتي مبذول هو جهد المؤرخ الصادق الأمين يعتمد على حواسه سليمة عادلة متآزرة ليصل إلى الحقيقة رسالة التاريخ و هدفه الأسمى, لاسيما و التاريخ لا يعني حوادث و أماكن و أزمنة فحسب, و إنما يعني, أكثر من ذلك, عادات و تقاليد و مستويات و نظماً اجتماعية و أنماطاً معاشيه و نقداً و تحليلا لذلك كله.

و المؤرخ عن العلويين-إذا أراد فعلا أن يصل إلى موارد الحقيقة- هو أفقر ما يكون إلى الدراسة المباشرة و إلى الاستقرار الذاتي, ذلك لما فرض على هؤلاء من عزلة أرغموا عليها ففقدوا فيها أسهمهم من حصيلة التاريخ الحق إلا ما انتزعوه انتزاعاً من قبضة السياسة الجائرة المستبدة على يد مؤرخ عادل و كلاهما نزر يسير.

و تشاء إرادة الله أن يخرج العلويون من عزلتهم و من حصار جوعهم و جهلهم و أن يخرج المؤرخون و قرّاء التاريخ العرب من جمود مسلكهم التقليدي العتيق و من إطار نظرتهم الموروثة المتطلعة إلى هذه الفئة العربية المسلمة بعين مريضة بعمى الألوان فتغدوا و لا محل لزيف التاريخ و لا رواج لبضاعة المغرضين الحاقدين, و يغدو التاريخ عن العلويين ضرورة ملحة ما دام العهد غير العهد و السياسة غير السياسة و الحاكمون غير الحاكمين فلا ظلم و لا استبعاد و لا سيطرة, ثم لا عزلة و لا جوع و لا جهل و لا جمود, و يجيء(النبأ اليقين)- و هو عرض أمين لما أسلفنا – استجابة سخية لتلك الضرورة الملحة,فهو ضالة التاريخ كتبته يد أمينة و أملاه فكر مدرك خبير, و استجمع من مستلزمات التاريخ ما افتقر إليه الأولون ممن أرادوا الحديث عن هذه الفرقة العلوية المسلمة, فالمؤرخ هنا في كتابه هذا إنما هو نفسه خيط في نسيج موضوعه لأنه ابن العقيدة و ابن البيئة و ابن التقاليد.

و لقد كنت أعتزم تناول الكتاب بالدرس نقداً و تحليلاً لأكشف فيه عن مواطن الجودة و الجمال, إن في الأسلوب أو التبويب أو اقتضاب الطريق إلى الغاية أو استجلاء الحقائق التاريخية, و لكني رأيت أن سلوك هذه الطريق التقليدية في الحديث عن كتاب-أي كتاب-إنما يسيء إليه و إلى القارئ معاً.

أما إلى الكتاب فلأنه يضع حدوداً لخصائصه الفنية, و الخصائص الفنية في التأليف مظاهر جمالية-هي في(رأيي) مما يتمرد على التجديد و الحصر, لأن مقاييس الجمال شخصية, ثم لأن من الخصائص الفنية أو الجمالية ما لا يعبر عنه بالقول و لكنه يلمس الحس الفني في مجاهل النفس فيترك فيه أثراً يعرف و لا ينقل.

و أما إلى القارئ فلأن في ذلك افتراضاً مسبقاً لغفلته و تجاوزاً جارحاً لاعتبار شخصيته الناقدة المستقلة, و تفويتاً لمتع قد يظفر بها بنفسه و إملاء لشروط قد لا يرضاها.

و لأن الكتاب الذي بين أيدينا الآن إنما هو- رغم كونه كتاب تاريخ – يمد يده إلى الأدب(و هو فن) ليأخذ منه في ديباجته و أسلوبه طلاوة و حلاوة و إشراقاً, و لأن احترام رأي القارئ و اعتبار شخصيته الناقدة المستقلة أمر واجب الوجود فقد رأيت أن أصد عن اعتزامي لأترك ذلك للقارئ الكريم يدركه بنفسه و يستجليه بحسه الناقد المحلل فلا يحرم من لذة المفاجأة و متعة الاكتشاف لاسيما و الكتاب يحمل في ذاته الحديث عن ذاته.

أما عن المؤلف فحسبه أنه أحب الحقيقة و هي خير و سعى إليها و الطريق وعرة و هذه جرأة ثم قدم ثمار سعيه الجريء

- يانعة دانية القطوف- إلى مشتهيها و تلك فضيلة.

فجزاه الله خير ما يجزى به عشاق الحقيقة و سعاة الخير و دعاة الفضيلة.

                                                 المحامي

                                           عبد الرحمن اسماعيل

 

 

 كلمة العبقري الأديب الأستاذ أحمد علي حسن

             إنصاف المؤلف حق على القارئ

لأول وهلة يستغرب القارئ و هو يطالع هذا الكتاب و يتصفحه كيف أن المؤلف و هو من شيوخ الطليعة في هذا المحيط, يصرف جهوده و يسهر لياليه على مثل هذا الموضوع الذي أصبح البحث به– بالنسبة إلى ما يعالج في هذه الأيام- مقتلة للوقت و مضيعة له, إذ أصبح من المسلم به أن الجماهير و الأفراد أصبحت لا تعنى بمثل هذه الأمور, و أصبح الإنسان في هذه الأيام ينظر إليه من حيث هو إنسان لا من حيث يدين و يتمذهب, و لكن المتمعن المتفحص يرى غير ذلك, خاصة بالنسبة إلى هذه الفئة من الناس التي حامت حولها الشبهات و رفت عليها الظنون, حتى أصبح المتاجرون من أصحاب الأقلام المتضورة كلما عنّ لهم أن يبحثوا عن شقة في مختلف أبناء العالم الإسلامي عمدوا إلى هذه الفئة(العلويين) متخذين من باطنيتهم(لو كان هناك باطنية) أساساً لما يزعمون أنه اكتشاف و أنه فضيحة فيتشدقون بما يتشدقون غير مبالين بهاتف الضمير و لا بصوت الوجدان, لاسيما و أن الكتابة عن المعميات تبقى مسؤوليتها بعيدة عن رقابة المحاسبين حتى يتاح لهذه المعميات أن تظهر و تنجلي.

و لما كثر في الأيام الماضية المتقولون و تعددت مزاعم الواهمين في اكتشاف ما ليس بموجود و إظهار ما ليس بمستتر من أمر العلويين, أصبح وضع هذا الكتاب من الضروريات التي تقتضيها ظروف هذه الجماعة المجمعة على التمسك بمذهب واحد مذهب الإمام(جعفر الصادق)(ع).

لقد كتب كثيرون فيما مضى و سلف من التاريخ, و لكنها كتابة لا للتاريخ و لا للإنصاف, بل لإرضاء العواطف الحقيرة التي كانت تتنزى حقداً و بغضاً لهذه الفرقة المسلمة, إذ أنه غير خاف أن الأساليب السياسية كانت في تلك العصور مبنية على الطعن في معتقد الفئة المناوئة حتى يبرر أصحاب السلطان تدابيرهم الوحشية فيها.

و كان العلويون أول ضحية في التاريخ عند المؤرخين الذين كان كل همهم إرضاء الطيالس و الصوالج و متقلديها.

و إلا فإن الشهرستاني و غيره من الأقدمين لم يكونوا يجهلون أن هذه الفئة من المسلمين غير منافقة في إسلامها, أو يعلمون أنها غير مسلمة, و هؤلاء وحدهم و أصحاب الفتاوى المشهورة بعدهم أجل هم وحدهم الذين شجعوا من كتب فيما بعد أمثال الدكتور(حتي) و غيره ممن تمرغوا في أوحال الموضوع فأساؤوا و أساؤوا و لم يحسنوا.

و ما كان الباحثون مؤخراً في أمر العلويين أمثال الأستاذ(منير الشريف),و(عارف الصوص), و غيرهما, ممن عالجوا و بحثوا إلا حسني النية و إن لم يوفقوا كل التوفيق, و كان الاستنتاج الذي ذهب إليه الأستاذ(الشريف) هو المعقول بل هو الحقيقة بأن عنصراً سيئاً من غير العرب هو الذي انشرح صدره للدس و التفريق بين الملة الواحدة.

و جلاء لما لا يزال مبهماً و توضيحاً لكل أشكال لماذا لا يكون مؤلف كهذا و مؤلف كصاحبه قد أسدى خدمة فعالة للمجتمع الإسلامي عندما يجمع إليه أحد شرايينه النابضة, و ينطلق برأس قلمه كما ينطلق السهم فيطفئ عيون الحاسدين و يترك أصحاب الأغراض و الغايات يتحرقون بنيران فشلهم و حقدهم و غيظهم.

أنا لا أقرظ هذا الكتاب لما فيه من بحث مستفيض فحسب, و إنما أقرظه أيضاً لما فيه من جرأة و لما في باطنه من مجهود للتعبير الصريح عن حقيقة هؤلاء القوم, و التدليل على صادق ما يدينون و ما يعتقدون و ما يتمذهبون.

  و إذا كان قد أرخ و على قلة ما هناك في هذا الموضوع من مصادر فقد استطاع أن يلم بأكبر قسط ممكن في هذا الباب,لأن المؤرخين كما أسلفت لم يعنوا فيما يتعلق بالعلويين إلا بما هو مسيء إليهم, أما من النواحي الأخرى فلم يتعرض لهم مؤرخ قط و هذا من أكبر الأسباب التي تجعلنا نعتقد أن البلاء من التاريخ, التاريخ الجائر الظالم, و أرجو أن يتدبر القراء هذا الكتاب فيغوصوا إلى أعماق الغاية من وضعه و عندئذ لا نشكو نحن و لا صاحبه من قلة الإنصاف.

و لابد لي قبل أن أختم كلمتي هذه من أن أمر على القراء مروراً سريعاً بلمحة و جيزة عن تاريخ حياة هذا المؤلف, فقد وُلد في قرية الزللو من أعمال بانياس الساحل, ليومين مضيا من غرة شوال المبارك سنة(1330هـ) الموافق للواحد و الثلاثين من شهر آب سنة(1912م), من أبوين عربيين صالحين ربياه التربية التي يعرفها من ورع و تقوى و تديّن, و قد تعهده والده الكريم و أحاطه بالعناية(لما توسمه فيه من النجابة) فعلمه القرآن الكريم و الخط  و الآداب العامة, و قد عهد أيضاً إلى أحد الشيوخ العارفين بتعليمه الفرائض و الآداب الدينية فانصرف إليها و أكب على مطالعة ما تيسر منها.

و قد وجد في نفسه ميلا إليها فوقف أكثر مطالعاته عليها بعد أن تزود من كتب اللغة و الآداب ما فيه كفايته, و انصرف إلى الشعر فنظم في مختلف أنواعه و أجاد, إلا أنه في الآونة الأخيرة وقف نفسه على العلم و البحث و خاصة ما يتعلق في أصول المذهب الجعفري فنبغ فيه نبوغاً ملحوظاً و ألــَّف به كتاباً سماه(المختصر الجامع) و هو جامع لكل ما يريده طالبوا هذا المذهب و مريدوه, كما أنه لم يقف عند هذا الحد من الجهد المتواصل فقد شاهدته يتنقل بين القرى المجاورة(دون مقابل و لا غرض إلا خدمة العلم و أداء الواجب) يقيم في أهلها الصلاة و يلقي المحاضرات التأديبية و يبث فيهم روح الدين و يحضهم على المحبة و الألفة و الإخاء, كما أني حضرته أكثر من مرة في مدينة بانياس الساحل يخطب الجمعة في المصلين و كانت خطبه كلها توجيهية تدعو إلى نبذ الأحقاد و الضغائن و إلى تأليف الكلمة و لمّ الشعث و ترك العنعنات الطائفية و العشائرية و ما إلى ذلك من أمور.

هذا بعض ما أعرفه عن هذا المؤلف الفاضل و هو قليل من كثير, و نسأل الله أن يقيض لهذه الفرقة المسلمة الكثير من أمثاله الداعين إلى الإخلاص و الهدى و السداد.

                                                     أحمد علي حسن

 

رأي الأستاذ الكبير و المربي القدير الأستاذ(صالح علي صالح) في كتابنا(النبأ اليقين) توضحه هذه الرسالة

 

سيادة الأخ الفاضل الشيخ محمود الصالح المحترم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته, و بعد:

يسرني أن أنقل إليكم إعجابي بسفركم عن(العلويين) فقد أعجبت باستقصاء حوادثه التاريخية بتجرد و أمانة, و بإيرادها إيراداً صحيحاً منسقاً لا يجد الناقد ثغرة ينفذ منها إليه, بالإضافة إلى أنكم سددتم فراغاً طالما شغل عقول كبار مفكري العلويين, و لأمر ما لم يلج بابه منهم أحد بدراسة تفصيلية أو تأليف ناجع, و ما من شك أنكم وفقتم توفيقاً وثيقاً بعرض تاريخ هذه الفرقة الإسلامية العريقة بعروبتها, الأصلية بتدنيها, في حقبة من الزمن ليست باليسيرة, في حقبة اكتنفهم فيها الغموض و النكبات و تقاذفتهم الأهواء السياسية و ران على عقولهم الجهل و خيّم عليهم الفقر فساءت حالهم و امتهنت كرامتهم و رموا بالزندقة و الشرك حتى قيض الله رجالاً صالحين من مفكريهم عمر قلوبهم الإيمان, و غمرهم بفيض من التقوى و العرفان فتعهدوا بالتوجيه الديني الصحيح, و الإرشاد الثقافي الحكيم, فحافظوا على كيانهم نوعاً ما, و ثبتوا في المعركة ثبوتاً مقبولا, و إن كانوا لا يزالون في مراحل مؤلمة من التأخر عن ركب الحضارة.

أما أسلوبكم في الكتابة فقد انتظمه التعبير الجزل و البيان الرفيع و الإيجاز البليغ, فأضفيتم على الصورة الحية, متعة الأدب و كياسته, فبارك الله بكم و سدد خطاكم.

 

                                                    المخلص

                                               صالح علي صالح

 

 

   * * * * * *

                    بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى, استشهد العقول على قدمه بحدوث خلقه و على قدرته بعجز ما سواه,و الصلاة و السلام على عباده الذين اصطفى لهداية خلقه و إبلاغ وحيه, و على أقربهم منه و أحبهم إليه, سيدنا  و نبينا محمد صلى الله عليه و آله أئمة الهدى من أهل البيت العترة المطهرة, المعصومين البررة, و على المستضيئين بأنوار هدايتهم و المستمسكين بحبل ولائهم إلى يوم الدين.

أما بعد, لقد تطلعت في صفحة لوجود إلى ما وراء الحاضر, فتبينت بعد تمعن و إعمال فكر و روية أن الفرقة العربية المسلمة العلوية, قد رمتها في ظلمات الأجيال الغابرة ألسنة المفترين و أقلامهم بشتى التهم و الافتراءات, تمشياً مع مصالح ساسة تلك العصور و أهوائهم.

و أشد ما يؤلم الضمائر الحية و يحز في النفوس الحرة إن كان شر ما لقيته باسم الدين, و الدين من ذلك براء, و إنما هو اعتداء سافر على الدين و أهله, أصدره بعض المتجرين بالدين فتيا باطلة ظالمة, كان مقتضاه ما حاق بهذه الفرقة من تقتيل و تخريب و تشريد, مما حدا بها إلى الانطواء على ذاتها قروناً طوالا تفادياً من مآسي تلك العصور الرهيبة.

فدفعني حب الانتصار للحق المهيض و الرغبة في إظهار الحقيقة المعماة لتأليف هذه العجالة, و سميتها(النبأ اليقين) عن العلويين, متناولاً فيها بإيجاز أوضاعهم في شتى مراحل حياتهم, و مفصحاً عن مشكل تلك التهم المفتراة عليهم, مع علمي بخطورة هذه السبيل و وعورة هذا المسلك, لقلة مصادر ما أنا في صدده, إذ أن التاريخ- و لا ريب- حليف المنتصر,و لكني اتكالاً على سعة مفاهيم مفكري هذا العصر الحر, و اعتماداً على وعي الجيل الحاضر أقدمت عليه واضعاً بين يدي الجمهور الكريم حقيقة العلويين بهيكلها الذاتي, عارية من كل طلاء و مجردة من كل زيف, مستنداً على ما وصلني من مصادر خطية و سماعية, يقرها النقل و يقبلها العقل, و لا أدعي من العلم بلوغ المنزلة التي تصبو إليها نفسي و يطمئن لها قلبي.

و أعظم الغرض و أشرف الغاية مما أكتبه عن هذه الفرقة العربية المسلمة, رفع أغشية الجهل بها عن المسلمين, كي يستوضح الحق أهله و تمحي صور الغدر لمنكريه, و أغلى من ذلك رجاء حصول الوئام بين فرق الإسلام, لأدفع الظلم و المفتريات عن العلويين, بل الدعوة إلى توحيد الكلمة و جمع فرق الأمة تلك هي الغاية من وضع هذا الكتاب.

و إني لأرجو من وقف عليه من أهل البصائر النفاذة و الضمائر الحية حمل ما يقصر عن معرفته و تعريفه فهمي,و يضيق بالتعبير عنه ذرعي, على حسن نيته, مهيباً بضميره الحي و خلقه السمح إلى التلطف بإرشادي إلى مواضع الشطط لأتدبرها في طبعة ثانية,و الله تعالى أسـأل العصمة من خطل القول و زلة القلم, و أن يجعل ما أكتبه خدمة للعلم و الحق, مسدداً بالرأي الصواب و القول الصدق, و الله من وراء القصد, عليه توكلت و إليه أنيب.

                                                المؤلف

 

  

                   توطئة و تمهيد

لم تكن في العلويين كتابة خاصة تفيد الفائدة المرجوة عن تاريخهم و الأدوار التي مرت بهم, و إذا وجد عنهم بعض النتف المبعثرة فقلما تكون الحقيقة ذاتها, لأن التحامل السياسي كان يطبع صور الحوادث بطابع خاص منطبق ضرورة على نزعات الساسة و أهوائهم, مما جعل التاريخ يعمي الحقيقة أو يغمض فيها.

و المتأمل المنصف يرى بثاقب بصره و نفاذ بصيرته ما ذاق العلويون في ماضيهم الرهيب من ألوان العسف و ضروبه, و يعاين ما عانوه في مراحل حياتهم الغابرة من مظالم سلبتهم حق مركزهم في الهيئة الاجتماعية, و لكنها ما استطاعت و لن تستطيع أن تسلبهم تراثهم الخالد(عروبتهم ودينهم) .

فالعلويون عرب لا شك في عروبتهم من رزق حسن الانتفاع بالاطلاع على مضامين السير و التاريخ, و استفاد من معرفة ما تحققه أقوالهم و أفعالهم من جميل الصفات في العرب الأكرمين, إذ تبين- و لا ريب- من متابعة مجريات أوضاعهم و أحوالهم أنهم رغم ما نزل بهم من كوارث و ألمّ بهم من مظالم كانوا و ما زالوا يحتفظون بكل ما تصدق عليه مفاهيم العروبة الإسلامية من أخلاق و خلائق, و عادات و تقاليد, و حسبهم بينة على أصالة دمهم العربي أنسابهم المنتهية بالتنوخي, و الغساني, و الكندي, و الطائي, و التغلبي, و غيره, و كفى بها شاهداً عدلاً لثبوت عروبتهم و دحض أكاذيب المرجفين المغرضين.

هاجر العلويون إلى هذه البلاد من مختلف أنحاء الجزيرة العربية مع من هاجر إليها من العرب قبل الإسلام و بعده فرادى و جماعات, انتجاعاً للكلأ و الماء, و لجوءاً إلى هذه المعاقل الحصينة من جور الطغمة الحاكمين غير العرب, فكانت هجرتهم سياسية و اقتصادية و على أكثر من دفعة واحدة, ذكر الأستاذ(منير الشريف) في كتابه(العلويون من هم و أين هم) فقال:

{ لم تكن هجرة العرب الذين سموا بالعلويين مؤخراً إلى جبالهم على مرة واحدة, بل على عدة مرات جماعات و أفراداً, وهجرتهم جماعات كانت على ست مرات على ما أعتقد, الهجرة الأولى, قبل المسيح و محمد(ص) و بين عهديهما, و الثانية, بعد محمد في عهد الفتح العربي الإسلامي, أي في سنة(13هـ) و (636م) و ما بعدها, و الثالثة, في القرن الخامس للهجرة بعد ظهور مذهب النصيرية و البلاء الذي صُب على الذين اعتنقوه و ذلك من قبل الحكام المسلمين غير العرب, و الرابعة, في أوائل القرن السابع للهجرة في زمن الأمير(حسن بن مكزون), و الخامسة, في النصف الثاني من القرن السابع للهجرة بعد الحملة الكسروانية سنة(1305م), و الهجرة السادسة, كانت عند اجتياح(ياوز سلطان سليم التركي) للبلاد, سنة(923هـ) و (1516م), و بين هذه الهجرات العامة كانوا يهاجرون أفراداً إلى الجبل طلباً للرزق أو هرباً من الضغط و العذاب للاحتماء بأبناء طائفتهم هناك}انتهى.

و لقد فصّل العلامة المطران(دبس) في كتابه(الجامع المفصل) و أوضح المؤرخ(عيسى اسكندر المعلوف) في كتابه(دواني القطوف) ما حدث لعلويي لبنان في حوادث سنة(1305م) و هجرة بعضهم إلى جبال اللاذقية و إنطاكية, احتماء بإخوانهم فيها من عوادي رجال(محمد بن قلاون من سلاطين المماليك البحرية) و قد أمرهم بإبادة الطوائف الشيعية في جبال

(كسروان) من لبنان, إذ كانوا أصحاب البلاد آنئذ.

استوطن العلويون هذه البلاد قديماً و اتخذوا الإسلام الحنيف ديناً, و ولاء آل البيت الطاهرين مذهباً, و لوجود فجوة من جفاء بين المسلمين العرب بسبب الفارق المذهبي السني و الشيعي, وجد اللامسلمون و دخلاء الإسلام من الشعوبيين مغمزاً لبث مفاسدهم في جسم الوحدة الإسلامية, فعملوا على إيجاد ثغرة أبعد مدى و أقرب هلكة, ينفذون منها إلى نيل غاياتهم و يبسطون بها سلطانهم,فسلك بعض الدخلاء مذهب التشيع, و انتحى بعضهم مذهب التسنن, مظهراً كل منهم تمسكه بمذهبه الذي انتحله و تعلقه الشديد به, و كلهم معاول هدامة في بناء وحدة الأمة, و عن هذه الطريقة تمكن أولئك الانتهازيون من نفث سموم التفرقة و زرع بذور الشقاق, فانهال بعض المسلمين على بعض بأقسى قوارص التهم التي لا تزال بقاياها مستحكمة في عقول الجهلة, و مصطنعة في نفوس المرتزقة و المغرضين, و كم بين هؤلاء و أولئك من يظن بالعلويين و يحوك لهم من نسيج الأباطيل ما تضيق به نفوسهم و أحسامهم, فيخرج بهم عن رقبة الإسلام معتمداً على قلة وجود الجوامع في أوساط قراهم, و هو يجهل أو يتجاهل الأسباب التي حدت بهم إلى التقاعس عن القيام بواجبهم الديني و إعلان شعائرهم الإسلامية على الوجه الأكمل, و لكن المتحرر من آثار التعصب الأثيم الواقف على سير أوضاعهم المؤلمة يعلم يقيناً مبلغ تمسكهم بأحكام الدين الحنيف و أخذهم بتعاليم الشريعة الغراء, و يشهد على ضوء الحقيقة بإسلامهم و إيمانهم, إذ أي المنصفين تتبع الحوادث التاريخية و وقف على التشريد المرير الذي أعقبه فيهم مجازر السلطان(سليم العثماني) الرهيبة و لا يدرك الحقيقة الراهنة التي حالت بينهم و بين بنائهم الجوامع و قيامهم بالشعائر العلنية, تلك الفظائع المنكرة التي يندى لها جبين الإنسانية خجلا و حياء, و التي درج عليها ولاة الأمر بعده و كفل إحياءها في النفوس ساسة تلك العصور المظلمة الذين فتحوا آذانهم لاستماع أكاذيب الدساسين, من لا هم لهم إلا إذكاء الفتنة في صدور الأمة فقصفوا بأبعاد العلويين عن حظيرة المجتمع, و ألزموهم نكران ذواتهم بما ألحقوه بهم من عواد و مقتريات, حتى أن أحدهم كان لا يستطيع الظهور على مسرح الحياة معلناً تشيعه, و لا ذنب لهم إلا صدق ولائهم لأئمتهم الطاهرين(ع) و إلا أصالة دمهم العربي أراد أولئك الشعوبيين تقديمه قرباناً على مذبح العنصرية إرضاء لعواطفهم الحقيرة, و لم يكن العلويون وحدهم غاية أولئك الجائرين بل العنصر العربي كله, و لكن العلويين أمسوا كبش المحرقة, فقد أرغموهم بما ألحقوه بهم على كتمان ولائهم و سموا ذلك باطنية إسكاتاً لإخوانهم العرب عامة على التنكيل بهم, و اتخذوا من صدق حبهم و محض ولائهم لأئمتهم المعصومين حافزاً لإخوانهم اللاشيعيين خاصة على النيل منهم, و ما نقموا منهم إلا أن آمنوا بعروبتهم و حق آل بيت نبيهم, و تمسكوا بحبل ولائهم.

ذلك الولاء الذي أسرف أعداؤه إلحاق الأذى بالأبرياء من أنصاره, و أفرط أهل البدع بالدس على الخلصاء من تابعيه, و بديهي أن يكون العلويون و هم من أوليائه المخلصين بعض ضحايا أولئك المعتدين المفترين, الذين تفننوا بأساليب الكيد لهم و الانتقام منهم, فلفقوا عليهم التهم و اختلقوا عليهم الأكاذيب, و اتخذوا من باطل ما نخروه عليهم ذريعة للإيقاع بهم,و لم تكن تلك الدسائس المحوكة و المكايد المدبرة التي أحكم فتل حبالها المغرضون, إلا خطة مرسومة غايتها تجريح العلويين في معتقداتهم ليستحيل عند الاعتداء عليهم وجود من يرحمهم في الأمة أو يرثي لهم.

و غير خفي أن الطعن في معتقد الفئة المناوئة لأصحاب السلطان كان في تلك العصور من الأساليب السياسية المبررة لأعمالهم الوحشية فيها و سوء معاملتهم إياها.

و هكذا فقد دس في أوساط العلويين تنفيذاً لخطة الطعن و التجريح مرجفون من غواة الفرق البائدة التي من الظلم نسبتها إلى الشيعة, ممن يسمونهم غلاة الشيعة, الذين آن لرقعة الأرض أن تتخلص منهم فلا أحسب أن فيها اليوم منهم أحداً, و لم يأن للشيعة و خاصة(العلويين) أن يتخلصوا من وباء ادعائهم و فساد آرائهم, و أن يخلصوا من أرجاف منافقيهم الذين تسنى لهم تخلل صفوف العلويين و الامتزاج بهم, خلال ما مروا به من مراحل شاقة و تجارب قاسية, و ساعد أولئك المرجفين تقهقر العلويين في ميدان الثقافة و الاجتماع على إتمام فكرتهم الخبيثة و القيام بدعوتهم السيئة كما أرادها لهم أئمة الجور و قادة الفتن.و ما أصدق ما علله عن واقع الشيعة الراهن فضيلة الشيخ(محمد جواد مغنية) رئيس المحكمة الشرعية الجعفرية في بيروت في كتابه(علي و القرآن) حيث يقول:

{وغريبة الغرائب أن كل شيء في الدنيا قد تغير إلا الكذب على الشيعة و الافتراء على مذهب التشيع, منذ زمن مضى و انقضى كتب شيخ سوء أو فقيه شر, أن الشيعة بما فيهم الإمامية يغالون بعلي, أنهم أخذوا دينهم عن ابن سبأ اليهودي, رمى هذا المفتري رميته و مضى, و لكن بعد أن شق طريق الضلال و التضليل, و إليك ملخص القصة لهذا الافتراء و السبب الباعث عليه, كان الشيعة يثورون على حكام الجور إخلاصاً لدينهم و أمتهم, و كان هؤلاء ينعتونهم بالزندقية و المروق من الدين, لأنهم لا يدينون لهم بالولاء تماماً, كما يتهم بعض حكام هذا العصر القوي التحررية بالشغب و التخريب, و إذا وجدت السلطات المعتدية في عصر النور صحفاً مأجورة تساندها و تنعت الحزب المعارض بأقبح النعوت تزلفاً و طمعاً, فبالأحرى أن تجد في عصر الظلمات من يضع لها الكتب و المؤلفات في تكفير الشيعة, هكذا فعلوا تماماً كما يفعلون اليوم.

لقد اشترى السفاكون من أرباب الأقلام دينهم و ضمائرهم ليقولوا على الأبرياء الأقاويل, و يعلم كل من البائع و المشتري أنه مفتر كذاب, و جاء المتأخر فرأى الكلمة المطبوعة(للسلف الصالح) فقدسها و ركع لها و سجد دون تمحيص و تحقيق, و أخذ يرددها فكرة و أسلوباً بل نقلها بالحرف الواحد كأنها وحي منزل.

إن العالم المنصف إذا تكلم عما تدين به طائفة من الطوائف اعتمد على الكتب المعتبرة عندها, و ما ثبت من مذهبها, أما النقل عن خصومها, و بخاصة خصومة العقيدة و المذهب فهو تماماً كالحكم على المدعى بمجرد إقامة الدعوى و قبل الاستماع إلى الشهود و البينات}انتهى.

و من المسلم به أن الحكم على المعتقدات صحة أو فساداً من أقوال غير أصحابها ظلم صريح لا تقبله العقول السليمة و لا ترضاه النفوس الحرة, و من تدبر بحكمته حكم أولئك الجائرين على معتقد العلويين تبينه من هذا الباب لبنائه على تقول غيرهم فيهم لا على ما قالوه في أنفسهم, فإن الذين يكتبون عنهم يأخذون  في الغالب ما يكتبون عمن لا صلة لهم بمعرفة مذهبهم و أحوالهم كالشهرستاني,و ابن تيمية, و ابن حزم, و أمثالهم, و من زعم من كتاب العصر أنه أسدى إليهم معروفاً فتوسع بمعرفتهم و بالبحث و التنقيب عنهم رجع إلى كتب الغربيين و كتبة الأجانب, كالكاتبين الفرنسيين,الكاتبين (بييرمي) في كتابه(العلويون) و الكولونيل(بول جاكو) في كتابه(دولة العلويين) و غيرهما من المستشرقين رجال الدس و الفساد.

و هل في المستشرقين من يكتب عن المسلمين إلا و يرمي إلى أحد غرضين أو إليهما معاً, أحدهما ديني, و غايته إقامة الشبهات حول معتقدات بعض الفرق الإسلامية حملاً للبعض الآخر على كراهتهم و الإساءة إليهم, و إضعافاً للملكات العقائدية فيهم, ليتسنى للمبشرين الوصول إلى عقول بسطاء الأمة و سذاجها, و ثانيهما استعماري, و غايته بعث الضعف و الوهن في نفوس العرب و المسلمين و بث روح التجزئة و الانقسام فيهم, تصديعاً لكيان بناء وحدتهم, و تبديداً لشمل كلمتهم, ليتمكن الاستعمار من التغلغل في صفوفهم و الشيوع في أقطارهم و بسط نفوذه عليهم و تحكمه بمرافق بلادهم, و على كلا الحالين و بقدر اتساع شقة الخلاف في العرب و المسلمين ينفسح المجال أمام المستعمرين و المبشرين.

و كم في علماء المسلمين و كتابهم من يغفل أو يتغافل عن رؤية هذه الحقيقة الصارخة بسوء غاية أولئك المستشرقين, فيعتبر ما يقرأ في كتبهم و مقالاتهم عن العلويين حقاً مبيناً لا معدى عنه و لا محيد, و يتخذه حجة قاطعة ترغمهم على الاعتراف بصحة ذلك القول الزور و الإقرار بوجود ما ليس بموجود, و لا يخطر على بال أحد أولئك الكتبة و الباحثين الرجوع إلى أقوال علماء العلويين و كتابهم, و العدالة الإنسانية تأبى إلا الأخذ بقاعدة(المرء مأخوذ بإقراره), و ها هم رجال الدين في العلويين- و ما أكثرهم – كتاباً و شعراء فهل يشهد على أحدهم قلمه أو لسانه بغير الإسلام و الإيمان رغم كثرة ما كتبوا و ما يكتبون, و لزاماً على من يود استجلاء غوامض الأحكام في العقائد أن يتبينها من أقلام ذويها.

و لا معول على ما يرى في بعض مصنفات علماء العلويين القديمة مما يتنافى- و محض اعتقادهم بتوحيد الله, و لا يصح أن يعتبر دليلا على إدانتهم بما دسته يدج الإرجاف و الإجحاف في حقول مؤلفاتهم من تهم يعرفها الجميع أنها من مخلفات العصور الحالكة التي مرت بهم, و من مولدات غلاة الشيعة الذين أتاحت لهم ظلمات تلك الأجيال أن يجوسوا خلال ديارهم و يملؤها عليهم بدعاً و أضاليل كما تقدم.

و نحن على ثقة أن ما من منصف يتقصى آثار هذه الفئة العربية المسلمة بتأمل و روية, و يتعمق بدراسة ما يصله من مصنفاتها و أخبارها إلى حد يمكنه من التمييز بين أصيل الأقوال و دخيلها,إلا استبيان وجه الحق فيما يسمع و يرى, و ألزمه وجدانه الحكم لا ببراءة علمائها مما لفق عليهم من تهم فحسب,بل بالذود عن حقهم المغموط و مكانتهم المسلوبة و كرامتهم التي عمل المبطلون للغض منها و العفاء عليها.

و لا يعزب عمن جعل الإنصاف رائده ما حاق بهذه الفرقة في الأيام الخالية من عنت المسؤولين الذين وهبوا آذانهم للوشاة و المفسدين, و جعلوا أنفسهم و قواهم أداة طيعة لمشيئة المرجفين الذين مردوا على النفاق يوردونها من شاؤوا و يصدرونها عمن شاؤوا, دون وازع من ضمير و لا رقابة من وجدان.

و بعد إلفات نظر عقلاء الأمة إلى هذه النواحي الهامة من حياة العلويين, فإنا نطلب إلى المتصدين للحكم في معتقداتهم الأناة و الرفق في نفوسهم و في إخوانهم, و الأمانة و الإخلاص للحق و العدالة قبل إصدار أحكامهم التي و لا ريب, ستكون آنذاك إلى جانب الحق الذي ما زال ينتهج شرعته العلويون, إذ هل عليهم في الدين من حرج و في المجتمع من غضاضة بانتهاج مذهب أئمة الحق أهل بيت الحكمة و مهبط الوحي و مختلف الملائكة, و ماذا عليهم إن اعتقدوا ما أثبت جهابذة العلم و أئمة الفقه و ثقات الحديث كعلاّمة المعتزلة,ابن أبي الحديد, و الإمام أحمد, و الشيخ البحراني, و غيرهم, مما آتى الله سبحانه, أمير المؤمنين(الإمام علياً) عليه السلام, من المعاجز و الكرامات,و أعطاه من علم القضايا و المنايا,كالأحكام الواردة في الفصل الثالث و الخمسين من كتاب(قضاء أمير المؤمنين) للعلامة المحقق الشيخ(محمد تقي) التستري, و ما إلى ذلك من فضائل جمة كمثير عدها دقيق فهمها, تلك الفضائل التي يسوء كارهيها نشرها و يأبون إلا الإساءة إلى معتقديها و الطعن على المحدثين بها.

و حسب تلك الفضائل و الكرامات أن تجري على لسان علوي جاهل لا قدرة له على تعليل أسبابها و لا معرفة له بوجوه الحكمة فيها حتى ترتفع أصوات المعرضين بالنكير عليه مدوية بتكفيره, و يتخذوا من انتسابه إلى العلويين دليلاً على تفريطهم جميعاً, و من قصر فهمه مسوغاً لتسفيه أحلامهم كافه, و هم على يقين أن ما من عالم في العلويين و لا عاقل و لا مفكر يعدل بخالقه مخلوقاً أو يشرك بربه أحداً, و لكنها العصبية البغيضة و الحقد المشبوب في صدور الذين يحبون أن يأكلوا لحم أخيهم ميتاً.

و من مزيج الجهل و الضغينة في هؤلاء و أولئك تكونت فكرة الافتراء الأثيم على العلويين, و انطلقت أسهم الفتك و التجريح في نفوسهم و معتقداتهم, و هبت عليهم أعاصير الظلم الصريح حتى كادت تودي بهم.

و من تحرى ملابسات التهم الملفقة على هذه الفرقة و وصل إلى أعماق الغاية منها, علم يقيناً أنها وليدة الرئاسة و رضيعة الساسة, أحكم وضعها المرجفون و تعاهد نموها المغرضون, و من تملقها بعين بصيرته بدت له مكسوة إلا بالحق و الصدق, عارية إلا من الظلم و الافتراء,(و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).

و أن أثقل ما رزح و يرزح تحته العلويون عبء ما افتراه عليهم أصحاب الأغراض الخبيثة من أفاعيل ادعيائهم الذين كتب لهم الحظ بتسميتهم علويين و هم أداة هدم في بناء هذا الصرح المجيد,و صورة قبيحة عن هذه الفرقة المسلمة المؤمنة يتعمد- نقلها إلى العالم- الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا, بالإضافة إلى ما ألقاه أولئك الأئمة على العلويين من تبعات جهالهم و سذاجهم, الذين قصرت عقولهم و عيّث إفهامهم عن إدراك ما أفاض به العلماء و الفقهاء و المحدثون من ذكر معاجز الإمام علي(ع) التي يستحيل أن يأتي بمثلها إلا من أمده الله بعنايته و أيده بروح منه,و ما دوى من صرير أقلامهم في أذن الأجيال ناطقاً بفضله و معلناً وقوف العقول حائرة دون مقامه, فمن تلك الأقوال المستفيضة ما ينسب إلى الإمام الشافعي و قد ثبت لديه ما اطلع عليه من مناقب خارجة عن المألوف من طاقة الإنسان قوله: قيل للصاحب بن عباد, و الصاحب بن عباد هو من بين قادة الفكر و رجال العلم و الأدب:

قيل لي قل في علي المرتضي                مدحاً تطفئ ناراً موقــــده

قلت هل أمدح من في فضلــــه               حار ذو اللب إلى أن عبده

و هذا علامة المعتزلة ابن أبي الحديد يقول في ذلك و ما أكثر ما يقول:

هو الآية العظمى و مستنبط الهدى       و حيرة أرباب النهى و البصائر

 

 

إلى قوله:

صفاتــــــــك اسماء و ذاتك جـــوهر     بريء المعالي من صفات الجوهر

يجل عن الأعراض و الأين و المتى      و يكـبر عن تشبيهه بالعناصــــــر

و قد يبالغ بالتعبير فيبلغ به الأمر حد العذر لمن شك بمربوبيته فيقول:

تقيلت أفعال الربوبية التي          عذرت بها من شك أنك مربوب

إلى غير ذلك من أقوال صدع أصحابها بها بفضل أمير المؤمنين(ع) فصدعوا بها الألباب الثاقبة فضلا عن العقول القاصرة.

و من المناقب الخارجة عن المألوف من طاقة الإنسان:

إخباره بالمغيبات كقوله لما عزم على هرب الخوارج و قيل له أن القوم قد عبروا جسر النهروان(مصارعهم دون النطفة, و الله لا يفلت منهم عشرة و لا يهلك منهم عشرة) و تفصيل ذلك في المجلد الأول من شرح النهج الحديدي, صفحة (560) و ما بعدها, و صفحة(253) و ما بعدها, و منها, ردة الشمس, و في إثبات ذلك جاء في المجلد الأول من شرح النهج الحديدي صفحة(350) ما نصه: حدث عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة الثقفي عن أبيه عن عبد خير,قال كنت مع علي أسير في أرض بابل,و حضرت صلاة العصر فجعلنا لا نأتي مكاناً إلا رأيناه أقبح من الآخر حتى أتينا على مكان أحسن ما رأيناه و قد كادت الشمس أن تغيب, قال فنزل علي(ع) فنزلت معه قال: فدعا الله فرجعت الشمس.

 

و في ذلك يقول العلامة ابن أبي الحديد:

يا من له ردت ذكاء و لم يفز        بنظيرها من قبل إلا يوشع

و رب قائل: لو ردت الشمس لاختل نظام الكون و اضطرب عدد السنين و الحساب, فنقول له: إن من يمسك السموات و الأرض أن تزولا لقوي على حفظ توازن الكون من الاختلال إذ يرد الشمس تكريماً لمن أمده بعنايته, و إن من نادى كليمه في النار من الشجرة و حال دون احتراق الشجرة بالنار, و من جعل العصا لموسى حية تسعى و أعادها سيرتها الأولى لهو القادر على عدد السنين و الحساب من الاضطراب, إذ يرد الشمس تعظيماً لمن أيده بروح منه(و هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيدوه و هو أهون عليه) و من البديهي, أن المعجزة لا تكون معجزة إلا بخرقها للنظام الطبيعي و مغايرتها للمألوف الكوني, و منها, قلع باب خيبر و قد كان يعجز الأشداء الكثر هزه فضلا عن قلعه و ريه في الهواء, و قد قال أمير المؤمنين(ع) {والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدية بل بقوة إلهية} و في قلع الباب يقول ابن أبي الحديد(يا قالع الباب الذي عن هزه عجزت أكف أربعون و أربع) إلى ما لا يحصيه قلمي من مناقب نمسك عنها إيجازاً و نحيل المستزيد إلى كتب السير و الحديث.

و إني إذ ألفت سمع القارئ الكريم و بصره إلى أمثال هذه أرسلها من لاشك في دينهم و معتقدهم أناشيد مجلجلة في مسمع الكون يتغنى بها الزمان و الخلود, فإني أطلب إلى إنصافه و ضميره النظر بعين بصيرته, إذا كان أولئك الأعلام من علماء الأمة أعلنوا حيرتهم في هذه الشخصية الفذة, و وقفت حيالها عقولهم جامدة, فما حال متدين بسيط من أبناء هذه الفئة التي مزقتها سياسة الجور كل ممزق, و باعدت بينها و بين المدينة و الاجتماع, فتفشى فيها الجهل و الأمية,و سادها الانكمـاش و الخمول, ألا يحسن بالمنصف و قد أدرك عجز عقول بسطاء هذه الفرقة عن تعليل ما تخطى أسماعهم و امتلك عليهم أفئدتهم من أقوال أولئك العلماء و أمثالهم في أمير المؤمنين(ع), أن يعذرهم على حيرتهم و ضعف مداركهم عن التمييز بين القصد في الولاء و الإفراط فيه.

و هم إذ كانوا يطلقون أعنة ألسنتهم بالتعبير عما انعقدت عليه قلوبهم من حب خالص و ولاء محض لأئمتهم المعصومين صلوات الله عليهم و يفيضون بذكر معاجزهم و كراماتهم حتى كاد يكون ذلك الحب و هاتيك الإفاضة ضرباً من العبادة كانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعاً لجهلهم نتائج هذا السرف و الإفراط .

أما و قد سطع نور العلم و ارتفع لواء الحرية و خرج أبناء هذه الفئة العربية من عزلتهم لينتظموا في سلك إخوانهم العرب تحت راية العروبة, و يتبؤوا مقعدهم تحت الشمس مع إخوانهم المسلمين, فليس فيهم مسرف في حبه أو مبذر في ولائه, و إذا وجد في أوساطهم أو بين أكنافهم من هذا شأنه فهو- ولا ريب- دخيل عليهم أو من بعض أدعيائهم, و هم من إسرافه و تبذيره برءاء.

و حسب المسترسل في خيانة نفسه و إخوانه المتقول عليهم ما ليس فيهم قطعاً لعذره و دحضاً لحجته ما صدع به من الحق سماحة الإمام الحجة(محمد الحسين آل كاشف الغطاء) عطر الله رمسه, في كتابه(أصل الشيعة و أصولها) بعد أن أتى على بعض ما يقول كثير متصوفي الإسلام و مشاهير مشائخ الطرق و بعض فرق الشيعة غير الإمامية, إذ أعلن مسمعاً من له أذن واعية فقال:

(أما الشيعة الإمامية و أعني بهم جمهرة العراق و إيران, و ملايين المسلمين في الهند, و مئات الألوف في سوريا و الأفغان, فإن جميع تلك الطائفة من حيث كونها شيعة يبرؤون من تلك المقالات, و يعدونها من أشنع الكفر و الضلالات, و ليس دينهم إلا التوحيد المحض و تنزيه الخالق عن كل مشابهة للمخلوق أو ملابسة لهم في صفة من صفات النقض و الإمكان و التغير و الحدوث, و ما ينافي وجوب الوجود و القدم و الأزلية, إلى غير ذلك من التنزيه و التقديس المشحونة به مؤلفاتهم في الحكمة و الكلام) انتهى.

و لا أعتقد أن في عقلاء المسلمين من يخامره الشك أو يساوره الريب في سلامة دين هذه الفئة الإمامية(العلويين) و صحة معتقدهم, إلا أن يكون مغرضاً أو متأثراً بعامل التعصب البغيض, و هذان داء مجتمعنا و منبع بليتنا, و لا يصلح أن يداوي منهما من أصيب بأحدهما أو بكليهما, إلا بعد التثبت من شفاء قلبه مما قد أصيب به.

و من أولى مسألة الخلاف في الأمة حقها من العناية و التحميص رآها لا مسوغ لها و لا عذر للعاملين عليها, و إنها لسائرة بالجميع إلى مهاوي الذل و الهلكة.

و لقد حث المسلمين على الألفة و الاجتماع و حضهم على الإتحاد و الإخاء سماحة المغفور له, الإمام آية الله(السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي) في كتابه الذي صنفه خصيصاً لهذه الغاية و سماه(الفصول المهمة في تأليف الأمة) و ندبهم فيه إلى ما ألزمهم به الذكر الحكيم من الإخاء و الولاء.

(إنما المؤمنون إخوة)(و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض).

و استقى فيه حقيقة أسباب المنابذات و الشغب في حقل دنيا المسلمين و العرب, فخلص إلى الصريح اللباب منها و دعا إلى طرحها و التخلي عنها, فكان على رأيه(و لا غيره, إن من أهم الأسباب التي أثارت ريح الفتنة و الاضطراب, جرأة من اسماهم بقضاة الرشوة و علماء السوء على تبديل أحكام الله و استخفافهم في ما شرع سبحانه من حلال و حرام, فأفتوا بتكفير المؤمنين و وجوب قتل المسلمين, و استرقاق نسائهم و ذراريهم, نزولاً عند رغبة ملوك الجور تحسيناً لأفعالهم, أو طمعاً بما في أيدي ولاة الجنف تصحيحاً لأعمالهم, و في ذلك يقول في الفصل التاسع من(فصوله المهمة) صفحة(151) ما نصه: و لا غرو فإن علماء السوء و قضاة الرشوة يبدلون أحكام الله بالتافه, و يبيعون الأمة بالنزر القليل.

فقاتل الله الحرص على الدنيا, و قبح الله التهالك على الخسائس, ما أشد ضررهما و ما أفظع خطرهما, نبذ أولئك الدجالون حكم الله وراء ظهورهم طمعاً في الوظائف, و حكموا بما تقتضيه سياسة ملوكهم رغبة في المناصب, و أرجفوا في المؤمنين و فرقوا كلمة المسلمين, و لولاهم لتعارفت الأرواح و ائتلفت القلوب و امتزجت النفوس و اتحدت العزائم فلم يطمع بالمسلمين طامع, و لم يرمقهم من النواظر إلا بصر خاشع, و لكن و أسفاه استحوذ عليهم أولئك المفسدين الذين ينحرون دين الله في سبيل الوظائف و يضحون عباده في طلب القضاء و الإفتاء, فتنا كرت بفتاويهم وجوه المسلمين و تباينت بأراجيفهم رغائب الموحدين, حتى كان من تفرق آرائهم و تضارب أهوائهم ما تصاعدت به الزفرات و فاضت منه العبرات و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم,و قال في الصفحة(141) من الفصل و الكتاب ما نصه:

(فهلموا يا قومنا للنظر في سياستنا الحاضرة و عرجوا عما من شؤون السياسة الغابرة فإن الأحوال حرجة و المآزق ضيقة لا يناسبها نبش الدفائن و لا يليق بها إثارة الضغائن, و قد آن للمسلمين أن يلتفتوا إلى ما حل بهم من هذه المنابذات و المشاغبات التي غادرتهم طعمة الوحوش و فرائس الحشرات)

و لقد استعرض سماحة المغفور له الإمام الشيخ(محمد الحسين آل كاشف الغطاء) مواقف بعض علماء المسلمين و كتّابهم من بعض, و حذر من التمادي في هذه الخطة التي تجر إلى سوء العاقبة, فقال في مقدمة الطبعة الثانية لكتابه(أصل الشيعة و أصولها) تحت عنوان(كيف يتحد المسلمون).

(و هيهات أن يسعدوا ما لم يتحدوا, و هيهات أن يتحدوا ما لم يتساعدوا, فيا أيها المسلمون لا تبلغون الاتحاد الذي بلغ به آباؤكم ما بلغوا بتزويق الألفاظ و تنميق العبارات أو نشر الخطب و المقالات و ضجيج الصحف و عجيج الأقلام, و ليس الاتحاد ألفاظاً فارغة و أقوالاً بليغة و حكماً بالغة, مهما بلغت من أوج البلاغة وشأو الفصاحة, ملاك الاتحاد و حقيقة التوحيد هنا, صفاء نية, و إخلاص طوية, و أعمال جد و نشاط, إلى أن قال : الاتحاد أن يتبادل المسلمون المنافع, و يشتركوا في الفوائد, و يأخذوا بموازين القسط, و قوانين العدل, و نواميس النصف, فإذا كان في قطر من الأقطار كسوريا أو العراق طائفتان من المسلمين أو أكثر فالواجب أن يفترضوا جميعاً أنفسهم كأخوين شقيقين قد ورثا عن أبيهما داراً أو عقاراً فهم يقتسمونه عدلاً و يوزعونه قسطاً, و لا يستأثر فريق على  آخر فيستبد عليه بحظه و يشح عليه بحقه(و من يوق شيح نفسه فأولئك هم المفلحون) فتكون المنافع عامة, و المصالح في الكل مشاعة, و الأعمال على الجميع موزعة.

و ليس معنى الوحدة في الأمة أن يهضم أحد الفريقين حق الآخر فيصمت, و يتغلب عليه فيسكت, و لا من العدل أن يقال للمهضوم إذا طالب بحق أو دعا إلى عدل أنك مفرق أو مشاغب, بل ينظر إلى طلبه فإن كان حقاً نصروه و إن كان حيفاً أرشدوه و أقنعوه, و إلا جادلوه بالتي هي أحسن مجادلة الحميم لحميمه و الشقيق لشقيقه,لا بالشتائم و السباب, و المنابزة بالألقاب, فتحتدم نار  البغضاء بينهما حتى يكونا لها معاً حطباً, و يصبحا معاً للأجنبي لقمة سائغة و غنيمة باردة.

و بعد أن استعرض بعض من يغمزون بالشيعة و أئمتهم من كتّاب العصر و خوّف من مقابلتهم بالثل من الكتاب الآخرين, قال:

فلينظر عقلاء الفريقين إلى أين ينتهي حال المسلمين من هذه الهوة السحيقة و ما الثمرة و الفائدة من كل ذلك, إلى أن قال:

ينسى الكل أو يتناسى عدوهم الصميم الذي هو لهم بالمرصاد و الذي يريد سحق الكل و محو الجميع, و يبث بذور الشقاق بينهم ليضرب بعضهم ببعض و ينصب أشراك المكر لصيد الجميع, و لا يسلم المسلمون من هذه الأشراك المبثوثة لهم في كل سبيل حتى يتحدوا عملاً لا قولاً و جداً لا هزلاً) انتهى.

و إنّا إذ نتطرق في البحث موضوع كشف النقاب عن صورة العلويين لتبرز للملأ على حقيقتها, و إذ نتعرض لتزييف وجوه الافتراء عليهم لم يكن ذلك منا تحيزاً إلى فئة و لا جرياً وراء عاطفة, و لا لدفع الظلم عنهم و لا لفتح باب الجدل و الخصام, و لكن لرفع أغشية الجهل بهم عن الرأي العام فتلزم كلا حجته, أخذاً برأي القائل(إن ترك الافتراء كما هو دون دحض يقيم من شأنه و يبقى عليه) و القول الحق أن احتمال الأذى و الإغضاء على القذى في سبيل وحدة الكلمة و جمع فرق الأمة هو الأمة هو خير ثواباً و خير أملاً, و من خلال هذه السطور نناشد علماء المسلمين و كتَّابهم استخدام ألسنتهم و أقلامهم للمصلحة العامة و الدعوة إلى الكلمة الجامعة غير الفرقة بدلا من المشاكسة و المهاترة و تبديد الشمل و تمزيق الصفوف.

و ما أحوجنا نحن المسلمين و العرب جميعاً إلى العمل متحدين لتطهير بلادنا من رجس المستعمر العدو المشترك, الذي في كل قطر من أقطارنا حوت من حيتانه فاغر فاه يتربص بنا الدوائر(عليه دائرة السوء) و يغتنم تعدد نزعاتنا و أهوائنا فرصة للانقضاض علينا و ابتلاعنا عضواً فعصفوا.

و ما أولادنا نحن المسلمين بالمسارعة إلى الأخذ بما دعا إلى الإسلام أو دعا الإسلام إليه, ألا و هو الوحدة و الإخاء ضاربين بما سوى ذلك عرض الجدار.

و إذ نحن في صدد الكلام عن العلويين و بحث أوضاعهم و أحوالهم, فإنا نطلب إلى القارئ المنصف نظرة و لو عابرة بتجرد إلى الأدوار العصبية التي اجتازها العلويون في ماضيهم الرهيب ليرى كيف أنهم أرغموا على إنكار ذواتهم و كتمان ولائهم, مما شجع على قبول التقولات فيهم و تصديق المفتريات عليهم, و هل آلم من ذلك و قد ألم كله بهم في تلك العهود البائدة.

و إزاء ما منوا به من جور الحكام و سخط الرعية فقد استبدلوا بالجوامع زوايا يؤدون فريضة الصلاة فيها أو في بيوتهم, مولين وجوههم شطر المسجد الحرام, و ما كان ليزيدهم إهمال العالم المتمدن أمرهم و إسداله حجاب النسيان عليهم إلا إيماناً على إيمانهم و تمسكاً بخالص حبهم و ولائهم لأئمتهم المعصومين عليهم السلام.

و ها هو هؤلاء ما إن أفاء الله عليهم نعمة الحرية و شهدوا أنوار الإخاء و المساواة طالعة عليهم من ثنايا رائد القومية العربية(أمد الله ظله) متجسمة بمرسوم جمهوري يعلن سيادته فيه الاعتراف بالمذهب الجعفري في هذه الجمهورية الحبيبة, و ما إن عاينوا صورة التقريب و الوحدة يرسمها قلم الأستاذ الأكبر(أعلا الله مقامه) قراراً يقرر فيه تدريس مذهبهم الجعفري إلى جانب إخوته المذاهب الأربعة في الجامع الأزهر الشريف.

ما أن عاينوا ذلك و تحققوه حتى حطموا قيود العزلة و انفلتوا من عقال الانكماش و جروا في ميادين الانطلاق سراعاً لتشييد بيوت الله و إعلان شعائرهم الإسلامية وفق فقه مذهبهم, مرتفعة أصوات مؤذنيهم كل يوم و ليلة خمس مرات تشق عنان الفضاء بالتكبير لمن له الملك الكبير, و تنطلق حناجر خطبائهم في أيام الجمع و الأعياد بالثناء و الحمد له سبحانه و الابتهال إليه تعالى أن يمد ظلال هذا العهد الميمون و يديم حياة عملاقه الجبار خلوداً و بقاء, و يمنح العرب و المسلمين على يديه ما يصبون إليه.

ها هم العلويون يعلنون- و قد أذن لهم بالإعلان- من على رؤوس الإشهاد إقراراً بألسنتهم و اعتقاداً بأفئدتهم و عملا بجوارحهم بأنهم يبرأون إلى الله من أية عبادة ما سوى عبادة الله رب العالمين.

(ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله و ما نزل من الحق) فيطهروا نفوسهم من أضار الماضي الوبيء و ينقوا قلوبهم من جراثيم التعصب البغيض, فينظروا إلى أخيهم المسلم العلوي نظرة تتنافى و تلك النظرة الأولى إذ حسبنا جميعاً بالماضي عظة, نظرة تحول بينهم و بين التورط في نسبة الأضاليل و الأباطيل إلى إخوانهم في الدين, نظرة إخاء و صفاء, نظرة معرفة و اعتراف بأن العلوي هو بحمد الله ممن تأدب بآداب الإسلام و تمسك بتعاليم القرآن و وفر حظه من الإيمان و مكارم الأخلاق و لا يعتمد إلا على الكتاب و السنة و ضرورة العقل.

ألم يأن لنا نحن المسلمين و العرب جميعاً- و قد استضاءت عقول الأمم بأنوار الاكتشافات العلمية الجديدة, و اتجهت أبصار العالم إلى ما تحدثه أدمغة علمائهم في الكون من استخدام الذرة, واستنارت قلوب الشعوب بأضواء مصالحهم العامة- أن ندرك أن سر توقفنا عن مجاراة الأمم في ميادين التسابق العلمي و الحضارة العالمية, هو انصياعنا لأحكام النزعات و الأهواء التي أحكمها في نفوسنا دعاة التفرقة و الانقسام,فكانت طوال أجيال مضت و إلى وقت قريب شغلنا الشاغل عن التطلع إلى الحضارات و عاملا قوياً لإرساء قواعد المستعمر العدو الألد في بلادنا.

ألم يأن لنا أن ندرك هذه الحقيقة فنتدارك مغبة أمرنا بالوحدة و التضامن, تغلباً على إيثار الغلبة, و تطهيراً للنفوس من رجس الأنانية, و ضرباً على أيدي المرتزقة و المغرضين, و تحصيناً لبلادنا و مصالحنا من الخونة و المرجفين.

ألم يكف الأمة ما لقيت من قضاة الرشوة و شيوخ الزور و علماء السوء, دعاة الخلاف و الفتنة في الأمة, العاملين على تفكك أجزاء وحدتها و فصم عراها و تفريق جماعتها.

إلى متى هذا الإرجاف و فيم هذا الإجحاف, ألم يأن لنا أن نأخذ بالأمر الإلهي الصادع بالحق(و اعتصموا بحبل الله جميعاً و لا تفرقوا).(و لا تنازعوا فتفشلوا)(و لا تكونوا كالذين تفرقوا و اختلفوا من بعد ما جاءهم البينات و أولئك لهم عذاب عظيم)

(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا).

و بعد هذه الدعوة الصادقة إلى اتفاق الكلمة و اجتماع القلوب و اتحاد العزائم و إحكام الألفة في النفوس و تطهير الصدور من الأحقاد و الضغائن, و قبل أن أمسك قلمي الذي كاد يزلق فيخرج بي عن الغرض من هذا الموجز اعتذر من طول مقدمته و لئن طالت عما قدرت لها فلأني رأيتني مضطراً لأن أعرض فيها طائفة من الآراء قد لا أجد لها مكاناً خلال الأبحاث القادمة.

و لقد سبق في خطبة هذا الكتاب أن الغرض منه تقديم صورة العلويين الحقيقية هدية للجمهور الكريم, و لا أراني في عرضها إلا غنياً عن التحدث عنهم في العصرين الأموي و العباسي محيلا من شاءهم هناك إلى مراجعة كتب التاريخ.

أما ما ألزم نفسي بحثه فهو الكلام عنهم منذ قيام الدولة الحمدانية في حلب حتى فجر النهضة الحديثة, و رتبته على أربعة فصول و خاتمة متوخياً بذلك كله الإيجاز.

الفصل الأول: في تعريف العلوي

                     دين العلوي و مذهبه

                               معتقدات العلويين

                                       عادات العلويين     

الفصل الثاني: في ذكر بعض رجال الفكر القدماء في العلويين

الفصل الثالث: في الأدوار التاريخية التي تعاقبت على العلويين

الفصل الثالث: في نهضة العلويين

الخاتمة